تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر (من سورة التغابن إلى سورة الناس )

ملخص الرسالة

تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر

( من سورة التغابن إلى سورة الناس )

مقدمة:

الحمد لله الذي شهدت الكائناتُ بوجوده، وشمل الموجوداتِ عميم كرمهِ وجوده، ونطقت الجماداتُ بقدرته، وأعربت العجماواتُ عن حكمته، وتخاطبت الحيواناتُ بلطيفِ صنعته، وتناغت الأطيار بتوحيده، وتلاغت وحوشُ القفارِ بتفريده، كلٌ باذلٌ جهده، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرورأنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42] فنور الله يدخل في الصدور ويظهر على الوجه الحبور، قال تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 16].

كتاب هذا شأنه لجدير أن يأخذ بلب العلماء فضلًا عن جهدهم إلى كل خير. ولأن الخوض في علومه المتنوعة فيه شرف لنا، فقد دعانا الله ورسوله لتدبره فقال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»[1] لذلك أقبل الصغير على حفظه والعالم على فهمه وتفسيره على مر العصور، حيث تنوعت علومه واختلفت في الجمال درره وفنونه. وفي العصر الحديث ظهرت تفاسير أضافت أبعادًا جديدة للتفسير. ومنها كانت هذه الدراسة بعنوان:

«تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر من سورة التغابن إلى سورة الناس».

أهمية الموضوع:

1- تعلق هذا البحث بالقرآن الكريم ولا يخفى أن الشيء يشرف بشرف متعلقه و لمكان هذا الكتاب في قلوب المسلمين وارتباطه بنجاة البشرية في الدنيا والآخرة، كان هذا التوجه إلى دراسته وتدبره.

2- تكمن أهمية القراءات في علم التفسير: في أن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات، فتنوع القراءات تبعه تنوع في المعاني، وزيادة في الأحكام، وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدئ من جمال هذا الإيجاز وينتهي إلى كمال الإعجاز في معانيه وأحكامه.

3- تناول هذا الموضوع بهذا الشكل فيه رد على المستشرقين، الذين يتربصون بالأمة الإسلامية وكتابها أشد التربص، لنفث سمومهم ونشر شبهاتهم، للطعن في القرآن من خلال تنوع قراءاته، لنقول لهم: إن في تنوع القراءات البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله وعلى صدق من جاء به، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لا يخفى على ذي لب سليم، فإنهذا التنوع، في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء، ولا إلى تضاد، بل القرآن كله على تنوع قراءاته يصدق بعضه بعضًا ويبين بعضه بعضًا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير.

أسباب اختيار البحث:

1- المشاركة في خدمة هذا الكتاب العزيز وحرصًا مني على أن أسجل اسمي في قائمة من ذب عنه وشارك في هداية الناس إليه، ويمكن القول بأنه ذا السبب هو أهم الأسباب التي أدت إلى انشراح الصدر و قوة العزم على خوض غمار البحث في هذا الموضوع.

2- الرغبة في أن يأخذ هذا الموضوع حقه من البحث كدراسة علمية منهجية شاملة، فهو على أهميته لم يأخذ حقه من اهتمام علمائنا وإن تعرض الكثير منهم لتوجيه القراءات والاحتجاج لها.

تشجيع مشايخي وأساتذتي، وأخص منهم مشرفي/ الدكتور "وليد العامودي" حفظه الله، الذي طالما شجعنا في أثناء الدراسة الأكاديمية لمثل هذا الموضوع.

3- الرغبة في دراسة الأمور المعاصرة مما له علاقة بالإقراء والقراءات، فالموضوع بهذا العرض جديد وإن كانت أصوله موجودة في كتب التفسير والقراءات.

اهتمامي بعلم القراءات والتجويد مما يقوي الرغبة في إتقان التخصص والتعمق فيه إذ نحن اليوم في زمن التخصصات.

4- إتمام البحث في هذا الموضوع، وبذلك يكون هذا الموضوع قد خُدم على أيدي طلاب قسم التفسير وعلوم القرآن وطالباته، في الجامعة الإسلامية -بغزة - من بداية المصحف الشريف إلى آخره.

أهداف البحث:

1- يهدف هذا البحث إلى دراسة الكلمات القرآنية التي قرئت على أكثر من وجه، ومحاولة تفسير المقاطع التي وردت فيها تلك الكلمات من خلال القراءات المختلفة في الكلمة الواحدة وبيان الارتباط الوثيق بين تلك القراءات في التفسير.

2- الكشف عن الأسس والضوابط المعتبرة التي عول عليها علماء القراءات في اختيارهم أو احتجاجهم لقراءة ما، مع دراسة تطبيقية ترسخ ذلك المنهج لدى الباحثين نظريًّا وعمليًّا.

3- تأكيد حقيقة واقعية لكل الباحثين وطلاب العلم الشرعي، بأن تفسير القرآن الكريم لم يتوقف عند مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي، وخير دليل على ذلك، هذا اللون الجديد من التفسير، حيث تفسير القرآن بالقراءات القرآنية المتنوعة.

منهج البحث:

سلك الباحث في بحثه المسلك الآتي:

الناحية العلمية:

1- قدمت بين يدي الرسالة تعريفات موجزة لمصطلحات وفروق مهمة في علم القراءات، ولكني لم استقص كل المصطلحات والفروق، وإنما اقتصرت على ما يكثر دورانه، وهذا مسلك علمي منهجي يحسن اتباعه والتزامه في سائر العلوم والتخصصات فإن الفهم السليم مرهون بالتصور السليم.

2- عرضت آراء العلماء وأقوالهم من مصادرها الأصيلة ما أمكنني ذلك، وحاولت التأكد من النقول التي نقلتها من كتب غير أصحابها عند تعذر نقلها من كتبهم، وذلك بمقابلتها عند عثوري عليها في مراجع أخرى.

3- آثرت أن يكون منهجي في تفسير الآيات بالقراءات القرآنية مثل منهج من سبقني من الإخوة، وذلك حفاظًا على توحيد الموضوع، وكأنه كتاب واحد، فكان المنهج كالتالي:

أ- كتابة الآية القرآنية مدار البحث كاملة مشكلة برواية حفص عن عاصم.

ب- بيان القراءات المختلفة في الآية بالرجوع إلى كتب القراءات المشهورة.

ت- بيان المعنى اللغوي للقراءات الغريبة بالرجوع إلى كتب اللغة الأصيلة.

ث- تفسير الآية تفسيرا مجملًا، مع الالتزام بالقواعد المقررة في التفسير.

ج- بيان العلاقة التفسيرية بين القراءات القرآنية وكنت أحاول من خلال هذا المقطع من الفصل، أن أبين الجمع بين القراءات وذلك بالرجوع إلى كتب أخرى تناولت الموضوع، وأجتهد للوصول إلى الصواب ما استطعت.

الناحية الشكلية:

أ- جعلت البحث متنًا وحاشية؛ المتن للموضوع وخطته، والحاشية للتخريج وترجمة الأعلام والإحالات والتعليقات.

ب- التزمت تصغير خط الحاشية عن الخط الأصلي لدى البحث مبالغة في التمييز بينهما.

توثيق عملي في البحث كالتالي:

1) عزو الآية إلى موضعها سورة و رقمًا.

2) تخريج الحديث من مواضعه الأصلية مع الحكم عليه.

3) بيان المصدر أو المرجع بالصفحة والجزء إن وجد.

4) إزالة الإشكال عن الكلمات الغريبة ما استطعت.

5) ترجمة الأعلام المغمورين بما يكفي التعريف بهم.

6) توثيق المقتبسات مصدرًا هذه الدلالة بقولي: "انظر"، وقد استعملتها أيضا عند الإحالة لمن يريد الاستفادة وتجنبًا للإطالة.

7) أعددت فهارس خاصة بالموضوع لكي تسهل عملية المطالعة في البحث.

الجهود السابقة:

هذا الموضوع من المواضيع الحديثة ولم يتطرق إليه الباحثون بمثل هذا التصنيف سوى إخوة لي من أبناء الجامعة الإسلامية - بغزة - وقد بدأ هذا الموضوع بتفسير سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران ثم تتابع الإخوة والأخوات من أبناء كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية - بغزة -للبحث والتفسير لسور أخرى وقد كان لي شرف تكميل هذا الموضوع حيث تناولت في بحثي تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر من سورة التغابن إلى سورة الناس.

خطة البحث:

ويتكون البحث من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة، وتشتمل المقدمة على ما يلي: أهمية الموضوع، أسباب اختيار البحث، أهداف البحث، منهج البحث، الجهود السابقة.

التمهيد: مباحث في علم القراءات ويشتمل على:

المبحث الأول: تعريف القراءات لغةً واصطلاحًا.

المبحث الثاني: نشأة علم القراءات وتطوره، والفرق بين الأحرف السبعة والقراءات.

المبحث الثالث: التعريف بالقراء العشرة وأشهر رواتهم.

المبحث الرابع: مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية عند العلماء.

المبحث الخامس: أسباب اختلاف القراء في القراءات والفرق بين الخلاف الواجب والخلاف الجائز.

المبحث السادس: أهمية تعدد القراءات وفوائدها، والفرق بين جمعها وتركيبها.

المبحث السابع: معني التفسير والتأويل والفرق بينهما وأثر القراءات على التفسير.

الفصل الأول: التفسير بالقراءات القرآنية العشر، من سورة (التغابن) إلى آخر سورة (نوح).

وذلك كالتالي:

المطلب الأول: التقديم بين يدي كل سورة.

المطلب الثاني: وسيتناول الحديث عن:

أ- القراءات.

ب - المعنى اللغوي للقراءات.

ج- التفسير الإجمالي للآية المتضمنة للقراءات.

د- العلاقة التفسيرية بين القراءاته- الجمع بين القراءات.

الفصل الثاني: التفسير بالقراءات القرآنية العشر، من سورة (الجن) إلى آخر سورة (المرسلات).

وذلك كالتالي:

المطلب الأول: التقديم بين يدي كل سورة.

المطلب الثاني: وسيتناول الحديث عن:

أ- القراءات.

ب - المعنى اللغوي للقراءات.

ج - التفسير الإجمالي للآية المتضمنة للقراءات.

د- العلاقة التفسيرية بين القراءاته- الجمع بين القراءات.

الفصل الثالث: التفسير بالقراءات القرآنية العشر، من سورة (النبأ) إلى آخر سورة (الانشقاق).

وذلك كالتالي:

المطلب الأول: التقديم بين يدي كل سورة.

المطلب الثاني: وسيتناول الحديث عن:

أ- القراءات.

ب- المعنى اللغوي للقراءات.

ج- التفسير الإجمالي للآية المتضمنة للقراءات.

د- العلاقة التفسيرية بين القراءات.

هـ- الجمع بين القراءات.

الفصل الرابع: التفسير بالقراءات القرآنية العشر، من سورة (البروج) إلى آخر سورة (الناس) المتضمنة للقراءات العشر.

وذلك كالتالي:

المطلب الأول: التقديم بين يدي كل سورة.

المطلب الثاني: وسيتناول الحديث عن:

أ- القراءات.

ب- المعنى اللغوي للقراءات.

ج- التفسير الإجمالي للآية المتضمنة للقراءات.

د- العلاقة التفسيرية بين القراءات هـ- الجمع بين القراءات.

الخاتمة:

وتشتمل على أهم نتائجه وكذلك التوصيات والمقترحات.

الفهارس والمراجع وجعلتها ستة فهارس:

• فهرس الآيات القرآنية.

•فهرس الأحاديث النبوية الآثار.

•فهرس الأعلام.

•فهرس المصادر المراجع.

•فهرس الموضوعات.

والله ولي التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخاتمة:

تتضمن الخاتمة أهم النتائج التي توصل إليها الباحث، مع الإشارة للمقترحات التي يوصي بها الباحث. وأهم النتائج التي توصل إليها الباحث كالتالي:

أولًا: حديث الأحرف السبعة من الأحاديث المجمع على تواترها، والتي فيها اختلاف الألفاظ مع اتفاق وسعة في المعاني، وكذلك الاختلاف في هيئات النطق والأداء، التي يظهر من خلالها التيسير ورفع الحرج عن الناس.

ثانيًا: العلاقة بين الأحرف السبعة والقراءات هي علاقة عموم وخصوص؛ فالقراءات هي جزء من الأحرف السبعة.

ثالثًا: القراءات المتممة للعشر، نقطع بقرآنيتها، وعدم جواز إنكار أي منها، فضلًا عن السبع.

رابعًا: تنوع القراءات له أثره الراقي والجميل في التفسير مما يدل على أن القرآن صالح لكل زمان.

خامسًا: أفادت القراءات على إثراء اللغة والنحو مما يفتح الآفاق الجديدة أمام علماء التفسير واللغة.

سادسًا: كان للقراءات الأثر الأبرز في حفظ على اللغة العربية سليمة بلهجاتها المتنوعة رغم الحداثة وتغير الزمان.

سابعًا: اختلاف القراءات الحاصل في فرش السور (من سورة التغابن لسورة الإخلاص) أفاد أن عدد الآيات المتضمنة للقراءات في كل سورة قليل بالنسبة لعدد آيات السورة، حيث إن عدد الآيات التي فيها أوجه القراءات، بلغت مئة وتسع وثلاثون آية، مقارنة بعدد آيات السور المتناولة للبحث، وعددها ألفٌ وسبع وثلاثون آيةٍ، مما يؤكد أن لسان قريش هو الأغلب.

ثامنًا: الخلاف الواجب عين القراءات والروايات والطرق بمعنى أن القارئ ملزم بالإتيان بجميعها.

تاسعًا: الخلاف الجائز هو خلاف الأوجه الذي على سبيل التخيير والإباحة.

أما أهم المقترحات فهي كالآتي:

أولًا: الحاجة الماسة إلى:

1- كلية لتدريس القراءات كنوع من التخصص، لا سيما أننا في زمن الخصخصة.

2- مكتبة لا ترهق طلبة علم القراءات؛ بحثًا عن المراجع.

3- كتاب جامع لتفسير القرآن بالقراء ات يجمع الرسائل المكتوبة في الجامع الإسلامية مع حذف المكرر.

4- تأهيل طلابنا على القراءات في المدارس منذ الصغر.

ثانيًا: أوصي طلبة علم القراءات، والباحثين، بمزيد اهتمام بهذا العلم، لحاجة الأمة لأمر ربما تكشف عنه القراءات.

ثالثًا: أوصي القنوات ال فضائية بالاهتمام بعلم القراءات، عبر البرامج التي تظهر، خاصة تنوع القراء، والدورات التعليمية التابعة لذلك.

هذا جهدي في إبراز جانب من جوانب صدق الوحي والنبوة من خلال تعدد القراءات، وبيان أثرها على التفسير متوسلًا لله أن يقبل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به عباده الصالحين؛ ليكون نافعًا في الحياة، وبعد الممات.

تمت والحمد لله رب العالمين.