• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

من الإيمان محبة الخير للمسلمين

من الإيمان محبة الخير للمسلمين
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/6/2016 ميلادي - 2/9/1437 هجري

الزيارات: 79559

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من الإيمان محبة الخير للمسلمين

وقول النبي صلى الله عليه وسلم

(لا يؤمن أحدُكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فإنَّ من المقاصد الكبرى والمصالح العظمى التي عُنيت بها الشريعة الغرَّاء، ما يتعلق بصلة المسلمين بعضَهم بعضًا، وحبِّ بعضهم بعضًا، ومُوالاةِ بعضهم بعضًا، وسعي بعضهم لخير بعض، وكفِّ الأذى فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى، وذلك واضحٌ في جملة تشريعات كريمة نزل بها القرآن العزيز، وقرَّرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة قولًا وفعلًا وتقريرًا، ولذلك فإنَّ الله سبحانه وتعالى امتنَّ على أهل الإيمان بأنْ جعل بينهم هذه الرابطة الأخوية التي بُنيت على هذا الأمر العظيم - على الدين الكريم - وليست مبنيةً على أمور دنيوية تختل أو تزول بتغيُّرها أو زوالها؛ يقول رب العزة سبحانه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]؛ يعني بذلك أن يكون بينهم الولاء الذي يجعلهم يحب بعضهم بعضًا، وينصر بعضهم بعضًا، ويعين بعضهم بعضًا.

 

ويقول رب العزة سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، فليتمثَّلوا مقتضى هذا الوصف الإيماني بأن يكون كلٌّ منهم ساعيًا في خير الآخر، ويقول رب العزة جل وعلا منبهًا أهل الإيمان إلى هذه النعمة العظمى والمنحة الكبرى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، نعم بنعمته جلَّ وعلا حصلت هذه الأخوة الإيمانية، ومَن لم يَستشعرها ففي إيمانه خلل، وفي دينه ضَعف.

 

ويقول رب العزة سبحانه ممتنًا بهذه الأخوة في أشرف صورها وأبهى تطبيقاتها، بما كان من القدوة والأسوة في حياة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الكرام؛ قال الله جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 62، 63].

 

نعم ألَّف بينهم على هذه الرابطة العظيمة الوثيقة العميقة، وهي رابطة الإيمان، ليست رابطة أخرى مما قد يكون بين كثير من بني البشر من روابط متعددة، إنها رابطةُ الإيمان التي قال الله جل وعلا في تعظيمها وإجلالها، ومُنبهًا سبحانه على ألا يُلتفت إلى غيرها؛ قال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

 

إنَّ الكرمَ والعلوَّ والرفعةَ والشرف، إنما هو بالقرب من الله جل وعلا، بطاعته والاستقامة على شرعه، وكلما حقق المؤمن هذه الرابطة دلَّ ذلك على كمال إيمانه.

 

وبين يديَّ وإياكم أيها الإخوة المؤمنون في هذه الخطبة نصٌّ شريف وكلامٌ بليغ جامع عظيم عميق، مما أُوتيه نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، نتوقف وإياكم معه متدبرين ومتأملين، وناظرين إلى أيِّ مدى هو في حياتنا، في حياتنا نحن - الأفراد الموجودين في هذا المسجد - وفي حياة عموم أهل الإسلام، وهو حديث رواه الشيخان البخاري ومسلم، ورواه أهل السنن الترمذي والنسائي وابن ماجه إلا أبا داود، ورواه أحمد في مسنده، والطبراني في معجمه، وعبد بن حميد في مسنده، والدارمي في سننه، وأبو داود الطيالسي في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، ورواه ابن حبان في صحيحه، وابن منده في كتاب الإيمان، وغيرهم من أهل كتب السنن والصحاح والمعاجم، وغيرها من دواوين السنن الغراء.

 

وقد ساقه الإمام الكبير الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله بسنده في كتابه الجامع الصحيح في كتاب الإيمان فقال: باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، هكذا أسنده البخاري رحمه الله، وساقه من طريق آخر عن حسين المعلم قال: حدثنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

 

فهذا حديث عظيم جليل، حتى قال بعض العلماء: إنه أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام؛ حديث الأعمال بالنية، وحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وحديث الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وهذا رابعها: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وقد جاء في رواية عند مسلم: (حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه)، ولا شك أنَّ للجار مزية أخرى فوق مزية الأخوة الإيمانية، فهي رابطة فوق رابطة، وعلاقة مزيدة على علاقة، وهي مؤدية للغرض نفسه من توطيد التآخي والتواصل بين أهل الإسلام.

 

قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء رحمهم الله في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم)، يعني الإيمان التام، وإلا فإنَّ أصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة، والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات، ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث، قال: (حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه)، وهذا كما يقول بعض العلماء فيما ينقل النووي هذا من الصعب الممتنع، ولكنه ليس كذلك يعني لمن يسَّره الله عليه؛ إذ معنى هذا الحديث لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب حصول مثل ذلك لأخيه من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، ولكنه يعسر على القلب الدَّغِل عافانا الله وإخواننا أجمعين.

 

نعم؛ إنَّ انطلاق المؤمن بهذا الحبِّ والود نحو إخوانه، لا يحصل إلا إذا فرَّغ قلبه من الحسد والحقد والغش، وأنواع أمراض القلوب التي تحصل عند مَن ضَعف إيمانه، وقلَّ توكله، وضعف رجاؤه فيما عند الله جل وعلا، ذلك أنَّ الذي مُلِئ قلبه بالحسد والغش، فإنه يظن أن الخير الذي يؤتاه الآخرون، فإنه ينقص ما قد يؤتيه الله إياه من الخير، وما علم أنَّ لله خزائن السموات والأرض، وله ملكوت السموات والأرض، وأنَّ ما يعطيه لله لغيره لا ينقص ما قد يعطيه الله له، ولكن ذلك إنما يحصل لمن ضعف إيمانه، وقل رجاؤه، فيتصور هذا التصور.

 

ويتحقق هذا الحب للخير للآخرين عند أصحاب الأنفس الكريمة التي ارتقت عن وطأة الطين في الأرض، وعن وطأة الغش الذي يضخه إبليس في دماء أوليائه، وذلك أن مَبنى ما أجرمه الشيطان نحو البشرية ونحو أبينا آدم عليه السلام وذريته - كان على الكبر والحسد، فمن كان عنده هذه الصفة التي تحمله على كراهية الخير نحو إخوته من أهل الإيمان، فإنَّه على شبه بإبليس وعلى طريقٍ يسير عليه مما أراده له إبليس.

 

قال العلامة الحافظ ابن رجب رحمه الله في معنى هذا الحديث أيضًا: لما نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، دلَّ ذلك على أن هذا من خصال الإيمان على أن حب الخير لإخوانك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإنَّ الإيمان لا يُنفى إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...)؛ الحديث.

 

وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)، فالمؤمن أخو المؤمن، يحب له ما يحب لنفسه، ويحزنه ما يحزنه؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

 

فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلةً من دين أو غيره، أحب أنْ يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لأَمُرُّ بالآية من القرآن فأفهمها، فأودُّ أن الناس كلهم فهِموا منها ما أفهم)، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: (وَدِدتُ أن الناس كلهم تعلَّموا هذا العلم، ولم يُنسب إليَّ منه شيء).

 

فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي، فإنه مذموم؛ قال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ﴾ [القصص: 83]، ولذا قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه - وقال غيره مثله أيضًا -: هو ألا يحب أن يكون نعله خيرًا من نعل غيره، ولا ثوبه خيرًا من ثوبه.

 

وفي الحديث المشهور في السنن: (من تعلَّم العلم؛ ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه - فليتبوأ مقعده من النار).

 

فتأملوا رحمكم الله هذه الدلائل العظيمة العميقة في معنى هذا الحديث، أنَّك تكون على هذه الجادة الكريمة التي إنما تسلكها الأنفس الشريفة التي تخلقت بأخلاق الأنبياء، وورثت ما ورَّثوه من العلم العظيم الذي فيه الإحسان إلى الخلق وتقديم الخير لهم، وأما من كان على سوى ذلك - ممن يصبح ويمسي وهو يتقلب في الحسد والحقد نحو الآخرين - فإنَّه ليس له طريق إلى هذه المكارم، وليس له سبيل إلى هذا الشرف الرفيع؛ قال العلامة ابن بطال المالكي رحمه الله: روي عن الفضيل بن عياض أنه قال لسفيان بن عيينة: (إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك، فما أديت النصيحة، كيف وأنت تود أنهم دونك).

 

وقال بعض الناس: المراد بهذا الحديث كفُّ الأذى والمكروه عن الناس، ويشبه معناه قول الأحنف بن قيس قال: (كنتُ إذا كرِهت شيئًا من غيري، لم أفعل بأحد مثله)، تأملوا هذا الأصل العظيم المفرع عن هذا الحديث الشريف.

 

إننا أيها الإخوة المؤمنون، لو أعملنا هذا التوجيه النبوي، لرأينا خيرًا كثيرًا في مجتمعاتنا، ولقلَّت المظاهر والظواهر السلبية التي فيها إضرار بالآخرين.

 

إنَّ إعمال هذا الحديث واستحضاره في تعاملاتنا، سيكفُّ عنا كثيرًا من الشرور التي تئنُّ منها المجتمعات، إنَّ هذا سيساعد على أنواع كثيرة من الخيرات والبركات، وسيكفُّ كثيرًا من الأضرار والشرور، بدءًا من كون الإنسان في تعامله في دائرته القريبة، ثم في الدوائر المتعددة، ولذلك لما تمثل السلف رحمهم الله دلالة هذا الحديث، كان أحدهم يطمئن إلى الآخر في بيعه وشرائه، وفي تعاملاته كلها، لما حضر أحدهم إلى السوق وهو يريد أن يبيع دابة، قال له: لو كنت أنت المشتري، يقول المشتري للبائع: لو كنت أنت المشتري، أترضاها؟ قال: والله لو لم أرضها لنفسي لم أرضها لك، وهذا القانون لو تمثَّله الناس في بيوعهم وتجاراتهم، لقلَّ الغش ولازدهرت التجارة، ولتنوعت المصانع والمنتجات، ولنمت نموًّا عظيمًا، وهل حصَّلت كبريات الشركات التي لها الأسماء المشهورة المعروفة ثقةَ مُرتاديها ومُقتني منتجاتها، إلا لَما تمثلوا مثل هذا الأصل العظيم، ولذلك فإنما يوجد الغش والضرر فيما يكون من المقاولات والبناء والبيوع وأنواع ما يُشترى إذا تخلف هذا الأصل العظيم.

 

إن الإنسان بطبعه لا يرضى أن يدخل على نفسه الضرر، لا يمكن لعاقل أن يشتري سلعة أو أن يقتني شيئًا، ويعلم أنَّه معطوب فيه ضرر، وإنما وقع العطب والضرر والغش؛ لأن الذي باعه أخفى عليه وأراد به الضر؛ لأنه لو أراد لنفسه الخير، ولو عامل هذا الذي يشتري منه مثلما يحب أن يُعامل به - لتجنَّب ذلك، ولهذا حينما تحضر هذه النفوس الكريمة والمشاعر العالية السامية في مثل هذه الأحوال، تقلُّ الأضرار وينتفي النزاع إلى الحد الذي لا يحتاج الناس معه إلى قضاء ولا إلى محاكم.

 

وتأملوا في هذه القصة التي حكاها ورواها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلًا باع آخر عقارًا، فلما قبضه وحازه، وجد في هذا العقار في هذه الأرض وجد بداخلها كنزًا، فماذا كان موقفه؟ رجع إلى صاحبه الذي باعه الأرض، وقال: يا فلان، إني اشتريت منك أرضًا ولم أشتر منك الكنز، فخذ هذا الكنز الذي كان فيها، فقال له البائع: إنما بعتك الأرض وما فيها، فالكنز لك ومن حقك، فاختصموا في أن كلاًّ منهما يدفع هذا الكنز ويراه أنه ليس من حقه، وهذا منطوق هذا الحديث منطوقًا عمليًّا تطبيقيًّا: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وأتم نبينا صلى الله عليه وسلم القصة، وقال: إنهما احتكما إلى رجل، قال: هل عندكما شيء من الولد؟ قال أحدهما: عندي غلام، وقال الآخر: عندي جارية، قال: فزوِّجوهما، وأنفقوا عليهما من مال هذا الكنز، فما أكرمه من زواج وما أعظمه من مصاهرة - أن تكون على هذا النحو الطاهر التي تسمو فيه هذه النفوس!

 

وفي دلالة هذا الحديث العظيم حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم)، هذا كما قال العلماء، وكما قدمت إشارةً إليه - أن المعنى ليس نفي الإيمان من أصله، وإنما المراد نفي كمال الإيمان، فإن هذا معروف في ألفاظ السنة أنه يُنفى الشيء ولا يراد نفيه كله، وإنما نفي كماله؛ كما قال عليه الصلاة والسلام في إحدى روايات هذا الحديث: (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان، حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير).

 

وتأملوا رحمكم الله هذا الوصف النبوي البليغ الموجز الشامل لكل شيء "ما يحب لنفسه"، وفي الرواية الأخرى "من الخير"، وهذه اللفظة كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وتخرج المنهيات؛ لأن اسم الخير لا يتناولها، فعُلِم بهذا أن المؤمن هذا ديدنه، وهذا منهجه، يصبح ويمسي وهو يريد أن يؤدي هذا الحق نحو إخوانه، فهو يحب الخير لهم في أمورهم الدينية، وهذا هو أعظم ما يحب للآخرين، وهو الذي كانت عليه سنة النبيين أن يسدوا إلى أُممهم وإلى مجتمعاتهم دلالتهم على الخير الذي يقودهم إلى الله جل وعلا بالاستقامة على طاعته ومحاذرة معصيته، ثم أيضًا يحبون للناس الخير في أمور دنياهم، وهذا يقتضي أن يكون هذا الباعث لدى الإنسان باعثًا قلبيًّا، فهو في مشاعره إذا سمع بخير أُوتيه أحد من الناس، فرح به وهو يتمنى الخير للآخرين، كما أنه في ناحية تطبيقية عملية، يكون سببًا للخير نحو الآخرين، لا يسعى لضرهم في شيء بأي طريقة كانت عملية أو قولية، فهو أيضًا يسدي للآخرين الخير في أقواله وألفاظه وحديثه معهم، ولو أن الناس تمثلوا هذا المنهج القويم، لكثرت الخيرات ولازدهرت المنافع فيما بينهم، ولكن الشيطان ضيَّق عليهم بأن جعل في قلوبهم أنواعًا من الحقد والحسد، فأدَّى إلى كثير مما يشاهد من القطيعة والخصومات، عياذًا بالله من ذلك!

 

ومما يعين على المبادرة بالخير والبِرِّ نحو الآخرين أن يدرك الشخص بأن كل خير يبذله لعباد الله فإن الله يجزيه بمثله، بل بأضعافه، كما تدل عليه نصوص كريمة من القرآن والسُّنة، منها ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

 

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه الماتع "الوابل الصيِّب من الكلم الطيب" قال: من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيرَه، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخَلقِه. انتهى.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

قاعدةٌ عظيمة وأصلٌ شريف: (لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير).

إنَّ تطبيقات هذا الأصل العظيم واسعةٌ متعددة، وعلى سبيل المثال إذا أراد هذا الذي يسير في الطريق أن يرمي شيئًا في طريق الناس، هل يرضى أن يُرمى هذا الشيء أمام باب داره، أو في فناء بيته؟ أو هل يرضى أن يرمي أحدٌ أمامه شيئًا وهو من ورائه فيتضرر بذلك؟ إذا وضع هذا الميزان فإنه لن يفعل، هل يرضى أحدٌ وهو في طريقه وقد أضاءت إشارة المرور الخضراء - أن يأتي شخص مستهتر متهور، فيقطع الإشارة أمامه، فيعرضه وأهله أو غيرهم للهلاك والموت، هل يرضى أن يكون ذلك نحوه؟ فهو كذلك قبل أن تكون هناك كاميرات المراقبة أو حضور شرطي المرور، فهو يراقب الله جل وعلا، يعلم أن قطعه للإشارة أنه مضر بالآخرين، فكذلك لا يرضى هو أن يُضر به، فكم فُقِد من الأرواح في مثل هذه المخالفات!

 

هكذا أيضًا حينما يريد أن يبيع أو يشتري، أو يريد أن يخطب من الناس، أو غير ذلك من التعاملات، هل يرضى أن يعامل بالإخلال؟ لا يرضى بذلك، فهو كذلك أيضًا لا يقبل من نفسه بمقتضى إيمانه أن يخل بحق أحدٍ من الناس.

 

وما أحسن ما قال بعض العلماء: المقصود من هذا الحديث أن من جملة خصال الإيمان الواجبة: أن يحب المرء لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه، وأن يكره له ما يكرهه لنفسه، فإذا زال عنه ذلك، فليعلم أنه قد نقص إيمانه بذلك، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأبي هريرة: (أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا)؛ رواه الترمذي وابن ماجه.

 

وهذا يقرِّر أن التدين ليس شيئًا مدَّعًى، وليس بالزي وبالمظاهر، ولكنه تطبيق عملي، وهذا يقرر أيضًا أن التطبيق للدين ليس في المسجد فقط، هو كذلك في المسجد، وهو كذلك في الزكاة والصيام والحج، ثم هو أيضًا في التعامل مع الآخرين؛ لأنه لا يقبل في الإسلام أن يُشاهد الرجل متهجدًا في محرابه، بينما هو غاشٌّ في محراب الحياة، وإنما الواجب عليه أن يكون مطبقًا لهذا كله في كل تعاملاته، ولذلك رتَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخول الجنة على هذه الخصلة العظيمة، فقد روى الإمام أحمد عن يزيد بن أسد القصري، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (أتحب الجنة؟)، وتأملوا هذا العرض النبوي والتعليم المصطفوي ما أجمله، إنه سؤال لو وجِّه لكل أحد، فإن الجواب معروف تبتهج لأجله النفوس، وتشرئب الأعناق، "أتحب الجنة؟"، الجواب من كل مسلم: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأحب لأخيك ما تحب لنفسك).

 

وجاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه).

 

تأملوا أيها الإخوة المؤمنون، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دخول الجنة والمباعدة عن النار، مبنيًّا على هذين الأصلين العظيمين الأول هو صلة الإنسان بربه وإيمانه به، والثاني صلته بالخلق، فهو أن يؤدي إليهم ما يحب أن يؤدوا إليه، وأن يكره أن يصرف ويؤدي نحوهم ما يكره أن يؤدوا هم إليه.

 

وفي الجملة، ينبغي للمؤمن أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه، فإذا رأى في أخيه المسلم نقصًا في دينه، اجتهد في إصلاحه، قال بعض الصالحين من السلف: (أهل المحبة لله نظروا بنور الله، وعطفوا على أهل المعاصي، ومقتوا أعمالهم، وعطفوا عليهم؛ ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم، وأشفقوا على أبدانهم من النار، فلا يكون المؤمن مؤمنًا حقًّا حتى يرضى للناس ما يرضاه لنفسه، وإن رأى في غيره فضيلة، فاق بها عليه، فإنه يتمنى لنفسه مثلها، ولكن دون أن يحسده).

 

فهذا أصلٌ عظيم ينبغي أن نستحضره في كل تعاملاتنا، وأن نتواصى به، وأن نُعلِّمه أهلينا وأولادنا، وأن نكون مستقرين عليه: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير).

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا بذلك ربنا، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم إنَّ بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام من اللأواء ومن الشدة والفرقة، وتسلُّط الأعداء - ما لا نشكوه إلا إليك، ولا يقدر على كشفه إلا أنت، فنسألك اللهم فرجًا عاجلًا لكل مكروب برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ألِّف بين قلوبهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكْفِهم شرارَهم.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم بالحق قائمين، واجعلهم رحمة على رعيتهم يا رب العالمين، اللهم وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

اللهم أصلح لنا نياتنا وذرياتنا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم بلِّغنا شهر رمضان، وأعنا فيه على ما تحبه يا رحمن.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • محبة الخير للناس ودلالتهم عليه

مختارات من الشبكة

  • من الإيمان محبة الخير للمسلمين(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الإيمان بالكتب السماوية(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • حلاوة الإيمان في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • مسائل في الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قرة عيون ذوي الإيمان بتفسير وفوائد آية الأيمان (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تجديد الإيمان يا أهل الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب