الجهود التفسيرية للجوهري (ت 398 هـ) من خلال شواهده القرآنية في الصحاح

ملخص الرسالة

الجهود التفسيرية للجوهري

من خلال شواهده القرآنية في الصحاح

المقدمة:

الحمد لله الذي أنزل الكتاب ليكون للعالمين نذيرًا، والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد:

فإنَّ نزول القرآن الكريم باللسان العربي المبين قد توَّج اللغة العربية بحلل كثيرة، منها: أنه قد حفظها بحفظ كتابه العزيز، فقال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ومنها أيضًا أنَّ اللغة العربية قد حظيت بتشريفٍ لم تصل إليه أيُّ لغة في العالم، فقد ذاع صيتها، ووسع انتشارها، وطافت شهرتها مثلما طاف القرآن الكريم في رحاب الأرض وأرجائها، فكانت الصلة حقيقية ومتينة بين القرآن الكريم ولغته.

فأصبح الاعتزاز بها لزامًا وباعثًا إلى دراستها لفهم آيات القرآن الكريم، حتى بلغت العناية باللغة العربية حدًّا يعز نظيرُه بين اللغات؛ إذ كانت محط أنظار العلماء والباحثين وميدان تسابقهم للتأليف فيها.

ولكي أحيز الفضل الأعظم في دراسة القرآن الكريم توجهتُ إلى دراسة علومه وما يتصل بها؛ لذا تخصصت بعلم التفسير؛ إذ هو أشرف العلوم؛ لأن شرف العلوم مقدر بمجالها، ومجال التفسير: كلام الله تعالى المنزَّل على حبيبه المرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بد لي من نافذة أطلُّ بها على هذا الشرف، فكانت النافذة: لغة القرآن الكريم اللغة العربية؛ إذ هي مفتاح علوم الشريعة الغراء.

لذا كنت في مرحلة اختيار موضوع البحث أتنقل بين المواضيع التي تتضمن علوم القرآن الكريم ولغته.

وكان من بين العلماء الأفذاذ الذين عُنُوا بهذه اللغة وألَّفوا فيها: الإمام إسماعيل بن حماد الجوهري، الذي اشتهر بكتابه المعروف بين الناس بـ (معجم الصحاح).

وعند اطِّلاعي على ترجمته وبعض تفسيراته لآيات القرآن الكريم في الصحاح، وجدت نفسي أمام عَلَم من أعلام الأمَّة البارزين، لا يُشَقُّ له غبار في مجال اللغة العربية وعلومها.

فوقع اختياري على صحاحه بوصفه من أهم المصادر اللغوية، وقد ضمَّ بين طياته آياتٍ قرآنية قد تناثرت كالدُّرر، ولا يفوتني أن أذكر أنَّ شهرته في ميدان التأليف المعجمي من خلال معجم الصحاح قد طغى على بقية جوانب الجوهري العلمية الأخرى؛ كالنحو الذي ألَّف فيه كتاب (المقدمة في النحو)، لكنه لم يشتهر كشهرة الصحاح، وكذلك جانب التفسير الذي برع فيه الجوهري من نواحٍ عدة؛ كاستشهاده بآيات القرآن الكريم وبيان مدلولاتها، وتفسيره لألفاظ قرآنية كثيرة، وذكره بعضًا من أسباب نزول الآيات، وتفسيره لبعض الآيات من خلال آيات أخرى، إلى غير ذلك مما أبداه الجوهري ضمن كتابه الصحاح مما يتعلق بتفسير القرآن الكريم.

وقد سبقتْني دراساتٌ كثيرة تناولت الجوهري، فأظهرت جوانبَ عدة من شخصيته، أذكر منها:

1. الدراسات النحوية والصرفية واللغوية في صحاح الجوهري، وهي رسالة ماجستير تقدم بها (عبدالرسول سلمان إبراهيم) إلى مجلس كلية الآداب /جامعة بغداد سنة 1986 م.

2. التفسير القرآني في معجم الصحاح للجوهري، بحث تكميلي تقدم به (طه سبتي إبراهيم) إلى مجلس كلية العلوم الإسلامية /جامعة بغداد سنة 2003 م. يصل عدد صفحاته إلى بضع وأربعين صفحة، وفيه إشارات قليلة لجهود الجوهري التفسيرية، ولم يجمع معظم الشواهد القرآنية للجوهري كما قمت به في رسالتي.

3. التفسير المعجمي في صحاح الجوهري - طرائقه وسماته، وهي رسالة ماجستير تقدَّمتْ بها (جمانة عبدالمهدي جاسم) إلى مجلس كلية العلوم الإسلامية /جامعة بغداد سنة 2006 م. وهي رسالة عُنيت بماهية التفسير المعجمي، واختصت بتحليل التفسير المعجمي عند الجوهري، ودراسة طرائقه وسماته، فكانت دراسة معجمية بحتة، تختلف عن دراستي التي تضمنت تفسير الجوهري للآيات القرآنية.

4. الشاهد النحوي في معجم الصحاح للجوهري، وهي رسالة ماجستير تقدَّم بها (مأمون تيسير محمد مباركة) إلى كلية الدراسات العليا في اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية / نابلس، فلسطين سنة 2006 م.

فآثرت على نفسي أن أبرز الجانب التفسيري لدى الجوهري وأسلط الضوء على شخصيته التفسيرية، فكانت رسالتي تحت عنوان: (الجهود التفسيرية للجوهري من خلال شواهده القرآنية في الصحاح).

ولا أدَّعي السبق في هذا الميدان، فقد سبقني الباحثون الذين بيَّنوا الجانب التفسيري عند الكثير من اللغويين، ومن أهم دراساتهم: (بواكير التفسير القرآني عند الخليل بن أحمد الفراهيدي) للدكتور هادي عطية مطر الهلالي.

فكنتُ ممن تأثر بطريقته الرائعة التي أثْرَت المكتبة التفسيرية برافد مهم، ألا وهو اللغة.

وقد عملتُ جاهدًا لجمع أقوال الجوهري، وما ذكره من دلالات لغوية وتفسيرية لألفاظ القرآن الكريم، وقمت بترتيبها على وفق تسلسل الآيات ثم ترتيب السور كما وردت في ترتيب القرآن الكريم.

وبعد استشارتي لأساتذتي وأهل الاختصاص أشاروا عليَّ أن أقوم بموازنة بين أقوال الجوهري وأقوال بعض المفسرين، فثنَّيتُ بسردها.

وكانت التفاسير المختارة كالآتي:

1. تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام الطبري (ت 310 هـ): الذي يمثل الاتجاه الأثريَّ.

2. تفسير الكشاف، للإمام الزمخشري (ت 538 هـ): الذي يمثل الاتجاه البلاغي.

3. التفسير الكبير، للإمام الرازي (ت 606 هـ): الذي يمثل الاتجاه العقلي.

4. تفسير البحر المحيط، للإمام أبي حيان الأندلسي (ت 745 هـ): الذي يمثل الاتجاه اللغوي.

ومن خلال سرد أقوال أولئك المفسرين تتبين قيمة أقوال الجوهري، ومدى تأثُّره بمن سبقه منهم، وتأثيره على اللاحقين به، على اختلاف اتجاهاتهم.

وبعد جمعي لتفسير الجوهري للآيات القرآنية، الذي كان صلب رسالتي، اقتضت الدراسة أن تكون على قسمين، يسبقهما تمهيد.

بيَّنتُ في التمهيد لمحة عن الكتاب المختار (معجم الصحاح)، وسلَّطت الضوء على أهم أركان شخصية مؤلِّفه (الإمام الجوهري)، ولازمت الاختصار في ذلك؛ لتكرُّر البحث في شخصية الجوهري من قِبَلِ الباحثين، فذكرت فيه:

أولًا: لمحة عن معجم الصحاح: وصفه، وقيمته، ومزاياه، وموضوعاته.

ثانيًا: لمحة عن حياة الجوهري: اسمه وكنيته، حياته، شيوخه، تلاميذه، ثقافته، آثاره ومؤلَّفاته، وفاته.

وقام القسم الأول على دراسة لما جمعته ووجدته من تفسيرات الجوهري للآيات القرآنية، فسميته (موارد الجوهري وشواهده في التفسير ومناهجه فيه)، وانقسم على فصلين، هما:

الفصل الأول: موارد الجوهري وشواهده في التفسير.

الفصل الثاني: مناهج الجوهري في التفسير.

وتضمن الفصل الأول مبحثين، هما:

1. المبحث الأول: موارد الجوهري في التفسير: تطرقت فيه إلى أهمِّ المصادر التي اعتمدها الجوهري في تفسيراته، وهي: الكتب والأعلام. فصلت القول في نماذج من الكتب المعتمدة في نقل الجوهري مبينًا منهجيته، وسردت أهمَّ أسماء الأعلام الذين أكثَرَ الجوهريُّ في نقله عنهم.

2. المبحث الثاني: شواهد الجوهري في التفسير: عرضت فيه أهمَّ أنواع الشواهد التي اعتمدها الجوهري في تفسيراته، وهي: الشاهد القرآني، والشاهد الحديثي، والشاهد اللغوي، والشاهد النحوي، والشاهد الشعري.

أما الفصل الثاني، فاستعرض أهمَّ المناهج التفسيرية عند الجوهري، فتناولت فيه منهجه في تفسيره القرآن بالقرآن، ومنهجه في إيراد القراءات القرآنية، ومنهجه في تفسيره بالحديث النبوي الشريف، ومنهجه في تفسيره بالنقل عن المفسرين من الصحابة والمتقدمين، ومنهجه في تفسيره اللغوي.

وجاء القسم الثاني وهو مدار البحث، فكان عنوانه: (تفسير الجوهري للآيات القرآنية)، تقدَّمه مدخل وإضاءة حول شخصية الجوهري التفسيرية، وما تمخض عن جمعي لأقواله وتفسيراته. وكان هذا القسم أهمَّ أقسام البحث وأوسعها، تضمَّن أقوال الجوهري وبعض المفسرين في الآيات القرآنية التي رتبتها حسب ترتيبها في القرآن الكريم، كما سبق بيانها، وقد التزمت بنسبة الآيات القرآنية إلى سورها، وتخريج الأحاديث النبوية التي ذكرها الجوهري، وأقواله. وعرضت في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها.

وقد واجهتْني خلال البحث بعضُ العقبات التي تجاوزتُها بفضل الله ومنِّه، ومنها: التأخر الحاصل في السَّنة التحضيرية لصعوبة الظروف الأمنية في تلك المدة؛ مما تسبب في تأخري في اختيار الموضوع من بين المواضيع الكثيرة التي اضطررت إلى العدول عنها؛ لكثرة الكتابة فيها من قبل، مما أدى إلى تأخري ببدء البحث. ومن ناحية أخرى فإن سَعة كتاب الصحاح قد أدى إلى ظهور حصيلة كبيرة من الشواهد القرآنية التي لم تكن في تقديري في أول البدء، فقمت بجمع معظمها، التي برز تفسير الجوهري فيها، واستبعدت بعضها مما استدل به الجوهري على مسألة لغوية بحتة، أو اتخذها مثالًا على موضوع لغوي.

وبعد، فهذا بحثي المتواضع أحسب أني قد بذلت فيه جهدًا كبيرًا، ومضيت في إخراجه وقتًا طويلًا، أرجو أن أكون قد وفِّقت في ذلك، فإن أصبتُ فذلك فضل الله وما أرجوه، وإن أخطأتُ فهو حال المبتدئين في ميدان البحث العلمي ممن احتاجوا إلى التسديد والتصويب من الأساتذة الأفاضل.

ولله الحمد في الأولى والآخرة، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

الخاتمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد:

فبعد أن عشت أيامًا كثيرة ولياليَ طويلة مع تفسير الجوهري لآيات قرآنية كثيرة في ظلال كتابه الصحاح، وعسى أن أكون قد وفِّقت في إظهار صورة صحيحة أو مقاربة لشخصيته التفسيرية، لا بد من كلمة أخيرة أذكر فيها أهمَّ النتائج التي توصلت إليها.

فبحثي الموسوم (الجهود التفسيرية للجوهري من خلال شواهده القرآنية في الصحاح) كان دراسة منهجية لجهود عالم من أعلام اللغة العربية في القرن الرابع الهجري، وضمَّ البحث قسمين تقدمهما تمهيد، تتبع البحث من خلالها جمعَ ودراسة أقوال الجوهري التفسيرية للآيات القرآنية، المتناثرة بين طيات الصحاح، فتم إخراجها بشكل مرتَّب حسب الآيات والسور القرآنية؛ ليسهل الوصول إليها، ولتكون تفسيرًا للجوهري إن صحَّت تسميته.

وتوصلت من خلال ذلك إلى ما يأتي:

1. التأكيد على علوِّ مكانة الجوهري العلمية، وحرصِه الشديد على طلب العلم؛ بدليل أنه كان يؤثِر السفر والترحال، وتبيَّنتْ سَعة خياله الإبداعي، كما دل عليه ترتيبه لمصنَّفه، وظهرتْ ثقة العلماء به ومدى إفادتهم من معجم الصحاح، وأنه مرجع أصيل لكثير من العلماء الذين استقَوا من مادته، وتتبَّعوا أثره بالتأليف والتصنيف حول موضوعاته.

2. سعة علم الجوهري وتنوُّع ثقافته؛ إذ تطرَّق إلى كثير من علوم اللغة العربية، فصنَّف في المعاجم والنحو والعروض، وصنع الشعر، واستنبط كثيرًا من المسائل التفسيرية واللغوية، وأخذ بأقوال العلماء الآخرين وكتبهم، وتعدَّدت موارده.

3. كشف البحث عن الجانب التفسيري عند الجوهري، واهتمامه بالآيات والقراءات القرآنية، والأقوال المأثورة، وإفادته منها، بجانب اهتمامه بالأصل اللغوي للمفردات.

4. أجرى البحث موازنة بين أقوال الجوهري التفسيرية وأقوال كبار المفسرين، تبيَّن من خلالها أن الجوهري لم يكن عالة على التفسير، بل أفاد من كبار المفسرين، وانتفع منه مفسرون آخرون؛ لذا تُعَدُّ أقوال الجوهري من الموارد الأصيلة في التفسير؛ إذ وافقت آراؤه آراء كثير من المفسرين.

5. تبيَّن لي من خلال جمعي لأقوال الجوهري في تفسير الألفاظ القرآنية: أن كثيرًا منها كانت منقولة عن العلماء الذين سبقوه.

6. نظرًا لأهمية القراءات القرآنية وارتباطها باللهجات العربية، وباعتبارها من أفصح كلام العرب؛ وجدت أن الجوهري قد أشار إلى تلك القراءات، فينسُب بعضَها لقارئها، وأحيانًا لا ينسبها.

وأخيرًا استطاع هذا البحث أن يجمع شتات جهود الجوهري التفسيرية من طيات كتابه الصحاح الواسع، ويثبت الجانب التفسيريَّ عنده، الذي يكشف عن علمه الغزير، فهو وإن لم يفسِّر القرآن بكامله إلا أنه ترك لنا علمًا واسعًا أفادت منه التفاسير اللاحقة.

ولا أدعي أنني بلغت الغاية، ووصلت إلى النتيجة كاملة، فالكمال لله وحده.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Abstract

The present research represents a methodological study of the efforts of a scholar in Arabic in the 4^th century. It consists of two sections:

1-The first section includes a preface and two chapters.

The preface presents an overview of the selected book (AL-Sahah) and the most important scientific stages of the author.The first chapter is divided into two sections:

a-The first section covers AL- Jawhari resources for the interpretation of the Quranic verses.

b-The second section: Al- Jawhari evidence for the interpretation of the Quranic verses.

The second chapter deals with AL- Jawhari's approach in his interpretation of the Quranic Verses.

2-Section two includes AL- Jawhari interpretation of Quranic Verses with an introduction to his style of interpretation.It traces AL- Jawhari interpretation statements of the Quranic Verses. These statements are shattered in the pages of AL-Sahah book. They have been collected and orderly directed according to the Quranic Ayats and Surahs to facilitate their access. Eventually, they constitute an interpretation reference written by AL- Jawhari.

The research could arrive at the following conclusions;

1-Emphasizing the following status of AL- Jawhari,   foregrounding scholars' trust in him and the extent of benefit they get from AL-Sahah lexicon as an authentic reference for many experts who made use of its content and traced his contributions represented by writing and classification.

2-AL- Jawhari has a very wide knowledge and varied education. He has tackled many sciences of Arabic and made classifications in lexicographics,grammar,prosody, and poetry composition. He has assimilated many explanatory and linguistic problems.

3-The research explored the interpretive aspect of   Al- Jawhari, his interest with the Quranic verses and readings, the famous sayings، and the benefits he gets from these sayings concerning his interests in the etymology of lexemes.

4-The research presents a comparison between the interpretive sayings of AL- Jawhari and those of great interpreters. The comparison shows that AL- Jawhari did not represent a burden on interpretation, rather great interpreters benefited from him. AL- Jawhari interpretation is an original resource for explanation as his opinions agree with that of many interpreters.

Finally, the research succeeded in gathering the shattered interpretive efforts of AL- Jawhari from the pages of the broad AL-Sahah،and prove his ability for explanation. This reveals his rich knowledge. Although he did not explain the Holy Quran in whole, he has left wide information subsequent interpretation benefited from.

فهرس المحتويات