جلال الدين السيوطي منهجه وموارده في كتابه (بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)

ملخص الرسالة

جلال الدين السيوطي منهجه وموارده

في كتابه (بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين سيدنا ورسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

تعد دراسة مناهج المؤلفات التاريخية من الأمور المهمة التي أكد عليها الباحثون المختصون منذ أمد بعيد، والتي بغيرها لا تكتمل دراسة التاريخ دراسة علمية وموضوعية، ذلك أن الجهل بمصادراية دراسة في التاريخ يعرضها للوهن إذا لم تكن على علم تام بتنضيمات مصادرها ومناهجها في انتقاء مادتها، وفي أسس المفاضلة في اعتماد مواردها وغيره مما يتصل بمناهج المؤرخين فيما ألفوا من الكتب ونظرًا لأهمية هذه الدراسة وضرورتها لإعادة كتابة تاريخنا العربي الإسلامي وفق أسس متينة ورصينة لتقويم مناهج مؤرخينا وتحديد الموارد التي اقتبسوا منها وتبيان قيمتها للدارسين والباحثين، فتضافر عليها جهود جلة المختصين والمقتدرين ممن امتازت بحوثهم بالأصالة والنظرة العلمية والعمق والتقصي مثل دراسة الدكتور أكرم ضياء العمري الموسومة بـ" موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد"، ودراسة الدكتور محمد جاسم حمادي حول (موارد البلاذري عن الأسرة الأموية) حسن عيسى الحكيم الموسومة بـ( المنتظم لابن الجوزي، دراسة في منهجه وموارده وأهميته)، ودراسة الدكتور مجيد خلف منشد الموسومة بـ(كتاب الاستيعاب لابن عبد البر دراسة في منهجه وموارده)، ودراسة الدكتورة زكية حسن إبراهيم الموسومة (المؤرخ أبو سعد السمعاني وكتابه الأنساب)، وجاءت دراستي حول (الشيخ جلال الدين السيوطي منهجه وموارده في كتاب بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)، استمرارًا لخطوات هذا الرعيل من الأساتذة والباحثين.

ونحاول في هذه الدراسة المتواضعة أن نتبع خطوات هذا الرعيل من الأساتذة والباحثيين، وأن نسلط ضوءًا ولو خافتًا على شخصية علمية، أنموذجية فذة، أدت دورًا متميزًا في الحياة الثقافية والفكرية في منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، ألا وهو الشيخ المؤرخ (جلال الدين السيوطي) ونحاول جاهدين تقديم صورة واضحة الملامح لحياته، وشخصيته اللافتة والمثيرة، وأفكاره الفذة، وكذلك نحاول دراسة كتابه (بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة) لكونه من أهم مصنفاته التي دخل بها حقل الكتابة التاريخية، ولما له من قيمة علمية وتأريخية عالية، كما أنه سببًا عظيمًا في شهرته وإظهار عبقريته وأسلوبه الرفيع في الكتابة، ولعل اهمية الكتاب تكمن في قدرة السيوطي على التعامل مع العدد الكبير من الموارد المتنوعة التي ضمها الكتاب.

وأكدت الموازنات مع الموارد الأصلية التي أخذ عنها السيوطى أنه كان مثالًا للدقة والأمانة العلمية.

وقد اشتملت دراستنا هذه على "مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمةٍ".

الفصل الأول: فقد تضمن دراسة لسيرة جلال الدين السيوطي، ذكرنا فيها: اسمه ونسبه، مولده، ونشأته، وأسرته، ورحلاته العلمية وزيارته، وشيوخه، وتلاميذه والآخذون عنه، ومناصبه التي تقلدها، وآراء العلماء والمؤرخين فيه، ونقد المعاصرين، ومؤلفاته، ووفاته.

وأما الفصل الثاني: فقد تناولت فيه الحديث عن منهج السيوطي في كتابه (بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة) وقد تناولت فيه بعد التعريف بالكتاب من حيث الاسم وتاريخ التأليف ودوافع التأليف ونشرات الكتاب وذيول وتتمات الكتاب، خطة الكتاب العامة التي شملت:- التنظيم والحجم، والإحالات والتكرار، وضبط الأسماء والمواضع لغويًا، ثم عناصر الترجمة التي تشمل: الاسم وتوابعه، والشهرة العلمية، والمولد، والشيوخ والتلاميذ، والرحلة العلمية والهجرة، والمكانة العلمية، والنتاج العلمي والأدبي، والوظيفة والمهنة، والصفات، والوفاة.

وتناولت في الفصل الثالث موارد السيوطي في كتابه بغية الوعاة وقد مهدنا بدراسة لمنهجه في تناول موارده وطرائق النقل منها وأنواع الموارد التي أفاد منها من المؤلفات السابقة والموارد المعاصرة التي: تضمنت الملاحظة والمشاهدة، والمشافهة والسماع، والإجازات، وشيوخه وشيخاته ومعاصروه من رفاقه وأصدقاءه، ونقول دون مصدر، أما الخاتمة فقد ذكرنا فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال الدراسة.

وأفادت هذهِ الدراسة من مصادر ومراجع كثيرة ومتنوعة ولا سيما تلك التي تناولت حياة السيوطي وعصره منها على سبيل المثال:

كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي أبوعبد الله ياقوت الرومي (ت 626هـ/12228م)، وكتاب (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان) لابن خلكان شمس الدين أحمد بن محمد (ت 681هـ/1282م)، وكتاب (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية) للمقريزي تقي الدين أحمد بن علي (ت 845هـ/1441م)، وكتاب (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) لابن حجر العسقلاني شهاب الدين أحمد بن علي (ت 852هـ/1448م)، وكتاب (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع) للسخاوي شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت 902هـ/1496م)، وكتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور)، لابن إلياس أبو بركات محمد بن أحمد (ت 931هـ/1524م)، وكتاب (الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون)، و(مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) لابن طولون شمس الدين محمد بن علي (ت 953هـ/1546م)، وكتاب (تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر) للعيدروسي محي الدين عبد القادر بن شيخ عين عبد الله (ت 978هـ/1570م)، وكتاب (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة) للغزي نجم الدين محمد بن محمد (ت 1061هـ/1650م)، وكتاب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لحاجي خليفة مصطفى بن عبد الله (ت 1067هـ/1656م)، وكتاب (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) لابن العماد الحنبلي أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد (ت 1089هـ/1978م)، وكتاب (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع) للشوكاني محمد بن علي بن محمد (ت 1250هـ/1834م)، وغيرها كثير، ومن المراجع الحديث استفدت من كتاب (المنتظم لابن الجوزي دراسة في منهجه) للحكيم حسن عيسى، وكتاب (الذهبي منهجه في كتابه تاريخ الإسلام) لمعروف بشار عواد، وكتاب (جلال الدين السيوطي وأثره في الدراسات اللغوية) لمكرم عبد العال سالم.

وأود أن أنوه أن صعوبات كثيرة واجهتني أثناء إعداد هذه الرسالة منها الظروف الأمنية الصعبة التي يعاني منها بلدنا العزيز التي انعكست على عدم حصولي على بعض المصادر والمراجع المهمة التي تخص موضوع رسالتي وبسبب ظروفي العائلية الصعبة، فضلًا عن ذلك سعة الموضوع وتشعبه وتناول عدد كبير من التراجم من المشرق والمغرب والتي يمكن أن يشكل كل جانب من جوانب الرسالة رسالة مستقلة كمؤلفاته وموارده على سبيل المثال.

وختامًا فأن هذه الدراسة قد بذلنا فيها جهدًا كبيرًا، ونرجو من الله العون والسداد ولكل مجتهد نصيب فيما أصاب أو أخطأ... والله الموفق.

الخاتمة:

يتضح لنا من خلال ما تقدم أن الامة العربية الإسلامية أمة عظيمة تمتلك إرثًا حضاريًا كبيرًا، وعلى الرغم من التدهور السياسي والاجتماعي، والاقتصادي الذي عانته وحالة التمزق والتفكك التي عاشتها، إلا أنها ظلت قادرة على العطاء الفكري، والتفوق العلمي، وإنجاب العلماء البارعين في شتى ميادين المعرفة والذين أسهموا في خدمة الثقافة العربية الإسلامية، بعد سقوط الخلافة العباسية على يد التتار. انتقلت الحركة العلمية من بغداد إلى مصر فصارت حاضنة للعلماء والفقهاء والأدباء والمفكرين من مختلف أرجاء العالم العربي الإسلامي الذين وفدوا إليها وأقاموا بها واتخذوها وطنًا، ويتضح لنا أهمية هذا النوع من الدراسات ذلك لما تقدمه من معلومات تعريفية مفيدة عن قادة الفكر العربي الإسلامي، الذين تولوا قيادة العالم الفكرية والثقافية لقرون طويلة من عمر الحضارة الإنسانية، وكذلك التعريف بنتاجاتهم العلمية المنوعة التي أغنت الفكر العالمي الإنساني.

يتضح من خلال الفصل الأول أن الشيخ جلال الدين السيوطي يعد ظاهرة فكرية عظيمة نادرًا ما نجد له مثيلًا في ذكائه أو نشاطه العلمي في عصره، فهو يمتلك شخصية فذة وعبقرية نادرة، وإدراكًا واسعًا، وقد أدى دوره العلمي على أفضل ما يكون الأداء، وامتاز بذهن وقاد وحدة ذكاء، فسبب مواهبه المتعددة في ميادين الثقافة الإسلامية صار أعلم زمانه بعلم الحديث وفنونه. كما نجد موارد ثقافته بدأت بحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ بدراسة علوم أخرى كالتفسير بل كان شديد التعمق والفهم، ثم التعليل والتحليل، ومعرفة الأسباب والوصول إلى النتائج وذلك لامتلاكه عقلية علمية أصلية، تميل الى الاستنباط وتحري الصدق، والدقة والأمانة العلمية. وكذلك تتضح لنا أهم العوامل التي أنضجت شخصيته العلمية وهي حرص أسرته على تنشئته نشأة علمية وأخلاقية صحيحة، وعاش في بيئة تموج بالعلماء والمفكرين والأدباء والتتلمذ على يد خيرة علماء عصره الذين تركوا في نفسه نزعة حب العلم، وترك السيوطي تراثًا فكريًا ضخمًا أسهم في إعداده وتكوين شخصيته العلمية المتميزة واستعداده الفطري، وثقافته الموسوعية المنوعة، وقدرته على الجمع بين أكثر من علم، وقابليته على الحفظ والاستيعاب، وتميزه بموهبة التحليل والتعليل والابتكار، ويعد كتابه "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" الذي ضم 2210 ترجمة من نوادر التأليف في كتب اللغة وهو المصنف الذي وضع الشيخ السيوطي في صدارة المؤرخين، وقد حظي هذا الكتاب باهتمام العلماء وطلبة العلم على حدٍ سواء لاحتوائه على معلومات وافية عن رجالات النحو واللغة وقد اتخذه العلماء مصدرًا ذا مكانة مرموقة في دراساتهم التاريخية، أما طلبة العلم فقد كانوا يفضلونه على سائر كتب الطبقات الأخرى لسهولة أسلوبه وغزارة معلوماته، وعمق أفكاره وسهولة استخراج ما يحتاج إليه من معلومات حيث رتبه حسب حروف العجم وقد بذل الشيخ السيوطي جهدًا عظيمًا وسنوات عديدة من البحث والتدقيق من أجل أن يصل بطبقاته الى درجة الكمال بعد أن تجاوز أخطاء من سبقه في هذا المجال. ويتضح لنا من خلال الفصل الثالث العدد الهائل من الموارد التي اعتمدها الشيخ السيوطي في تاليف طبقاته والتي وفرت له كمًا كبيرًا وهائلًا من المعلومات عن كل شخصية وقد استطاع السيوطي أن يتعامل بمنهجية عالية ومقدرة كبيرة مع ذلك الكم الهائل من المعلومات من دون أن يخرجه ذلك من منهج الاختصار الذي اختطه لنفسه من بداية كتابه حتى نهايته، وقد كان الشيخ السيوطي دقيقًا وأمينًا في نقل مقتبساته وهذا ما أكدته الموازنة بين النصوص المقتبسة من طبقاته وبين الموارد الأصلية التي أخذ عنها مقتبساته وقد كانت موارده منوعة ما بين موارد سابقة له مثل والتاريخ والطبقات، والأنساب، ومعهم المشايخ، وكتب اللغة والأدب والجغرافية وغيرها، ومصادر معاصره له التي تضمنت الملاحظة والمشاهدة والمشافهة والسماع والإجازات وشيوخه وشيخاته ورفاقه وأصدقاؤه.

فهرس المحتويات