المسائل الفقهية المستخرجة من كتاب سير أعلام النبلاء جمعا وترتيبا ودراسة

ملخص الرسالة

المسائل الفقهية المستخرجة من كتاب سير أعلام النبلاء

جمعًا وترتيبًا ودراسةً

تتناول هذه الدراسة المسائل الواردة نصًا في كتاب "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي، وما للإمام عليها من تعليقات، وذلك بهدف خدمة هذا الكتاب المهم من الناحية الفقهية، بعد أن كان قد خُدم من نواحٍ علمية أخرى، وكذلك إبراز الجانب الفقهي عند الإمام الذهبي المؤرخ والمحدث.

وقد قسمت الدراسة إلى مقدمةٍ وأربعة فصولٍ وخاتمةٍ، حيث تحدث الفصل الأول منها عن ترجمة الإمام الذهبي، وأهمية كتابه سير أعلام النبلاء، وإبراز الجانب الفقهي فيهما، وأما الفصل الثاني فقد

جمعت فيه المسائل تحت موضوع العبادات، من طهارٍة وصلاة وجنائز وصيامٍ وزكاة وحجٍ، وخصصت الفصل الثالث للمسائل تحت موضوع المعاملات والعادات، من بيوعٍ، وأيمانٍ ونذورٍ، وجناياتٍ ودياتٍ وقضاءٍ، وجهادٍ وعتقٍ، وأطعمةٍ وأشربةٍ وألبسةٍ، ثم المسائل تحت موضوع الأحوال الشخصية، من نكاحٍ وطلاقٍ، و فرائض، وأما الفصل الرابع فحوى متفرقات المسائل التي لم أتمكن من إدراجها تحت الفصول السابقة وسميته الجامع تأسيًا بالسادة المالكية، ثم الخاتمة أسأل الله حسنها، والتي اشتملت على أهم النتائج والتوصيات.

وقد بينت الدراسة وجود مسائل فقهية في كتاب "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي، وذلك في شتى أبواب الفقه، وأظهرت الجانب الفقهي في كتاب "سير أعلام النبلاء"، وفي شخصية الإمام الذهبي رحمه الله.

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من

يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

يقول الحق - تبارك وتعالى - ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

وعن حميد بن عبد الرحمن قال: سمعت معاوية رضي الله عنه خطيبًا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ يُرد اللهُ به خيرًا يفقهه في الدِّينِ، وإنَّما أنا قاسمٌ واللهُ يُعطي، ولن تزال هذه الأمَّةُ قائمة على أمرِ الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله»[1]. وعند البخاري بابٌ سماه (باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» وهم أهل العلم)[2].

وعنده أيضا بابٌ سماه: (باب ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143] وما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم)[3].

فلا ريب أن تتجه همم أفذاذٍ من الأمة إلى العلم النافع، ومن أَجلِّه التفقه في دين الله، كيف لا وقد حضّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إتقان النقل بمقصد إيصال كلامه الشريف إلى من يفقهه ويفقه الناس به، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «نضَّر الله امرأً سمع منَّا حديثًا فحفظه حتى يبلِّغَه، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه»[4].

فالناس متعبدون بالعمل بكتاب الله - عزَّ وجلَّ - وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس كلهم قادرٌ على الاستنباط من هذه النصوص، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83].

وقال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 43، 44].

وإسهامًا في صرح الفقه الشامخ كانت هذه الأطروحة، تجمع لؤلؤًا متناثرا في كتابٍ من ذهبٍ سَبكَته يراع الإمام الذهبي، ثم تسلك تلكم اللآلئ في نظمٍ مرتبٍ يُسهل التناول، ومن ثم التفقه والعمل، وذلك بجمع وترتيب ودراسة المسائل الفقهية الواردة نصًّا في كتاب "سير أعلام النبلاء" منسوبة إلى أصحابها، وأحيانًا متعقبة بفقه الإمام الذهبي شرحًا، أو تعليلا، أو تأييدًا، أو اعتراضًا.

أهمية البحث:

لقد اخترت الكتابة تحت هذا العنوان، لرغبتي في خدمة تراث الإمام الذهبي، الذي بدوره كان من أعظم من خدم التراث النبوي خصوصًا، والإسلامي عمومًا، وخاصة من خلال كتابه "سير أعلام النبلاء"، الذي هو فيما أرى أقرب كتب الذهبي تناولًا من قبل الدارسين، وفي نفس الوقت أكثرها نضوجًا واستقرارًا، فهو من آخر ما كتب، ففيه إشاراتٍ ومراجعاتٍ عما ورد في كتابه الموسوعي الضخم "تاريخ الإسلام"، وشمولًا وتوسعًا عما في كتبه: "العبر"، أو "دول الإسلام"، أو "معرفة طبقات القراء"، أو "طبقات الحفاظ" وغيرها. وكما سأبين إن شاء الله فقد تمت دراسة هذا الكتاب من جوانبَ كثيرة: حديثيةٍ وعقديةٍ وغير ذلك، فأردت أن أدرسه فقهيًّا، وعسى الله أن ييسر من يدرسه أصوليًّا، وإن كانت الناحية الأصولية أقل ظهورًا من الناحية الفقهية.

مشكلة البحث:

يحاول الباحث من خلال بحثه ما يأتي:

• الإجابة عن التساؤل: هل يوجد مسائل فقهية في كتاب "سير أعلام النبلاء"؟!

• إبراز المسائل الفقهية التي ذكرها الذهبي للمترجم لهم.

• إبراز التعليقات التي ذيل بها الحافظ الذهبي تلك المسائل.

• ترتيب تلك المسائل والتعليقات على الأبواب الفقهية.

الدراسات السابقة:

لقد تمت دراسة وتناول كتاب "سير أعلام النبلاء" من نواحٍ عدَّة؛ فأولها إخراجه من حيز المخطوط إلى المطبوع، وذلك منذ مدة طويلةٍ لما للكتاب من أهمية عند أهل العلم، ثم إخراجه بالتقديم المتميز والتحقيق المتقن عن ثلَّةٍ من أهل العلم المختصين، والذي نشرته مؤسسة الرسالة[5]، والتي اعتنت من ناحية أخرى بجودة طباعته وتجليده مما يسهل على الدارسين مطالعته.

أما الدراسات السابقة حول الكتاب فقد تنوعت ومن أبرزها:

1- ضوابط الجرح والتعديل عند الإمام الذهبي من خلال كتاب سير أعلام النبلاء، جمعًا ودراسة، رسالة ماجستير مجازةٌ من الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، للطالب محمد الثاني عمر بن موسى، بتاريخ 9 /1 /1420هـ[6] والتي تناولت أهم فرعٍ في مصطلح الحديث وهو الجرح والتعديل، وفي بعض الأحيان استعمال ذلك في أحداث التاريخ، ولكنها بعدت تمامًا عن الجانب الفقهي.

2- الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الاعتقاد من كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، جمعًا وتخريجًا ودراسة، رسالة دكتوراه مجازةٌ من الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، للطالب جمال بن أحمد بن بشير بادي، بتاريخ 28 /12/ 1414هـ[7].

ودرست الرسالة كثيرًا من مسائل الاعتقاد من خلال الآثار الواردة، وهي كسابقتها بعدت عن الجانب الفقهي في الكتاب.

3- كشف الغطاء عن أحكام الذهبي في سير أعلام النبلاء على الأحاديث والقصص والأنباء، تأليف الدكتور يحيى بن يحيى الشهري، نشر دار أضواء السلف السعودية، الطبعة الأولى 1418هـ[8]. وأظهر الكتاب اجتهادات الذهبي في أحكامه على كثيرٍ من الأحاديث والأخبار من حيث القَبول والرد، ولم تتطرق إلى الأحكام الفقهية في الكتاب.

4 - مصنفات حذر منها الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء، للباحث محمد بن زكريا أبو غازي، نشرته «مجلة الحكمة»، والمقال يظهر أسماء الكتب التي أرشد الذهبي إلى مجانبتها، بعيدًا عن الدراسة الفقهية للكتاب.

كما يتضح من العناوين والتعليقات السابقة فقد حظي الكتاب بالعناية من ناحية الحديث النبوي ومصطلحه، ومن الناحية العقدية، فأردت أن أدرسه وأتناوله من الناحية الفقيهة، ولم أجد في حدود بحثي دراسة مستقلة تناولت الكتاب من الناحية الفقهية أو الأصولية، فأردت أن أكمل الدراسات التي تناولت الكتاب، وذلك من الناحية الفقهية، وبالله المستعان.

منهج البحث:

اتبعت في بحثي المنهج الاستقرائي التحليلي المقارن، حيث قرأت الكتاب قراءةً جردية دقيقة، بهدف جمع وترتيب ودراسة المسائل الفقهية الواردة نصًّا في ثنايا الكتاب.

وقد قمت أثناء البحث بالأمور الآتية:

♦ دراسة الكتاب دراسة جردية، بمعنى قراءته كلمة كلمة لاستخراج المسائل الفقهية. ثم دراسة المسائل المستخرجة دراسة فقهية مقارنة مع المذاهب الأربعة، ومذهب الظاهرية حيث أقف لهم على قولٍ في المسألة.

♦ جمع تلك المسائل، ثم إعادة ترتيبها على الأبواب الفقهية ليسهل تناولها، والنظر فيها.

♦ إبراز التعليقات القيمة للحافظ الذهبي على المسائل، أو حيث تكون المسائل من استنباطه الخاص.

♦ عزو الآيات القرآنية التي وردت في هذه الدراسة بذكر اسم السورة ورقم الآية في الهامش.

♦ تخريج الأحاديث النبوية الشريفة والآثار التي قد ترد في الدراسة، ونقل أحكام أهل الاختصاص عليها حيث يلزم.

♦ نقد ما يستحق النقد، والتنبيه على المهجور من المسائل.

♦ الاعتماد على أصول البحث العلمي في نقل وتوثيق المعلومات في هامش البحث.

♦ جعلت للدراسة مقدمة توضح الهدف منها، وخاتمة تلخص ما توصل إليه الباحث وأهم التوصيات.

♦ ما وضعته بين معكوفين [ ] فهو إضافة من الباحث على النص للتوضيح.

♦ كما جعلت قائمة المراجع مرتبة هجائيًّا حسب شهرة المؤلف، مع اعتبار (ال) التعريف و(أبو) و(ابن) في الترتيب.

تقسيم الدراسة:

وقد قسمت الدراسة إلى مقدمةٍ وأربعة فصولٍ وخاتمةٍ، حيث تحدث الفصل الأول منها عن ترجمة الإمام الذهبي، وأهمية كتابه سير أعلام النبلاء، وإبراز الجانب الفقهي فيهما، وأما الفصل الثاني فقد جمعت فيه المسائل تحت موضوع العبادات، من طهارة وصلاة وجنائز وصيام وزكاة وحج، وخصصت الفصل الثالث للمسائل تحت موضوع المعاملات والعادات، من بيوع، وأيمان ونذور، وجنايات وديات وقضاء، وجهاد وعتق، وأطعمة وأشربة وألبسة، ثم المسائل تحت موضوع الأحوال الشخصية، من نكاح وطلاق، و فرائض، وأما الفصل الرابع فحوى متفرقات المسائل التي لم أتمكن من إدراجها تحت الفصول السابقة وسميته الجامع تأسيًا بالسادة المالكية، ثم الخاتمة - أسأل الله حسنها إذا بلغت الروح المنتهى -، والتي اشتملت على أهم النتائج والتوصيات.

فهرس المحتويات