العلل النحوية في كتاب الأصول في النحو لابن السراج 316 هـ

ملخص الرسالة

العلل النحوية في كتاب الأصول في النحو

لابن السراج 316 هـ

المقدمة:

الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسانٍ عربي مبين، شفاء لما في الصدور وهدًى ورحمة للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأصلِّي وأسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

وبعد:

فاعلم أن كتب أصول النحو "من أشرف ما صنِّف في علم العرب"[1]، كما قال ابن جني (ت 392هـ )، ولما كانت العلة النحوية هي الركن الرابع من أركان القياس، فلا بد لكل حكمٍ نحوي من علة تدعو إليه، وسببٍ يبيح التكلمَ به؛ لذلك كانت العلة وثيقة الصلة بالنحو، فقد تكون العلة لتقعيد ظاهرة نحوية، أو لتثبيت حكم نحوي.

ومن أجل ذلك وقع الاختيار على موضوع "العلل النحوية في كتاب الأصول في النحو لابن السراج (ت 316هـ)"، الذي كان الفضل في الإشارة إليه لأستاذتي الفاضلة الدكتورة (خديجة عبدالرزاق الحديثي)، فلها مني جزيل الشكر والامتنان، وجزاها الله عني خيرًا، وقد اخترت كتاب الأصول لدراسة هذه الظاهرة؛ لما في نصوصه من الكمال والغاية في التعليل.

فهو كتاب غني عن التعريف لمؤلِّف كبير معروف، فهو عَلَمٌ من أعلام النحو، وإمام من أئمة الثقافة، وشيخ من شيوخ اللغة، وقد وجدت الكثير من الدراسات قامت حول الكتاب والمؤلف لدراسة هذا السفر العظيم من الجوانب جميعها:

1- المسائل الخلافية في كتاب الأصول في النحو[2].

2- البحث الصوتي عند ابن السراج[3].

3- المصطلح النحوي في كتاب الأصول في النحو[4].

لذلك فإنني اتخذت جانبًا واحدًا لدراسة هذا الكتاب، فوقع الاختيار على "العلل النحوية في كتاب الأصول في النحو لابن السراج (ت 316هـ")، موضوعًا لدراستنا، ونقصد به تعليلات ابن السراج النحوية.

وبعد أن حصلت الموافقة من أساتذتي في قسم اللغة العربية، جزاهم الله عني خير الجزاء على إقرار الموضوع، والموافقة عليه، توكلت على الله وأخذت أنعم النظر في كتاب الأصول بأجزائه الثلاثة، وأستخرج مادة العلل النحوية، والوقوف عليها مع ذكر خصائص التعليل عند ابن السراج، وهو عمل يقوم على جمع المعلومات وتحليلها في آنٍ واحد، مع دراسة العلة قبل ابن السراج وبعده.

واعتمدت في هذه الرسالة على جملة من المصادر والمراجع مع كتاب (الأصول في النحو) لابن السراج موضوع دراستنا، وكذلك الكتب التي سبقت ابن السراج، ومنها كتاب سيبويه، وكتاب المقتضب للمبرد، وكتاب معاني القرآن للفراء، ومعاني القرآن للأخفش، واعتمدت جملة من الكتب التي تلت ابن السراج، منها كتاب الجمل واللمع، والكافية، والشروح وغيرها من الكتب التي ذكرت في قائمة المصادر.

وقد قسمت الرسالة على تمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة.

أما التمهيد، فقد تكلمت فيه على تعريف العلة ونشأتها وتطورها، مع ذكر أهم الكتب التي ألِّفت فيها، ثم ذكرت أنواع العلل، مع مسالك العلة وقوادحها.

أما الفصل الأول، فهو أكبر الفصول وأكثرها احتواء على مادة العلل النحوية، فقد تناولت فيه العلل النحوية في الإعراب، وقسمت الفصل على أربعة مباحث؛ تحدثت في المبحث الأول على علل الرفع، والثاني على علل النصب، والثالث على علل الجر، والرابع على علل التوابع.

أما الفصل الثاني، فقد تناولت فيه العلل النحوية في البناء، وقسمت الفصل على أربعة مباحث؛ تكلمت في المبحث الأول على العلل في بناء الاسم، والثاني على العلل في بناء الفعل، والثالث على العلل في بناء اسم الفعل، والرابع تناولت فيه العلل في بناء الحرف.

أما الفصل الثالث، فقد تناولت فيه العلل النحوية في الجملة، وقسمت الفصل على أربعة مباحث، درست في المبحث الأول العلل في التقديم والتأخير، والثاني العلل في الحذف، والثالث العلل في الإخبار، والرابع ذكرت عللًا أخرى ذكرها ابن السراج في الأصول، منها علل في الفعل اللازم والمتعدي، والنكرة والمعرفة، والتذكير والتأنيث، وعلل التأصيل، وعلل التثنية والجمع.

أما الفصل الرابع، فقد تناولت فيه تحليل العلل النحوية في كتاب الأصول، وقسمت الفصل على ثلاثة مباحث؛ ذكرت في المبحث الأول ورود العلل النحوية في كتاب الأصول، والثاني أحكام العلل النحوية، والثالث عن خصائص التعليل النحوي عند ابن السراج.

وختمت البحث بأهم النتائج التي توصلت إليها، وبملخص باللغة الإنكليزية.

ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل المشرف على الرسالة الأستاذ الدكتور محمد ضاري حمادي، الذي أمدني بزادٍ لا ينفد من علمه، وتواضعه، وحسن رعايته، وما قدم لي من توجيه سديد، ونصح جميل.

وأتقدم بالشكر الجزيل إلى أساتذة قسم اللغة العربية في كلية الآداب، وأخص بالذكر منهم الدكتور جميل نصيف التكريتي رئيس قسم اللغة العربية، والدكتورة خديجة عبدالرزاق الحديثي، والدكتورة خولة تقي الدين الهلالي، والدكتور طه محسن العاني، والدكتور فائز طه عمر، والدكتورة هدى محمد صالح الحديثي؛ لما نلت منهم من رعاية وتكريم في السنة التحضيرية.

وأخيرًا أقدم تحياتي إلى كل من مدَّ يد العون والمساعدة في إعداد هذا البحث، وأخص منهم العاملين في مكتبة الدراسات العليا، ومكتبة قسم اللغة العربية، ومكتبة الكلية، والمكتبة المركزية، والعاملين في المكتبة المركزية في بعقوبة.

وأتقدم بالشكر الجزيل إلى صديقي وأخي عبدالجليل محمد مجيد، الذي مد يد العون والمساعدة طيلة مدة إعداد الرسالة.

وختامًا أسأل الله العلي القدير أن يوفق الجميع لما فيه خير العباد وعزة الأمة وتقدمها، وأن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، فإن وفِّقت في عملي فمن الله وله الحمد، وإن تكن الأخرى فحسبي أني بذلت الوسع في ذلك ومن الله التوفيق.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخاتمة:

بعد الاتكال على الله وإنجاز ما قدمناه من دراستنا لموضوع " العلل النحوية في كتاب الأصول في النحو لابن السراج (316هـ)"، لا يسعني إلا أن أذكر النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث.

1- إن نشأة العلة جاءت استجابةً لبواعث عربية إسلامية من دون تأثير خارجي غير عربي.

2- إن ظاهرة التعليل في اللغة العربية، من أبرز الظواهر التي لا يمكن تجاهلها والاستغناء عنها، ولا يمكن دراسة البحث اللغوي العربي وفهمه إلا من خلالها.

3- مرت العلة النحوية بثلاث مراحل تبعًا لتطور النحو العربي:

أ - المرحلة الأولى: وتبدأ بـ (عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي (117هـ)، وتنتهي بـ(الخليل بن أحمد الفراهيدي 175هـ)، وتمتاز تعليلات هذه الفترة بأنها يسيرة تساعد على فهم كلام العرب، ويدور معظمها في العامل، وأنها كانت بمثابة تفسير للقواعد النحوية، وكانت لصيقة بالحكم لا تتعداه.

ب - المرحلة الثانية: وهي مرحلة العلة في القرن الثاني للهجرة، وهي المرحلة التي أعقبت الخليل بن أحمد الفراهيدي، وتتمثل بتلميذه سيبويه وغيرهم، وتتصف تعليلات هذه المرحلة بكونها بعيدة عن الفلسفة، وأنها قريبة من روح اللغة ومن حسها الذي ينفر من القبح.

ج - المرحلة الثالثة: وهي مرحلة العلة في القرنين الثالث والرابع الهجريين، دخلت العلة النحوية مرحلة جديدة، فأخذت نمطًا جديدًا، إذ بدأ أمر هذه العلة يتسع، فأصبحت العلة عند علماء القرن الثالث الهجري رديف الحكم النحوي.

أما العلة في القرن الرابع الهجري، فتبدأ بالتحديد بابن السراج (316هـ)، فقد أخذت نمطًا جديدًا، وهو مما ساعد على ذلك امتزاج النحو بالمنطق، ويتضح ذلك عند الرماني (ت 384هـ) الذي كان يمزج النحو بالمنطق، حتى قال فيه أبو علي الفارسي (377هـ): " إذا كان النحو ما يقوله الرماني فليس له معنا منه شيء، وإن كان النحو ما نقوله فليس معه منه شيء "[5].

وبدأ أمر العلة والعناية بها يزدادان كلما تقدم الزمن بالنحويين، فقد كان مدار التأليف حولها واسعًا، وينال عناية أكبر وأوفر.

4- متابعة ابن السراج الخليلَ وسيبويه في التعليل، وإن لم تكن متابعته لهما متابعة كلية، فالعلل التي ذكرها ابن السراج في كتاب (الأصول في النحو) ما هي إلا تلك العلل التي وجد في كتاب سيبويه؛ لذلك جاء تعليله كتعليل الكتاب لسيبويه، وإنَّ علله امتداد وانعكاس لهما، إلا أنه خالف سيبويه في بعض المواضع من التعليل، فعلى سبيل المثال:

أ‌- خالف ابن السراج سيبويه في رافع الخبر؛ إذ عد سيبويه الرافع للخبر المبتدأ وحده، في حين أن الرافع للخبر عند ابن السراج الابتداء والمبتدأ.

ب‌- خالف ابن السراج سيبويه في بناء كان للمفعول، فقد أجاز سيبويه بناءها للمفعول، أما ابن السراج فقد منع بناءها للمفعول.

ج- خالف ابن السراج سيبويه في الفصل بين (كمْ) ومعمولها، فقد أجاز سيبويه الفصل بينهما، ومنع ابن السراج ذاك.

د - مخالفة ابن السراج سيبويه في (ما) المصدرية، فقد عدها سيبويه حرفًا، وأما ابن السراج فقد جعلها اسمًا.

5- يعد ابن السراج أول من أشار إلى تقسيم العلل على قسمين؛ إذ قال: "واعتلالات النحويين على ضربين: ضرب منها هو المؤدي إلى كلام العرب؛ كقولنا: كل فاعل مرفوع، وضرب آخر يسمى علة العلة؛ مثل أن يقولوا: لِمَ صار الفاعل مرفوعًا، والمفعول به منصوبًا؟ ولمَ إذا تحرَّكت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحًا قُلِبتا ألفًا؟ وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب، وإنما تستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها، وتبين بها فضل هذه اللغة على غيرها من اللغات..."[6].

6- يعد ابن السراج أول من استخدام مصطلح العلل الثواني، وذلك عند ذكره علة نصب المفعول به؛ إذ يقول: "فهو منصوب، ونصبه؛ لأن الكلام قد تم قبل مجيئه وفيه دليل عليه، وهذه العلل التي ذكرناها هاهنا هي العلل الأول، وهاهنا علل ثوانٍ أقرب منها يصحبها كل نوع من هذه الجمل"[7].

7- إن ابن السراج لم يكن ناقلًا أو جامعًا يجمع الآراء ويقدمها للدارسين، بل كان له مقدرة في التعليل والترجيح.

8- نجد علله تكتفي بالتعليل الواحد؛ وذلك لتوضيح الحكم وتفسيره.

9- يعد كتاب الأصول واحدًا من أبرز الكتب التي ذكرت العلل النحوية، وإن لم يحمل هذا الاسم؛ وذلك لاتساع مادة العلل النحوية التي ذكرها في كتابه؛ إذ لا تمر مسألة إلا وهو يعلل لها، وكذلك العصر الذي شهده ابن السراج، فقد أصبحت العلة عند علماء القرن الرابع الهجري رديف الحكم النحوي، وما شهده العصر من كثرة التأليف في العلل النحوية.

فهرس المحتويات