• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (2)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/3/2013 ميلادي - 15/5/1434 هجري

الزيارات: 15110

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات ( 183 : 184 ) [2]


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183- 184]..

 

فالصلاة عبادة قصد بها أن يكون المسلم صاحب اتجاه واحد في جميع مراحل حياته، وما يتنابه فيها من أحوال، وعندئذ تتحقق وحدة الإنسان وبروز شخصيته وقوته المعنوية، ويرتفع عن التردد بين النفس الأمارة والنفس المطمئنة، إذ تكون نفس المصلي الصادق الخاشع نفساً مطمئنة على الدوام.


أما الزكاة فإن المزكي يسعى بها قرباناً إلى الله نحو اتجاه واحد في سلوكه وهو اتجاه المعطي المانح عن تعبد وسخاء، وبذلك يكبت الاتجاه الآخر في الإنسان، وهو اتجاه الاستيلاء والشح والطمع والجشع، وبذلك تكون الزكاة عبادة مالية وإنسانية لتحقيق وحدة الإنسان بدلاً من توزيعه وتردده بين الصفات الأخرى، وبدلاً من أن يتردى في الاتجاه الآخر الذي يحرمه السمو، ويبعده عن التشبه بصفات الله في منحه وجوده وعطائه وكرمه.


وفي عبادة الصوم امتثال لأمر الله وإقرار عملي بوجوده وبقيمته العظمى في الوجود، وفي هذه العبادة الشريفة الكثير من المنح والعطاء، لأن فيها كبتاً للذات الإنسان، وحرماناً له من هذه اللذات طواعية وامتثالاً لأمر الله.


ففي الصلاة خطوة أخرى في طريقة توحيد الإنسان وسعيه نحو وحدة ذاته في تحصيله النفس المطمئنة التي لا تخضع لما سوى الله وتحقق في هذه العبادة كمال الخضوع، والالتزام بحدود الله، فالصوم مقارب للصلاة في النفع، فالصلاة تبعث صاحبها على مراقبة الله حتى تطبعه بذلك، والصيام كذلك، فبتحقيقهما يكون المسلم في حذر دائم من مخالفة أحكام الله أو التقصير في حدود وشرعه، وبذلك يكمل للروح تهذبيها وللنفس صلاحها وللعقل إدراكه الصحيح فيكون المجتمع سعيداً راقياً بافراده الذين هم من هذا النوع؛ لأن أصل جميع المحامد بضبط النفس؛ ولذا جاء الله في ختام هذه الآية بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾، فإن في ذلك تقريراً للحكمة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة على اختلاف أنواعهما وهي (التقوى)، لأنها هي التي تنشأ من الإيمان بالغيب الذي يستيقظ به الضمير، وهي التي تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، وتشحذ الذهن وتدفعه إلى التفكير في الحكم البالغة من تشريعات العليم الحكيم جل جلاله، فيلتزمها المسلم، ويرعاها حق رعايتها، فإنه إن لم يكن البشر واعين لحكمة التشريع الإلهي وثمراته في الدنيا قبل الآخرة فإنهم لن يطبقوه على تمامه أو على وجهه الصحيح، فالله سبحانه وتعالى افتتح آيات الصيام واختتمها بما يناسبها من حكمة التشريع وما يناسب حال أمة الخلافة والرسالة في الأرض، فإن فرض الصوم أمر طبيعي بديهي الوقوع على أمة حملها الله الأمانة العظيمة، أمانة التكاليف، وحمل الرسالة المستلزمة للجهاد؛ لأن الصوم هو مجال تحقيق الشخصية الإنسانية المعنوية وتقرير قوة إرادتها، واستعلائها على المطالب الجسدية، وتحمل ثقل الفطام عنها بقوة عزم وصحة وعي، كما فيه إعداد لتحقيق الجهاد الداخلي المتقدم ذكره.


ولهذا كان خطاب الله بفرضية الصيام للمؤمنين الذين هم أهل لما ذكرناه حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾. وفي هذه الآية فوائد عظيمة:

أحدها: أن الله نادانا بنداء الكرامة لا بنداء العلامة، وحق لمن نودي بنداء كريم ولقب شريف أن ينفتح قلبه لمن ناداه ويعتز ويلتذ ويفرح بذلك، خصوصاً إذا كان المنادي كبيراً أو عظيماً، فكيف إذا كان المنادي مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، رب العزة والعرش المجيد، والبطش الشديد؟ فنداؤه لنا بنداء الكرامة ولقب التشريف يوجب علينا شرعاً وعقلاً حسن الالتفات وصدق الانقياد والتشرف بتنفيذ مطلبه.


ثانيها: أن هذا اللقب يقتضي حصر التلقي من الله فقط، وحسن التصرف في نعمه، والقيام بواجب بذكره وشكره، وتنفيذ أحكامه، فالذين آمنوا بالله، وأشربوا حبه في قلوبهم، واطمأنوا لما نزل من الحق، هم الذين يقدسون تشريعات ربهم ويمتثلونها، رغبة في ثوابه، وخوفاً من عقابه وبطشه، ولذلك اختصهم بهذا النداء لما فيه من قابلية الطاعة والتنفيذ.


ثالثها: أن المؤمنين حقاً هم جنود الله من البشر وحزبه الحاملون لرسالته، الحافظون لحدوده، وهم الذين يفرض عليهم الجهاد لإعلاء كلمته، وقمع المفتري عليه، والقيام بتقرير منهجه في الأرض والقوامة به على البشرية، وبحسن قيامهم يمتد أمد الرسالة المحمدية التي يحصل بها قيام الحجة لله على الناس مدى الدهر، وبها يكونون شهداء على الناس إذا حققوا خيريتهم التي هيأهم الله لها، فلذلك فرض عليهم الصوم لتزكية نفوسهم وتمحيص إيمانهم وتقوية إرادتهم على حمل أعباء الرسالة؛ إذ في الصيام مجال عظيم لتقوية الإرادة العازمة الجازمة الصارمة. ومجال آخر هو اتصال الصائم بربه اتصال طاعة وانقياد يتحقق فيه كمال القيام بالأمان والإخلاص، كما سنفصل ذلك مع مزيد من الفوائد إن شاء الله.


رابعها: تشبيه الفرضية بالفرضية من الله سبحانه في إخباره أنه كتب الصيام علينا كما كتبه على الذين من قبلنا، ففي هذا إشادة بأهميته وتوطين لنفوس المؤمنين على ثقل تلك العبادة التي فيها حبس النفس عن شهواتها ومألوفاتها، وتحمل المشقة في ترك ذلك، وقد قال بعض الحكماء: (إن التكاليف إذا عمت سهلت).


خامسها: قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ فيه تعليل لفرضية الصيام ببيان فائدته الكبرى وحكمته التي يتفرع عنها كل خير وبركة، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله بترك شهواته الطبيعية الميسورة التناول عليه والعزيزة إليه بحيث لولا تقوى الله وحسن مراقبته لما تركها، ولو كان تركها بأنفس الأثمان. ولكن تقوى الله تعالى جعلته يرعى أمانة الله في حال خفائه عن الناس واختلائه بنفسه. وبذلك تتقوى إرادته على ترك ما حرمه الله أو كرهه، وعلى اجتناب ما يضره من مألوفاته التي ابتلي بها، وعلى الصبر في البأساء والضراء وحين اشتداد الحرب كما سنوضحه، وهذا معنى دلالة (لعل) الدالة على الترجي؛ لأن الرجاء لا يكون إلا فيما وقعت أسبابه، وموضعه في هذه الآية المخاطبون بها إذا امتثلوا بصدق عزيمة وحسن نية واستقبال، فمن لم يكن كذلك لا ترجى فيه هذه الملكة للتقوى.


وقد كان الوثنيون يصومون إذا تلوثوا بالمعاصي لتسكين غضب آلهتهم فيما تزعمون، أو لإرضائها واستمالتها لقضاء حوائجهم، لاعتقادهم الفاسد بأن إرضاءهم والتزلف إليهم يكون بتعذيب النفس وحبسها عن شهواتها وقتاً ما، فلما كان هذا شائعاً في مجتمعات الضلال والوثنية جاء القرآن يعلمنا أن الصوم ونحوه من العبادات ليس لتعذيب النفس ولا لشيء من هذه الخرافات، وإنما هو لإعداد المؤمنين للسعادة والتقوى وتربيتهم على تحمل الشدائد بحبس النفس على المكروه، والأخذ بجميع وسائل الوقاية التي يحصلون بها على الأمن الصحيح والعيشة الراضية السليمة في الدنيا والآخرة.


فأول آية في حكم الصيام تقرر بها الحكمة الجامعة للخير في الدارين على اختلاف أنواعه، وهي التقوى؛ لأنها هي التي تنشأ من الإيمان بالغيب الذي يستيقظ به الضمير، وهي التي تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، وتشحذ الذهن وتدفعه إلى التفكر في الحكم البالغة من تشريعات العليم الحكيم جل جلاله، فيلتزم المسلم ويرعاها حق رعايتها، فإنه إن لم يكن البشر واعين لحكمة التشريع الإلهي وثمراته في الدنيا قبل الآخرة، فإنهم لا يطبقونه على تمامه أو على وجهه الصحيح.


وسر ختام آية الصيام بالتقوى أن إعداد نفوس الصائمين لتقوى الله يظهر من وجوه كثيرة أعظمها شأناً وأظهرها أثراً وأعلاها شرفاً أن الصيام أمره موكول إلى نفس الصائم وضميره، لا رقيب عليه فيه إلا الله، فهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد سواه؛ لأنه يستطيع أن يفطر سراً مختفياً عن أقرب قريب، ولكنه لتقوى الله يلتزم الأمانة في حفظ الصيام مهما سنح له ما يشتهي أو يغري، فمواصلة ذلك شهراً كاملاً عن تقوى ومراقبة وحياء من الله يصاحبه في هذه المدة، يحصل بها نزاهة الضمير، وضبط النفس، وإعدادها لما يؤهلها للخير، وتحمل الأذى في سبيل الله، ويقوي عزيمتها في كل إقدام وإحجام، ويتقوى أيضاً بصومه الصحيح على كبح جماح شهوته ونزوات نفسه.


فالصيام من أعظم العون على محاربة الهوى وقمع الشهوات وتزكية النفس وإيقافها عند حدود الله، فيحبس لسانه عن اللغو والسباب والانطلاق في أعراض الناس، والسعي بينهم بالغيبة والنميمة المفسدة. كما يردعه عن الغش والخداع والتطفيف والمكر وارتكاب الفواحش، وأخذ الربا أو الرشا، وأكل أموال الناس بالباطل بأي نوع من الاحتيال. ويجعل المسلم يسارع في فعل الخيرات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على وجهها الصحيح وجهاتها المشروعة، ويجتهد في بذل الصدقات وفعل المشاريع النافعة، ويحرص على تحصيل لقمة العيش من الوجه الحلال، ويحذر من اقتراف الإثم والفواحش، فضلاً عن الاسترسال بها.


وإذا نسي أو غلبته على فعل معصية ذكر الله سريعاً فأناب إليه واستغفر وتاب مما أصاب، لما غرس فيه صوم هذا الشهر المبارك من مراقبة الله وخشيته، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].


ولذا وجب على الصائم أن يتحفظ أكثر مما ينبغي أن يتحفظ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))[1].

 

فالصيام يا عباد الله تهذيب لا تعذيب، فإذا لم يؤت ثمرته النافعة فليس النقص منه، إنما النقص من سوء تصرف الصائم، وعدم صحة قلبه وطهارة ضميره وعدم حسن تفكيره.


ومن هنا وجب أن يكون الصوم عن إيمان واحتساب وضبط وتعظيم لشعائر الله، لا عن تقليد ومسايرة، كصوم من يصوم بتوجع وتحسر، ويقتل أوقاته بالنوم والبطالة، وهو في الحقيقة قاتل لنفسه قتلاً معنوياً، ويتمنى سرعة انقضاء رمضان كأنه ليس محسوباً من عمره، أو ليس فيه زيادة من أجره والعياذ بالله.


فأين حاله من حال النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الذين يصومون أياماً من الأسبوع أو أياماً من كل شهر تطوعاً لله، يهذبون بها أنفسهم، ويتدربون على حمل أعباء الرسالة وتحقيق الحياة الطيبة؟


فأين هو من الاقتداء بهم واللحوق بركبهم الشريف الذي طهر مشارق الأرض ومغاربها من الكفر والظلم، وعمرها بالدين الصحيح والعدالة والخير والأمن والصلاح؟ أم يريد أن يلحق بالركب المادي الحاضر الذي طبعه الاستعمار بأوضار ثقافته الكافرة الفاجرة فيلحق في حزب الشيطان؟ أعاذ بالله المسلمين من عاقبة السوء.


وهذا النوع من صيام بعض الناس الذين يصومون رمضان بتوجع وتحسر وسوء استقبال، ويتمنون سرعة انقضائه، قد أورثهم هذا الصيام حرجاً في نفوسهم وضيقاً في صدورهم، فتجدهم حمقاء، سريعي السخط، يغضبون لأدنى سبب. وقد اشتهر هذا بينهم حتى صار كاعتقاد طبيعي للصوم، بحيث إذا فحش أحدهم بالكلام وتمادى في الغضب على مقابله، قال بعض السامعين: لا تعتب عليه فإنه صائم، كأن الصائم يمن على الله وعلى خلقه بصيامه، فلا يتحمل منهم كلاماً ولا مفاوضة!!!


والصائم بإيمان واحتساب وخشية ومراقبة وتعظيم ومحبة الله يجب أن يكون بخلاف ذلك، فيكون راضياًرضياً، مطمئن النفس، منشرح الصدر، مسروراً ملتذاً، شاكراً لله الذي فسح في عمره حتى بلغه صيام هذا الشهر ولم يجعله من أصحاب القبور، فلا يكون في نفسه اضطراب ولا انزعاج ولا ضيق ولا حرج أبداً، بل يكون أوسع أفقاً، وأشرح صدراً، وأطيب نفساً، وأهدأ أعصاباً، وأقوى روحاً، فيكون على أحسن خلق في معاملته ومقابلته وحلمه ومفاوضته، وإذا ابتلي بخصم من الحمقى لم يجاره في حمقه وسفاهته، بل يقول له ثلاث مرات: إني صائم كما أرشد لذلك الصاق المصدوق صلى الله عليه وسلم.


هكذا يجب أن تكون آثار الصيام الصحيح، بحيث لو أثر على جسمه بشيء من الفتور لا يؤثر على عقله وروحه الطيبة المستنيرة بنور الله، بل يجب أن تكون روحه ومعنويته أحسن وأقوى من حاله في الإفطار، وذلك شكراً لله تعالى، ليحصل على بركة الصيام حسياً ومعنوياً بطيب نفسه وخلقه؛ فتتضاعف أجوره من ربه.


فالغاية الكبرى من الصيام هي التقوى بجميع معانيها ومبانيها، إذ هي في اللغة مشتقة من (التوقي) وأخذ الوقاية، ففي الصوم يتوقى المؤمن من المعاصي والآثام، فيأخذ لنفسه وقاية من عذاب الله وموجبات سخطه، وفي الصوم يعظم إحساسه وتقوى عزيمته على حمل رسالته والقيام بواجب وظيفة الله في أخذ القرآن بقوة، والدفع به وبرسالة النبي إلى الإمام؛ ليصلح بهما ما أفسده المبطلون في مشارق الأرض ومغاربها، وينقذ الناس من الظلم والاستعباد والتهتك والانحلال، فيستعد لأجل ذلك بأخذ القوة وتسخير كل دابة ومادة على وجه الأرض أو في جوفها أو أجوائها، ليتقوى بذلك على ردع من يقف في وجهه ويحول دونه ودون رسالته، فيكون آخذاً بأسباب الوقاية التي تقيه من غضب الله وعذابه بسبب إجرامه أو تفريطه في واجبه أمام الله، مندفعاً بما يكسبه الصوم إياه من قوة الإرادة وطهارة الروح.


والمؤمنون الذين خاطبهم الله في القرآن يعلمون مكانة التقوى عند الله ووزنها في ميزانه وقوة تأثيرها وحسن نتائجها في أعمالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يحصلون به على السعادة الصحيحة والحياة الطيبة في الدارين، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم فتندفع إليها بقوة.


وهذا الصوم أكبر حافز لتحصيلها، وخير أداة من أدواتها، وأحسن طريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها سياق القرآن في ختام الآية لفرضية الصيام أمام عيونهم وقلوبهم هدفاً وضاءً ينهجون إليه عن طريق الصيام، فيكسبهم التوبة عما اقترفوه من الذنوب قبله، ويكسبهم الجد والنشاط في القيام بوظيفة الله التي يتشرفون بها وينجون، ولذا وصف الرسول صلى الله عليه سلم الصيام بأعظم وصف، إذ يقول: ((الصيام جنة))[2] بضم الجيم، أي: ستر ووقاية يقي صاحبه من المعصي ومن جميع المزالق التي يتردى بها في حياته بانهماكه في الملذات، أو قنوعه بالعيشة البهيمية دون التفات إلى وظيفته.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب من لم يدع قول الزور رقم [1903] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري كتاب الصوم باب فضل الصوم رقم [190], ومسلم رقم [1151] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (1)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (3)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (4)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (5)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (6)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (7)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183: 184) (8)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (185)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (186) (1)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب