تفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي دراسة وتحقيق

ملخص الرسالة

تفسير البسيط

لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى 468هـ

من آية 75 إلى آخر سورة البقرة

دراسة وتحقيق

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن أجل ما صرفت فيه الأعمار، وقضيت فيه الأيام، الاشتغال بكتاب الله -جل وعلا -، قراءة وتعلمًا وتعليمًا وتفسيرًا، فهو الحجة البالغة والصراط المستقيم، وهو " كتابه الدال عليه، لمن أراد معرفته، وطريقه الموصلة لسالكها إليه، ونوره المبين الذي أشرقت له الظلمات، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدخول، فلا يغلق إذا أغلقت الأبواب، وهو الصراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء، ولا تفنى عجائبه، ولا تُقْلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته،كلما ازدادت البصائِر فيه تأملًا وتفكيرًا زاد هداية وتبصيرًا، وكلما بجّسْتَ[1] مَعينه فجّر لها ينابيع الحكمة تفجيرًا، فهو نور البصائْر من عماها، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها[2]، وحياة القلوب، ولذة النفوس "[3].

ولذلك توافرت همم الأئمة، من علماء الأمة، على تفسير القرآن وبيان معانيه، وتوضيح دلالاته، وإيضاح مقاصده، وبسط علومه، وأودعوا ذلك في مؤلفات جليلة لتبقى للأمة مرجعًا، وللناس مآلًا ومصدرًا، تحفظ فيها أقوال السابقين، وفهوم الأولين في تفسير الكتاب المبين، لئلا تزيغ بالناس الأهواء، وتضطرب بهم الأفكار، وتزلهم الفتن، وتضلهم الاختلافات.

وممن وفقهم الله لذلك العلامة المفسّر اللغوي: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، حيث ألف في التفسير فأكثر ولوّن، وبسط وأوجز، وجمع وحقق، وزين ونمّق، واشتهر بين الناس بمصنفاته في التفسير، وسارت بها الركبان، وتداولها شُداة العلم، وأفادوا منها، وأثنوا عليها غاية الثناء، وذلك أنه كما قال عن نفسه: وأظنني لم آلُ جهدًا في إحكام أصول هذا العلم، على حسب ما يليق بزماننا هذا، ويسعه سنو عمري، على قلة أعدادها، فقد وفق الله تعالى، وله الحمد، حتى اقتبست كل ما احتجت إليه في هذا الباب من مظانه، وأخذته من معادنه "[4]، فجاءت مؤلفاته مليئة بالفوائد، جامعة للعلوم والمعاني، حسنة في الألفاظ والمباني، ومع قناعة أبي الحسن الواحدي بأن الأول لم يترك للآخر شيئًا، إلا أنه اعتذر لنفسه بقوله: " إن المتأخر بلطيف حيلته، ودقيق فطنته، يلتقط الدرر، ويجمع الغرر، فينظمها كالعقد على صدر الكعاب[5]، يروق[6] المتأملين، ويؤنق[7] الناظرين، فيستحق به في الأولى حمد الحامدين، وفي العقبى ثواب رب العالمين "[8].

وكان -رحمه الله - تحدثه نفسه أن يعلق في تفسير القرآن فِقَرًا [9] في الكشف عن غوامض معانيه، ونكتًا في الإشارة إلى علل القراءات فيه، في ورقات يصغر حجمها، ويكثر غُنْمها، والأيام تَمْطله بصروفها، على اختلاف صنوفها، إلى أن شدد عليه خِناقَ التقاضي قومٌ لهم في العلم سابقة، وفي التحقيق همم صادقة، فسمحت قَرُوْنَتُه [10] بعد الإباء، وذلت صعوبته بعد النفرة والالتواء [11]. قال: " وقد استخرت الله العظيم في جمع كتاب أرجو أن يمدني الله فيه بتوفيقه وحسن تيسيره، حتى أبرزه كالقمر أنجاب سحابه، والزلال صفا متنه [12] واطرد حُبابه [13]، يؤدي إلى المتأمل نُضرة الكلم العُذاب، ورونق الذهب المذاب، سالكٌ نهج الإعجاز في الإيجاز، مشتمل على ما نقمت على غيري إهماله، ونعيت عليه إغفاله، خالٍ عما يكسب المستفيد مَلالة، ويتصور عند المتصفح إطالة، لا يدع لمن تأمله حازة [14] في صدره، حتى يخرجه من ظلمة الريب والتخمين إلى نور العلم وثَلَج اليقين"[15].

ولما كان الكتاب بهذه المثابة، ومؤلفه بهذه المنزلة، رأى قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين ضرورة تحقيقه ونشره، ولذا سَمَت همة الشيخ الدكتور: محمد بن صالح الفوزان لتحقيقه، ونشر كنوزه، وابتدأ هذا العمل المبارك فأجاد وأفاد، ثم تبعه على العمل فيه ثلة طيبة من طلاب الدراسات العليا، بلغوا اثني عشر طالبًا، اقتسموا فيه هذا التفسير الجليل كله، وبقيت فيه بقية في أوله بمثابة اللبنة، كانت من نصيبي - بحمد الله -، بعد موافقة قسم القرآن وعلومه على ذلك.

خطة البحث:

يتكون هذا البحث من: مقدمة، وقسمين، وفهارس.

المقدمة: أشرت فيها إلى أهمية الكتاب المحقق، وسبب اختياره، وفيها بيان الخطة، ومنهج البحث، والشكر لمن أعان.

القسم الأول: الدراسة،

وتنقسم إلى فصلين:

الفصل الأول: التعريف بالمؤلف.

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الحالة السياسية والعلمية في عصر الواحدي.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الحالة السياسية في عصر الواحدي.

المطلب الثاني: الحالة العلمية في عصر الواحدي.

المبحث الثاني: التعريف بالواحدي.

وفيه سبعة مطالب:

المطلب الأول: اسمه وأسرته.

المطلب الثاني: ولادته ووفاته.

المطلب الثالث: طلبه للعلم.

المطلب الرابع: عقيدته ومذهبه.

المطلب الخامس: شيوخه وتلاميذه.

المطلب السادس: مؤلفاته.

المطلب السابع: مكانته.

الفصل الثاني: دراسة عن كتاب البسيط.

وفيه ثمانية مباحث:

المبحث الأول: اسم الكتاب.

المبحث الثاني: ثبوت نسبة الكتاب للواحدي.

المبحث الثالث: الباعث على إنشائه.

المبحث الرابع: تاريخ البدء فيه والانتهاء منه.

المبحث الخامس: مصادر الواحدي في البسيط.

المبحث السادس: قيمة البسيط العلمية.

المبحث السابع: منهج الواحدي في البسيط.

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: منهجه إجمالًا كما وصفه في مقدمة كتابه.

المطلب الثاني: منهجه تفصيلًا.

وفيه تسع مسائل:

المسألة الأولى: منهجه في تفسير القرآن بالقرآن.

المسألة الثانية: منهجه في تفسير القرآن بالسنة.

المسألة الثالثة: منهجه في تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين.

المسألة الرابعة: منهجه في ذكر الإسرائيليات.

المسألة الخامسة: منهجه في القراءات وعللها.

المسألة السادسة: منهجه في علوم القرآن.

المسألة السابعة: منهجه في مسائل العقيدة.

المسألة الثامنة: منهجه في المسائل الفقهية والأصولية.

المسألة التاسعة: منهجه في اللغة وفنونها.

المطلب الثالث: مقارنة بين تفاسير الواحدي الثلاثة.

المبحث الثامن: النسخ الخطية لتفسير البسيط.

القسم الثاني: تحقيق نص الكتاب.

من قوله تعالى: ﴿ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم.. ﴾ الآية (75) البقرة إلى آخر السورة.

الفهارس: ذيلت هذه الرسالة بفهارس متنوعة، تذليلًا للبحث في الرسالة، وتيسيرًا على الباحثين. وهي كالتالي:

1- فهرس الأحاديث.

2- فهرس الآثار.

3- فهرس البلدان والمواضع.

4- فهرس الأعلام المترجم لهم.

5- فهرس الطوائف والفرق والقبائل.

6- فهرس الأبيات الشعرية.

7- فهرس المصادر والمراجع.

8- فهرس المحتويات.

منهج البحث:

سرت في التحقيق حسب المنهج التالي:

1- اعتمدت طريقة النص المختار من بين النسخ؛ لكون النسخ الموجودة لا ترقى واحدة منهن أن تكون أصلًا يعتمد عليه.

2- ذكرت الفروق بين النسخ الخطية، عدا الألفاظ التي لا أثر للخلاف فيها، مثل: " تعالى " و " عز وجل".

3- قابلت بين الكتاب ومصادره المهمة كتفسير الثعلبي ومعاني القرآن للزجاج، والحجة للقراء السبعة للفارسي.

4- عزوت الآيات المستشهد بها إلى مواضعها من القرآن الكريم عقب ذكرها مباشرة، تخففًا من كثرة الحواشي.

5- وثقت القراءات من المصدر الأساس للمؤلف وهو كتاب السبعة لابن مجاهد، وذكرت من قرأ بها إذا لم يكن المؤلف ذكر ذلك.

6- لما كانت النسخ الخطية التي بين يدي قد ذكر فيها التفسير سردًا دون أن تذكر الآية أو الآيات قبل تفسيرها على العادة الجارية في كتب التفسير، فإني قد قمت بكتابة الآية كاملة قبل تفسيرها؛ وذلك لكونه أوضح في قراءة التفسير، وأجمع للآية المفرقة لمن أراد مراجعتها، وهو كذلك في بعض النسخ الخطية كنسخة (جستربتي).

7- خرجت الأحاديث من مصادرها الأصلية، فإن كان في الصحيحين اكتفيت غالبًا بالإحالة عليهما، وإن كان في غيرهما ذكرت من خرجه، وأتبعته بحكم الأئمة عليه صحة وضعفًا.

8- خرجت آثار الصحابة والتابعين من أهم مصادر التفسير المسند، وإذا لم أجده في التفاسير المسندة عزوته إلى كتب التفسير الأخرى.

9- وثقت الأقوال التي نقلها المؤلف من مصادرها، وبينت ما نقله باختصار أو تصرف، ولم أُشر إلى الفروق إلا عند اختلاف المعنى، وماكان مصدره مفقودًا، كنظم القرآن لأبي علي الجرجاني، فإني لم أشر إليه في كل موطن.

10- خرجت الأبيات الشعرية، وشرحت ماتيسر مع ضبط المُشْكل بالشكل.

11- شرحت ألفاظ الواحدي الغريبة من أمهات كتب اللغة، وضبطت من ألفاظه ما يحتاج إلى ضبطٍ.

12- عرّفت بالأعلام من العلماء والشعراء وغيرهم، ولم أستثن إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - والأئمة الأربعة.

13- عرّفت بالأماكن والفرق التي وردت في ثنايا كلام المؤلف.

14- علقت على ما يحتاج إلى تعليق من كلام الواحدي - رحمه الله - إيضاحًا، أو نقدًا، سواء ً في العقيدة أو التفسير أو اللغة أو الفقه أو غير ذلك، وفي مجالي النحو واللغة لم أحرص على الزيادة لكون الواحدي استوفاهما بحثًا ودراسة.

15- أشرت إلى أرقام لوحات المخطوطة الأزهرية في صلب المتن داخل مربع هكذا 90/ 1 تسهيلًا لمن أراد مراجعة المخطوطة.

وبعد، فإني أشكر الله سبحانه الذي وفقني لإتمام هذا البحث على هذا الوجه، له الحمد كله، وله الشكر كله، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، ثم أتوجه بالشكر لوالدي اللذين كانا سببًا في وجودي، ولهما الفضل الأول -بعد الله- في توجيهي ودراستي، حيث هيئا الأسباب، وبذلا ما بوسعهما، فاللهم اغفر لهما وارحمهما كما ربياني صغيرًا.

ثم أتوجه بالشكر لفضيلة الشيخ: أ. د محمود مهنى إسماعيل على تفضله بالإشراف علي، وبذله الجهد معي، وتشجيعي والأخذ بيدي، وإرشادي، وإجابة أسئلتي، والتعاون التام معي، ولم أر منه إلا اللين والتواضع والمودة، فجزاه الله عني خير ماجزى شيخًا عن تلميذه، ونفع به، وبلغه منازل السعادة في الدارين.

كما أتوجه بالشكر الجزيل لخلفه الشيخ الأستاذ الدكتور: إبراهيم بن سليمان الهويمل الذي تولى المهمة من بعد سفر فضيلة المشرف، وقد حظيت بحمد الله مع فضيلته بحسنتين هذه إحداهما والأخرى قيامه بمناقشة وتقويم رسالتي الماجستير " الإجماع في التفسير " فلله الحمد على منته وجميل إلطافه وفضله، جزى الله الشيخ الدكتور عني وعن الإسلام والمسلمين والتفسير وأهله خير الجزاء ونفع به وبعلمه وبارك فيه وبلغه عز الدارين.

والشكر موصول للمشايخ الفضلاء الرئيس وسائر الأعضاء بقسم القرآن وعلومه بالكلية ولكلية أصول الدين ممثلة بعميدها ووكلائه وسائر منسوبيها على قبولي طالبًا في مرحلة الدكتوراة، وتيسيرِهم أسباب مواصلة الدراسة.

ولا أنسى في هذا المقام، وبهذه المناسبة شكر فضيلة المناقشين اللذين تفضلا بقبول مناقشة الرسالة، وتجشما عناء قراءتها، وتقويم اعوجاجها، وهما فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: مصطفى محمد سليمان الأستاذ بكلية التربية بجامعة الملك سعود، والأستاذ الدكتور: البدري عاطف الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فجزاهما الله عني خير الجزاء، وبارك فيهما ونفع بهما، ووفقني للانتفاع بما يبديانه من ملاحظات وتصويبات تكون بإذن الله محل العناية والقبول.

ثم إني أختم بطاقة الشكر، بشكر كل الإخوة الذين أعانوني بجهودهم وآرائهم وأوقاتهم وكتبهم، وأخص بالذكر منهم: فضيلة الشيخ د. محمد بن صالح الفوزان، و د. يحي بن إبراهيم اليحي، ود. فهد بن عبد العزيز الفاضل، و د. عبدالله المديميغ، والشيخ: حسان بن عبد المنان الطيبي، والشيخ: فيصل البعداني، و د. عبدالله الريس، و د. مساعد بن سليمان الطيار، و أ. د. فهد بن سليمان الرومي، والمهندس: عبد الوهاب الراجحي. و د. إدريس حامد وخالد بشر وعلي اليافعي وكمال الإدريسي وغيرَهم ممن لا يتسع المقام لذكرهم.

والله أسأل أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصًا مقبولًا، وأن يتجاوز عني ما وقع فيه من خطأ أو خلل، كما أسأله جلت قدرته أن يرحم المؤلف وأن يسبغ عليه شآبيب الرحمة والرضوان، ويجعل هذا الكتاب وغيره من مؤلفاته في موازين حسناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله المستعان وعليه التكلان.

وصلى الله على النبي محمد وآله وصحبه وسلم.

فهرس الموضوعات