• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

المسارعة والسباق نحو الجنات (خطبة)

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/6/2016 ميلادي - 10/9/1437 هجري

الزيارات: 39929

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المسارعة والسباق نحو الجنات

وقول الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾


إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ:

فإنَّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ في دين الله بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.

 

أيها الإخوة المؤمنون، لا يخفى ما ينبغي على الإنسان من المبادرة إلى الخيرات، والانكفاف عن المعاصي والسيئات، فإنَّ هذه الحياة الدنيا دارُ عملٍ وزرع، يجد نتاجه الإنسان؛ إما في هذه الحياة الدنيا، وقطعًا ما يكون من ذلك في الآخرة، فإنَّ الإنسانَ قد كُلِّف وأوجب الله عليه توحيدَه وطاعتَه، ونهاه عن الشركِ به وعن عصيانه، هذا هو مختصر وجملة ما ينبغي على الإنسان في هذه الحياة الدنيا، والناس في هذا مستقلٌّ ومُستكثر، منهم من يعرف غاية وجوده، فيسعى لأجلها ويبذل في سبيلها كلَّ غالٍ ونفيس، فبُوصلته متوجهةٌ إلى تحقيق هذا الهدف الأعظم، وأكثر الناس في غفلة عن هذا الواجب العظيم، فلا يزالون في هذه الحياة الدنيا في غفلة عظيمة، حتى إذا وافتهم ساعة انتقالهم إلى دار البقاء، يكون ندمهم ولات ساعة مندم: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100].

 

وهذا يوجب على المؤمن أن يكون كثير المحاسبة لنفسه أعظم من محاسبة التاجر لشريكه، يحاسب نفسه ماذا قدَّم؟ وماذا أخَّر؟ فإنَّ مرور هذه الأيام وتوالي لياليها وساعاتها، شاهدٌ على الإنسان وهي ملأَى بما يُقدَّم فيها، ولذلك لما أدرك عباد الله المؤمنون حقيقة هذه الحياة الدنيا، جعلوا كل تصرفاتهم بحسب هذا الهدف الأعظم والغاية الكبرى، وقد حث الله جل وعلا عباده على أن يبادروا بالخيرات، وأن يكفوا عن الشرور والسيئات، ورغَّبهم في بلوغ أعالي الجنات، وحذرهم من المآلِ إلى جهنم وما فيها من العذاب والنكال؛ يقول رب العزة سبحانه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].

 

ففي هذه الآية الكريمة ترغيب من الله جل وعلا لعباده، وندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات، وهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى في سورة الحديد: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]، فما أبلغَه من عرضٍ كريم! وما أعظمَه من ترغيب شريف في بلوغ هذه الغاية العظمى والنعمة الكبرى! وكثيرٌ من الناس يغفل عن هذا الهدف الأعظم، ويجعل سباقه في غير ما خُلِق له!

 

نعم، إنَّ الإنسان بطبعه مبادرٌ إلى طلب الرزق والسعي فيما فيه صلاح شأنه في هذه الحياة، وهذا أمر معلوم بالفطرة والجبلَّة، ولكن لا بد أن يكون للإنسان معرفةٌ بغاية وجوده، فيسعى لذلك، والله جل وعلا يقول: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ويقول عز من قائل: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].

 

أيها الإخوة في الله، إنَّ المشاهد في أحوال أكثرنا أن يكون توجُّهنا إلى ما يتعلق بأمور الدنيا ومعاشها - مضاعفًا كثيرًا عن عنايتنا واهتمامنا فيما يكون في منقلبنا في الدار الآخرة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمُعتقها، وبائعٌ نفسه فمُهلكها).

 

نعم كل أحد في هذه الدنيا يسعى غدوةً وعشيًّا، يذهب ويَجيء، وفي هذه الدنيا تكون الصفقات، وهما صفقتان لا ثالث لهما، وهما اللتان أخبر عنهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم (بائعٌ نفسه فمُعتقها، وبائعٌ نفسه فمُهلكها).

 

بائع نفسه الذي أنجاها وأعتقها؛ يعني بذلك أعتقها من عذاب الله وسخطه، وبلَّغها الفوز برضوانه، وذلك بالاستقامة على طاعته والاستكثار من الخيرات.

 

وأما الصنف الثاني - وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (فبائعٌ نفسه فمهلكها) - فهو الذي جعل لنفسه السعي وراء الشهوات وعدم الانكفاف عن السيئات، وتساهَل بالطاعات، وأنت يا عبد الله كما قال الله تعالى: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 14، 15].

 

أنت يا عبد الله أدرى بنفسك من غيرك لو وزنت نفسك وحاسبتها، ونظرت في موقفك من طريقَي الجنة والنار، فإلى أيهما أنت أقرب؟ إنك أدرى الناس بنفسك، وأعلم الخلق بتوجُّهاتك، هل أنت ممن تصبح وتمسي وهمُّك طاعة الله؟ هل أنت ممن يُكثِر المحاسبة لنفسه فيما اقترف من سيئات، وما تعاطى من منهيَّات؟ هل أنت ممن يحاسب نفسه كيف أني لم أبادر إلى الخير؟ وكيف أني لم أسعَ في تصحيح علاقتي بربي والقرب من طاعته؟ كم فرطَّت في الطاعات؟ وكم تركت من الحسنات؟ فإن كنت كذلك على هذه الطريق في المحاسبة، فإنك ستصل إلى خير؛ لأنَّ العاقل يدرك أنَّ الواجب عليه، وأنَّ سعادة نفسه ونجاتها تفرض عليه أن يضع قدميه على الطريق الذي يؤدي به إلى جنة عرضها السموات والأرض.

 

وما أحسن ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا)، هل عامك هذا خير من عامٍ مضى في قربك من طاعة الرحمن وبُعْدِك عما يغضبه جل وعلا؟ أنت أدرى الناس بذلك وأعلم الخلق بحالك.

 

أيها الإخوة المؤمنون، لم يَزَل عباد الله الصالحون على هذا الطريق في محاسبتهم لأنفسهم، وفيما فاتهم من الخير المقرِّب لجنة ربهم، حتى بلغوا من الخير منازلَ عالية، ولذلك ينبغي على المؤمن أن يُقارن نفسه بأهل الفضل والإحسان والمسابقة إلى طاعة الرحمن، هذا الذي ينبغي أن تكون فيه المسابقة، لا ما يكون عليه حال أكثر الناس حينما يقارنون أنفسهم بالآخرين فيما يتعلق بأمور الدنيا، ماذا ملكوا من الأموال؟ وما عندهم من الأولاد؟ وما لهم مِن مُتَع هذه الحياة الدنيا؟ والله جل وعلا ينهى عباده أن يكون هذا ميزانهم في نظرهم للآخرين؛ إذ يقول عز من قائل: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ [طه: 131]، هذا نهي من الله جل وعلا عن أن يكون الإنسان مقارنًا لنفسه بما أُوتيه الآخرون من زهرة هذه الحياة الدنيا؛ لأنَّ حقيقة ذلك كما قال سبحانه: ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾، فهذا العطاء من الدنيا والبسط للإنسان في مُتَعِها، ليس علامة الرضا، وليس هو الدلالة على طريق الجنة، ولكنه كما قال سبحانه: ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾.

 

إنَّ المتعين على المؤمن أن يحاسب نفسه لِمَ قصَّرتُ في هذا الخير؟ ولِمَ لم أُبادر إلى هذه الطاعات؟ وهذه الطريق والحال هي التي كان عليها عباد الله الصالحون!

 

ومن تأمل أحوال كرام هذه الأمة وسابقيها من الصحابة رضي الله عنهم، ومَن بعدهم مِن التابعين والكرام الصالحين - يجد أنهم وطَّنوا أنفسهم على المسابقة إلى الخير، فهذان هما الشيخان الكريمان أبو بكر وعمر، كان من المعلوم ما بينهما من المنافسة للخير، وكان أبو بكر رضي الله عنه سابقًا، وكان عمر يتحيَّن الفرصة التي يسبق فيها أبا بكر، حتى جاء المنادي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإنفاق في سبيل الله وفي نُصرة دينه، ومؤازرة هذا النبي الكريم، فجاء عمر يومًا وقد أتى بشطر ماله، وقال: اليوم أسبق أبا بكر، فوضع المال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم جاء أبو بكر بماله كله ووضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله: (وماذا تركت لأهلك يا أبا بكر؟)، قال: تركت لهم الله ورسوله، فقال عمر: لا أُسابق أبا بكر بعد اليوم.

 

يعني بذلك أن له مزية السبق والفضل، وهو كذلك رضي الله عنه، وهو القائل عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو جعل إيمان الأمة في كِفة، وإيمان أبي بكر في كِفة - لرجَح بهم أبو بكر)، رضي الله عنه وأرضاه.

 

ولذا كان من آثار هذه الهمة العالية التي جعلت أبا بكر رضي الله عنه وهو بشرٌ مثلنا، وإنسانٌ مثلنا، لكن همته تعلَّقت بالآخرة، جعلته ينظر إلى أن السبق إلى الجنة هو السبق الذي لا مثيل له، وإذا به يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا يحدث عن أبواب الجنة، وأن مَن كان مِن أهل الصلاة دُعِي من باب الصلاة، ومَن كان من أهل الصدقة دُعِي من باب الصدقة، ومَن كان من أهل الصيام، دُعِي من باب الريَّان، إلى آخر ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم بدافع هِمته العالية: يا رسول الله، هل على أحد من ضرورة أن يُدعى من تلك الأبواب كلها؟ هل بالإمكان أن يكون اسم عبد من عباد الله في قائمة أهل تلك الأبواب كلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم)، هنالك مَن يُدعى من تلك الأبواب كلها؛ لأنه من أهل تلك الأعمال كلها؛ من أهل الصلاة والصدقة، والصيام وأهل الجهاد والتوحيد، (وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر).

 

إنَّ هذه الهمة العالية هي التي بلغت أبا بكر رضي الله عنه هذه المنزلة، والإنسان حتى يسلك طريق هؤلاء الأخيار والمقدَّمين من عباد الله، ينبغي أن يسلك طريقهم، وأن ينهج نهجهم، فيكون همُّه هو الطاعة متى نُودِي إليها! ولذلك ذكر بعض العلماء في دلالة هذه الآية الكريمة التي صدَّرت بها الخطبة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ونظيرتها في سورة الحديد: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الحديد: 21]، قالوا: إن المعنى المسابقة إلى تكبيرة الإحرام، ومنهم من قال: المعنى المسابقة إلى الصلاة، وقيل غير ذلك، وهذا كله كما يقول أهل العلم من صور وأجزاء دلالة هذه الآية الكريمة؛ إذ المعنى هو المبادرة إلى كل طاعة والمسارعة إليها.

 

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ﴾ ؛ يعني إلى ما يحقِّق لكم المغفرة، وهي الطاعات، فإن الطاعات تكفِّر السيئات، ولا يزال الإنسان مزدادًا من الطاعات حتى يكون مقرَّبًا عند ربه، مُكفَّرةً سيئاته، ألم يقل رب العزة سبحانه في الحديث القدسي الذي رواه عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه)، فدل ذلك على أن استكثار الإنسان من الطاعات، ومبادرته ومسارعته إليها، مما يؤهله لأن يكون من أهل هذه الجنة التي عظَّم الله شأنها بأنَّ عرضها السموات والأرض.

 

وقد سأل يهودي نبينا صلى الله عليه وسلم، وجاء في رواية عند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار؟!)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذا الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم - وهو جواب منطقي عقلي - يحتمل أحد معنيين: أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار، ألا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه، وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل، وهذا أظهر، والمعنى الثاني أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشَّى وجه العالم من هذا الجانب، فإن الليل يكون في الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عِليين فوق السموات تحت عرش الرحمن، وعرضها كما قال عز وجل: ﴿ كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾، والنار في أسفل سافلين، فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار.

 

والمقصود أيها الإخوة المؤمنون أن هذه السلعة الغالية العظيمة وهي الجنة - إنما كفاؤها والسبيل إليها مسارعة إلى طاعة الله، ومسابقة إلى ما شرع من الأعمال الصالحات، وانكفاف عن السيئات.

 

ثبَّتنا الله جميعًا على الإيمان، وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ:

أيها الإخوة المؤمنون، إن الإنسان يكون على ما عوَّد نفسه، وعلى ما درَّبها عليه، فمن اعتاد الخير ألِفه وأحبه، ومن اعتاد الشر مالت نفسه إليه، وبقِيت على ذلك، وهذه سنة مُطردة، وأمر معلوم يدركه العقلاء، ولذا كان من المتعين على المسلم أن يعوِّد نفسه ويوطِّنها على الخير، وذلك بأن يجعل هُجِّيراه وشاغل ذهنه الطاعة والعمل الصالح، فقبيح من الإنسان أن يفرِّط كل يوم في فريضة من هذه الفرائض التي أوجب الله تعالى، من الصلاة جماعة في المساجد بالنسبة للرجال، وقبيح منه أنه إذا ضيَّع الجماعة فيها، ضيَّع وقتها وأخرجها عما أوجب الله تعالى، وقبيح من الإنسان أن يترك الصلاة بالكلية، ففرقٌ بين من يوافي ربه يوم القيامة وعمره منتظم كله، لم يفرِّط في صلاة واحدة منذ جرى عليه قلم التكليف، وبين إنسانٍ توجد انقطاعات في حياته من هذه الفريضة العظيمة؛ حيث لم يصلها حتى لَقِي ربه، وأقبح من ذلك ولا شك مَن كان منقطعًا عن هذه الفريضة طيلة عمره أو أكثره؛ عياذًا بالله من هذا!

 

وهكذا أيضًا في عموم أبواب الخير، حينما يشاهد الإنسان صحائف أعماله وقد خلت من كثرة الذكر والاستغفار، ومن الصدقات، ومن بر الوالدين وصلة الأرحام، ومن ختم القرآن، وغير ذلك من الأعمال الصالحات، فالإنسان إذا وطَّن نفسه على الخير بادر إليه، ولذلك أُثِر عن كثير من الصالحين أن لهم من الأوراد اليومية التي لا يمكن أن يُفرطوا فيها مهما كان الأمر، فألِفت أنفسهم هذا الخير حتى لقوا ربَّهم جل وعلا، ولذا قال بعضهم لما حضره الموت - وبكى مَن بكى مِن حوله من بنيه وبناته -: أتظنون ربكم يضيِّع على أبيكم سبعين عامًا يصلي بالمسجد لم يرَ ظهر إنسانٍ أمامه؟ يعني بذلك مبادرته للصف الأول.

 

وقال غيره مثل ذلك من جهة صومهم، ومن جهة عموم الطاعات التي بادروا بها لله جل وعلا.

ومن الأمثلة الكبرى التي تدل على هذا المعنى: ما كان من الصدِّيق رضي الله عنه حينما سأل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يومًا الصحابةَ بعد صلاة الفجر: (من أصبح منكم اليوم صائمًا؟)، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: (من عاد منكم اليوم مريضًا؟)، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: (مَن تبِع منكم اليوم جنازة؟)، قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: (من تصدَّق منكم اليوم بصدقة؟)، قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمعت في يوم في امرئ، إلا دخل الجنة)؛ رواه مسلم.

 

فتأملوا أيها الإخوة كيف أن أبا بكر جمع هذه الأعمال الأربعة الجليلة التي ضمن النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتى بها في يوم ولو مرة في عُمره - أن يكون من أهل الحنة بإذن الله تعالى.

 

تأملوا أن أبا بكر أدَّاها فيما بين أذان وصلاة الفجر، ولذا قال عمر جاء في رواية أنَّ عمر رضي الله عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يسأل: (مَن فعل كذا هذا اليوم؟) قال: لتَوِّنا صلينا الغداة يا رسول الله، كأنَّ عمر يقول: متى يتسع الوقت لمثل هذا العمل؟! لكن الذي يوطِّن نفسه على الخير، ويبادر له كلما لاحت فرصتُه وحضرت مناسبتُه، لم يُعوِزه تأخُّرُه عن الأعمال الصالحة، ولذا قال أبو بكر مفسرًا رضي الله عنه كيف بادر لهذا: إني خرجت من داري، فرأيت في طريقي مسكينًا فأطعمته، ورأيت جنازة آل فلان فتبعتها، وكان أخي فلان مريضًا فعدته، وأنا صائم اليوم يا رسول الله.

 

والمقصود أيها الإخوة الكرام أن المتعين علينا أن نكون مبادرين إلى الخير، وأن نعيد ترتيب أولوياتنا في هذه الحياة، وأن نجعل الأولوية الأولى والكبرى التي لا يزاحمها شيء، هي طاعة الله جل وعلا، فلا نسمح بأن يزاحمها شيء، ولا أن نتنازل باقتراف سيئة مجاملة لأحد، أو لوجودك في مكان أو زمان، مما قد يحرجك في ظاهر الأمر، فالحرج من الله أعظم من الحرج من الخلق كلهم؛ لأن الله بيده التوفيق وبيده العقاب والثواب، وأما الخلق فهم ضُعفاء، لا يملكون شيئًا يؤذونك به، إلا ما شاء الله جل وعلا.

 

فتأملوا رحمكم الله هذه الدلالة العظيمة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، فما أعظمه من حثٍّ من الرحمن، وفَّقنا الله لبلوغ ذلك.

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بهذا، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان علي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفِر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم اجمعهم على كتابك وسُنة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفِّق أئمتنا وولاة أمورنا لما فيه الخير.

اللهم وفِّقهم لما فيه هداك، واجعل عملهم في رضاك.

اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وثبِّت الجنود المرابطين المجاهدين في هذه البلاد.

اللهم احفظهم بحفظك، اللهم سدِّد رمْيهم وآراءهم.

اللهم احفظهم وأحسِن عاقبتهم، واخلُفهم في أهليهم خيرًا يا رب العالمين.

اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا المبتلين في كل مكان؛ في فلسطين وسوريا، وفي العراق واليمن، وفي غيرها من البلاد.

اللهم احقن دماء إخواننا في العراق في الفلوجة، اللهم دافِع عنهم يا رب العالمين من كيد الكائدين.

اللهم احفظهم بحفظك، وادفَع عنهم كل شر، واجعل الدائرة على أعدائهم، ومَن أراد بهم شرًّا يا قوي يا عزيز.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أعينٍ، واجعلنا للمتقين إمامًا.

اللهم بلِّغنا شهر رمضان، وأعِنَّا على ما تحب فيه يا رحمن.

 

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المسارعة إلى الخيرات
  • المسارعة في الخيرات
  • صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات
  • العشر الأوائل واستباق الخيرات
  • إنهم كانوا يسارعون في الخيرات

مختارات من الشبكة

  • المسارعة والسباق نحو الجنات(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • المسارعة في الخير والمسارعة في الشر(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • سباق الذكاء الاصطناعي: فضول لا ينتهي، وسباق محموم، ودور العالم العربي في هذا السباق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رمضان والسباق نحو دار السلام (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • سباق .. وسباق (قصة)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من أسباب صلاح القلوب (2) المسارعة في الخيرات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسارعة إلى الخيرات (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • المسارعة إلى الخيرات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسارعة إلى الخيرات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (4)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب