• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم / خطب منبرية
علامة باركود

عن الموت

الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/1/2009 ميلادي - 4/2/1430 هجري

الزيارات: 116585

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
إنَّ الحمد لله، نَحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهْده الله فلا مضلَّ له ومن يضللْ الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - ومن تقوى الله أن نتَّقي اليوم الذي نرجع فيه إلى الله، كما قال سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281].

أيها الإخوة المؤمنون:
هناك حقيقةٌ يتَّفق عليها المؤمن والكافر، والبَرُّ والفاجِر، والعالِم والجاهل، كلُّ عاقلٍ متَّفقٌ ومُجمِعٌ عليها، ألا وهي حقيقة الموت.

الموت لا يختلف فيه أحدٌ؛ الكلُّ مُوقِنٌ به، الكلُّ مُقِرٌّ ومُصدِّقٌ به، كفر الناس بالله، وكفروا باليوم الآخِر، وكفروا بما بعد الموت، وكفر بعضهم بما في الحياة، ولكنَّ الموت ذاته لا يكفر به أحدٌ، ولا ينكره أحدٌ، ولا يتجاوزه أحدٌ أبدًا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، فلذلك يقول الله - سبحانه وتعالى –: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران: 185].

كل نفسٍ منفوسةٍ، من آدميٍّ أو جنِّيٍّ أو حيوان بأنواعه، الحيوان كله؛ بل والملائكة وكل مخلوق: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26 - 27].

هذه واحدة، هذا أمرٌ كلُّنا نؤمن به، لكننا - أيها الإخوة - مع تصديقنا، مع يقيننا، مع رؤيتنا المشاهَدة كل يوم - نشهد حَمْلَ جِنازةٍ، نصلِّي على جِنازةٍ، نعزِّي صاحبَ جِنازةٍ، لكن ليس الأمر في التأكيد على وجود الموت، وإنما: هل نحن نعلم متى يأتي هذا الموت؟

الكل يوقن أنه ميِّتٌ، وأن مَنْ حوله من الناس ميِّتٌ، وأنَّ كلَّ مَنْ على وجه الأرض - بل ومَنْ في السماء، ما عدا ربِّ العالمين - كلهم ميِّتٌ، فأذا علمنا ذلك؛ فنحن لا ندري متى يكون هذا الموت، لا ندري متى يكون هذا الموت؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].

لذلك؛ فإن الأنسان يجب أن يكون مستعدًّا لهذا الموت، يجب أن يكون متذكِّرًا له، يجب أن يكون جاهزًا لأن ينتقل من هذه الحياة إلى الدار الآخِرة، يلقى الله وهو راضٍ عنه، يحبُّ لقاء الله فيحبُّ اللهُ لقاءَه كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أحبَّ لقاء الله؛ أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومَنْ كره لقاء الله؛ كره اللهُ لقاءَه))؛ قالت عائشة: يا رسول الله، كلُّنا يكره الموت - لا أحد يبحث عن الموت؛ بل نحن نعالِج من أجل أن يتأخَّر الموت، نحن نبني ونزرع ونعمل ونصارع من أجل أن نهرب من الموت – قال: ((ليس الأمر كذلك يا عائشة، ولكن المؤمن يعرف ما له عند الله؛ فيحبُّ لقاء الله؛ فيحبُّ الله لقاءه، والكافر يكره لقاء الله؛ فيكره الله لقاءه)).

ليس الكافر فقط، ولكن الفاجر، ولكن المذنب، ولكن الواقع في معصية الله، ولكن المقصِّر في طاعة الله - كلهم يكرهون لقاء الله؛ لأنهم غير مستعدين لذلك اللقاء! يريدون أن تطول الأعمار، وإذا ماتوا أن يُردُّوا إلى الدنيا ليستدركوا ما فاتهم فيها!!

قال سليمان بن عبدالملك لأبي حازم: "يا أبي حازم، ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم عمرتم دنياكم وأخربتم آخِرتكم، فأنتم تكرهون الانتقال من العمار إلى الخراب".

وهذا أمرٌ منطقيٌّ، لو أنَّ إنسانًا بنى داره الجديدة، وأثَّثها بأفخر أنواع الأثاث، ووضع فيها كلَّ مقوِّمات الحياة، واستقرَّ فيها، فتهدَّمت داره القديمة، وعشَّشت فيها العنكبوت، وامتلأت بالغبار، وسكنها الجن، وتشققت جدرانها، ثم جيء له وقيل: هيا انتقل من دارك المؤثَّثة إلى تلك الدار القديمة المشقَّقة المهدمة المليئة بالغبار؛ فهل يحب أن ينتقل إليها؟! كلا والله، لا يريد، ولا يحب أن ينتقل إليها!!.

إذًا فعلينا أيها الإخوة إن أردنا أن نكون محبِّين إلى لقاء الله، علينا أن نعمر الدار التي نحن منتقلون إليها، لذلك يجب أن نستعد للموت.

تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا فَأِنَّكَ  لا  تَدْرِي        إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَبِيتَ إِلَى الْفَجْرِ
وذكر أنواع الغافلين الساهين إلى أن قال:

فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ  عِلَّةٍ        وَكَمْ مِنْ سَقِيمٍ عَاشَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ
نحن نعلم، ونرى بأعيننا، ونسمع كل يومٍ؛ أن فلانًا قد مات من غير مرض، أن فلانًا مات بالجلطة القلبية فجأةً، نام فلم يستيقظ من يومه، فجأةً خرج إلى عمله ولم يعد إلى بيته، وإنما عاد إلى المقبرة، فجأةً مات بالذبحة الصدرية، مات بالجلطة، مات، مات، مات... أنواعٌ وأشكالٌ من موت الفُجأة، لا يحسب الإنسان حسابها.

يخرج وهو يأمل الآمال العريضة، يأمل الآمال الطويلة، يفكر ويخطط لحياة طويلة وسنوات مديده، فإذا به ليس بينه وبين الموت إلا دقائق معدودة، وهذا من حكمة الله؛ أن حجب عنَّا موعد الموت، حتى يظهر الموقِن بما وراء الموت، والذي لا يوقن بالموت وما وراء الموت، الذي لا يوقن بالجنة ولا بالنار، ولا بالقبر وعذابة، ولا بالحشر وما فيه.

إذًا يا أيها الأخوة:
هذا حال الناس، وهذا الذي مات موت الفجأة، مات بالذبحة أو الجلطة، مات بحادث السيارة، إن كان هو عمرو أو سعيد أو عبدالله اليوم، فأنا أو أنت غدًا أو بعد غد، ليس بعيدٌ على أحد، وليس قريبٌ من أحد.

كلنا - والله - لا يدري متى هذا الموت، لذلك وجب علينا أن نتذكر الموت؛ هكذا يأمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن نتذكَّر الموت؛ لأن الموت أعظم واعِظٍ يعظ الإنسان، أبلغ من المواعظ البليغة، والخطب الفصيحة، والكلام الطويل العريض.

الموت أعظم واعظٍ، وكفى بالموت واعظًا؛ لذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((اذكروا هادم اللذات))، وهادم اللذَّات الموت.

نعم، اذكروه أيها الإخوة، وتذكَّره أخي في كل وقت، إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وكن في الدنيا كأنك غريب، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادِفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه)).

وعندما كان – صلى الله عليه وسلم - يدفن أحدًا من أصحابة، كان يلتفت إلى الأحياء، إلى المشيِّعين حول القبر ويقول: ((أي إخواني، لمثل هذا اليوم فاستعدوا، أي إخواني، لمثل هذا اليوم فاستعدوا، أي إخواني، لمثل هذا اليوم فاستعدوا)).

هكذا يأمرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن نذكر الموت، وأن نستعد للموت.

إذاً فيا أيها الإخوة، يا من طال رجاؤهم، طال اغترارهم بهذه الحياة الدنيا:
تذكروا مَنْ مشيَ إلى المقابر، مَنْ يمشي على رِجْلَيْه ولكنه مشى على ظهور الناس، مشى في تلك الآله الحدباء:

كُلُّ ابْنُ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلاَمَتُهُ        يَوْمًا عَلَى  آلَةٍ  حَدْبَاءَ  مَحْمُولُ
وهذا الإنسان - كما قلتُ - قد يكون أنا أو أنت، اليوم أو غدًا، فلنحسن الأعمال إذًا، لنصل إلى ذلك الوقت، إلى تلك المرحلة، لنواجه تلك الحقيقة ونحن مستعدون لها، حتى لا نأسف كما يأسف المقصِّرون، ولا نطلب المهلة فلا تكون هناك مهلة.

نسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يرزقنا اليقظة والتذكُّر والاستعداد، إنه سميعٌ مجيبٌ.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباد الله الذين اصطفى، وخصوصًا على سيِّدهم وأفضلهم وخاتمهم، محمد رسول الله المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أيها الإخوة المؤمنون:
اتقوا الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18].

لنتَّقِ الله - أيها الإخوة - ومن تقواه أن نكون مستعدِّين للقائه، قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9-11].

إذًا لا تُلْهِنا أموالنا، لا تُلْهِنا أولادنا، لا تُلْهِنا دنيانا، لا تُلْهِنا كلها عن الله، لا تُلْهِنا عن الاستعداد للقاء الله، لا تُلْهِنا عن الاستعداد لذلك اليوم العظيم، يوم يهجم الموت ذلك الهجوم الذي لا يدفعه أحدٌ.

تخطَّى حرس الملوك، قفز أسوار الحصون المنيعة، تعدَّى إلى ألمع الناس وأعزِّهم، فما ترك أحدًا، وما حال دونه ودون مَنْ يطلبه أحدٌ، كم من مَلِكٍ، كم من أميرٍ ورئيس في الأزمنة الماضية وفي هذا الزمان، وأنتم تعلمون كم نقلت لنا الأخبار أن الرئيس الفلاني أو الملك الفلاني مرض وسُفِّر إلى الخارج، وتجمع عليه أمهر الأطباء، وعملوا جادِّين، يتسابقون مع الموت، يريدون أن يردُّوا عنه هذا الموت؛ فهل استطاعوا؟ أين فلان وفلان وفلان من الذين اختير لهم أمهر الأطباء؟ هل استطاعوا أن يردُّوا عنه هذا الموت؟! كلا والله، والله لن يستطيعوا، والله لن يقدروا على ذلك، لذلك لا تلهينا أمولنا، لا تلهينا أنفسنا، لا يلهينا أولادنا وذرارينا ومساكننا عن الاستعداد لهذا الموت وذلك الرحيل، عن الأخذ بأسباب النجاة يوم نرجع إلى ربِّ العالمين، ويقول الله - سبحانه وتعالى -: انظر حال هؤلاء المقصِّرين العاصين المذنبين؛ بل حتى الطائعين أيضًا، لأنهم يريدون أن يزدادوا من الخير؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100].

هذا هو الحال، فلما لا تعمل صالحًا الآن؟ لما تنتظر العمل الصالح يوم الموت؟

مازلت في زمن الإمكان، فَقُمْ اعمل واستعد وتهيَّأ، أما إذا نزل، أما إذا جاء، أما إذا انتهى الأجل؛ فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، ممنوع، لا يمكن أن تُؤخَّر دقيقةً، ولا أن تُقدَّم عن وقتك دقيقةً واحده.

لذلك يكون الاستعداد من اليوم؛ فكيف نستعد أيها الإخوة؟

نستعد بأنواعٍ من الاستعدادات؛ منها:
أن نستعدَّ بتطهير النفس من أنواع الشِّرك بالله - عزَّ وجلَّ - لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((مَنْ لقيَ الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَنْ لقِيَه يشرك به شيئًا دخل النار)). إذا فلنحرص على طرد الشِّرك وإزالته من نفوسنا.

والشِّرك أنواعٌ: الرِّياء من الشِّرك، العمل من أجل الدنيا من الشِّرك، الرَّجاء في غير الله من الشِّرك، دعاء غير الله من الشِّرك، الاعتماد على غير الله من الشِّرك، شركٌ قلبيٌّ، وشرك قوليٌّ وشرك عمليٌّ، وشركٌ أصغر، وشركٌ أكبر، ولا ينجوا النجاة التامة، ولا يأمن الأمان الكامل - إلا ذلك الذي لم يُلْبِس إيمانه بأي نوعٍ من أنواع الشِّرك: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].

وكذلك أيها الإخوة نطهِّر القلب من جميع الأمراض؛ من أمراض الحقد، من أمراض الحسد، من أمراض الكِبْر، من الغش على عباد الله.

أمراضٌ كثيرةٌ تعتري القلب وتتناوبه من كل مكان، ولم ينجُ إلاَّ مَنْ سلم من هذه الأمراض: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]، سليمٌ من جميع تلك الأمراض، وأعظمها مرض  الشِّرك بالله سبحانه وتعالى.

وعلينا أن نستعد نستعد بالتوبة النَّصوح من جميع ذنوبنا، ومن جميع سيِّئاتنا، ومن جميع تقصيرنا في طاعة ربِّنا، نتوب إلى الله، الذين يعصونه، والله الذين يقصِّرون في طاعته: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18].

التوبة - يا عباد الله - من أعظم أنواع الاستعداد للموت، حتى تلقى الله وهو راضٍ عنَّا، فترضى عنه ويرضى عنك - سبحانه وتعالى.

والنوع الرابع من الاستعداد: أمر يخصُّنا، يخصُّ أبنائنا وبناتنا، يخصُّ مَنْ وراءنا، يخصُّ الناس الذين نتعامل معهم، ألا وهو الوصية.

أيها الإخوة:
هذه الفريضة التي كتبها الله علينا ونحن عنها غافلون، وكم من مشاكل ترسَّمت بين الوَرَثَة بسبب إغفالها، لأن مورثهم لم يوصِ؛ فصار بعضهم يأكل  مال بعض، وبعضهم يعتدي على بعض، وبعضهم يُحرَم من حقوقه، كم من إنسان له ديون عند إنسان، فيموت ذاك الإنسان ولا يوصي، فينكر وَرَثَته ديون الآخَرين؟! كم من إنسان له مال، وهذا المال أصبح حقٌّ للوَرَثَة، فلم يوصِ، فيضيع المال، فيتسبب في حرمان وَرَثَته من حقِّهم؟! كم من إنسان يريد أن يتصدَّق، يريد أن يقف شيئًا من أمواله، يريد أن يقدِّم له  شيئًا، أن يجعل له صدقةً جاريةً تنفعه بعد الموت، فيغفل ويخاف، يخاف أن يوصي؟!

إن هذا لهو من الغفلة العظيمة؛ يخاف أن الوصية تقرِّب الموت، أنَّ الوصية تطوي الأجل، أن الوصية نذير شؤم وفأل غير حسن!! كل هذا من الجهل ومن الغفلة، لذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما حقُّ إمرءٍ مسلمٍ له شيءٌ يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))؛ لا يَحِقُّ للرجل له دينٌ عند أحدٍ، أو عليه ديونٌ لأحدٍ، أو يريد أن يفصل بين أولادة؛ بأن فلان من أولادة أحسن إليه، ساعده في قيمة البيت، في بناء البيت؛ فله حقٌّ في البيت، أو فلان كذا، أو أن زوجته كذا، أو أن فلان قريبه، إلا ويوصي، يكتب ذلك ويضعة عند رأسه كما قال عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما -: "فما بِتُّ ليلتيْن منذ أن سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ووصيتي مكتوبة عند رأسي)).

اكتب هذه الوصية، ولو لم يكن فيها إلا عشرة ريالات لفلان، أو عشرة ريالات عند فلان، أو صدقة كذا للمسجد الفلاني أو المشروع الفلاني، فإن ذلك لا يقرِّب أَجَلاً، ولكن يُبْعِد الفِتَن، ويزيل المشاكل، ويجعل الإنسان عاملاً بوصيَّة ربِّ العالمين، وبهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم حسن الاستعداد للموت، وأن يهونِّه علينا، وأن يجعل لنا ولكم خاتمةً حسنةً، و مآلاً صالحًا، إنه سميعٌ مجيبٌ.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • زائر بلا موعد! (قصة قصيرة)
  • الموت
  • موعدنا الجنة بإذن الله
  • كان بجوار بيتنا
  • ألهاكم التكاثر
  • الموت ... جهة غير متوقعة
  • الاستعداد للموت
  • سكرات الموت
  • لماذا يكره ابن آدم الموت؟ (خطبة)
  • الموت حق (وقفة تأمل)
  • المتحسرون عند الموت (خطبة)
  • موعظة عن الموت (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • كلمات موجعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ذكر الموت وتمنيه(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • الموت في ديوان "تسألني ليلى" للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الموت بوصلة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قلق الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلع المريض مرض الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موتوا تعيشوا(مقالة - موقع د. حيدر الغدير)
  • حوار بين الموت والمؤمن(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)
  • من أسباب حسن الخاتمة .. الإكثار من ذكر الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • متى يجوز تمني الموت؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
8- عن الخطبة
إسماعيل - مالي 02-10-2015 05:07 AM

الحمد لله رب العالمين! أشكركم....

7- خطبة الجمعة
سعيد - ايطاليا 14-05-2015 04:22 PM

جزاكم الله خيرا.

6- خطبة رائعة
يوسف أحمد يوسف - مصر 12-02-2015 07:58 PM

جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم

5- عن الخطبة
أحمد سلامه هنداوى حسام الدين - مصر 23-08-2014 09:19 PM

جزاكم الله خير الجزاء

4- غاية الحي الممات!
عبدالجوادالخضري - مصر 21-11-2013 09:36 PM

يظل الموت هو الحقيقة البارزة للناس جميعا دون النظر إلى عقيدتهم أو لغتهم أو جنسهم الجميع يقر ويعترف أن هناك موت لكنهم يختلفون في البعث !لقد قال الله لنبيه(إنك ميت وإنهم ميتون) ودعني أسأل سؤالا:لماذا نموت ليحيا آخرون وهكذا (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) وبعد فتحية للأخ الخطيب على أدائه السهل الممتنع ودعاء إلى الله أن ينفع الناس بعلمه إنه نعم المجيب!!

3- عن الخطبة
محمد عاشور - مصر 09-08-2013 03:29 PM

بارك الله فيك وربنا يحميك ويحمي كل المسلمين آمين يا رب العالمين

2- الخطبة
احمد مصطفى - مصر 01-02-2013 04:09 PM

ربنا يباركلك على هذا الخطبة الجليلة والعظيمة بارك الله فيك

1- عن الخطبة
ابو مصطفى - العراق 02-12-2012 01:03 AM

جزاكم الله خير الجزاء على هذه الخطبة الوعظية التي اهتزت لها نفسي وسأل الله عزوجل أن يبارك لكم على ما تقدمونه ويأجركم عليه

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب