مراتب أهل الإيمان

ملخص الرسالة

مراتب أهل الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

المقَدِّمَة:

الحمد لله الذي نوّر قلوب أوليائه بالإيمان، وهداهم إلى طريق الجنة بالسنة والقرآن، وحجب عن أعدائه نور الهداية، وجعلهم في وحشة وحرج وضيق، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، إلا ما أشربوا من أهوائهم، فبفضله وفّق المؤمنين للإيمان، وبعدله خذل من خذل عن هداية القرآن، بيّن الطريق ووضحه ووهب للعباد قدرة ومعرفة، ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 8 - 10] فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضلّ فإنما يضل عليها، وما ربك بظلام للعبيد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، أفضل الخلق أجمعين، وأعظمهم جاها عند رب العالمين، الذي كمّل مقامات العبودية، فنال بذلك شرفا ومكانة فوق سائر البرية، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنّ الله أحب من عباده أن يعبدوه، ويوحدوه فقال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23] فانقسم الناس في العمل بهذه الوصية إلى قسمين:

قسم امتثلوا ما تقتضيه هذه الوصية، فعبدوا الله وآمنوا به ووحدوه، وتبرؤوا من الشرك وأهله.

وقسم آخر عبدوا الطاغوت، وكفروا بالله ورسله، وما أنزل عليهم من البينات والهدى.

فالقسم الأول هم أتباع الرسل في كل زمان ومكان. والقسم الآخر هم أعداء الرسل في كل زمان ومكان.

وهذه الأمة هي خير الأمم، وهم خير أتباع الرسل، اصطفاهم الله من بين سائر الأمم، وأعطاهم ما لم يعط أحدا من العالمين، وورّثهم الله خير الكتب، المهيمن على كل كتاب، وأمرهم باتباع أوامره، والعمل بأحكامه، فانقسموا تجاه هذا الأمر إلى ثلاثة أقسام كلهم داخلون تحت الاصطفاء مع اختلاف منازلهم فيه:

فقسم آمنوا بالله، وكفروا بالطاغوت، إلا أنه إيمان ضعيف لم ترسخ فيه أقدامهم، فلم يمتثلوا كل ما أمرهم الله به، فخرجوا عن جادة الطريق، ملبين داعي شبهة، أو شهوة مع التسويف في التوبة، فأدى بهم ذلك إلى السقوط في مستنقع المخالفة، والتلوث بوحل الذنوب والمعاصي والآثام، ففجئهم الموت قبل أن يوفقوا للتوبة، فصاروا رهائن أعمالهم متوعدين بالعقوبة على تلك المخالفات، مع عدم قطع الرجاء عنهم، فرحمة الله ستدركهم يوما من الدهر.

وقسم امتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، وتقربوا إلى الله بما يحب من الأعمال والأقوال، فأحبهم الله وقرّبهم إليه، وتولاهم بعنايته ورعايته، وحكم لهم بالسعادة في الدنيا والآخرة.

وقسم أحبوا الله من كل قلوبهم فتقربوا إليه بكل ما يستطيعون قولًا وفعلًا، واجبًا أو مندوبًا، وامتلأت قلوبهم بمحبة الله ورجائه والخوف منه فهداهم الله إليه صراطا مستقيما، وتولاهم بما لم يتولّ به أحدا من العالمين، - حاشا النبيين والمرسلين - فهؤلاء هم أهل السعادة المطلقة، والنعيم الكامل.

فهم -كما ترى- ليسوا على درجة واحدة، بل اختلفوا في مراتبهم، وتفاوتوا في درجاتهم في الدنيا والآخرة، كما جاء ذكر ذلك في مواطن كثيرة من القرآن، كما في سورة فاطر، والذاريات، والمعارج، والرحمن، والواقعة، والانشقاق، والفرقان، والإنسان، وغير ذلك.

ولما كانت دراسة هذه المراتب مع بيان طبيعة إيمان أهل كل مرتبة، فجزاؤهم في الدنيا والآخرة من الأهمية بمكان، كما ستراه في المبحث القادم، استخرت الله في الكتابة فيه لنيل درجة الماجستير، فشرح الله صدري له، ولمست في نفسي أنسا به واستشرت عددا من مشايخي، فشجّعوني على ذلك، لا سيما وأن هذا الموضوع لم يستقل به كتاب من قبل - حسب علمي - بل هو مفرق في ثنايا كلام أهل العلم، فجمعه وتقريبه، وتحليل ما يتعلق به من مسائل، لا شك أنه عمل جليل، وفائدته كبيرة.

أهمية الموضوع:

تبرز أهمية هذا الموضوع في النقاط التالية:

أولًا: أن هذا الموضوع يتعلق بأشرف غاية، وأعظمها، وهي عبادة الله تعالى، وما يترتب عليها من ولاية الله.

ثانيًا: معرفة مراتب المؤمنين تساعد على الارتقاء بالنفس إلى درجات الكمال، ورفعها عن دركات الخذلان.

ثالثًا: دراسة هذا الموضوع تعين على تدبر كتاب الله، وفهمه الفهم الصحيح، إذ إن الآيات المتعلقة بالمؤمنين كثيرة في القرآن، وهي متنوعة بتنوع مراتبهم، فمن لم يكن على بصيرة وعلم بتفاصيل هذه المراتب ربما خلط بينها، وحمّل بعضها ما لا تحتمل.

رابعًا: بدراسة هذا الموضوع يتبين أن سبب تأخر المسلمين اليوم وتقهقرهم إلى الوراء هو تقصيرهم في كمال الإيمان الواجب، ومداومتهم على العصيان. فهذه الدراسة تعد كالدواء النافع بإذن الله لهذا الواقع المرير.

خامسًا: تعين هذه الدراسة على معرفة حال السابقين الأولين والصديقين والشهداء والصالحين، وفي معرفة أحوالهم فوائد عديدة، ذكر طرفا منها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في (طريق الهجرتين): (ص: 196)، فقال: (وفي معرفة حال السابقين فوائد عديدة، منها:

1. أن لا يزال المتخلف المسكين مزريًا على نفسه، ذامًا لها.

2. أن لا يزال منكسر القلب بين يدي ربه تعالى، ذليلًا له حقيرًا، يشهد منازل السابقين، وهو في زمرة المنقطعين، ويشهد بضائع التجار وهو في زمرة المحرومين.

3. أنه عساه أن تنهض همته يومًا إلى التثبث والتعلق بساقة القوم، ولو من بعيد.

4. أن هذا العلم هو من أشرف علوم العباد، وليس بعد علم التوحيد أشرف منه، وهو لا يناسب إلا النفوس الشريفة، ولا يناسب النفوس الدنيئة المهينة. فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم وتشتاق إليه، وتحبه، وتأنس بأقله فليبشر بالخير، فقد أهل له فليقل لنفسه: يا نفس فقد حصل لك شطر السعادة فاحرصي على الشطر الآخر، فإن السعادة في العلم بهذا الشأن والعمل به، فقد قطعت نصف المسافة، فهلا تقطعين باقيها، فتفوزين فوزا عظيما.

5. أنه لعله يجري على لسانه ما ينتفع به غيره بقصده أو بغير قصده، والله لا يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العامل، ثم قال: (( وبالجملة ففوائد العلم بهذا الشأن لا تنحصر، فلا ينبغي أن تصغي إلى من يثبطك عنه، وتقول إنه لا ينفع، بل احذره واستعن بالله ولا تعجز، ولكن لا تغتر وفرق بين العلم والحال، وإياك أن تظن أنه بمجرد علم هذا الشأن قد صرت من أهله...)).

سادسًا: بمعرفة مراتب المؤمنين من الكتاب والسنة، يسهل فهم الإيمان فهمًا صحيحًا، وتطبيقه تطبيقًا سليمًا، لأن هذه الدراسة تتعلق بالجانب العملي لا التأصيلي النظري لموضوع الإيمان.

أسباب اختيار الموضوع:

1. أن هذا الموضوع يتعلق بأمر عظيم، وهو الإيمان بالله تعالى.

2. أن الكتابة في هذا الموضوع تعين الباحث على فهم الدين فهمًا صحيحًا مبنيًا على أساس صحيح.

3. أنه لم يستقل كتاب من قبل بهذا الموضوع حسب علمي، بل جاء الكلام عليه مفرقًا في كتب أهل العلم.

خطة البحث:

يشتمل هذا لبحث على مقدمة وتمهيد وأربعة أبواب وخاتمة.

المقدمة، ذكرت فيها أهمية العبادة، وأنها هي الغاية في خلق الجن والإنس، كما بينت فيها تفاوت المؤمنين في مقامات العبودية، كما ذكرت أسباب اختيار الموضوع، وخطة البحث، والمنهج المتبع فيه، والشكر والتقدير.

التمهيد: تعريف الإيمان وأنه يزيد وينقص، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الإيمان.

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف الإيمان لغةً.

المطلب الثاني: تعريف الإيمان شرعًا.

المطلب الثالث: علاقة الإيمان بغيره من الألفاظ الشرعية حال الاجتماع والافتراق.

المبحث الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: الأدلة من الكتاب والسنة على زيادة الإيمان ونقصانه.

المطلب الثاني: أقوال السلف في زيادة الإيمان ونقصانه.

المطلب الثالث: أسباب زيادة الإيمان ونقصانه.

المطلب الرابع: السبب في اختلاف مراتب المؤمنين هو تفاوتهم في تكميل الإيمان.

المبحث الثالث: الوعد والوعيد.

المبحث الرابع: المخالفون لأهل السنة والجماعة في الإيمان وأثرموقفهم هذا على تقسيم المؤمنين إلى مراتب، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: موقف الخوارج والمعتزلة من الإيمان، وأثر هذا الموقف على تقسيم المؤمنين إلى مراتب.

المطلب الثاني: موقف المرجئة من الإيمان، وأثر هذا الموقف على تقسيم المؤمنين إلى مراتب.

الباب الأول: الأدلة على تقسيم المؤمنين إلى مراتب، وبيان الأمر الذي يجتمعون فيه. وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: ما يدل بمجموعه على انقسام المؤمنين إلى مراتب. وفيه مباحث:

المبحث الأول: دلالة قوله تعالى: وكنتم أزواجًا ثلاثة.

المبحث الثاني: دلالة قوله تعالى: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.

المبحث الثالث: دلالة قوله تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم...الآية.

المبحث الرابع: دلالة حديث مرور الناس على الصراط.

الفصل الثاني: دلالة قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا... الآيات، على مراتب المؤمنين، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: المراد بالميراث والكتاب، والذين أورثوا الكتاب وبيان معنى الاصطفاء.

المبحث الثاني: المراد بالظالم لنفسه، والمقتصد والسابق بالخيرات.

المبحث الثالث: خلاصة دلالة الآية الكريمة على مراتب المؤمنين.

المبحث الرابع: الأمور التي اشترك فيها أهل هذه المراتب والتي افترقوا فيها.

الفصل الثالث: بيان الأمر الذي يجتمع فيه أهل الإيمان والذي هو أساس الاصطفاء، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الأدلة المبينة لأصل الإيمان. وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الأدلة من القرآن.

المطلب الثاني: الأدلة من السنة.

المبحث الثاني: أصل الإيمان يرتكز على الشهادتين نطقًا وعلمًا وعملًا.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: معنى شهادة أن لاإله إلا الله.

المطلب الثاني: معنى شهادة أن محمدا رسول الله.

المبحث الثالث: ترك الصلاة وأثره على أصل الإيمان.

الباب الثاني: مرتبة من قصر في كمال الإيمان الواجب (الظالم لنفسه).

وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: صفة إيمان أهل هذه المرتبة، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: حالهم مع الأمر الشرعي.

المبحث الثاني: حكمهم في الدنيا، مع ما يتعرضون له من مخاطر.

الفصل الثاني: أسماء أهل هذه المرتبة وأدلة ذلك، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الظالم لنفسه.

المبحث الثاني: الفاسق الملي.

الفصل الثالث: أحوالهم في الآخرة، وفيه تسعة مباحث:

المبحث الأول: حالهم عند الموت.

المبحث الثاني: حالهم في البرزخ.

المبحث الثالث: حالهم في المحشر.

المبحث الرابع: صفة أخذهم لصحائف الأعمال.

المبحث الخامس: حالهم في الحساب، مع بيان أسباب المغفرة العشرة.

المبحث السادس: حالهم عند الحوض.

المبحث السابع: حالهم على الصراط.

المبحث الثامن: توعدهم بالنار، ودخول من شاء الله منهم فيها.

المبحث التاسع: دخولهم الجنة وبيان مرتبتهم فيها.

الفصل الرابع: أثر التفريط في أوامر الله على حياة المسلمين قديمًا وحديثًا.

الباب الثالث: مرتبة من جاء بكمال الإيمان الواجب (المقتصد)، وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: صفة إيمان أهل هذه المرتبة.

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: حالهم مع الأمر الشرعي.

المبحث الثاني: سنة الله في معاملتهم في الدنيا.

الفصل الثاني: حظهم من ولاية الله. وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الولاية وبيان سببها.

المبحث الثاني: بيان أن أهل هذه المرتبة جاؤوا بشرط الولاية، مع بيان نصيبهم منها.

المبحث الثالث: ما يحصل للأولياء من مصائب وابتلاءات لا يؤثر على ولاية الله لهم.

الفصل الثالث: أسماء أهل هذه المرتبة وأدلة ذلك، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: المقتصدون.

المبحث الثاني: الأبرار.

المبحث الثالث: أصحاب اليمين.

المبحث الرابع: الصالحون.

الفصل الرابع: أحوالهم في الآخرة، وفيه ثمانية مباحث:

المبحث الأول: حالهم عند الموت.

المبحث الثاني: حالهم في البرزخ.

المبحث الثالث: حالهم في المحشر.

المبحث الرابع: صفة أخذهم لصحائف الأعمال.

المبحث الخامس: حالهم في الحساب.

المبحث السادس: حالهم عند الحوض.

المبحث السابع: حالهم على الصراط.

المبحث الثامن: دخولهم الجنة، وبيان مرتبتهم فيها.

الباب الرابع: مرتبة من جاء بكمال الإيمان المستحب (السابق بالخيرات)، وفيه خمسة فصول:

الفصل الأول: صفة إيمان أهل هذه المرتبة، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: حالهم مع الأمر الشرعي.

المبحث الثاني: سنة الله في معاملتهم في الدنيا.

الفصل الثاني: حظهم من ولاية الله مع بيان عددهم في الأمة، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: حظهم من ولاية الله

المبحث الثاني: عددهم في الأمة.

الفصل الثالث: أسماء أهل هذه المرتبة، وأدلة ذلك، وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: عباد الله.

المبحث الثاني: عباد الرحمن.

المبحث الثالث: السابق بالخيرات.

المبحث الرابع: المقربون.

المبحث الخامس: الصديقون.

المبحث السادس: المحسنون.

الفصل الربع: أحوالهم في الآخرة، وفيه ثمانية مباحث:

المبحث الأول: حالهم عند الموت.

المبحث الثاني: حالهم في البرزخ.

المبحث الثالث: حالهم في المحشر.

المبحث الرابع: صفة أخذهم لصحائف الأعمال.

المبحث الخامس: حالهم في الحساب.

المبحث السادس: حالهم عند الحوض.

المبحث السابع: حالهم على الصراط.

المبحث الثامن: دخولهم الجنّة وبيان مرتبتهم فيها

الفصل الخامس: بيان الفَرق بين أهل هذه المرتبة والتي قبلها في جميع ما تقدّم.

الخاتمة. وفيها أهمّ النتائج.

منهج البحث:

أوّلًا: جمع المادّة العلميّة عن طريق الاستقراء للمصادر التالية:

1. القرآن الكريم.

2. كتب السّنّة النبويّة.

3. كتب أهل العلم ولا سيّما تفاسير أهل السنّة والجماعة وكتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم.

ثانيًا: تحليل المادّة تحليلًا علميًا وتقريبها للقرّاء.

ثالثًا: عزو الآيات القرآنية.

رابعًا: تخريج الأحاديث النبويّة مع بيان درجتها.

خامسًا: ترجمة الأعلام الوارد ذكرهم في البحث.

سادسًا: وضع فهارس علميّة تساعد على الوصول إلى محتويات هذا البحث، وهي:

1. فهرس الآيات القرآنية.

2. فهرس الأحاديث النبويّة.

3. فهرس الأعلام.

4. فهرس المصادر والمراجع.

5. فهرس الموضوعات.

الخاتمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين. أما بعد:

ففي ختام هذا البحث أحمد الله جل وعلا على أن يسّر لي إنجازه وإتمامه، وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يبارك لي فيما كتبت، وأن يرزقني فيه الإخلاص والصدق، ويوفقني لكل علم نافع وعمل صالح، ولعله من المناسب أن أسجل هنا أهم النتائج التي ظهرت لي خلال كتابة هذا البحث، فمن ذلك:

1) أن السعادة والفلاح في التمسك بالشريعة الإلهية، والهدي النبوي، وذلك أن أهل السنة والجماعة لما تمسكوا بهذا الأصل الأصيل صارت أقوالهم على الجادة في جميع مسائل الدين، ومن ذلك مسائل الإيمان، فوفقوا لتعريف الإيمان تعريفا صحيحا، موافقا للكتاب والسنة، وجمعوا بين الأسماء الواردة لهذا الدين جمعًا سليمًا مستقيمًا، بعيدًا عن التأويلات الباطلة، والتحريفات الضالة، فكانوا وسطًا بين المفرِّطين والمُفْرِطين.

2) تبين لي أيضًا من خلال دراسة هذا الموضوع أن مدار الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة على القول والعمل، فاختلاف مراتب المؤمنين مبناه على قيامهم بهما قوة وضعفا.

3) في تقرير هذه المسألة -أعني مراتب المؤمنين- ردّ على المخالفين لأهل السنة في الإيمان، حيث إن الوعيدية يخرجون الظالم لنفسه من الإيمان، والمرجئة يرتقون به إلى مرتبة الإيمان الكامل، وكلا القولين مخالف لما تقرر في الأدلة الشرعية من إثبات ثلاث مراتب لأهل الإيمان منها مرتبة الظالم لنفسه.

4) في تقرير هذه المسألة نقض لقول المخالفين إن الإيمان كل لا يتجزّأ، فإذا ذهب بعضه ذهب كله، وذلك أن الظالم لنفسه معه أصل الإيمان دون كماله.

5) تقسيم المؤمنين إلى مراتب ثلاث أمر دل عليه القرآن الكريم في مواطن، كما دلت عليه السنة الصحيحة عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بدلالات متنوعة تستخلص منها هذه الأقسام الثلاثة.

6) يجتمع المؤمنون - على اختلاف مراتبهم - في الشهادتين قولًا وعملًا، ويفترقون في قوة ذلك وضعفه، فمن هنا نتجت تلك المراتب الثلاث.

7) لا ينفع القول بلا عمل، فلا بد لبيان صدق العبد في دعوى الإيمان من إظهار العمل، وأقل ما يقبل منه في هذا أداء الصلاة، فإنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.

8) المراتب الثلاث التي يستظلّ تحتها أهل الإيمان هي: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات. ولكل مرتبة منها ما يميزها عن المرتبة الأخرى، من طبيعة الإيمان، والأسماء، والجزاء في الدنيا، والآخرة.

9) قد لا يضمن إيمان العبد السلامة له من العقوبة؛ لذلك شرعت الحدود لتقام في الدنيا على المخالفين من أهل الإيمان، ويدخل طوائف من المؤمنين نار جهنم لضعف يقينهم، وكثرة مخالفاتهم.

10) فضل الإيمان، وأنه يضمن لصاحبه دخول الجنة، ولو بعد وقوع العقوبة عليه.

11) يسلب اسم الإيمان عن طائفة من المؤمنين، وينفى عنهم لا لكفرهم، ولكن عقوبة لهم -مع ثبوت أحكام الإيمان في حقهم- وذلك أن اسم الإيمان تشريف وتكريم، وهذه الطائفة لما خالفت كثيرا من تعاليمه، ولم تمتثل حقيقته ناسب أن ينفى عنها هذا التشريف والتكريم، وإن بقي أصله الذي يضمن لها السلامة في آخر الأمر.

12) من جاء بالإيمان على الحقيقة وقام به على الكمال هو المؤمن حقًا، وولي الله صدقًا.

13) الكمال صنفان: كمال واجب: وأهله هم المقتصدون، أصحاب اليمين، وكمال مستحب؛ وأهله هم السابقون الصديقون.

14) لا تتحقق الولاية للعبد إلا بالإيمان والتقوى، ولا يتحققان إلا بالعلم والعمل والصبر، فكل ما كان العبد أكثر تمسكا بالإسلام كان حظه ونصيبه من الولاية أوفر من غيره.

15) أن الله تبارك وتعالى يتولى عباده وأولياءه بأنواع من الولايات، وينزل عليهم من ألطافه ورحمته، وينصرهم ويؤيدهم بمعيته الخاصة، ويكرمهم بما لا يخطر لهم على بال، كل ذلك من تعجيل النعيم والثواب، وإظهار محبته لهم في الدنيا قبل الآخرة.

16) أولياء الله -سبحانه وتعالى- لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فمتى ما حصل لأحدهم شيء من الضعف والنقض أصابه من الحزن والخوف على قدر مخالفته، ومتى ما تاب رفع عنه ذلك.

17) أعدّ الله الجنة إكراما لعباده، ونزلا لأوليائه، ولما كان الله -تعالى- هو الحكيم الخبير اقتضت حكمته أن يخالف بين منازل أهل الجنة على حسب إيمانهم، مع اشتراكهم جميعا في النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول.

18) عزّ المؤمنين مرتبط بالإيمان، فلا رفعة لهم ولا نصر ولا تمكين إلا إذا قاموا بالإيمان قيامًا صحيحًا، كما أنزل على النبي -صلّى الله عليه وسلّم- علمًا وعملًا، وطبقوا ذلك في أنفسهم أولا، وفي مجتمعاتهم ثانيًا، ودعوا إليه الناس إليه ثالثا، فلما قصروا في هذا تسلط عليهم أعداؤهم، وأذلّوهم وأهانوهم كما هو الواقع المشاهد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

فهرس الموضوعات