• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم
علامة باركود

باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن

باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/12/2018 ميلادي - 23/3/1440 هجري

الزيارات: 36112

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن

 

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجِنِّ وَمَا رَآهُمْ. انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شَيْءٍ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هٰذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ؟ فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَمَرَّ النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ وَهُوَ بِنَخْلٍ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، وَقَالُوا: هٰذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا، إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾ [الجن: 1].

 

• عن عَلْقَمة رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لا، وَلٰكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَفَقَدْناهُ، فَالْتَمَسْناهُ في الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ، قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَقَالَ: ((أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ))، قَالَ فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: ((لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعَرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ))، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((فَلا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا؛ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ))؛ رواه مسلم.

 

وأما البخاري فرواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أنه كان يَحملُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِداوَةً لِوَضوئِه وحاجته، فبينما هوَ يَتبعهُ بها، فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة، فقال: ((ابغنِي أحجارًا استنفِض بها، ولا تأتنِي بعظمٍ ولا برَوثةٍ))، فأَتيتُه بأحجار أحملِها في طرَفِ ثوبي حتى وَضعْتُ إِلى جَنبهِ، ثم انصرَفت، حتى إِذا فَرغ مَشيتُ معهُ، فقلت: ما بال العظم والرَّوثةِ؟ قال: ((هُما مِن طَعامِ الجنِّ، وإِنه أتاني وَفْدُ جنِّ نَصِيبينَ - ونِعْمَ الجنُّ - فسألوني الزادَ، فدعَوتُ اللَّهَ لهم ألَّا يمرُّوا بعظمٍ ولا برَوثةِ إلا وَجَدوا عليها طُعمًا)).


تخريج الأحاديث:

حديث ابن عباس أخرجه مسلم (449)، وأخرجه البخاري في كتاب "الأذان" "باب الجهر بقراءة صلاة الفجر" (773)، وأخرجه الترمذي في كتاب "تفسير القرآن" "باب ومن سورة الجن" (3323).

 

وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم (450)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه أبو داود في كتاب "الطهارة" "باب الوضوء بالنبيذ" (85)، وأخرجه الترمذي في كتاب "تفسير القرآن" "باب ومن سورة الأحقاف" (3258).

 

وروى البخاري بنحو حديث ابن مسعود من حديث أبي هريرة في كتاب "مناقب الأنصار" "باب ذكر الجن" (3860).

 

شرح ألفاظ الحديثين:

"عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ"؛ أي: قاصدين سوق عكاظ، والسوق تؤنث وتذكر لغتان، وعكاظ نخل في وادٍ بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليالٍ، وبه كانت تُقام سوق العرب بموضع منه يُقال له الأُثيداء، شمال شرق الطائف (بلدة الحوية اليوم)35 كم، وكانت العرب تجتمع في السوق كل سنة يتفاخرون بها ويحضرها الشعراء والخطباء، وتقوم السوق صبح هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يومًا، يقال: واتُخذت سوقًا بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وظلت إلى سنة تسع وعشرين ومائة من الهجرة، فخرج إليها الخوارج فنهبوها فتركت إلى الآن؛ [انظر: الروض المعطار؛ للحميري، ص (411) ومعجم البلدان للحموي (4/ 142) وفتح المنعم (2/ 624)].

 

"وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ"؛ أي: مُنع الشياطين ومردة الجن من الأخبار التي في السماء عند الملائكة.

 

"وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ": بضم الشين والهاء جمع شهاب، وهو شعلة نار ساطعة تنفصل من بعض الكواكب.

 

"فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا"؛ أي: سيروا في الأرض كلها، والمشارق والمغارب كناية عن الكل.

 

"الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ": بكسر التاء؛ قيل: تهامة: المناطق التي تساير البحر الأحمر من نجد ومكة وجدة، وأصلها اسم لكل مكان غير عال من بلاد الحجاز، سميت تهامة من التَّهم وهو شدة الحر وركود الريح؛ [انظر: معجم البلدان (2/ 64)، وفتح المنعم (2/ 625)].

 

"فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ"؛ أي: أنصتوا له، والفرق بين السماع والاستماع، أن الاستماع تصرف بالقصد والإصغاء بخلاف السماع.

 

"اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ": استطير؛ أي: طارت به الجن، ومعنى (اغتيل)؛ أي: قُتِل سرًّا، والغِيلة بكسر الغين: هي القتل خفية.

 

"جَاءٍ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ": حراء: جبل مكة المكرمة ويُسمَّى (جبل النور) شمال شرقي مكة المكرمة، كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتيه الوحي يتعبَّد في غار من هذا الجبل؛ حيث كان يرى الكعبة المشرفة منه، يقابله جبل ثبير، ولقد وصل بنيان مكة إليه اليوم؛ [انظر: الروض المعطار صـ (190)، ومعجم البلدان (2/ 233)].

 

"فَلا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا": الاستنجاء: هو التطهر من أحد السبيلين بالماء.

"إِداوَةً": بكسر الهمزة: إناء صغير من جلد، وجمعه: أداوَى بفتحها، كمطية ومطايا.

"ابغنِي أحجارًا استنفِض بها"؛ أي: اطلب لي أحجارًا استنج بها.

"ولا برَوثةٍ": بفتح الراء وسكون الواو، هي فضلة ذات الحافر.

"وَفدُ جنِّ نَصِيبينَ": قال ابن حجر: "نصيبين بلدة مشهورة بالجزيرة"؛ [الفتح (7/ 172)].

"فسألوني الزادَ"؛ أي: مما يَفضُلُ من طعام الإنس.

 

من فوائد الأحاديث:

الفائدة الأولى: الأحاديث دليل على مشروعية الجهر في صلاة الصبح؛ لجهر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة حين أمَّ بأصحابه وسماع الجن لقراءته، وهذا مراد مسلم في إيراد حديثي ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما في كتاب الصلاة؛ ليستدل لمشروعية الجهر بالقراءة في الفجر، وفيه مشروعية صلاة الجماعة في السفر منذ أول النبوة.

 

الفائدة الثانية: حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه دلالة على سبب نزول قول الله تعالى: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ [الجن: 1].

 

الفائدة الثالثة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه مشروعية الاستجمار بالحجارة عند قضاء الحاجة.

 

الفائدة الرابعة: الأحاديث فيها دلالة على أمور عدة تتعلَّق بالجن، وبعض المسائل المتعلِّقة بالجن يمكن توضيحها بما يلي:

المسألة الأولى: لماذا سموا جنًّا وممَّ خُلِقوا؟

سموا جنًّا لاجتنانهم؛ أي: استتارهم عن العيون، فهم عالم غيبي؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ﴾ [الأعراف: 27[.

 

وأصلهم الذي منه خُلِقوا هو النار؛ قال تعالى: ﴿ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر: 27]، وفي صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانُّ من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم))، والجن عالم غير عالم الإنسان وعالم الملائكة، بينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتِّصاف بصفة العقل والإدراك، والقدرة على اختيار طريق الخير والشر، ويخالفون الإنسان في أمور، أهمها أن أصل الجان مخالف لأصل الإنسان.

 

المسألة الثانية: هل خلقهم متقدم على خلق الإنسان؟

نعم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر: 26، 27]، والآية نص على أن الجن خُلقوا قبل الإنس، وعن تحديد المدة يرى بعض السابقين أنهم خلقوا قبل الإنسان بألفي عام، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنَّة، إلا ما ورد عن بعض الإسرائيليات.

 

المسألة الثالثة: هل أنكر الجن أحد؟

دلت نصوص الكتاب والسنة على خلقهم، والضرورة والواقع، وأنكرهم طوائف.

يقول ابن تيمية رحمه الله: "لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، ولا في أن الله أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن، أمَّا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهم مُقِرُّون بهم كإقرار المسلمين، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك، كما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك؛ كالجهمية والمعتزلة، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مُقرِّين بذلك.

 

وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواترًا معلومًا بالضرورة، ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة؛ بل مأمورون منهيُّون، ليسوا صفات وأعراضًا قائمة بالإنسان أو غيره، كما يزعمه بعض الملاحدة، فلما كان أمر الجن متواترًا عن الأنبياء تواترًا تعرِفُه العامة والخاصة، فلا يمكن لطائفة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم"؛ [مجموع الفتاوى: 19 / 10].

 

وقال أيضًا: "جميع طوائف المسلمين يُقِرُّون بوجود الجن، وكذلك جمهور الكُفَّار؛ كعامة أهل الكتاب، وكذلك عامة مشركي العرب وغيرهم من أولاد حام، وكذلك جمهور الكنعانيين واليونان من أولاد يافث، فجماهير الطوائف تقرُّ بوجود الجن"؛ [مجموع الفتاوى 19 / 13].

 

المسألة الرابعة: هل يمكن لأحد رؤيتهم؟

في حديث الباب عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم"، وليس في هذا نفي الرؤية مطلقًا، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه في الباب يُوحي أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم وهو مقتضى الذهاب مع الجني؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((أتاني داعي الجن فذهبت معه))، وأصرح من هذا تمثُّل الجن بصورة إنسان؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري، وقصة الشيطان حين جاءه بصورة فقير يشكو الفقر والعالةَ، ويريد أن يسرق من الزكاة، فالأصل أن الجن عالم غيبي لا يُرون؛ لكن قد يُرون أحيانًا لحكمة أرادها الله تعالى، واختاره شيخنا العثيمين؛ [ التعليق على مسلم (2/ 186)].

 

المسألة الخامسة: صفة خلق الجن:

لا يُعلَم من خلقهم إلا ما عرفنا الله تعالى عليه، فلهم قلوب وآذان وأعين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، ولهم صوت؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ [الإسراء: 64]، ولهم أيدٍ؛ ففي صحيح مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا)).


ويأكلون ويشربون؛ لحديث الباب حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه: "وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ)).


وفي صحيح مسلم من حديث ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ))، ويطبخون؛ لحديث ابن مسعود في الباب، وفيه: قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ))، ويبولون؛ لحديث ابن مسعود المتفق عليه، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: ((ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ))، أَوْ قَالَ: ((فِي أُذُنِهِ))، ويسكنون البيوت ويبيتون فيها؛ ففي صحيح مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ)).


وما سبق يُؤيِّد أن الجن أجسام وليست أعراضًا، واختاره شيخنا العثيمين؛ [التعليق على مسلم 2 / 183].

ومما يدل على ذلك أيضًا رؤية بعض الحيوانات للجن؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوَّذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانًا)).


وروى أبو داود عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار، فتعوَّذوا بالله، فإنهن يرون ما لا ترون)).


المسألة السادسة: القرآن حجاب من عبث الجن واستراقهم السمع:

ويدل لذلك حديث ابن عباس في الباب؛ ففي أوله وقع الجنُّ في حيرة، وضربوا الأرض شرقًا وغربًا؛ ليعرفوا سبب منعهم من استراق خبر السماء، ووجدوا أنه بسبب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على أصحابه في صلاة الفجر، واعترفوا بذلك حيث قالوا: (هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء)، وكانوا كلما أرادوا استراق السمع، سُلطت عليهم الشُّهُب؛ لأن الشهاب جعله الله تعالى حرسًا للسماء مع الملائكة يقتل الجنِّي إذا أراد أن يستمع خبر الوحي حين تتناقله الملائكة؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾ [الجن: 8، 9].


المسألة السابعة: طعامهم وطعام دوابهم:

الأصل أن شياطين الجنِّ يستحلون كل طعام لم يُذكَر اسم الله تعالى عليه؛ ففي صحيح مسلم قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا)).


وأما الجن المؤمنون فجعل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم طعامًا كلَّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسمُ الله عليه، فلم يُبِح لهم متروك التسمية، ويبقى متروك التسمية لشياطين كفرة الجن، فجعل كل عَظْم ذُكِر اسم الله عليه لهم طعامًا، وروثه طعامًا لدوابِّهم، ولقد منَّ الله عليهم بأن تكون هذه العظام أوفر ما تكون لحمًا بقدرة الله تعالى، يجعلها كذلك، وهذا دليل على عظيم قدرته جل وعلا؛ ففي حديث الباب حديث ابن مسعود، وفيه: "وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ)).


وفي حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة نهى النبي صلى الله عليه وسلمعن الاستنجاء بالعظام وبالروثة؛ لأنه طعام الجنِّ ودوابهم، وأخذ أهل العلم من هذا دلالة صريحة على تحريم الاستنجاء بكل طعام؛ لاحترام النعمة، ولأنه إذا حرم الاستنجاء بطعام الجن، فتحريمه بطعام الإنس من باب أولى؛ [انظر: التعليق على مسلم لشيخنا العثيمين 2 / 181].


المسألة الثامنة: تزاوج الجنِّ وتكاثرهم:

الجن يقع منهم النكاح، واستدل بعض العلماء لذلك بقوله تعالى في أزواج أهل الجنة: ﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: 56]، والطمث في لغة العرب: الجماع.


وذكر الله تعالى أن للشيطان ذريَّة؛ فقال تعالى: ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].


المسألة التاسعة: زواج الإنس من الجن:

يتحدَّث الناس في الماضي والحاضر أن هناك تزاوجًا بين الجن والإنس، وقد ذكر السيوطي آثارًا وأخبارًا عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكُح بين الإنس والجن.


يقول ابن تيمية: "وقد يتناكح الإنس والجن ويُولد بينهما ولد، وهذا كثيرٌ معروفٌ"؛ [مجموع الفتاوى: 19/ 39].


وكره ذلك جماعة من العلماء؛ كالحسن وقتادة والحكم وإسحاق؛ لكثرة الفساد من جنس الجنِّ.


وذهب قوم إلى المنع من ذلك، واستدلوا على مذهبهم بأنَّ الله امتنَّ على عباده من الإنس بأنَّه جعل لهم أزواجًا من جنسهم: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

واختار شيخنا العثيمين هذا القول، وقال: "ولا يمكن أن يسكن الإنسي إلى الجنيَّة، ولا الجني إلى الإنسيَّة؛ لاختلاف الأصل والجنس"؛ [التعليق على مسلم 2 / 187]، وأورد الآية السابقة.


وعليه نقول لو وقع فلا يمكن أن يحدث التآلُف والانسجام بين الزوجين لاختلاف الجنس، ولا تتحقَّق الحكمة من الزواج؛ لعدم تحقُّق السكن والمودَّة المشار إليهما في الآية السابقة.


ولا يُستبعَد وقوع هذا التزاوج لتواتُر الأخبار فيه سابقًا وحاضرًا، ويظهر لي أنه ليس على وجه السكن والاستقرار؛ وإنما غالبًا صاحب ذلك يكون مغلوبًا على أمره.


المسألة العاشرة: هل الجنُّ يموتون؟

لا شك أن الجن - ومنهم الشياطين - يموتون؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].


وفي صحيح البخاري، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذُ بعزَّتِك، الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون)).


أما مقدار أعمارهم فلا نعلمها كما تقدَّم بيانه، إلا ما أخبرنا الله عن إبليس، أنه سيبقى حيًّا إلى أن تقوم الساعة: ﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴾ [الأعراف: 14، 15].

 

المسألة الحادية عشرة: مساكن الجنِّ ومجالسهم:

قال ابن تيمية: "يوجدون كثيرًا في الخراب، والفلوات، ويوجدون في مواضع النجاسات؛كالحمامات والحشوش والمزابل والقمامين والمقابر، والشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين، وتكون أحوالهم شيطانية لا رحمانية، يؤون كثيرًا إلى هذه الأماكن التي هي مأوى الشياطين، وقد جاءت الآثار بالنهي عن الصلاة فيها؛ لأنها مأوى الشياطين، والفقهاء منهم من علَّل النهي بكونها مظنَّة النجاسات، ومنهم من قال: إنه تعبُّد لا يُعقَل معناه، والصحيح أن العلة في الحمام وأعطان الإبل ونحو ذلك أنها مأوى الشياطين وفي المقبرة أن ذلك ذريعة إلى الشرك مع أن المقابر تكون أيضًا مأوى للشياطين"؛ [مجموع الفتاوى 19 / 41].


وهذه المساكن من حيث الأصل، ولا يعني أنهم لا يخالطون الناس ويدخلون بيوتهم، ويشاركونهم أطعمتهم؛ بل يفعلون ذلك مع البيت الذي لا يُذكر عند دخوله اسم الله تعالى، ولا على الطعام؛ لما رواه مسلم من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ)).


المسألة الثانية عشرة: ما أعطاه الله للجن من قدرات:

أعطى الله الجنَّ قدرة لم يُعطِها للبشر، وقد ذكر الله تعالى في القرآن بعض قدراتهم، فمن ذلك:

أولًا: سرعة الحركة والانتقال:

ويدل لذلك قصة العفريت من الجن مع نبي الله سليمان حينما تعهَّد بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوسه؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 39، 40].

 

وهذا يدلُّ على قوتهم أيضًا، وأما قوله تعالى: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، فالكلام هنا عن كيده الضعيف، أما قوته البدنية فهي أقوى من الإنس.


ثانيًا: سبقهم الإنسان في مجالات الفضاء:

كما دلَّ على ذلك حديث ابن عباس في الباب، وفيه محاولتهم استراق السمع من السماء، فحيل بينهم وبين ذلك، ويقول الله تعالى عنهم: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴾ [الجن: 8].


وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية استراقهم السمع؛ ففي صحيح البخاري من حديث أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ - وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا، وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ)).


وقد يكون استراقهم السمع بطريق أهون عليهم من الطريق الأولى، وذلك بأن تستمع الشياطين إلى الملائكة الذين يهبطون إلى العنان بما يكون من أحداث قدرها الله؛ ففي صحيح البخاري من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((المَلاَئِكَةُ تَتَحَدَّثُ فِي العَنَانِ - وَالعَنَانُ: الغَمَامُ - بِالأَمْرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ، فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الكَلِمَةَ، فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ القَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ)).


ثالثًا: علمهم بالإعمار والتصنيع:

أخبرنا الله أنه سخر لنبيِّه سليمان، فكانوا يقومون له بأعمال كثيرة تحتاج إلى قدرات، وذكاء، ومهارات: ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴾ [سبأ: 12، 13].


رابعًا: قدرتهم على التشكل:

للجن قدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان؛ فقد جاء الشيطان بشكل إنسان فقير ليسرق من مال الزكاة الذي كان يحرسه أبو هريرة، والحديث في صحيح البخاري، وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذرٍّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ))؛ قال ابن تيمية: "الكلب الأسود شيطان الكلاب، والجن تتصور بصورته كثيرًا، وكذلك صورة القط الأسود؛ لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره"؛ [مجموع الفتاوى (19/ 52)].


وقد تتشكل الجانُّ بشكل الحيَّات وتظهر للناس؛ ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل حيَّات البيوت، خشية أن يكون هذا المقتول جنيًّا قد أسلم، وقد يكون في قتله للحية هلاكه، وتأمل هذه القصة الواردة في صحيح مسلم من حديث أبي السَّائِبِ، "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي بَيْتِهِ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ))، فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعنَهَا بِهِ وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي، فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى، قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا: ادْعُ اللهَ يُحْيِيهِ لَنَا، فَقَالَ: ((اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ))، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ)).


ومن فقه هذا الحديث أن يُقال: إن هذا الحكم خاص بالحيَّات دون غيرها، والمراد حيَّات البيوت فقط دون غيرها، وإذنها أن نأمرها بالخروج، كأن يُقال لها: أقسم عليك بالله أن تخرجي من هذا المنزل، وأن تبعدي عنَّا شرَّك وإلا قتلناك، فإن رؤيت بعد ثلاثة أيام قُتِلت.


والسبب في قتلها بعد ثلاثة أيام أننا تأكدنا أنها ليست جنًّا مسلمًا؛ لأنها لو كانت كذلك، لغادرت المنزل، فإن كانت أفعى حقيقية فهي تستحقُّ القتل، وإن كانت جنًّا كافرًا متمرِّدًا فهو يستحقُّ القتل؛ لأذاه وإخافته لأهل المنزل.


ويُستثنى من جنان البيوت نوع يُقتل بدون استئذان؛ ففي صحيح البخاري، عن أبي لبابة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقتلوا الجِنان، إلا كلَّ أبتر ذي طُفْيَتَيْن؛ فإنه يسقط الولد، ويذهب البصر، فاقتلوه))؛ [انظر: كتاب عالم الجن والشياطين؛ للشيخ عمر الأشقر، ص (30)].


و((ذو الطفيتين)): جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان، و((الأبتر)): هو مقطوع الذنب، وقيل: الأبتر: الحية القصيرة الذنب، ((يسقط البصر))؛ أي: يمحو نوره، و((يسقط الولد))؛ أي: من بطن أمه وهو حمل؛ [انظر: فتح الباري 6 / 348].


المسألة الثالثة عشرة: الجنُّ مكلَّفون بالعبادة كالإنس:

ويدل لذلك: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهذه هي الغاية من خلقهم.

ففي يوم القيامة يقول الله مخاطبًا كفرة الجن والإنس موبخًا مبكتًا: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 130]، ففي هذه الآيات دليل على بلوغ شرع الله الجن، وأنه قد جاءهم من ينذرهم ويبلغهم.


والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله تعالى: ﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ ﴾ [الأعراف: 38] وقال: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾ [الأعراف: 179]، وقال: ﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود: 119].


والدليل على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 46، 47]، والخطاب هنا للجن والإنس؛ لأن الحديث في مطلع السورة معهما، وفي الآية السابقة امتنان من الله على مؤمني الجن بأنهم سيدخلون الجنة، ولولا أنهم ينالون ذلك لما امتنَّ عليهم به، واختاره شيخنا العثيمين [التعليق على مسلم 2/ 185].


والإجماع مُنعقِد على أنهم مُكلَّفون، والخلاف في مؤمنهم هل يدخل الجنة، أو أنه بعد الحساب يكونون ترابًا؛ كالبهائم، وأن ثواب مؤمنهم هو نجاته من النار؟

والصواب أنهم يدخلون الجنة، وبه قال جمهور العلماء.


قال ابن تيمية: "فهم مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم؛ فإنهم ليسوا مماثلي الإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أُمِروا به، ونهوا عنه مساويًا لما على الإنس في الحد؛ لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعًا بين المسلمين، وكذلك لم يتنازعوا أن أهل الكفر والفسوق والعصيان منهم يستحقون لعذاب النار كما يدخلها من الآدميين؛ لكن تنازعوا في أهل الإيمان منهم؛ فذهب الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد: إلى أنهم يدخلون الجنة، وروي في حديث رواه الطبراني: ((أنهم يكونون في ربض الجنة، يراهم الإنس من حيث لا يرونهم))، وذهبت طائفة، منهم أبو حنيفة - فيما نقل عنه - إلى أن المطيعين منهم يصيرون ترابًا؛ كالبهائم، ويكون ثوابهم النجاة من النار"؛ [مجموع الفتاوى 4 / 233].


المسألة الرابعة عشرة: هل في الجن رسل؟

الصواب: أنه ليس فيهم رسل؛ وإنما نُذُر أي: ينذرونهم من دعاة المؤمنين، ونبينا صلى الله عليه وسلم بُعِث إلى الخلق كافة إنسهم وجنهم؛ ففي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ))، ودلَّ حديثا الباب؛ حديث ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أُرسِل إلى الجن كما أُرسِل إلى الإنس؛ ولذا ذهب معهم ليدعوهم لهذا الدين.


قال ابن تيمية: "وهل فيهم رسل أم ليس فيهم إلا نذر؟ على قولين: فقيل: فيهم رسل؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا ﴾ [الأنعام: 130]، وقيل: الرسل من الإنس، والجن فيهم النذر، وهذا أشهر؛ فإنه أخبر عنهم باتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم ﴿ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 29] ﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 30].


قالوا: وقوله: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾ [الأنعام: 130]، كقوله: ﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن: 22]؛ وإنما يخرج من المالح، وكقوله: ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ [نوح: 16] والقمر في واحدة، وأما التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم: فدلائله كثيرة مثل ما في مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، فانطلقوا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد، فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيدكم أوفر ما يكون، وكل بعرة علف لدوابكم))؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تستنجوا بالعظم والروث))؛ وذلك لئلا يفسد عليهم طعامهم وعلفهم، وهنا يبين أنما أباح لهم من ذلك ما ذكر اسم الله عليه دون ما لم يذكر اسم الله عليه"؛ [مجموع الفتاوى 4 / 234].


المسألة الخامسة عشرة: الجن مراتب في الصلاح والفساد:

فهم يختلفون في استقامتهم وعمل الخير، منهم الكامل ومنهم دون ذلك، ومنهم الفسقة، ومنهم الكفرة، وهم الأكثر.

قال تعالى عن الجن الذين استمعوا القرآن: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ﴾ [الجن: 11]؛ أي: منهم الكاملون في الصلاح، ومنهم أقل صلاحًا، فهم مذاهب مختلفة، كما هو حال البشر، وقال تعالى عنهم: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ [الجن: 14، 15]؛ أي: إنَّ منهم المسلمين، والظالمين أنفسهم بالكفر، فمن أسلم منهم، فقد جاء بما فيه رشده، ومن ظلم نفسه، فهو حطب جهنم.


المسألة السادسة عشرة: من مظاهر عجز الجن وضعفهم:

1- ضَعف سلطانهم على عباد الله الصالحين:

يدل لذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 65]، وقوله: ﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سبأ: 21]، فليس له طريق ونفوذ على الصالحين المخلصين، واعترف بذلك حين قال الله تعالى عنه: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40].


وبيَّن الله تعالى سلطانه على مَنْ يكون، فقال: ﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 100].


2 - خوف الشيطان من بعض عباد الله وهربه منهم:

وهذا يدل على ضَعفه؛ كخوفه من عمر رضي الله عنه؛ فقد جاء في صحيح البخاري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجِّك)).


3 - عجزهم عن الإتيان بالمعجزات:

قال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، وهم أيضًا يعجزون أن يتمثَّلوا بالرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا:

ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثَّل بي)).


4 - عجزهم عن تجاوز حدودهم في الفضاء:

فهُمْ مع سرعتهم وقدرتهم وقوتهم إلا أن لهم حدودًا في الفضاء لو تجاوزوها لهلكوا؛ قال تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ﴾ [الرحمن: 33 - 35].


5 - عجزهم عن فتح باب أُغلق وذكر اسم الله عليه:

في الصحيحين عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان جنح الليل - أو أمسيتم - فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا))، وفي لفظ لمسلم عن جابر رضي الله عنه: ((غطوا الإناءَ، وأوكوا السقاءَ، وأغلقوا البابَ، وأطفئوا السراجَ؛ فإن الشيطان لا يحلُّ سقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يكشِف إناءً)).


المسألة السابعة عشرة: مهمَّة شياطين الجنِّ:

مهمتهم الكبرى هو إيقاع العبد في الكفر؛ قال تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحشر: 16]، فإن لم يستطع أوقعه بما دون ذلك من الكبائر والبدع وسائر المعاصي؛ ففي صحيح مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب؛ ولكن في التحريش بينهم))؛ أي: بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم، وإغراء بعضهم ببعض؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]، وهو يأمر بكل شر: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169]، ومن أهم الشرور عندهم التفريق بين المؤمنين كما تقدَّم، ومن أهم أنواعها عنده هو التفريق بين الزوجين، ففي صحيح مسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ))، فالشيطان حريص غاية الحرص على الغواية، وإبعاد العباد عن الهداية، وإفساد العبادة.


المسألة الثامنة عشرة: الحلم من الشيطان:

ما يراه النائم لا يخلو من ثلاث أحوال جاءت في حديث أبي هريرة عند مسلم:

1- رؤيا صالحة، وهي بشرى من الله عز وجل، ولها آداب ستأتي.

2- رؤيا تَحزين، وهي من الشيطان، ولن تضُرَّ العبد إذا امتثل آدابها وستأتي.

3- أن يرى ما حدَّث به نفسه قبل نومه، فليست بشيء.


فمن السُّنَن في هذا الباب، ما جاء في هذه الأحاديث:

عن أبي سلمة رضي الله عنه قال: إِنْ كُنْتُ لأَرَى الرؤْيَا تُمْرِضُنِي، قَالَ فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ، فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفِلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شرِّ الشيطَانِ وَشرِّهَا، وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ)).


وقال أبو سَلَمة رضي الله عنه: "وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا"؛ متفق عليه.


وفي رواية: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ، وَالْحُلمُ مِنْ الشيطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شرِّهَا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ)).


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشرى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشيطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ)).


وفي حديث جَابِرٍ رضي الله عنه عند مسلم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((ولْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشيطَانِ ثَلاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ)).


وفي حديث أَبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه عند البخاري: ((إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا)).


وتحصَّل من الأحاديث السابقة:

1) أنَّ من رأى رؤيا حسنة، فإنه يُسَنُّ له أن يفعل ما يلي:

أولًا: أن يحمد الله عليها؛ لأنها منه سبحانه.

ثانيًا: أن يخبر بها، ولا يخبر بها إلا من يحب.


2) وأنَّ من رأى رؤيا يكرهها، فإنه يُسَنُّ له أن يفعل ما يلي:

أولًا: يتفل أو ينفث عن يساره ثلاثًا.


ثانيًا: أن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان، ومن شرِّ ما رأى ثلاثًا، بأن يقول: ((أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها)) (ثلاث مرات).


ثالثًا: ألا يخبر بها أحدًا، فإن فعل ذلك، فإنها لا تضُـرُّه كما أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.


رابعًا: يتحوَّل عن جنبه الذي نام عليه، فإن كان مستلقيًا على ظهره فلينم على جنبه، وهكذا.


خامسًا: أن يقوم فيصلِّي ركعتين.

وتأمَّل قول أبي قتادة، ومثله أبو سلمة رضي الله عنهما، وكيف أنهما يريان الرؤيا تحزنهما بل تمرضهما، ولَمَّا طبَّقا هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال أبو سلمة: "وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا"، فحريٌّ بمن يهتم، ويُصيبه القلق حينما يرى ما يَكْرَه أن يُطبِّق هذا الهدي النَّبوي الذي فيه بشارة: ((فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّه)).


المسألة التاسعة عشرة: أساليب الشيطان في إضلال الإنسان:

1 - تزيين الباطل:

كما قال الشيطان لربِّ العزة: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40].


يقول ابن القيم في هذا الصدد: "ومن مكايده أنه يسحر العقل دائمًا حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيُزين له الفعل الذي يضره، حتى يُخيل إليه أنه أنفع الأشياء، وينفره من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له، حتى يخيل له أنه يضره، فلا إله إلا الله، كم فتن بهذا السحر من إنسان! وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان! وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة، وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة! وكم بهرج من الزيوف على الناقدين! وكم روج من الزغل على العارفين!


فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة، وسلك بهم من سبل الضلال كل مسلك، وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك، وزين لهم عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، ووأد البنات، ونكاح الأمهات، ووعدهم بالفوز بالجنات، مع الكفر بصفات الرب تعالى وعلوه وتكلمه بكتبه ووضعهم ذلك في قالب التنزيه، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودُّد إلى الناس، وحسن الخلق معهم، والعمل بقوله: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105]، والإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في قالب التقليد، والاكتفاء بقول من هو أعلم منهم، والنفاق والإدهان في دين الله في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بين الناس"؛ [إغاثة اللهفان: 1 / 130].


وبهذا الأسلوب دخل الشيطان على آدم عليه السلام فزيَّن له الأكل من الشجرة التي حرَّمَها الله عليه، فما زال به يزعم له أن هذه هي شجرة الخلد، وأن الأكل منها يجعله خالدًا في الجنة، أو ملكًا من الملائكة حتى أطاعه، فخرج من الجنة.


2- الإفراط والتفريط:

يقول ابن القيم في هذه المسألة: "وما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلوٌّ، فلا يُبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد فيشامَّه، فإن وجد فيه فتورًا وتوانيًا وترخيصًا أخذه من هذه الخطة، فثبطه وأقعده، وضربه بالكسل والتواني والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك، حتى ربما ترك العبد المأمورَ جملة.


وإن وجد عنده حذرًا وجِدًّا، وتشميرًا ونهضة، وأيس أن يأخذه من هذا الباب، أمره بالاجتهاد الزائد، وسوَّل له أن هذا لا يكفيك، وهمتك فوق هذا، وينبغي لك أن تزيد على العاملين، وألَّا ترقد إذا رقدوا، وألَّا تفطر إذا أفطروا، وألَّا تفتر إذا فتروا، وإذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلاث مرات، فاغسل أنت سبعًا، وإذا توضأ للصلاة، فاغتسل أنت لها، ونحو ذلك من الإفراط والتعدي، فيحمله على الغلوِّ والمجاوزة، وتعدي الصراط المستقيم، كما يَحْمِلُ الأول على التقصير دونه وألَّا يقربه.


ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم: هذا بألا يقربه ولا يدنو منه، وهذا بأن يجاوزه ويتعدَّاه، وقد فتن بهذا أكثر الخَلْق، ولا يُنْجي من ذلك إلَّا علم راسخ، وإيمان وقوة على محاربته، ولزوم الوسط، والله المستعان"؛ [الوابل الصيب: ص19].


3 - تثبيطه العباد عن العمل ورميهم بالتسويف والكسل:

وله في ذلك أساليب وطرق، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم (القافية: مؤخر الرأس)، إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ، انحلت عقدة، فإن صلى، انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)).


4 - الوعد والتمنية:

وهو يعد الناس بالمواعيد الكاذبة، حتى يروا أن ما أقدموا عليه هو الصواب، لما سيلاقونه في المستقبل الموهوم فيغتروا بذلك؛ قال الله تعالى: ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 120].


5 - إظهار النصح للإنسان:

التستر بلباس النصيحة حيلة شيطانية، يدعو للمعصية مُتستِّرًا بلباس النصيحة بأن ما سيقدم عليه خيرٌ له، كما أقسم لآدم عليه السلام؛ فقال الله عنه: ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21].


6- التدرج في الإضلال:

فالشيطان يبدأ بما يراه قريبًا للعبد فيغويه ليقع فيه، ثم هو يجهز عليه بأخرى دونها، وشيئًا فشيئًا حتى يوصله إلى أقصى ما يمكن من الغواية والزيغ، وتلك سنة الله في عباده، أنهم إذا زاغوا سلط عليهم الشيطان، وأزاغ قلوبهم: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5].


7- تخويف المؤمنين أولياءَه:

ومن طرقه أن يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، فيترك العبد الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل خير يقدمه للعباد، وكل شر يدفعه عنهم بسبب خوفه من مآلات لا حقيقة لها، وهذا من أشهر أساليبه على المؤمنين، وقد أخبرنا سبحانه عن هذا، فقال: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].


8- إلقاء الشبهات:

ومن أساليبه في إضلال العباد زعزعة العقيدة بما يلقيه من شكوك وشبهات، وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض هذه الشبهات التي يلقيها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينْتهِ)).


9- الافتتان بالنساء:

أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما ترك بعده فتنة أشد على الرجال من النساء، وفي صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً، فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: ((إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ))، والمقصود أن الشيطان يزيِّن هذه المرأة في نفس مَنْ يتتبَّعُها ببصره، ويدعوه للافتتان بها، والوقوع في الشهوة.


10- الغناء والموسيقا:

الغناء والموسيقا من الطرق التي يحرص عليها الشيطان غاية الحرص؛ يقول ابن القيم: "ومن مكايد عدوِّ الله ومصايده التي كاد بها من قلَّ نصيبُه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب بها عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسَّنه لها مكرًا وغرورًا، وأوحى لها الشبه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجورًا...."؛ [إغاثة اللهفان: 1/ 242] [انظر: هذه الأساليب وبعض المباحث المتقدِّمة إن أردت الاستزادة في كتاب عالم الجن والشيطان للشيخ عمر الأشقر].


المسألة العشرون: هل تجوز الاستعانة بالجني المسلم في المباحات؟

هذه المسألة من المسائل القديمة والتي جرى فيها خلاف بين أهل العلم، وقبل ذكر الخلاف لا بد من ذكر الاحترازات التي ربما تطرأ في المسألة، وهي كما يلي:

أولًا: الاستعانة بالجني في الحصول على شيء محرَّم مُحرَّمةٌ بالاتفاق.


ثانيًا: الاستعانة بالجني بطريق محرَّم؛ كالاعتداء على الغير ونحوه محرمة بالاتفاق.


ثالثًا: الاستعانة بالجني بشيء مباح لكنه يفضي إلى محرَّم؛ كالشرك وما دونه من المحرمات محرَّم بالاتفاق.


رابعًا: الطرفان متفقان على أن من ليس لديه علم تام بديانة وصلاح وصدق من يذهب إليه في مسألة الاستعانة بالجني، فلا يصح له ذلك، كأن يذهب لشخص لا علم له بالشريعة، والتصدي لمكائد الجنِّ واسترقاقهم لقلب من سُخِّروا له، ودخولهم عليه بمداخل خفيَّة قد تفضي إلى مُحرَّم.


خامسًا: الطرفان متفقان أن الأفضل عدم الاستعانة بالجن في المباح، وأن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين.


القول الأول: أن الاستعانة بالجني في المباح جائزة:

واستدلوا:

1- أن الاستعانة بالجن الأصل فيها الجواز، واستعانة الإنسي بالجني كاستعانة الإنسي بالإنسي؛ إذ لا فرق بينهما ما دام الاستعانة فيما أباحه الله تعالى.


ونُوقِش الاستدلال: بالفرق بين استعانة الإنسي بإنسي آخر يمكن له أن يعرف حاله وصلاحه، وصدقه، وبين جني خفي عن الأعين من الصعب التيقُّن بحاله وصلاحه وصدقه.


2- استدلوا باستخدام سليمان عليه السلام للجن الوارد في قوله تعالى: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [ص: 36 - 38]، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ [الأنبياء: 82]، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 12، 13]، وما ذكره الله تعالى من قول العفريت له ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 39].


ونُوقش هذا الاستدلال: بأن هذا خاص بسليمان عليه السلام، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن عفريتًا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخذته، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35] فرددته خاسئًا))؛ متفق عليه، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم، تذكر خصوصية سليمان وأنه قال: ﴿ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35]، ولم يتعد ذلك، فكيف يستجيز مسلم أن يدخل هذا الباب استدلالًا بفعل نبي الله سليمان عليه السلام الخاص به.


وممن قال بالجواز شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخنا العثيمين؛ [مجموع الفتاوى 13 / 89، والتعليق على مسلم 2/ 191]، وفرق بين ما أجاز ابن تيمية استعماله وبين فعل الرقاة اليوم، وأما شيخنا العثيمين فذكر البعض أن الشيخ قد توقف في المسألة في آخر حياته، فإن صحَّ هذا، وإلا فالمعلوم عنه في الكتب الجواز كما تقدَّم.


القول الثاني: أن الاستعانة بالجني في المباح محرمة:

واستدلوا:

1- بعموم قول الله تعالى:‏ ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6]، وبقوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 128].


ونُوقِش الاستدلال: بأن المراد هو الاستعانة بالمحرم وما يُفضي إليه من الشرك ونحوه، وهو ما ذكره المفسرون على هذه الآيات، أما المباح فلا يدخل فيها.


2 - أن هذه الاستعانة وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم؛ لأن في الجن من هو كافر، ومَنْ هو مسلم ومن هو مبتدع، ولا تعرف أحوالهم، فلا ينبغي الاعتمـاد عليهم ولا يُسألون، ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، وذلك كله من الشرك.


ونُوقِش: بأنه متى أفضى إلى محرَّم أو غلب على الظن ذلك، فنحن لا نجوِّزه أيضًا، والمراد هو ما كان مباحًا عند شخص يُوثَق به في صدقه ودينه.


3 - أنهم يكذبون فقد يزعم أنه مسلم، وهو كذاب، ومن الصعب جدًّا الوصول لإمكانية للتيقُّن من صدقه، فيُغلق هذا الباب من أصله.

ونُوقِش: بما سبق وأن المقصود هو الذهاب لشخص يوثق به، ومما يغلب الظن على صلاحه وصدقه.


4 - أنه لم يثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم ولا التابعين ولا أحد من أئمة الدين أنه استعمل الجن، ولو كان في هذا خيرٌ لما ادَّخَره الله عنهم.


ونُوقِش: بأن هذا الأمر ليس من العبادات التي لا بد فيها من الاتِّباع؛ وإنما هي وسيلة من الوسائل التي نرى فيها الإباحة اتباعًا للأصل، ولا شك عندنا أن عدم الاستعمال أفضل وأولى.


والقول بالمنع هو رأي الشيخ الألباني في [إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل 1/ 708 ].


وهو رأي اللجنة الدائمة التي برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله، وهذا نصُّ الفتوى:

وسُئلت اللجنة الدائمة عن الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبِّس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه؟

فكان جوابها: لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 128]، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظَّموا الجن، وخضعوا لهم، واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون، وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطَّلِع عليه الجن دون الإنس؛ وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون، ولا يجوز تصديقه) وقَّع على الفتوى المشايخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وعبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، وبكر بن عبدالله أبو زيد، وصالح بن فوزان الفوزان) [الفتوى موجودة من: مجلة البيان العدد 141، ص 50. انظر أيضا فتوى أخرى حول الموضوع للجنة في فتاويها (1/ 602)، وانظر فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 603) برقم (10802)].


والأقرب والله أعلم القول بالمنع؛ لأن القول بالجواز يفضي إلى مفاسد عديدة كما هو الحال عند كثير من الرقاة اليوم؛ ولأن الجن عالم غيبي يصعب على الإنسان الحكم على حالهم من كفر أو إسلام أو نفاق أو فسق أو صلاح، فالوصول لشيء متيقن من حال الجني صعب جدًّا؛ لأن الحكم بذلك يكون بناء على‏معرفة تامة بخلقهم ودينهم وتقواهم، وهذا لا يمكن الوصول إليه، لا سيما وأنه يكثر فيهم الكذب والخداع والتقلُّب، فمن الصعب تحديد مقاييس دقيقة تظهر مدى صلاحهم، واستمراره لخفائهم عن الأعين، ولبعدهم عن ملازمة المصاحبة الظاهرة، والله أعلم.


مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الصلاة)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الجهر بالقراءة خلف الإمام
  • الجهر في نفل الليل المطلق والرواتب عدا راتبة الفجر
  • بركة الصبح (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مقدار القراءة في صلاة الصبح وبيان أن تخفيف القراءة فيها لا يكره (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • باب نقض الكعبة وبنائها وباب جدر الكعبة وبابها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • قراءة في كتاب: إلى من أدرك رمضان 150 بابا من أبواب الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • قراءة موجزة حول كتاب: قراءة القراءة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • القراءة الجماعية المعروفة بالقراءة الليثية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قراءة في باب "شجاعة اللغة العربية" من كتاب الخصائص لابن جني(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القراءة في الصبح والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • قراءة في كتاب: أليس الصبح بقريب؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أبواب الجنة الثمانية وأسماؤها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زمن الرويبضة والحيرة في السبيل!(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب