الأحاديث الواردة في الصحة النفسية جمعا وتصنيفا ودراسة

ملخص الرسالة

الأحاديث الواردة في الصحة النفسية

جمعا وتصنيفا ودراسة

يأتي موضوع البحث، ضمن شمولية السنّة النبويّة لجوانب الحياة الإنسانية كلها، ومن هذه الجوانب التي أولتها السنّة كل عناية واهتمام موضوع الصحة النفسية، إذ يعتبر حفظ النفس من الضروريات التي يجب المحافظة عليها. ولذا جاء اختيار موضوع هذه الرسالة لإبراز هذا الجانب في السنّة النبويّة.

ومن أبرز أهداف البحث، هو محاولة الوصول إلى فهم دقيق للتصور الإسلامي للإنسان، ومعرفة وجهة نظر الإسلام في العوامل الرئيسية للشخصية السويّة والصحة النفسية، وأسباب الانحراف والشذوذ والمرض النفسي، والطرق السليمة لتعديل السلوك والعلاج النفسي، والوقاية من الأمراض النفسية، وأسباب سعادة الإنسان وأسباب شقائه، ومنهج الحياة الأمثل للإنسان - كما يتمثل في شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21]، لكي يعيش عيشة آمنة مطمئنة سعيدة.

لقد تم تقسيم البحث إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.

جاءت المقدمة للتعريف بالدراسة حيث بينت فيها مبررات اختيار الموضوع وأهميته، والدراسات السابقة ذات الصلة بالموضوع، ثم ذكرت حدود البحث، وبينت المنهجية التي سرت عليها في هذه الرسالة، وختمت هذه المقدمة بذكر خطة البحث.

والفصل الأول الفصل التمهيدي، وقسمته إلى أربعة مباحث، المبحث الأول: تعريف الصحة النفسية لغةً واصطلاحًا، والمبحث الثاني: الصحة النفسية في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمبحث الثالث: الحاجة إلى الأمن النفسي، والمبحث الرابع: أهمية الصحة النفسية بالنسبة للفرد والمجتمع.

أما الفصل الثاني، فقد خصصته للدراسة الأحاديث النبوية في الأمراض النفسية، وجعلته في مبحثين، المبحث الأول: جمعت فيه الأحاديث التي تدل على الأمراض النفسية، والمبحث الثاني: جمعت فيه الأحاديث التي تدل على أسباب الأمراض النفسية.

والفصل الثالث، خصصته للأحاديث التي تتناول علاجًا للأمراض النفسية.

ثم الفصل الرابع: فخصصته للأحاديث التي تناولت موضوع الوقائية، وجعلته في مبحثين، تناول المبحث الأول الأحاديث المتعلقة بسبل الوقاية من الأمراض النفسية، والمبحث الثاني جمعت فيه الأحاديث التي فيها إرشادات نبويَّة في الوقاية النفسيّة.

وقمت بعد جمع مادة البحث وتقسيمها على حسب مواضيعها، بتخريج الأحاديث بعزوها إلى مصادرها وتوثيقها.

ثم جاءت الخاتمة محتوية على أهم النتائج التي توصلت إليها، وأهم ما بدا لي من التوصيات والمقترحات التي رأيت أهميتها من خلال النتائج التي توصلت إليها، ومن خلال واقع الدراسة في هذا الموضوع.

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.

وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمَّدٍ طبِّ القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].

وقال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

وقال جلّ وعلا: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80].

الإسلام دستور الحياة منذ نشأته إلى نهاية الكون، فهو الدستور الشامل الجامع الهادي الصالح لكل زمان ومكان، وهو دين الله الذي ينظم كل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان وفي حياة الجماعة أو المجتمع، ويبين للإنسان المسلم الحلال والحرام والصواب والخطأ. ويوضع له الإسلام الهدف من هذه الحياة وهو عبادة الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

ولذلك فإن للإسلام عقيدة، وسلوكًا، وفكرًا، وعملًا، وإيمانًا، ومعاملةً خير عاصم من الزلل، ومن الخطأ، ومن التعرض للإصابة بالأمراض النفسية والعقلية، والاضطرابات الأخلاقية والسلوكية. فالإسلام يدفع إلى تمتع المؤمن بالصحة النفسية والعقلية والأخلاقية، ويوفر له الشعور بالأمن والأمان والاستقرار والتوكل على الله، والاطمئنان، والراحة النفسية، والزهد، والقناعة، والعطف، والرحمة، والشفقة، والتعاون والأخاء، والمسالمة والحب والمودة، وعلى قلب المؤمن بالراحة والسعادة والفرحة والبهجة، وفي العبارات شعور بالرضا والسعادة وإرضاء الله تعالى، وشعور بالطهر والطهارة والعفة والكرامة والتسامح والصفح والعفو. ويربي الإسلام أبناءه على صلة الأرحام، ورعاية الجار، وعدم اليأس أو البؤس أو القنوط، والسخط والضجر والتبرم والكراهية والعدوان والعنف والطمع والجشع والأنانية. الإسلام علاج ووقاية للنفس والأخلاق وتربية شاملة عظيمة.

أهمية االدراسة:

1- بعد الاطلاع على الدراسات السابقة ذات العلاقة بهذه الدراسة، لم أجد من بحث في هذا الموضوع من حيث جمع الأحاديث ذات العلاقة، ثم الحكم علها وبيان درجتها قبولًا أو ردًا، ثم تصنيفها في مكان واحد، ثم بيان غريبها، ثم الإشارة إلى ما ترشد إليه.

2- إن مثل هذا الموضوع وما فيه من دراسة للأحاديث وبيان درجتها قبولًا (أي الحديث الصحيح) أو ردًا (أي الحديث الضعيف)، يفيد الدارسين لاسيما المتخصصين منهم في المجالين الشرعي والطبي على السواء.

3- الإسلام دين شامل لجميع جوانب الحياة، فلم يغفل جانبًا من الجوانب، وكيف يغفل ذلك وقد جاء للعالمين جميعًا على مدار الزمان. وموضوع الصحة النفسية، جانب من جوانب الحياة الذي اهتمّ به الإسلام، إذ يعتبر حفظ النفس من الضروريات التي يجب المحافظة عليها.

الدراسات السابقة:

لا يوجد - حسب علمي - دراسات سابقة في هذا الموضوع بالشكل المباشر. وهناك دراسة بعنوان: » الحقائق الطبية في الإسلام « للدكتور عبد الرزاق أشرف كيلاني، و» الحديث النبوي وعلم النفس «للدكتور محمد عثمان نجاتي، إلا أنها لم تتناول الموضوع من جانب الدراسة الحديثية المتخصصة، وتختلف عن موضوع دراستي هذه.

منهج البحث:

1- قمت بجمع النصوص الحديثية المتعلقة بالموضوع من كتب السنة المطهرة المرفوع منها والموقوف والمقطوع وذلك على وجه الاستيعاب، إلا ما يفوت الجهد البشري بسبب سهو أو نقص.

2- خرجت هذه النصوص تخريجًا كاملًا، وبينت درجتها من حيث الصحة والضعف مستأنسًا بحكم العلماء عليه، وباذلًا جهدي في التحقق من الحكم بنفسي.

3- قدمت رواية الشيخين على غيرها، فإذا ورد الحديث في أحد الصحيحين أكتفي بحكمهما، لتلقى الأمة لهما بالقبول، وأما الأحاديث التي لم ترد في الصحيحين، ووردت في غيرهما حاولت أن أجمع أقوال أهل العلم في بيان حكمها، من كتب التخريج والشروح والعلل وغيرها، ناقلًا أقوال أهل العلم لاسيما الحافظ ابن حجر والحافظ الهيثمي والحافظ العراقي وغيرهم من المتقدمين، أو أقوال العلماء المعاصرين الذين عرفوا بهذا العلم. فإن وقع الاختلاف في الحكم عليه، أقوم بالترجيح على حسب ما ظهر لي من خلال تراجم الإسناد، مسترشدًا بأقوالهم.

4- اعتمدت في ذكر من أخرج الحيدث من أصحاب كتب رواية الحديث الترتيب الآتي:-

أولًا: ذكر أصحاب الكتب التسعة مرتبين حسب ترتيب أهل الحديث لهم (صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، جامع الترمذي، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، مسند أحمد، موطأ مالك، سنن الدارمي).

ثانيًا: ذكر من التزم الصحة في كتابه كابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه، ترتيبًا.

ثالثًا: أما إذا أخرج الحديث غير هؤلاء من أصحاب كتب رواية الحديث، فقد ذكرتهم مرتبين حسب سنة الوفاة لكل واحد منهم.

5- وضعت في المتن اللفظ الأجمع والأصح من الألفاظ المروية للحديث الواحد. وقدمت لفظ الصحيحين إن اتفقا على لفظ واحد، ثم البخاري مقدم على لفظ مسلم إن اختلفا في اللفظ، ثم لفظ مسلم مقدم على كتب الحديث الأخرى. أما إذا كان الحديث لم يخرجه الصحيحان فاللفظ لمن ذكرته أولًا في تخريج الحديث.

وقد خالفت هذه الطريقة إذا اقتضى المقام ذلك، كأن يكون لفظ الصحيحين أو أحدهما طويلًا جدًا، ومحل الشاهد منه يغنيه لفظ غيره القصير، وعندئذ قدمت لفظ غيرهما على لفظهما وأشرت - عندئذ - إلى من أخرجه. وكذا الشأن في بقية الكتب الأخرى، حيث قد قدمت اللفظ الأدنى درجة على اللفظ الأصح إذا اقتضى المقام ذلك.

6- رقمت الأحاديث ترقيمًا تسلسليًا.

7- شرحت غريب الحديث الموجود في بعض الأحاديث.

8- علقت على الأحاديث بما يناسبها أو يستفاد منها في الموضوع، وفي ذلك رجعت إلى شروح كتب السنة، فإن وجدت شيئًا يتعلق بالموضوع ذكرته، وإن لم أجد وكانت دلالة الحديث على الموضوع غامضة ذكرتها.

9- الاستدلال ببعض الآيات القرآنية في أول موضوع إن وجدت.

10- عرّفت ببعض الصحابة - رضي الله عنهم - غير المشهورين.

11- عرّفت بمن يدور عليه الحديث إن لزم أو كان سببًا في ضعفه. فرجعت إلى كتب الرجال وذكرت القول الراجح فيه مستأنسًا غالبًا برأي الذهبي وابن حجر.

12- كتبت توطئة أمام كل مبحث أو مطلب مبينًا فيها ما يدور حوله المبحث أو المطلب باختصار.

13- ذكرت في التوثيق اسم المرجع واسم الكتاب واسم الباب ثم الجزء والصفحة ورقم الحديث إن وجد.

14- إذا كانت هناك زيادة في رواية أخرى غير التي اعتمدتها وكان فيها معنى زائد يخص الصحة النفسية ذكرتها.

خطة البحث:

جاء هذا البحث في مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة على النحو التالي:

المقدمة: فقد تضمنت أهمية الموضوع وأسباب اختياره، والدراسات السابقة فيه، ومنهحيته، وخطته.

الفصل الأول: الفصل التمهيدي، وفيه أربعة مباحث.

المبحث الأول: تعريف الصحة النفسية لغةً واصطلاحًا.

المبحث الثاني: الصحة النفسية في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

المبحث الثالث: الحاجة إلى الأمن النفسي.

المبحث الرابع: أهمية الصحة النفسية بالنسبة للفرد والمجتمع.

الفصل الثاني: الأمراض النفسية وأسبابها.

المبحث الأول: الأحاديث الواردة في الأمراض النفسية.

المبحث الثاني: الأحاديث الواردة في أسباب الأمراض النفسية.

الفصل الثالث: الأحاديث الواردة في علاج الأمراض النفسية.

الفصل الرابع: الوسائل الوقائية للأمراض النفسية.

المبحث الأول: الأحاديث الواردة في سبل الوقاية من الأمراض النفسية.

المبحث الثاني: الأحاديث الواردة في إرشادات نبويَّة في الوقاية النفسيّة.

الخاتمة.

وبعد، فهذا من فضل ربي عز وجل، فإن أحسنت فله الحمد والشكر على ما أنعم وأكرم، وإن أخطأت فمن نفسي فأستغفر ربي وأتوب إليه.