الحجازيات في شعر العصر العباسي الثاني (334هـ - 656هـ) دراسة موضوعية فنية

ملخص الرسالة

الحجازيات في شعر العصر العباسي الثاني

(334هـ - 656هـ)

دراسة موضوعية فنية

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، رب العرش العظيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله، وآله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، ومن اهتدى به، ودعا إليه إلى يوم الدين.

أما بعد..:

فإن العصر العباسي يمثل أرقى العصور في تاريخ الأدب العربي، وقد عني الباحثون بأدبه من خلال دراساتهم المستفيضة التي كشفت الكثير من قضاياه وظواهره، كونه عصر التطور والازدهار.

وكثيرًا ما راودتني فكرة الخوض في بحر هذا الأدب الثر، فتوجهت إلى أستاذي الفاضل (الدكتور. عباس مصطفى الصالحي)، أستجلي أفكاره وعلمه الواسع ما يعين على رصد ظاهرة من ظواهر هذا الأدب، حتى لفت نظري إلى موضوع (الحجازيات في شعر العصر العباسي الثاني 334هـ - 656هـ)، مشيرًا علي به، محددًا لي معالمه، فوافقت إشارته رغبتي، ولاسيما أنني لم أجد من بين الدراسات السابقة ما يقوم على لم شتاته، سوى ما تناولته أقلام (الدكتور. مصطفى كامل الشيبي) ضمن بحثه الموسوم بـ (حجازيات الشريف الرضي)، وهي دراسة مختصرة جدًا، جاءت تحت عنوان (الحجازيات بعد الشريف الرضي)، وكادت لا تعطي الصورة الواضحة للموضوع.

ومن أجل إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الأدبية سعيت جادة وحثيثة إلى تتبع جزئياتها، متوجهة أولًا إلى رصد شعراء هذه المرحلة الذين توزعت أشعارهم ما بين دواوين شعرية، وكتب الأدب والتراجم، وبعد قراءة متأنية لها ارتأيت أن تكون دراستي موضوعية فنية، لتحيط بالموضوعات الشعرية التي جاءت عليها الحجازيات من جهة، والسمات الفنية التي انمازت بها من جهة ثانية.

ولهذا اقتضت منهجية البحث توزيعه على فصول ثلاثة، يسبقها تمهيد، وتعقبها خاتمة.

التمهيد، وقد كان على شقين، جاء الشق الأول منه بعنوان (إلمامة عامة بالحجازيات)، وعرضت فيه ماهية الحجازيات لغة واصطلاحًا، والدوافع التي أدت إلى نشأتها في هذا العصر، في حين جاء الشق الثاني بعنوان (المرحلة التاريخية وأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية)، وقد ألقيت فيه الضوء على أحوال العصر وظروفه بشيء من الإيجاز، ملتمسة من ذلك إضاءة موضوع البحث.

أما الفصل الأول، فقد كان بعنوان (شعر الغزل في الحجازيات)، وقد قسمته على مبحثين، وسم الأول منه بـ(الغزل التقليدي)، وقد توزع على محاور ثلاثة، هي: المديح، والرثاء، والفخر، في حين وسم الثاني بـ (الغزل العفيف)، وقد تضمن محاور أربعة، هي: الشكوى من فراق الحبيبة وهجرها، ومزج الغزل بالطبيعة، والتغني بطيف الحبيبة، والوصف الحسي مع إظهار العفة.

وقد تصديت في الفصل الثاني إلى دراسة (الشعر الديني في الحجازيات)، واشتمل أيضًا على مبحثين، خصص المبحث الأول منه لدراسة (الشعر الصوفي)، وعرضت فيه الرموز التي اعتمدها الصوفية في مناجاتهم الإلهية، وعلاقتها بالحجازيات، وهي: رمز المرأة، ورمز الطبيعة، ورمز الرحلة، أما الثاني فقد خصص لدراسة (المدائح الدينية)، وقد توزع على محورين، هما: المدائح النبوية، ومدائح أهل البيت (رضوان الله عليهم).

أما الفصل الثالث، فقد تكفل بدراسة (السمات الفنية في شعر الحجازيات)، فجاء على مباحث ثلاثة، جعلت المبحث الأول منه تحت عنوان (اللغة الشعرية)، وقد جمعت فيه أبرز الألفاظ التي ترددت في شعر الحجازيات، مكونة منها معجمًا شعريًا، ثم درست أهم الأساليب الشعرية التي جاءت عليها، والمتمثلة بأسلوب الاقتباس والتضمين، وأسلوب التقديم والتأخير، وأسلوب الاستفهام، وأسلوب النداء، وأسلوب الأمر، وأسلوب القسم، وأسلوب الشرط.

في حين جاء المبحث الثاني بعنوان (الصورة الشعرية)، وتناولت فيه أبرز الوسائل التي توسل بها شعراء الحجازيات للتعبير عن عواطفهم ومشاعرهم، وهي على نوعين، بيانية وتتمثل بالتشبيه، والاستعارة، والكناية، وبديعية وتتمثل بالطباق.

أما المبحث الثالث فتضمن دراسة (الإيقاع الشعري)، وابتدأت فيه بالإيقاع الخارجي، متناولة أوزان الشعراء التي استخدموها في نظم حجازياتهم، وأكثرها شيوعًا، ثم تحدثت عن قوافيهم، فدرست الروي من حيث حروفه وحركته، وأنواع القافية، وبعض المظاهر المتعلقة بها، كالتضمين، والإيغال، والإتيان بالقافية لتكون نظيرًا لأخواتها في السجع، ولكي يتم المبحث حديثه عن الإيقاع لابد له من التطرق إلى الإيقاع الداخلي، فكانت دراستي له على مستويات خمسة، هي: التصريع، والتكرار (التكرار الصوتي، والتكرار اللفظي)، والجناس، ورد الأعجاز على الصدور، والتدوير.

وفي الخاتمة أوجزت أهم النتائج التي توصل إليها البحث، ثم أتبعتها بقائمة من المصادر والمراجع، وملخص باللغة الإنكليزية.

أما المنهج الذي اعتمده البحث فكان تحليليًا فنيًا، حاول استنطاق النصوص الشعرية وبالاعتماد على المصادر الأدبية والنقدية والبلاغية واللغوية التي هيأت للبحث مادة جيدة، فضلًا عن المصادر التاريخية التي اقتضى البحث السعي وراءها.

وأخيرًا أسأل الله عز وجل أن يوفقني فيما سعيت إليه بجدٍ وإخلاص، وأن يوفق أعضاء لجنة المناقشة لتقديم كل ما فيه خير لهذا البحث، وأن يجعل عملي هذا في ميزان حسناتي وحسناتهم.

الخاتمة:

بعد أن أرجو مخلصة أن يكون هذا البحث قد قدم صورة واضحة للحجازيات في شعر العصر العباسي الثاني استطيع أن أوجز أهم ما توصلت إليه من نتائج وأفكار، وهي على النحو الآتي:

1- رصد البحث في الجانب الموضوعي لشعر الحجازيات شيوع غرضين من أغراض الشعر نظم فيهما الشعراء نصوصهم الحجازية، هما: شعر الغزل، والشعر الديني.

2- لاحظ البحث التفاوت في تناول الشعراء لهذين الغرضين، إذ كان لشعر الغزل حضور فاعل تحقق فيه الإنجاز الشعري الكبير قياسًا بما تحقق في الشعر الديني.

3- كشفت الدراسة الموضوعية تشابه المعاني والأفكار لدى شعراء الحجازيات، وهذا يرجع إلى طبيعة الموضوع، وتشابه التجربة، إذ أخذ واحدهم ينسج حجازياته على منوال الآخر، وإن كان هناك اختلاف من حيث موضوعاتهم الشعرية.

4- تعد الأبيات الحجازية التي نظمها الشعراء في الغزل العفيف، والغزل الصوفي من أكثر الأبيات إثارة للمشاعر الجياشة، ففيها برزت القابلية الشعرية على رسم الصور ذات الفيض العاطفي.

5- انمازت لغة شعر الحجازيات بالجزالة، والبعد عن التعقيد والغموض، وكانت ألفاظ المواضع الحجازية هي الحجر الأساس فيها، فضلًا عن ألفاظ أخرى، ولاسيما ألفاظ الحب، وألفاظ الحزن التي طغت في معجمهم الشعري، إلا أنها لم تقف في حيزها الحقيقي عند الصوفية، وإنما انتقلت إلى دلالات جديدة تحددها التجربة الصوفية الروحية.

6- تشير دراسة الأساليب التي عول عليها شعراء الحجازيات في تعبيرهم الشعري إلى تنوعها، ومهارة استخدامها، ولاسيما أسلوب الاقتباس حين أجادوا في توظيف الآيات القرآنية الكريمة، مستلهمين لغتها في حجازياتهم، وهذا ما يدل على سعة خزينهم الديني، وكانت للأساليب الإنشائية التي خرجت إلى دلالات مجازية حضورٌ لا يمكن تجاهله أو تناسيه، مع الاهتمام بالأساليب النحوية.

7- وفي مجال الصورة لاحظ البحث كثرة الصور النمطية التي بنيت على وسائل أربع، بيانية (التشبيه، والاستعارة، والكناية)، وبديعية (الطباق)، فكان لها أثرها البارز في إضفاء طابع جمالي على تلك النصوص، فضلًا عن قدرتها على حمل المعاني، ورصد المواقف التي تعرض لها شعراء الحجازيات.

8- كانت أغلب تشبيهاتهم واستعاراتهم تستمد عناصرها من الطبيعة، لذا اقتربت من الإيضاح والفهم، فلا تربطها خيوط دقيقة تجعل المتلقي يستغرق في محاولة منه الكشف عنها، إلا أن هذا لا ينفي وجود عنصر الخيال وما يؤديه من دور في خلق عوالم جديدة من تلك الصور.

9- أما الصور الكنائية فقد اعتمد عليها هؤلاء الشعراء، وبالدرجة الأساس الشعراء الصوفية، ليومؤا بها إلى الحب الإلهي، أما عند غيرهم فقد كاد يقتصر حضورها عند شعراء الغزل، وهي عندهم أقل الوسائل البيانية استخداما مقارنة بالتشبيه والاستعارة، فضلًا عن أنها جاءت في أغلب نماذجها ممتزجة مع التشبيه تارة، ومع الاستعارة تارة أخرى، وعلى الرغم من أنها لم تتجاوز حدود الفهم، ولم تبتعد عن التحديد الدلالي القاطع بعدم احتمالها تأويلات عدة، إلا أنها استطاعت أن تحقق تأثيرًا في نفس المتلقي، وهي جميعها تشير إلى جمال المرأة.

10- في حين ساهمت دلالات الطباق في تقوية المعنى الشعري وتوكيده من خلال التغاير الدلالي الذي يحققه طرفا الصورة المتضادة، والتي كثيرا ما كشفت عن تناقض الأوضاع النفسية التي يمر بها الشعراء إزاء البعاد والهجر.

11- أما الإيقاع فقد شاع في حجازيات الشعراء استخدام البحور الطويلة، ولاسيما الطويل، والكامل، والبسيط، والخفيف، والوافر، أما البحور القصيرة والمجزوءة فقد وظفت هي الأخرى ولو بنسبة أقل من الأولى، ويمكنني أن أعزو سبب ذلك بالقدرة التي تنماز بها هذه البحور وهي تستوعب تجاربهم، فضلًا عن الحرية المتاحة لهم والمتأتية من لجوئهم في أغلب الأحوال إلى استخدام الزحافات والعلل.

12- أما القوافي فقد أغنت شعر الحجازيات بموسيقاها، وتلون حروفها، وتعدد أنواعها، تلك التي لم يخرج بها شعراؤها عما هو شائع في الشعر العربي، فقد استخدموا (ستة وعشرين حرفًا)، إلا أنها كادت لا تخلو من العيوب، أما من حيث حركتها فقد غلبت القوافي المطلقة من حيث نسبة ورودها في شعرهم على القوافي المقيدة.

13- كما عنى هؤلاء الشعراء بالإيقاع الداخلي عناية فائقة، فكان من التنوع بحيث أفاد في إثراء الجانب الإيقاعي الذي يحققه الوزن والقافية، ذلك الإيقاع الذي تمثل بالتصريع، والتكرار بنوعيه (الصوتي، واللفظي)، والجناس، ورد الأعجاز على الصدور، والتدوير، فضلًا عن أثره الدلالي، إذ تمكنت تلك الظواهر الصوتية من استيعاب المعاني والأفكار المراد توصيلها إلى المتلقي.

وفي الختام أرجو أن يسهم هذا البحث في خدمة أدبنا العربي، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس المحتويات