• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 17 : 24 )

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/6/2011 ميلادي - 28/6/1432 هجري

الزيارات: 64961

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة (2)

[17 : 24]


الأمثال التي ضربها الله للمنافقين:

ضرب الله للمنافقين مثلين في غاية الروعة والتصوير الملائم لأحوالهم فقال: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُون ﴾ [البقرة: 17-18].

 

شبه الله حال المنافقين بقوم كالمسافرين ضلوا عن الطريق فأوقدوا ناراً ليستضيئوا بها ويعرفوا الطريق، فلما أضاءت لهم وكادوا أن يعرفوا معالمه انطفأت عنهم أنوارها فعادوا إلى ظلمة أشد، وحيرة أفظع، فانسدت عنهم أبواب الهدى الثلاثة: الأذن والعين والقلب، فلم ينتفعوا بأسماعهم ولا أبصارهم ولا قلوبهم فلهذا نزلوا منزلة الصم البكم العمي فهم ﴿ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ لزيادة تحيرهم وضلالهم بعد انطفاء النور.

 

ويلاحظ عدة حكم في ضرب المثل لهم بالنار:

الأولى: أن المستضيء بالنار مستضيء من جهة خارجية لا من جهة نفسه، فإذا ذهبت تلك النار بقي في ظلمة دامسة، فكأنهم - لما أقروا بألسنتهم من غير اعتقاد قلوبهم - كان نورهم كالمستعار.

 

الثانية: أن ضياء النار يحتاج لدوامه إلى وقود - من حطب أو غيره - فكذلك نور الإيمان يحتاج إلى مادة الاعتقاد الصحيح من صدق وإخلاص.

 

الثالثة: أن الظلمة الحادثة بعد النور أشد على الإنسان من الظلمة قبله، فلهذا شبه حالهم بذلك.

 

الرابعة: قوله: ﴿ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ ولم يقل: بنارهم، لأن النار فيها إشراق وإحراق، فذهب بإشراقها - وهو النور - وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق والدخان.

 

والخامسة: قوله: ﴿ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ ولم يقل: بضوئهم، لأنه لو قال ذلك لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل، فلما كان النور أصل الضوء كان ذهابه ذهاباً بالشيء وزيادة.

 

السادسة: إفراد الله للنور في قوله: ﴿ بِنُورِهِمْ ﴾ وجمعه للظلمات في قوله: ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ﴾ وذلك لأن الحق واحد، وما عداه فهو سبل كثيرة، قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153].

 

السابعة: مناسبة هذا المثل للمنافقين بإيقاد النار، لما يوقدونه من نار الفتنة بين المسلمين.

 

الثامنة: هذا المثل مناسب لانتقالهم من نور المعرفة والبصيرة، إلى ظلمة الشك والكفر، فإن المنافق بعدما أبصر عمي.

 

التاسعة: مطابقة هذا المثل لما تقدم في الآية السابقة: ﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى ﴾ كيف حصلت المطابقة بين التجارة الخاسرة باختيار الضلالة على الهدى، واطراح الهداية مقابلها، وبين حصول الظلمات التي هي الضلالة بدلاً من النور الذي هو الهدى - فيا له من تمثيل بديع!

 

العاشرة: إن في هذا المثل تنبيهاً على حالهم في الآخرة، وأنهم يعطون نوراً ظاهرياً، كما كان نورهم ظاهرياً في الدنيا، ثم يطفأ ذلك النور - وهم أحوج ما يكونون إليه - إذ لم تكن له مادة باقية من الإيمان، فيبقون في الظلمة على الجسر لا يستطيعون العبور، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر بن عبد الله وقد سئل عن الورود فقال: (نجيء يوم القيامة على تل فوق الناس، فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا تبارك وتعالى فيقول: من تنظرون؟ فيقولن: ننظر ربنا، فيقول أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك. قال فينطلق بهم ويتبعونه، ويُعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه، وعلى جسر جنهم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر - سبعون ألفاً - لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة ويشفعون)) إلخ.

 

فتأمل أيها المسلم حال المنافقين، إذا انطفأت أنوارهم فبقوا في الظلمة تختطفهم كلاليب جهنم، وقد ذهب المؤمنون في نور إيمانهم يتبعون ربهم عز وجل.

 

قال ابن عباس: مثل هؤلاء - في نفاقهم - كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة مظلمة في مفازة، فاستضاء ورأى ما حوله، فاتقى ما يخاف، ثم انطفأت ناره، فبقي في ظلمته خائفاً متحيراً.

 

وقال مجاهد: إضاءة النار لهم، إقبالهم إلى المسلمين والهدى، وذهاب نورهم إقبالهم إلى المشركين والضلالة.

 

وقوله تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾.

الصمم: أشد من الطرش، لأنه انسداد منافذ السمع.

والبكم: عيب في اللسان أو الفؤاد يمنع من النطق أو الوعي، فيجمع بين الفساد في محل الفهم ومحل النطق.

والعمى: فقد البصر أو البصيرة.

 

و ﴿ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ أي لا يرجعون عن ضلالتهم، أو: لا يرجعون عن الصفات التي أصابتهم من الصمم والبكم والعمى، لأنهم انصرفوا عن الهداية باختيارهم، لغلبة أهوائهم عن تصفح الهدى بهذه الآيات الصالحة للتصفح، والتي قلبها الله عليهم لما أعرضوا عن سماع الخير والنطق به، فكانوا على هذه الحال.

 

إنهم ليسوا كالكفار والذين أعرضوا عن الهدى أول وهلة وصموا آذانهم عن السماع، وعيونهم عن الرؤية، وقلوبهم عن الإدارك، قائلين: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [فصلت: 5]، لو كانوا كالكفار في موقفهم الجريء لهان أمرهم ولأراحوا المسلمين من شرهم بالصراحة، ولكن هؤلاء المنافقين لم يكونوا كذلك، بل أظهروا خلاف ما يبطنون، بعدما عرفوا الحق فأنكروه.

 

بعد ما شبه الله نصيب المنافقين في المثل الأول الناري، مما بعث الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من النور والحياة، بنصيب المستوقد النار التي أطفئت عنه، وهو أحوج ما كان إلى نورها، فبقي في الظلمات حائراً تائهاً، أعقب الله هذا المثل الناري بمثل مائي فيه تصوير الهول والرعب والفزع، فقال تعالى: ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 19].

 

والصيب: هو المطر الذي يصوب، أي ينزل من علو إلى أسفل.

 

فشبه الهدى النازل من السماء بهذا المطر، لأن القلوب تحيا بوحي الله حياةَ الأرض بالمطر، ولكنه شبه نصيب المنافقين من هذا الوحي بنصيب من لم يحصل له حظ من الصيب إلا ظلمات ورعد وصواعق وبرق، في ليل داج تراكمت سحبه، وتواترت رعودها المزعجة، وصواعقها النازلة الهائلة المحرقة، وبروقها الخاطفة المرعبة، فكأنهم في وسطها يزاولون غمرات الموت لم يحصل لهم من الإفزاع والترويع، وهول الرعد وإفزاع الصواعق والبرق، مثل لما يخوف به المنافقون من العذاب في الدنيا والآخرة، أو لما هم فيه من إشكال الشبهات.

 

وأما الظلمات فهي مثل لعمايتهم عن الحق، وأما الرعد فهو مثل للزجر والوعيد، وأما نور البرق فهو مثل للحجج الباهرة التي تكاد تبهرهم، وأما الصواعق فهي مثل لما يدعون إليه في القرآن من الجهاد في العاجل والوعيد على التخلف عنه، أو هي مثل للتكاليف الإسلامية التي لا يفعلونها إلا بخوف ورياء، وكونهم يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت هو في مقابلة وضعهم أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن. ووجه التشبيه أن الجاهل المفرط في الجهل لا تنفذ بصيرته إلى الحقائق فيكتفي بالمظاهر مغتراً بها مفتوناً، فيقتصر على الإحساس السطحي بما في الصيب من ظلمات ورعد وبرق وصواعق وما ينشأ عن ذلك من برد ووقف سفر وتعطيل عمل دون نفاذ بصيرته إلى المنافع الحاصلة من ذلك الصيب، من حياة الأرض والمنفعة العامة.

 

وهكذا شأن ضعفاء البصيرة، يرون ما في الجهاد من المشقة والتعرض للقتل والبطش، وإثخان الجراحات، وملامة العذال، ومعاداة من تخشى عداوته، فلا يقدمون عليه بل يكرهونه، وينفرون منه، لأنهم لم تنفذ بصيرتهم إلى فوائده العظيمة من العز والسؤدد وقمع الأعداء والظهور عليهم، وكذلك كل تكليف شرعي يثقل عليهم، وكذلك حال المنافقين مع القرآن يثقل عليهم، وينفرون منه لما فيه من الوعد والوعيد، والأوامر والنواهي، والزواجر، والتكاليف الشاقة على نفوسهم.

 

قال الزمخشري: لقائل أن يقول: "شبه دين الإسلام بالصيب، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وما يتعلق به من تشبيه الكفر بالظلمة وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وما يصيب الكفرة من الأفزاع من البلايا والفتن من جهى أهل الإسلام بالصواعق، والمعنى: أو كمثل ذوي صيب، والمراد: كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة، فلقوا منها ما لقوا"، إلى أن قال: "فإن قلت: أي المثلين أبلغ؟ قلت: الثاني، لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته، وكذلك أفرادهم يتدرجون في مثل هذا من الأهون إلى الأغلظ".

 

وبالجملة، فإن المؤمنين أدركوا ما في وحي الله من حياة القلوب وارتفاع النفوس والرءوس، مثل ما في المطر من الحياة الحسية، فعلموا نفاسة ما يحصل لهم من الحياة الروحية والمعنوية، فلم يمنعهم ما في وحي الله من رعد الوعيد وبرق التهديد وصواعق العقوبات والمثلات، التي حذر الله بها من خالف أمره،  وكذب رسوله، ولا ما فيه من الأوامر والنواهي الشاقة على النفوس، المخالفة للأهواء التي هي كالظلمات، بل علموا بحسن النتيجة، فلم يستوحشوا، بل استأنسوا بصدق الامتثال لله فنالوا منه الحياتين الطيبتين في الدارين.

 

وأما المنافقون، فقد عميت قلوبهم، ولما تجاوز أبصارهم الظلمة، ولم يروا إلا ما أخبرنا الله عن رؤيتهم له بقوله: ﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20].

 

فهم خائفون على أنفسهم، مستوحشون من الرعد العظيم، واضعون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا الصوت، وليس بنافعهم ذلك، وقد بدا لهم البرق الذي يكاد يخطف أبصارهم بسرعة من قوة ضوئه المفاجئ، لأن أبصارهم أضعف من أن تثبت أمامه فكلما أضاء لهم الطريق في الظلمة مشوا في نوره خطوات قليلة، وإذا أظلم عليهم واستتر وقفوا في أماكنهم حائرين ينتظرون فرصة إضاءته مرة أخرى، وهكذا، لا ملجأ لهم من الهلاك، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم - فهو قدير على ما هو أعظم من ذلك - ولكنه لم يشأ ذلك، لحكم ومصالح هو بها عليم حكيم.

 

فالوحشة لازمة للمنافقين، والرعب والفزع لا يفارقهم، لأن قلوبهم في وحشة من وحي الله أولاً، ومن عباد الله القائمين به ثانياً.

 

وهذه الأمثال التي ضربها الله في القرآن تصور لنا الأعاجيب من أحوال المنافقين المحوطة بالظلمات المعنوية المتراكمة الممثلة في مستوقد النار، والمشوبة بالرعب والأهوال واضطراب الأحوال المتمثلة في الصيب الذي حظ صاحبه منه وحشة الظلمات وهول الرعد، والقلق من البرق، والانزعاج من الصواعق، والفزع والروع والتمادي في الحيرة  التي لا يستطيع صاحبها السلوك.

 

فما أروعه من تصوير لحالة المنافقين في تذبذبهم الذي يعيشون فيه بين لقائهم للمؤمنين، ومخادعتهم لهم، واستهزائهم بهم، وبين عودتهم للشياطين من رؤساء الفتنة والضلال، مؤكدين لهم أنهم معهم على الكفر، ومتأرجحين بين طلب الهدى والنور وما يرجعون إليه من كفر وضلال.

 

فهذه أربع عشرة آية من أوائل سورة البقرة في المنافقين، وأكثر منها في سورة آل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والنور والأحزاب وغيرها، فقد أكثر الله من فضيحتهم، وكشف أحوالهم، وهتك أستارهم، وبين صفاتهم المطردة إلى يوم القيامة، لأنهم شر من الكفار الصرحاء، وأعظم خطراً.

 

خذ مثلاً - في زماننا - الشيوعية، فكفرها صريح، وأهلها صرحاء بإنكار الإله، فكل مسلم يستوحش منهم ولكن هنا من أصحاب المبادئ المادية ونحوها ممن يشتم الشيوعية ويتبجحون بالاعتراف بالله، أو الإيمان بالله، وهم لا يرجون لله وقاراً، ولا يتقيدون بأوامره، ولا يحرمون ما حرمه من الخمور، والزنا حالة الرضا، ولا يحكمون بشريعته، ولا يقيمون شيئاً من حدوده... فما قيمة هذا الإله عندهم؟

 

إن من أعمل النظر في وحي الله، عرف حكمته في الإكثار من كشف أوصاف المنافقين. وقد روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن أبي موسى الأشعري، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى، كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا، وسقوا، وزرعوا، وأصاب طائفة منها، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)).

 

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [21-22].

 

هذا نداء من الله إلى الكفار الجاحدين وإلى المنافقين المتذبذبين، ليخلصهم من أشراك الهلكة إلى من يستحق العبادة وحده لا شريك له، بكامل الحب والتعظيم والذل والانقياد، مبيناً الأسباب الموجبة لذلك عقلاً وشرعاً قائلاً: اعبدوا ربكم الحقيقي المربي لكم ولغيركم ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾.

 

فليس خلقه مقصوراً عليكم، ولا نداؤه وواجباته مقصورة عليكم فقط، وكذلك لم يخلقكم ولا غيركم سدى وعبثاً، بل خلقكم لعبادته التي إن سلكتم مسالكها المرضية الموصلة إليه حصلتم على وقاية من عقوباته الشرعية والقدرية لهذا قال: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.

 

فإن العبادة على الوجه الصحيح والمطلوب تحصل والمطلوب تحصل بها الوقاية من عقاب الله وغضبه.

 

ولفظ (لعل) يدل على الترجي ولا تساق إلا فيما تجرى أسبابه.

 

وفي قوله: ﴿ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ تنبيه إلى واجبين هما:

1- النظر في أحوال الأمم السابقة والاعتبار بما أصابها.

 

2- دراسة القرآن وفهم معانيه والانطباع به ليتمكن المسلمون من تحقيق عبادتهم على الوجه الصحيح والمطلوب.

 

وكل ما أمرنا به القرآن الكريم وجب علينا فهمه. ففي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ الآية، فيه أمر بالاعتبار بخلقنا وخلقتنا، وفيها من الأسرار والحكم، وذلك بالبحث عنها لنشكر الله على كل عضو وعرق وحاسة ومفصل وجارحة، شكراً عملياً صحيحاً باستعماله في طاعته.

 

وأن ندرس أسرار الكائنات لنزداد حباً وتعظيماً لله، وأن نتخلص من الجهل والكسل، وأن نعمق الفكر والنظر في واقعنا لنسيره في الحق وإلى الحق.

 

وعبادة الله مبنية على قواعد أربع هي التحقيق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان والقلب وعمل الجوارح والقلب، وعبادة الله اسم جامع لهذه المراتب.

 

ومما هو من صميم العقيدة ولباب العبادة الحكم بما أنزل الله، وإباحة ما أباحه من الطيبات، وتحريم ما حرمه من الخبائث، فمن لم يحكم بما أنزل الله معتقداً عدم أحقيته أو عدم صلاحيته لعصره، أو معتقداً قسوة حدوده، أو عدم ملاءمتها للبشرية، فهو كافر حلال الدم والمال، وكذلك من أباح شيئاً مما حرمه الله، قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله: "اجتمعت الأمة على أن من استحل أدنى شيء مما حرمه الله كان كافراً ووجب قتاله".

 

وليعلم أن عبادة الله هي أشرف المقامات، وأعظم الأسماء والألقاب، فقد وصف الله بها أحبابه وأولياءه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأنها لا يسقط شيء منها عن المؤمن حتى يوافيه اليقين - وهو الموت - لقوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].

 

وهذا أمر من الله لنبيه ويشمل كل فرد من أفراد أمته، ومن فسر اليقين بغير الموت - من وصول درجة من مبتدعات الصوفية ودسائس الماسونية - فهو مبتدع ضال مضل؛ لأن أول المأمورين بها وهو نبي الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يترك عبادة ربه قبل الموت ولا لحظة من لحظات عمره.

 

فالله وحده هو الذي  يستحق العبادة، لتفرده سبحانه في الخلق، ولتفرده سبحانه في النفع الحسي والمعنوي، ولهذا قال: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22].

 

وقوله: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ﴾ يعني وطاء تفترشونها وتستقرون عليها وإن كان عليها ما هو غير صالح للافتراش كالجبال فهي من مصالح المفترش لأنها كالأوتاد، ولأن الله ذللها للإنسان يتخذ منها بيوتاً وحصوناً وملاجئ ويستخلص منها المعادن.

 

أما البحر فيمخر الناس عبابه ويستخرجون منه الحلي، والأسماك، وسميت الأرض أرضاً لسعتها، وقيل: لانحطاطها عن السماء فكل ما سفل أرض، وقيل: لأن الناس يرضونها بأقدامهم.

 

أما السماء فسميت بذلك لارتفاعها، وكل ما علا الأرض فهو سماء، وقال ابن عباس رضي الله عنه: السماء هاهنا السقف، وله دليل من قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾ [الأنبياء: 32].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ﴾.

يعني به إنزال المطر، وأصل لفظ (ماء) موه، قلبت الواو ألفاً لتحركها وما قبلها فقيل: (ماه) فالتقى حرفان خفيان، فأبدلت الهاء همزة لأنها أجلد وبالألف أشبه، فقيل: (ماء) وعند التصغير يقال: (مويه) والجمع أمواه ومياه.

 

وهذه الثمرات التي أجملها الله في هذه الآية فصلها في سورة: الأنعام، والزمر، وعبس والرعد، وغيرها.

 

وقوله سبحانه: ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ أي: نتيجة الغرس والزرع من الحبوب والثمرات المختلفة ليست بفعل الناس مهما تعبوا في حراثة الأرض وزرعها وغرسها، فكل الذي يفعلونه أسباب، ولكن السبب الأول هو الله والمؤثر الأخير في حصول الإنتاج هو الله سبحانه، ﴿ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.

 

بعد أن عرف الله الناس بأنفسهم وبنعمه عليهم وعلى أسلافهم - من التكوين، وبسط الرزق لهم - فقد نهاهم بعد هذا الإرشاد من أن يجعلوا له أنداداً.

 

والأنداد جمع ند - بكسر النون - وهو المكافئ والمضارع، يقال: فلان ند لفلان، يضارعه ويماثله في الكفاءة.

 

﴿ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أي: وأنتم تعلمون أنه لا أحد يضارع الله ويكافئه بأي شيء من الأشياء.

 

فاتخاذكم لله أنداداً مع علمكم أنهم لم يشركوا الله في خلقكم ولا في خلق الأكوان العلوية ولا السفلية، فاتخاذكم الأنداد وأنتم تعلمون هذه الحقيقة لمن أسفه السفه وأحمق الحمق، إذ لا أحمق ممن يرتكب الخطأ على بصيرة، ولا أسفه ممن يعدل الخالق بالمخلوق، والرازق بالمرزوق، ألا ما أفسد قياس الكافرين والمشركين الذين هم بربهم يعدلون!!

 

فلا تجعلوا لله أنداداً لا من شهواتكم وأنانيتكم ولا من محبوبيكم المقبورين المفسدين أو الأحياء المرأسين المقلدين في أي ميدان من ميادين الحياة، إن الله لا يرضى بالشركاء ولا بالأنداد أياً كان نوعهم.

 

وماذا يخرج مدعي الإسلام عن الضلال إذا كان متخذاً أنداداً له، يطيعهم في معصية الله، ويستحسن قوانينهم وتشريعاتهم المخالفة لشريعة الله والمعطلة لحدوده؟ ويرضى عن إباحتهم واستباحتهم لما حرم الله من الخمور والفواحش وأسبابها؟

 

فإن من كانت هذه حاله فلا يكون عابداً لله، بل هو عابد للهوى والشيطان والطواغيت باتخاذه الأنداد. ومن تأمل معارضة النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني لله نداً؟! قل: ما شاء الله وحده)).

 

من تأمل هذا عرف بشاعة ما صار إليه أهل هذا الزمان.

 

قال القرطبي: "قلت ودلت هذه الآية على أن الله أغنى الإنسان عن كل مخلوق. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى هذا المعنى: ((والله لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل أحداً أعطاه أو منعه))[1].

 

ويدخل في معنى الاحتطاب جميع الأشغال من الصنائع وغيرها، فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله بسبب الحرص والأمل والرغبة في زخرف الدنيا فقد أخذ بطرف من جعل لله نداً". اهـ

 

أقول: رحم الله القرطبي، كأنه شاهد لأهل زماننا - والعياذ بالله -.

 

وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].

 

هذا الكتاب المبارك المنزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم والذي يصور للأمة ما غاب عنها كأنه مشاهد، والذي يدلل على وجوب حصر العبادة له وإخلاصها له بطرق عقلية وجدانية واضحة، فإنه لا يتطرق إليه الريب إلا من مغرض مكابر مغالط يحاول لبس الحق بالباطل، ولكن الله تحدى هذا النوع من الناس من يوم إنزاله للقرآن إلى قيام الساعة، تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، ولو استعانوا بشهدائهم من الأصنام التي يؤلهونها أو كبرائهم في الرئاسة والفصاحة والبلاغة.

 

وهذا التحدي نفسه من معجزات القرآن الخالدة إلى يوم القيامة، لأنه أعجز أهل اللسان وفحول البيان وقت نزول القرآن عن الإتيان بسورة من مثله، فإن من سواهم من المتأخرين أولى بالعجز لاستيلاء العجمة على ألسنتهم.

 

ولقد تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن على قريش وهو رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولم يعرف عنه قومه ذلك، كما أنهم لم يعرفوا عنه الكهانة ولا قول الشعر ولا مجاراتهم في البلاغة، لذلك كان تحدي الله لهم مناسباً للواقع، لأنهم كانوا في أعلى مراتب البيان، يتبارون فيه، ويتنافسون فيما بينهم، ويعقدون لذلك المجامع ويقيمون الأسواق للمسابقة فيه، حتى بلغ الأمر بهم أن علق شعر الفائزين من شعرائهم البلغاء في الكعبة، في حين أن محمداً صلى الله عليه وسلم جاءهم بهذا القرآن المعجز وتحداهم به، على الرغم من أنه لا يساويهم في الفصاحة والبيان وفي هذا التحدي عدة فوائد هي:

1- ظهور حجة محمد صلى الله عليه وسلم وأن ما جاء به هو وحي من عند الله.

2- أن هذا عجز فحول العرب أهل اللسان والبلاغة عن الإتيان بسورة من مثله يدل على عجز غيرهم من باب أولى.

3- أن هذا التحدي يبقى سلاحاً بيد المؤمنين يتحدون به كل كافر معاند إلى يوم القيامة.

4- أن هذا القرآن لو كان من قول البشر لكان في ميسورهم الإتيان بمثله، لأن الكفار آنذاك أفصح من غيرهم.

 

وفي قوله: ﴿ وَإِن كُنتُمْ ﴾ ما يفيد الشك، وذلك للإشعار بأنه مشكوك فيه لا يعتريه الريب، فهو للمبالغة في تنزيهه.

 

وقوله تعالى: ﴿ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ يعني: في علو الرتبة وسمو الطبقة، ونظمه الرائق، وبيانه البديع، وحيازة سائر نعوت الإعجاز سائر نعوت الإعجاز التي فيه.

 

وقوله تعالى: ﴿ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ ﴾.

أي: ادعوا متجاوزين الله كل من حضركم في مشاهدكم كائناً من كان، من رؤسائكم وأشرافكم الذين تفزعون إليهم في الملمات، أو القائمين بشهاداتكم الجارية فيما بينكم.

 

ويفيد قوله: ﴿ مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ التصريح بادئ الأمر بعداواتهم لله وأنهم في موقف المحادة والمشاقة.

 

وقوله: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ يعني: إن كنتم صادقين في زعمكم أنه من قول محمد صلى الله عليه وسلم أو من قول البشر، لأن صدقكم في هذا الزعم يستدعي قدرتكم على الإتيان بمثله، كيف لا وأنتم تشاركون قائله في البشرية واللغة العربية، بل إنكم لتفوقونه بلاغة وفصاحة بما تعارفتم عليه.

 

وهذا التحدي من الله سبحانه مازال قائماًُ على كل كافر وملحد ينال من القرآن أن يوافينا بسورة من مثل سوره حاوية معانية ومشتملة على الفصاحة والبلاغة والإعجاز، وإلا كان مكابراً مع العجز الفاضح، وما أخسها من صفة، وما أقبحها من خليقة. ولهذا قال تعالى: ﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].

 

يعني: فإن لم تأتوا بما تحديناكم به من سورة معجزة، وما أنتم بفاعلين ذلك لأنه ليس بمقدوركم ولا بمقدور جميع البشر، فإن لم تستطيعوا ذلك فاتقوا جزاء المكابرة والمعاندة والمشاقة لله ورسوله، هذا الجزاء هو النار التي وقودها الناس والحجارة من الأصنام المعبودة التي يتأذى عابدها بتوقدها حوله وعليه يوم القيامة، كما قال سبحانه في سورة الأنبياء: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [الأنبياء: 98].

 

وقوله: ﴿ وَلَن تَفْعَلُواْ ﴾ جملة معترضة بين الشرط وجوابه، وهي مقصودة هنا في ذاتها لما فيها من تقوية الدليل وتقرير عجزهم بما يغريهم على تكلف المعارضة ويثير حميتهم.

 

ولما علم الله عجزهم عن ذلك مهما حاولا أتى بقوله: ﴿ وَلَن تَفْعَلُواْ ﴾ لتفيد التأبيد، وحيث عجز فحول البيان في ذلك العصر، فمن سواهم أعجز في هذا الأمر.

 

ومن صراحة عرب الجاهلية وخضوعهم لبلاغة القرآن، وأنهم ليسوا كأهل هذا الزمان في دفن الإنصاف ما حكاه ابن كثير رحمه الله: "أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم؟ فقال: أنزل عليه سورة وجيزة: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ ]العصر: 1-3] ففكر مسيلمة ساعة، ثم رفع رأسه فقال: وقد أنزل علي مثلها، قال: وما هو؟ قال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر ونقر، ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك  تكذب.

 

وفي أوائل هذا القرن الرابع عشر الهجري حاول زعيم المبشرين (زويمر) غمط القرآن زاعماً أن فيه تكراراً، واقترح اختصار سورة الفاتحة بقوله: (الحمد للرحمن، رب الأكوان، الملك الديان، لك العبادة وبك المستعان، اهدنا صراط الإيمان). وزعم أن هذا إيجاز وتخلص من ضعف التأليف، وخروج عن الروي بزعمه المأفون، فصار أضحوكة للعلماء، لأنه أعلن عن وقاحته، وبرهن على جهله وحمقه، وشدة غيظه وحقده - ومع هذا فإن زادها ولم يختصرها جنى على حقيقة معناها. وقد رد عليه كثير من العلماء ومن جملتهم صاحب المنار حيث قال: "لقد كان خيراً لهذا المتعصب المأجور لإضلال عوام المسلمين - على شرط أن لا يذكر اسمه في كتبه، ولا يفضح نفسه بين قومه - أن يختصر لمستأجريه آلهتهم وكتبهم التي صدت جميع مستقلي الفكر من أقوامهم وشعوبهم عن دينهم، بل صدت بعضهم عن كل دين.

 

فإن اختصار الدراري السبع في السماء أهون من اختصار آيات الفاتحة السبع في الأرض..." إلخ.

 

هذا وقد فند رحمه الله الكلمات التي جاء بها مستدلاً بنصوص السورة تفنيداً لغوياً عقلياً، فليراجعه من شاء في الجزء الأول من تفسير المنار،  من (ص78 - 82).

 

وقوله: ﴿ فَاتَّقُواْ النَّارَ ﴾ تكرير منه تعالى لأمره عباده بالتقوى، فإن المستمر على ضلاله وعناده لا بد من إحراقه بالنار وتعذيبه العذاب الأليم المقيم هو ومن استعبده من الأصنام والشياطين أو أي مادة تعلق بها كما أوضحنا بعض تفصيله ولا نجاة من ذلك إلا بالإيمان الصحيح الذي تتمثل فيه صنوف العبادة بكل عضو من أعضاء الإنسان وأحاسيسه، فإن رحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة من كملها مراتب العبودية كما أوضحها ابن القيم رحمه الله، وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب واللسان والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه.

 

والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب ومندوب وحرام ومكروه ومباح، وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارح.

 

فواجب القلب منها التصديق الجازم بالله وبما جاء من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة تصديقاً لا يشوبه شك ولا ريب ولا يعترضه تشكيك في أي شيء من معانية ثم المحبة الصادقة لله التي لا تجعل في القلب مكاناً لغير الله وما نزل من الحق وتجعله لا يحب إلا ما يحبه الله من أي شخص أو عمل، ولا يبغض إلا ما يبغضه الله في كل شخص أو عمل، ولا يميل مع خلاف ذلك ولو كان أقرب قريب، ولا يكون فيه محل للهوى والشبهات، ثم التوكل والإنابة والرغبة والرهبة والصبر في ذات الله على كل مكروه، والخشية والخوف منه فقط دون ما سواه، فلا يخشى أي دولة ولا تخيفه أي قوة، ويتدرع بالإخلاص الذي ينجيه من الرياء واتخاذ الأنداد ومن الكبر والفخر والخيلاء والحقد وغيرها من أمراض القلب، إلى غير ذلك من الواجبات القلبية وأهمها بعد الإخلاص النصح في العبودية.

 

وأما المندوب فانشغاله بالذكر القلبي والتفكير في آيات الله وتدبر وحيه إلى غير ذلك من المستحبات.

 

وأما المحرمات التي عليه فالرياء وتعظيم الأشخاص، والحب لغير الله والميل لما يبغضه الله، والكبر والعجب والحسد والغفلة، والتعلق بغير الله من أنواع الشهوات والأنانيات، واليأس والقنوط من روح الله، والفرح والسرور به بما يؤذي المسلمين، والأمن من مكر الله، وبغض المسلمين أو بعضهم، ومحبة أن تشيع الفاحشة فيهم، وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وتمني زواله عنهم، والحزن بعزهم، وما أشبه ذلك مما لا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة النصوح منها.

 

وأما المكروه فالغفلة البسيطة والخطرات التي يحصل تمني بعض المحرمات من غير عزيمة، والملل في الجلوس في حلق الذكر أو المساجد وما أشبه ذلك مما هو دون الحرام القطعي، كالركون القليل إلى الأصوات الغنائية ونحوها.

 

وأما المباح فما عدا ذلك من كل ما لا يشغل القلب كثيراً عن الله ولا يزرع فيه النفاق.

 

وأما عبودية اللسان فالواجب منها النطق بالشهادتين وتلاوة ما تجب قراءته في الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصرخة بوجه الباطل حسب المستطاع، وتلفظه بالأذكار الواجبة في الصلاة، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، ورد السلام، وتشميت العاطس، والرد على المشمت وأداء الشهادات المتعينة والصدق في الحديث والتكبيرات والتسبيحات الواجبة في الصلاة.

 

وأما المندوب فتلاوة القرآن ومداومة ذكر الله والصلاة على رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم والمذاكرة في العلم النافع، والتسبيح، ثم التكبير في المناسبات، والأمر بالصدقة، والحض على الخير والدعاء.

 

وأما المحروم فهو النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله من قول الزور وشهادة الزور والنطق بالبدع المخالفة لما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاء إليها وتحسينها وتقويتها وقذف المسلم وسبابه ذكراً كان أو أنثى والكذب والغيبة والنميمة والسخرية وإفشاء السر، وإيذاء المسلمين بأي وسيلة، والنطق بما يؤيد المنكر وأهله في سائر النطق بالباطل والقول على الله بغير علم وهو أشنعها.. إلى غير ذلك من دجل إبليس وحيله.

 

والمستحبات من الركوب: الركوب إلى كل فعل مستحب، وأما الحرام منه: فالركوب إلى أي فعل محرم، والمكروه منه: الركوب إلى اللهو واللعب، وإلى كل ما تركه خير من فعله، والمباح: الركوب إلى نيل المباحات التي ليس فيها إغضاب لله ولا أشر ولا بطر.

 

فهذه قواعد العبادة المترتبة على جميع الجوارح والأحاسيس في الأحكام الشرعية، بلغت خمسين مرتبة على عشرة من الجوارح والأحاسيس هي:

• القلب، واللسان، والسمع، والبصر، والأنف، والفم، واليد، والرجل، والفرج، وامتطاء أي مركوب.

 

وعلى الإنسان أن يجاهد نفسه لله في ضبط هذه الجوارح والأحاسيس، وأن يحفظها من غزو شياطين الجن والإنس ليأخذ لنفسه وقاية من نار وقودها الناس والحجارة، وينال ما وعده الله من السعادة والحياة الطيبة في الدنيا، والنصر القريب الموعود فيها من رب عظيم لن يخلف وعده، ويكون من أهل البشارة في الدار الآخرة بما تضمنته الآية المقبلة: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ ويسلم من مرارة التحدي ونقمة الله المنصوص عليها فيما قبلها.

 

وأما إعجاز القرآن فهو أشهر من أن يذكر، وقد صنف العلماء والأدباء فيه كتباً كثيرة أنفع العصري منها ما كتبه المرحوم (مصطفى صادق الرافعي) في كتابه (إعجاز القرآن وراية القرآن).

 

وقد أوجز صاحب المنار في تفسيره قواعد للإعجاز ينبغي مراجعتها لكل طالب، وهي تحت بضع ضوابط:

1- إعجاز القرآن بأسلوبه ونظمه.

2- إعجاز ببلاغته.

3- إعجازه بما فيه من علم الغيب.

4- إعجاز بالعلوم الدينية والتشريع.

5- إعجاز بعجز الزمان عن إبطال شيء منه.

6- إعجاز بتحقيق مسائل كانت مجهولة للبشر.

7- إعجازه بسلامته من الاختلاف.

 

وقد فصل رحمه الله هذه الضوابط، وقرر سلامة القرآن من التعارض والاختلاف والتناقض، وأحال على ردود لمعارضات سخيفة من أعداء الإسلام في تفسيره ومجلته، فليرجع إليهما.

 

وأقول: إن المؤمن سليم الصدر والقصد لا يرى أي تعارض أو تعقيد، وإنما يرى البيان والشفاء.

 

وأما الكافر فكما أسلفت الكلام يرى تعقيداً وهمياً من تعقيد دفاعه، لأن قلبه غلف، وصدره مريض، كما يقول الشاعر:

ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مراً به العذب الزلالا

 

روى الإمام مسلم عن أبي هريرة، وغيره عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة فقال صلى الله عليه وسلم: ((تدرون ما هذا؟)) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: (هذا حجر رمي في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)).

 

وأما العبودية في الشم ففيها وجوب شم ما يحصل به تمييز حله من حرمته، وخبثه من طيبه، وضرره من نفعه، أو التمييز بين ما يملك الانتفاع به وما لا يملك، وشم صاحب الخبرة عند تحكيمه علي شيء ونحو ذلك.

 

والشم الحرام: تعمد شم طيب وقت الإحرام، وشم الطيب المغصوب أو المسروق، وشمه من النساء الأجنبيات.

 

وأما الشم المستحب: فشم ما يعين على طاعة الله ويقوي الحواس، ويبسط النفس للعلم والعمل. ولذا استحب النبي صلى الله عليه وسلم قبول هدية الطيب كما ورد في  صحيح مسلم.

 

والمكروه: شم طيب الظلمة وأصحاب الشبهات، وأما المباح: فشم ما فيه نفع من الله، وليس فيه مصلحة تجعله واجباً أو مستحباً.

 

• وأما العبودية باللمس ففيها ما هو واجب، كلمس الزوجة الواجب جماعها، والأمة الواجب إعفافها.

• وفيه ما هو محرم، كلمس الأجنبيات والمردان.

• وفيه ما يستحب، كلمس ما يحصل به غض البصر وكف النفس والأهل عن الحرام.

• وفيه ما هو مكروه، كلمس الزوجة للمحرم والمعتكف، والشاب الصائم، ولمس بدن الميت لغير غاسله تكريماً له، ولمس فخذ الرجل.

• وفيه ما هو مباح، كلمس ما ليس فيه مفسدة ولا مصلحة.

• وكذلك في البطش باليد عبودية تشمل أحكام الشرع الخمسة.

• فالتكسب للنفقة على النفس والأهل وقضاء الدين، وأداء ما فرضه الله واجب.

 

أما البطش بالاعتداء على الناس وقتلهم وضربهم بغير حق ونحو ذلك من اللعب المحرم، كالنرد والقمار والشطرنج وكتابة البدع المخالفة للسنة، وكتابة ما فيه ظلم وزور، وكل ما فيه ضرر بالمسلمين، كالسحر مثلاً، فإنه محرم.

 

وأما المكروه من البطش وحركات اليد: فكل لعب وعبث ليس بحرام ولا فيه مصلحة، وكتابة ما لا فائدة فيه.

 

والمستحب من حركات اليد: كتابة كل ما فيه منفعة ومصلحة للمسلمين، ويجب ذلك فيما يضطر المسلمين إلى معرفته.

 

والمباح من حركات اليد ما سوى ذلك مما ليس فيه مضرة ولا مصلحة ضرورية.

 

وأما حركات الأرجل فالواجب منها: المشي إلى الجمع والجماعات على القول الصحيح الذي يؤيده بضع وعشرون دليلاً، والمشي حول البيت للطواف الواجب والمفروض، والمشي لتحصيل واجب من واجبات الشرع.

 

والمحرم من حركات الرجل: المشي إلى المعصية، وذلك من رجل الشيطان.

 

والعبودية في الركوب تجري فيه أحكام الشرع الخمسة، فالواجب منه الركوب في الحج الواجب والجهاد، وطلب العلم الواجب، وما يتوقف عليه بر الوالدين، وصلة الأرحام، وأداء الواجبات.

 

والمركب الحرام: الركوب إلى المعصية، وهي من حيل الشيطان، مثلها مثل الرجل الماشية إلى الحرام. قال تعالى عن إبليس: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ [الإسراء: 64].

 

أما مكروهات اللسان: فالتكلم بما ترْكه خير من النطق به في فضول الكلام، مما لا عقوبة فيه ولكنه يشغل اللسان، ويحرم صاحبه من تحصيل الأجر.

 

وأما المباح من أعمال اللسان ففيه خلاف بين العلماء:

أحدها: أنه لا يخلو ما يتكلم به الإنسان إما أن يكون له أو عليه ليس في حقه شيء لا له ولا عليه واحتجوا بالحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا ما كان من ذكر الله وما والاه)).

 

ثانيها: أن فيه كلاماً مباحاً لا له وله عليه كالتكلم العادي الذي لا يهدف لخير ولا لشر ولا يمس من كرامة أحد، والأقاصيص غير الهادفة لشيء من ذلك وإنما فيها التفكه والتسلية، فهذا مع عدم الإكثار لا بأس به، أما إكثاره فمكروه، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن ابن آدم إذا أصبح فإن أعضاءه تكفر اللسان تقول: ((اتق الله فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا)) [2].

 

وورد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ: ((وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم))[3]. وللعلماء بحث طويل في اللسان ليس هذا موضعه فليراجعه من أراده في شروح الأحاديث وكتب السلوك.

 

وأما العبوديات الخمس على الجوارح فعل خمس وعشرين مرتبة؛ لأن الجوارح خمسة وعلى كل منها خمس عبوديات: فعلى السمع وجوب الإنصات لما أوجبه الله ورسوله عليه من استماع قراءة القرآن، والبحث في فرائض الإسلام والإيمان وحدودهما، واستماع خطبة الإمام في الجمعة، وقراءته في الصلاة على خلاف في ندبها أو وجوبها، ويجب الإصغاء والإنصات إلى دعاة الدين الذين يعلمون الناس محاسن الإسلام وطرق الدعوة إليه.

 

ويندب الإنصات والاستماع لقراءة التفسير للقرآن والحديث والأذكار المشروعة وشروحها وكل ما فيه نفع زائد على الواجب كما يندب الاستماع للعلم النافع وكل ما يحبه الله.

 

ويحرم الإصغاء والاستماع إلى كلمات الكفر والبدع، إلا إذا كان فيه مصلحة راجحة من الرد على قائله أو الشهادة عليه، وكذلك الاستماع إلى حديث قوم وهم له كارهون، مالم يكن في كلامهم ضرر على المسلمين لا يجوز الجهل به والتغاضي عنه، فإنه لا يحرم أو يكون فيه مؤامرة ضد مسلم يجب نصحه للتخلص من شرهم وإلا فيحرم كما يحرم أصوات الأجنبيات مع خشية الفتنة دون موجب للرخصة في شهادة أو معاملة أو محاكمة أو سبب مبيح، وكذا استماع المعازف والأغاني الماجنة التي تحدث الفتنة باستماعها، وتغري على ارتكاب الفاحشة، ولا يجب عليه سد أذنه عن السماع إذا لم يكن قاصداً الاستماع إلا عند الحديث الحقيقي الشديد سداً للذريعة.

 

ويكره الإنصات والاستماع إلى لهو الحديث الذي يشغل عن استماع الخير بلا فائدة، ويباح ما عدا ذلك.

 

وأما العبودية على البصر فالنظر في المصحف، وكتب العلم عند تعين الواجب منها والنظر الذي يحصل به تمييز الحلال من الحرام مما يؤكل أو يشرب أو يستمتع به والنظر الذي يميز به الأمانات الواجب أداؤها ونحو ذلك، ويحرم النظر إلى الأجنبيات مطلقاً بدون حاجة شرعية. ويكره النظر إلى كل شيء محرم يغري على تناوله، وكذلك يحرم النظر إلى العورات بطريق الأولى. ويكره استراق النظر من شقوق الأبواب ومن فقئت عينه لذلك فلا دية فيها.

 

ويجب غض البصر عن كل ما حرم الله، ويندب النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها يقيناً وإيماناً ومعرفة، والنظر في آيات الله المشهودة ليقوي توحيده. ويكره فضول النظر الذي لا مصلحة فيه من الزخارف الفاتنة التي تجعله يحتقر نعمة الله عليه، ويباح النظر إلى ما لا ضرر فيه، ونظرة الفجأة الأولى دون الثانية فإن الثانية محرمة.

 

وأما التعبد في الذوق فيجب منه تناول الطعام والشراب عند الاضطرار وخوف الموت، لأن لله حقاً في نفسه ولو صام وأضرب عن الطعام والشراب حتى مات فإنه يكون قاتلاً لنفسه كصيام الماديين باسم الوطنية، فإنه مخالف للدين يأثم صاحبه أعظم الإثم، وكذلك تناول الدواء الموصوف للمرض واجب عليه ومع ظن الشفاء مستحب، ويحرم عليه تذوق كل مكسر ومخدر ومفتر والسموم القاتلة وما يفسد صومه الشرعي إن كان صائماً صوماً واجباً، وأما المكروه فتذوق المشتبهات والأكل المسرف فوق الحاجة وطعام الطفيلي وأطعمة المرائين والمراهنين ونحوهم. والتذوق المستحب أكل وشرب ما يعينك على طاعة مِن حلال والأكل مع الضيف، وفي طعام صاحب الدعوة المستحب قبولها.

 


[1] أخرجه البخاري (1470) ومسلم (1042) والنسائي (5/96) ومالك في الموطأ (617) وأحمد (2/243، 257، 395، 455، 496، 513) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري (1471) وابن ماجه (1836) وأحمد (1/164، 167) من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه.

[2] موقوف: أخرجه الترمذي (2407) وأحمد (3/95) وعبد بن حميد (979) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[3] صحيح: أخرجه الترمذي (2616) وابن ماجه (3973) وأحمد (5/236) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

وللحديث طرق كثيرة عن معاذ في أكثرها مقال ومن أحسنها طريق عمير بن هانئ وشهر بن حوشب عن ابن غنم عن معاذ رضي الله عنه. وصححه الشيخ الألباني بمجموع طرقه. انظر السلسلة الصحيحة رقم (1122) وحسنه الشيخ الأرنؤوط انظر: صحيح ابن حبان (1/447).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الفاتحة (1)
  • تفسير سورة الفاتحة (2)
  • تفسير سورة الفاتحة (3)
  • تفسير سورة الفاتحة (4)
  • تفسير سورة الفاتحة (5)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (1 : 16)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 25 : 27 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 28 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 30 : 36 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 37 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (38: 41)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 40 : 44 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 45 : 47 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 49 : 50 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 61 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (64)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 67 : 74 )
  • الهداية في القرآن من خلال سورة البقرة
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (81: 82)
  • تفسير سورة البقرة.. الآية (91)
  • تفسير الربع الأول من سورة البقرة بأسلوب بسيط

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب