إقرار الوكيل عن موكله وحدود الوكالة المطلقة

إقرار الوكيل عن موكله حال حضوره وسكوته

ومحل الوكالة، وحدود الوكالة المطلقة على الخصومة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا شرح للمادة التاسعة والأربعين من نظام المرافعات الشرعية، ونصُّها:

"كل ما يُقرِّره الوكيل في حضور الموكل يكون بمثابة ما يُقرِّره الموكل نفسه، إلا إذا نفاه أثناء نظر القضية في الجلسة نفسها، وإذا لم يحضُرِ الموكل، فلا يصح من الوكيل الإقرار بالحق المُدَّعى به، أو التنازل، أو الصلح، أو قَبول اليمين، أو توجيهها، أو ردها، أو ترك الخصومة، أو التنازل عن الحكم - كليًّا أو جزئيًّا - أو عن طريق من طرق الطعن فيه، أو رفع الحجر، أو ترك الرهن مع بقاء الدَّيْن، أو الادعاء بالتزوير، ما لم يكن مفوضًا تفويضًا خاصًّا في الوكالة".

الشرح:

إقرار الوكيل عن موكله حال حضوره وسكوته:

تُبيِّن هذه المادَّة أن كل ما يُقرِّره الوكيل في حضور الموكل وسكوته، يكون بمثابة ما يُقرِّره الموكل نفسه، إلا إذا نفاه أثناء نظر القضية في الجلسة نفسها، ولا يعتدُّ بذلك الإقرار الذي لم تشمَلْه وكالة الوكيل إلا إذا كان القاضي قد تأكَّد أن الموكِّل قد علم به ولم ينفِه؛ ولذا يجبُ على القاضي سؤال الموكِّل عما أقرَّ به وكيلُه لمصادقته عليه أو نفيِه، وهذا ما قرَّرته الفقرة الأولى من اللائحة التنفيذية لهذه المادة.

وأصل ذلك:

أنه لا يُنسَب إلى ساكتٍ قولٌ، وأن السكوت في معرِض الحاجة إلى البيان بيانٌ، إذا ترتَّب على السكوت ضرر أو تغرير بالطرف الآخر.

وفي هذه الحال المذكورة في المادة محل الشرح لا يكون سكوتُ الموكل بيانًا؛ لأنه لم يترتَّب عليه ضررٌ أو تغرير بطرفٍ آخر من خصمِه أو غيره؛ ولذا وجب التحقُّق من عملِه بما قرَّره وكيله بسؤال الموكل عمَّا أقر به وكيله ليُقِرَّ به أو ينفيَه، وإلا لم يعتدَّ بذلك الإقرار.

محل الوكالة على الخصومة:

الوكيل يحل محل موكِّله، ويقوم مقامه في كل ما يوكله فيه مما تدخله الخصومة؛ من رفع الدعوى، والادِّعاء، والجواب، والإقرار بالمُدَّعَى به وإنكاره، وإحضار البينة وقَبولها والقدح فيها، وطلب الأَيْمان وردها، والخبراء والمحكمين، والصلح، والإبراء، والتنازل، وقَبول الحكم أو طلب تمييزه، وتقديم الاعتراض والتماس إعادة النظر، واستلام نسخة الحكم، والمطالبة بتنفيذه، وقبض المحكوم به، فإذا وكل الخصم في ذلك كُلِّه أو بعضه، نفذ توكيله فيما وكَّل فيه[1].

ولا يصح التوكيل في الأيمان، ولا النكول، ولا الشهادة، ولا الإقرار فيما يوجب حدًّا أو قصاصًا[2]، ولا في المطالبة بأمر محرَّم من ربا وغيره.

حدود الوكالة المطلقة على الخصومة:

المراد بالوكالة المطلقة على الخصومة: إنابة الموكِّل غيرَه مما يقوم مقامَه في الخصومة بلفظ عامٍّ، كأن يقول الموكِّل: وكَّلتُ فلانًا في المخاصمة عني، ولا يفصِّل ما وكَّله فيه.

• ونبيِّن ما يدخل في الوكالة المطلقة على الخصومة، وما لا يدخل فيها، في العنوانين التاليين (أ، ب):

أ- ما يدخل في الوكالة المطلقة على الخصومة: إذا أطلقت الوكالة على الخصومةِ؛ كأن يقول الموكل: وكَّلتك على الخصومة والمرافعة، ففي هذه الحال يكون للوكيل كُلُّ ما تستدعيه إجراءات الخصومة، وما فيه حظ للموكل، ويشمل ذلك: الدعوى، والإجابة بما لا إقرار فيه، وإحضار البينات، وسماعها والطعن فيها، وتعيين الخبراء مما لا تحكيم فيه، وطلب التمييز، وتقديم الاعتراض على الحكم[3].

ب- ما لا يدخلُ في الوكالة المطلقة على الخصومة: لا يدخلُ في الوكالة المطلقة على الخصومة ما لا حظَّ فيه للموكل؛ فلا يدخل فيها الصلح، ولا الإبراء، ولا التنازل، ولا التحكيم، ولا الإقرار، ولا قبض المحكوم به، ولا التوكيل عن الموكل، إلا أن ينص الموكل على ذلك أو شيء منه، فيصح فيما ينص فيه[4].

• ولقد جاءت الفقرة الثالثة من اللائحة التنفيذية لهذه المادة مؤكِّدة أن النائب لا يمثل مَن هو نائب عنه إلا فيما هو مفوَّض فيه.

• كما جاءت الفقرةُ الثانية من اللائحةِ التنفيذية لهذه المادة مبيِّنة أن الوكالة تبقى ساريةَ المفعول، ما لم تُقيَّد بزمنٍ أو عمل، أو تنفسِخ بسببٍ شرعي، وللقاضي - عند الاقتضاء - التأكُّد من سريانِها أو طلب تجديدها.

• وتبين المادة محل الشرح ما لا ينفذ على الموكل مما لم يوكل فيه أو يصادق عليه الموكل حال حضوره، وهو:

1- الإقرار بالحق المُدَّعَى به: فليس للوكيل في الخصومة أن يقرَّ على موكِّله ما لم يُصرَّح له بالإقرار، يقول ابن قدامة (ت: 620 هـ): "وإذا وكَّل رجلاً في الخصومة لم يُقبَل إقرارُه على موكله بقبض الحق ولا غيره..."، حتى قال - رضي الله عنه -: "ولنا أن الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها، فلا يملكه الوكيل فيها، كالإبراء"[5].

2- التنازل عن الحق المُدَّعَى به: فليس لوكيلِ الخصومة التنازلُ عن الحق المدعى به، يقول ابن قدامة (ت: 620هـ) عن الوكيل على الخصومة: "ولا يملك المصالحة عن الحق والإبراء منه بغير خلاف نعلمه؛ لأن الإذنَ في الخصومة لا يقتضي شيئًا من ذلك"[6].

3- الصلح في الحق المُدَّعَى به: فلا يملكه وكيل الخصومة؛ لما سبق في الفقرة قبلها.

4- قَبول اليمين: وذلك إذا وجَّهها القاضي على الخصم المُدَّعى عليه، متى طلَبها المدَّعِي بعد إكمال سَيْر المرافعة وعدم البيِّنة من المدَّعى، فيقرِّر وكيل المدعي قَبولَها وطلب تحليف خصم موكِّله، فلا يصح للوكيل هذا الطلب إلا أن تشتمل وكالته على طلب اليمين، فإن من المقرَّر عند الفقهاء أن القاضي لا يحلِّف المدعى عليه اليمين عند عدم البيِّنة إلا بطلب المدعي، ولليمين القضائية شروط عند أدائها[7].

5- توجيه اليمين: وهو طلبُها من قِبَل الخصم بعد سماع الدعوى والإجابة، وقبلَ استكمال السَّير في الدعوى.

وذلك كأن يُقرِّر وكيل المُدَّعى عليه أن المدَّعِي متى حلف على صحة دعواه سلَّم موكِّله للمدعي ما يدَّعيه، أو يقرِّر وكيل المدَّعِي طلب يمين المدَّعَى عليه قبل توجيهها من القاضي ويتنازل عن دعواه، فلا يصح ذلك إلا إذا كان الوكيل مصرِّحًا له في الوكالة بذلك.

6- ردُّ اليمين: بأن ينكل المُدَّعَى عليه عن الحلف، فيطلب الوكيل ردَّها، وذلك عند توجه ردها؛ كما في المادة التاسعة بعد المائة.

7- ترك الخصومة: والمراد به: تقريرُ الوكيل ترك الخصومة، وأحكام ترك الخصومة مذكورة في المادتين الثامنة والثمانين، والتاسعة والثمانين من هذا النظام.

8- التنازل عن الحكم كليًّا أو جزئيًّا: وذلك بأن يُقرِّر الوكيل تنازلَه عن الحق المحكوم به، أو عن جزء منه بعد الحكم، فلا يُعتَدُّ بذلك إلا أن يكون الوكيلُ موكلاً فيه، ولا يصحُّ حمل عبارة: "أو التنازل عن الحكم - كليًّا أو جزئيًّا" الواردة في المادة محل الشرح على التنازلِ عن الحكم نفسِه بأن تعود الدعوى كما كانت قبل الحكم؛ لأن ذلك لا يصح؛ إذ إن الحكم بعد تقريره تعلَّق به حق للخصم الآخر، وحق لله في إنهاء الخصومة وقطعها، وكل ذلك لا يصح التنازل عنه، كما لا يصح حملُه على التنازل عن الطلبات أو شيء منه، والإعراض عن الدعوى؛ لأن ذلك مقرَّرةٌ له أحكامُ ترك الخصومة ونحوه مما يشمله هذا النظام.

والأصل في الكلام التأسيسُ لا التأكيد، والإعمالُ لا الإهمال - كما هو مقرَّر في القواعد[8] - وإنما عبَّر النظام عن التنازل عن الحكم كليًّا أو جزئيًّا؛ إذ يلزم من التنازل عن الحكم التنازل عن الحق الذي قرَّره الحكم.

9- التنازلُ عن طريقٍ من طرق الطعن فيها: كأن يقرِّر الوكيل المحكوم على موكله قبول الحكم، فلا يطعن فيه بالتميز ، أو يتنازل عن الطعن بالتماس إعادة النظر بعد رفعه بصحيفة، فلا يصح ذلك من الوكيل ما لم يُصرِّح في الوكالة به.

10- رفع الحجز: إذا تقرَّر الحجز على متاعٍ أو عقارٍ أو غيرهما لمصلحة أحدِ أطراف الدعوى، فليس لوكيلِه التنازلُ عن ذلك وتقريرُ رفعِ الحجز ما لم ينصَّ في وكالته على ذلك.

11- ترك الرهن مع بقاء الدين: ليس للوكيل تركُ الرهن مع بقاء الدَّيْن، ما لم ينصَّ في وكالته على ذلك.

12- الادِّعاء بالتزوير: ليس للوكيلِ الادِّعاءُ بالتزوير في المستندات، أو التنازلُ عن الطعن في السندات بتزويرها، ما لم ينصَّ في وكالته على ذلك.

13- طلب رد القاضي: ليس للوكيلِ طلبُ ردِّ القاضي الوارد في المادة الثانية والتسعين، ما لم يفوض تفويضًا خاصًّا بذلك؛ كما في المادة الخامسة والتسعين.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.