العلاقة بين دلالة النص والقياس

ملخص الرسالة

العلاقة بين دلالة النص والقياس

الملخص:

اختلف الأصوليون في تقسيمهم للدلالات، وذلك لاختلاف وجهة النظر عندهم.

فيرى الحنفية أن اللفظ قد يدل بذاته، وقد يدل بواسطة. والدال بذاته: قد يكون المعنى مقصودًا أصليًّا أو تبعيًّا، وقد لا يكون كذلك.

أما الثابت بواسطة الغير فقد يثبت: من طريق اللغة، أو من طريق الشرع.

والذي نتناوله بالدراسة في هذه الأطروحة هو: الثابت بواسطة الغير من طريق اللغة، ويسمى دلالة النص، وتعني: ما ثبت باللغة من غير اجتهاد ولا استنباط.

ويرى الجمهور أن اللفظ قد يدل على معناه بمنطوقه، وقد يدل عليه بمفهومه. ودلالة المنطوق على الأحكام قد تكون: من طريق المطابقة أو التضمين أو الالتزام. أما دلالة المفهوم فقد تكون: من طريق الموافقة، وقد تكون من طريق المخالفة.

وأما القياس: فهو من أدلة الشرع العقلية، ويعني: إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة تجمع بينهما ولما كان الفرع يلحق بالأصل، فالقياس مُظْهِر وكاشفٌ بينهما للأحكام وليس منشئًا لها، ولما كانت العلة تعرف بالاجتهاد، فلابد للقائس من أن يكون مجتهدًا مسلمًا، بخلاف العارف للعلة في دلالة النص، إذ يكفي أن يكون عالمًا بأسرار اللغة وأسباب الوضع، وإن لم يكن مسلمًا.

المقدمة:

إن الحمد الله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونؤمن به، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، القائل - جلَّ جلاله -: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17].

ونصلي ونسلم ونبارك على نبيه محمد بن عبد االله الصادق الأمين، فقد قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

ونشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وبين للناس ما نزل إليهم من أمور الدين، فكانوا كما قال رب العزة: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

سبب اختيار البحث:

قدمت هذه الأطروحة لنيل شهادة الماجستير في الفقه والتشريع، وهي بعنوان (العلاقة بين دلالة النص والقياس). إذ في أثناء الدراسة، كان من المواد المقررة: مادة " الدلالات "، وفيها: التحليل الأصولي للمدارس الأصولية، وبيان تقسيماتهم لكيفية دلالة اللفظ على المعنى: هل يدل بذاته أم بغيره؟ وهل هو من المنطوق أم المفهوم؟.

وإنما اخترت البحث في مجال أصول الفقه، لسعة مداركه وجمال بحوره، واخترت هذه المسألة لما لها من دقة في تخريج المسألة الأصولية، فقد يعتبرها بعضهم من قبيل دلالة النص، بينما يعتبرها آخرون من القياس، وهناك فرق.

مشكلة البحث:

ومن هنا بدأت أتساءل: ماذا تعني دلالة النص؟ وما هو القياس؟ وما هي شروط كل منهما؟ وما أهمية معرفة كل منهما؟ وما تلك الأسباب التي أدت إلى اختلاف الأصوليين؟.

أهمية البحث:

معرفة دلالة النص ومدى العلاقة بينها وبين القياس تساهم في معرفة بعض الأحكام.

الدراسات السابقة:

لم أجد دراسات سابقة تتناول الموضوع بشكل منفرد ومباشر، غير أن جميع مصادر ومراجع أصول الفقه تناولت الحديث عن دلالة النص وعن القياس، ومن هذه المراجع:

1) الخن، مصطفى. "أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء"، لبنان، بيروت، مؤسسة الرسالة، 2009، ط1، وهو عبارة عن بحث قدم لنيل شهادة الدكتوراة في أصول الفقه من الجامعة الأزهرية.

2) الزركشي، بدر الدين بن بهادر. "البحر المحيط في أصول الفقه"، حرره: عبد الستار أبو غدة. وتناول مؤلفه جميع أبواب أصول الفقه ومنها الدلالات والقياس.

3) السغناتي، حسام الدين بن علي بن حجاج. "الوافي في أصول الفقه"، تحقيق: أحمد محمد اليماني، 2003م، تناول مؤلفه باب القياس بشكل مفصل.

4) صالح، محمد أديب. "تفسير النصوص"، دمشق، بيروت، عمان، المكتب الإسلامي، 1998م تناول مؤلفه المنطوق والمفهوم وأقسام كل منهما عند الحنفية والمتكلمين.

5) آل تيمية، مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد االله بن الخضر وشهاب الدين أبو المحاسن عبد الحليم بن عبد السلام وتقي الدين أحمد بن عبد الحليم. "المسودة في أصول الفقه"، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، بيروت، دار الكتاب العربي، وهذا كتاب تتابع أئمة الحنابلة الثلاثة على تصنيفه، ثم قام شهاب الدين أبو العباس بجمع المسودة وتبيضها، والمسودة تتناول مختلف مسائل أصول الفقه.

منهجية البحث:

1) بيان المفاهيم اللغوية والاصطلاحية للمفردات الواردة، وذلك بالرجوع إلى أمهات كتب اللغة العربية، وكتب الأصول.

2) الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ذات الصلة بالموضوع، والاستعانة على فهم الآيات بالرجوع إلى كتب التفسير، وتخريج الأحاديث والحكم عليها.

3) بيان آراء الأصوليين في المسائل الأصولية، وأقوال الفقهاء في المسائل الفقهية، مع ذكر لأدلة كل فريق، وترجيح أحدهما على الآخر، وذلك بالرجوع إلى كتب الأصول والفقه المعتمدة في كل مذهب.

4) توثيق المعلومات، وذلك بذكر اسم شهرة المؤلف، ثم اسمه وتاريخ وفاته، واسم المرجع والمحقق - إن وجد - ومكان ودار وتاريخ النشر، ورقم الطبعة - إن وجدت - وذكر رقم الجزء والصفحة.

5) إيراد الفهارس، بحيث يتصدرها فهرس الآيات مرتبة حسب اسم السورة في المصحف الشريف، ثم فهرس الأحاديث والأعلام وقائمة المصادر والمراجع مرتبة حسب الترتيب الأبجدي.

أما المنهج المتبع فهو: المنهج الاستقرائي الوصفي ثم التحليلي، وذلك بالرجوع إلى المذاهب وتحليلها أصوليًّا.

الخاتمة:

لا يسعني وأنا في خاتمة هذه الرسالة، إلا أن أقر بفضل علماء الأصول، الذين أصلوا ليكون ذلك عونًا لهذا العلم، ووضعوا قواعد الاجتهاد والاستنباط لنا في الفهم ومجانبة الضلال وبعد:

فإني أسأل االله تعالى أن يكون قد وقع العلم، وتحققت الفائدة المرجوة من كتابة هذه الرسالة، وعسى أن تكون عونًا لنا على الولوج في علم أصول الفقه.

نتائج وتوصيات:

1) الدلالة هي: ما يلزم من فهمه فهم شيء آخر بلفظه أبو بغيره.

2) قسم الحنفية الدلالات أربعة أقسام: عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص.

3) وجهة النظر في التقسيم عند الحنفية: أن اللفظ قد يدل بذاته، وقد يدل بواسطة. والدال بذاته: قد يكون المعنى فيه مقصودًا أصليًّا أو تبعيًّا، وقد لا يكون كذلك.

أما الثابت بواسطة الغير فقد يثبت: من طريق اللغة، أو من طريق الشرع.

4) دلالة النص: ما ثبت بمعنى النص لغةً لا اجتهادًا ولا استنباطًا. وعليه فهي دلالة لفظية لازمة زائدة، يفهمها كل عارف باللغة، وإن لم يكن مسلمًا.

5) أما وجهة النظر في تقسيم الجمهور: فمنطوق وهو: دلالة اللفظ في محل النطق. ومفهوم وهو: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق بل بدلالة سياق الكلام ومقصوده.

6) إذا دل المنطوق على المعنى بطريق المطابقة أو التضمين، كان المعنى صريحًا، فيتقابل تقسيم الجمهور مع تقسيم الحنفية، فيما يسمى عبارة النص، فتكون دلالته قطعية.

7) وإذا دل المنطوق على المعنى بطرق الالتزام، كان المعنى غير صريح، فإن كان مقصودًا ولا يتوقف عليه صدق المتكلم ولا صحة الكلام سمي دلالة إيماء، وهذه تدخل تحت عبارة النص عند الحنفية. فتكون دلالته قطعية.

8) إذا دل المنطوق على المعنى بطريق الالتزام، وكان المعنى غير صريح، وهو مقصود ويتوقف عليه صدق المتكلم وصحة الكلام سمي دلالة اقتضاء، كالحنفية. ودلالته على الأحكام ظنية.

9) إذا دل المنطوق على المعنى بطريق الالتزام، كان المعنى غير صريح، وغير مقصود، تقابل مع إشارة النص عند الحنفية. ودلالتها على الأحكام ظنية.

10) أما المفهوم فموافق: دلالة اللفظ المسكوت عنه على حكم موافق للفظ المنطوق به، وهذا يقابل دلالة النص عند الحنفية. ودلالته على الأحكام قطعية.

وإما مخالفة: وهو دلالة اللفظ المسكوت عنه على حكم مغاير للفظ المنطوق به. دلالته على الأحكام ظنية. وهذا لا يقول به الحنفية، بل هو عندهم من التمسكات الفاسدة.

11) مفهوم الموافقة، والقياس الجلي، من الألفاظ المرادفة لمصطلح دلالة النص.

12) العلة في دلالة النص ثابتة من طريق اللغة، فلا حاجة للاجتهاد والاستنباط، لذا يفهمها كل عالم باللغة. وهذا بخلاف القياس فعلته ثابتة من طريق الاجتهاد.

13) دلالة النص وكل ما يرادفها من مسميات، حجة عند جمهور الأصوليين، بخلاف الظاهرية الذين ينكرون القول بالقياس.

14) تقبل دلالة النص التخصيص عند الأصوليين، وذلك لأنها ثابتة بالنص وتعمل عمله.

15) قد تكون العلة في دلالة النص ظنية، كالعلة في القياس لهذا لا تثبت الحدود والكفارات بالقياس عند الحنفية، لأن علتها ظنية أخفاها عنا رب العزة. ويخالفهم الرأي جمهور الأصوليين، إذ يمكن للعلة أن تكون ظنية.

16) اختلف الأصوليون في اشتراط أولوية العلة في اللفظ المسكوت عنه، والراجح عندي مذهب الحنفية الذي لا يشترط أولوية العلة.

17) يجوز التعبد بالقياس وبدلالة النص، لأنها نزلت بنزول النص وتعمل عمله.

فهرس الموضوعات