• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. فؤاد محمد موسى / مقالات
علامة باركود

التغيير باللسان في قصة صاحب الجنتين

التغيير باللسان في قصة صاحب الجنتين
أ. د. فؤاد محمد موسى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/7/2017 ميلادي - 2/11/1438 هجري

الزيارات: 12822

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التغيير باللسان في قصة صاحب الجنتين


لقد قصَّر المسلمون - في زماننا هذا - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذهبت الغَيرة من قلوب العباد، إلا من رحِم الله، وصار المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، وشاعتْ هذه المصيبةُ في كثير من البلاد والعباد، وانتشرتِ الفاحشةُ، وعمَّت الرذيلة، وتسلَّط الفُجار على الأخيار، وأصبح الحقُّ باطلًا والباطل حقًّا، وتعرَّضت الأمة للخطر، وتكالبتْ عليها كلُّ ذئاب الأرض، وهذا ما حذَّر منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن ثوبان مولَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُوشِك أن تَداعَى عليكم الأمم مِن كل أُفق، كما تداعى الأكَلَة على قَصعتها))، قال: قلنا: يا رسول الله، أَمِنْ قلة بنا يومئذٍ؟ قال: ((أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون غثاءً كغُثاء السيل، ينتزع المهابة مِن قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوَهَن))، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الحياة وكراهية الموت))؛ مسند الإمام أحمد.

 

وتفرَّقت الأمةُ، وشاعتْ بينها البغضاء والشحناء، وتعرَّضتْ سفينة نجاة الأمة للخطر، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمَثَل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استَقَوا من الماء، مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرَقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن يتركُوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوا ونَجَوا جميعًا))؛ البخاري.

 

لقد وصف الله أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم بالخيرية عندما يتحقَّق فيها شروطُ الخيرية الثلاثة: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].

 

ولستُ أدري لماذا جاء الفعل (كنتم) في الماضي؟ فهل هذا دليلٌ على أننا سنُضيِّع الخيريةَ في المستقبل (الذي نحن فيه الآن)، بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! وهذا هو الذي نحن فيه الآن! والخيرية كانت لمن سبَقنا.

وقد حذَّر رسول الله مِن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لتَأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تَدْعُونه، فلا يُستجاب لكم))؛ الترمذي.

 

وهذا ما دفعنِي للتدبُّر والتفكُّر في الحديث الذي رواه أبو سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيدِه، فإن لم يستَطِعْ فبلسانه، فإن لم يستَطِعْ فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان))؛ رواه مسلم.

وهذا الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ على وجوبِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا كما قال النوويُّ: "وهو باب عظيم، به قِوام الأمر ومِلاكُه، وإذا كثُر الخبث عمَّ العقابُ الصالحَ والطالحَ، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمَّهم الله تعالى بعقابه، ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، فينبغي لطالبِ الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتنِيَ بهذا الباب؛ فإن نفعه عظيمٌ".

 

وقد جاءَت في القصص القرآني - في سورة الكهف - مراتبُ إنكار المنكر الثلاث في الحديث؛ حيث التطبيق العملي في هذا القصص:

♦ قصة أصحاب الكهف، يُقابلها الإنكار بالقلب.

♦ قصة صاحب الجنتين، يُقابلها التغيير باللسان.

♦ قصة ذي القرنين، يُقابلها التغيير باليد.

 

وقصص القرآن أصدقُ القصص؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]؛ وذلك لتمام مطابقتها للواقع.

وأحسن القصص؛ لقوله تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [يوسف: 3]؛ وذلك لاشتمالِها على أعلى درجاتِ الكمال في البلاغة وجلال المعنى.

وأنفع القصص؛ لقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]، ولقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق.

 

فالغرَض مِن القصص القرآني أن يأخذَ المسلمون العِظةَ والعبرة، ويتعلَّموا ويأخذوا الخبرة مِن هذه القصص؛ كيلا يقعوا فيما وقعَتْ فيه الأممُ السابقة من الأخطاء من جهةٍ، ويستفيدوا مِن الصواب من جهةٍ أخرى، فالحياةُ تجارب، والإنسان العاقل يتَّعِظ بما حدَث مع غيره من خيرٍ وشر، ويستفيد مِن هذه التجارب السابقة، إضافةً إلى ما في هذه القصص من تثبيتٍ لقلبِ المؤمن.

 

وبالرجوع إلى الحديث نجد أن مراتبَ الإنكار في الحديث قد جاءت مرتَّبة - من الأعلى مستوى إلى الأدنى مستوى - ترتيبًا منطقيًّا في درجة الأهمية في الحياة والثواب عند الله.

أما في القرآن الكريم - في سورة الكهف - فقد جاء الترتيب معكوسًا - أي: من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى؛ كأنه يشير إلى واقع تدرُّج وجودِه في الحياة، والتدرُّج في بِناء هذه المستويات في تربية النفس البشرية وتكوينها خبراتٍ حياتيةً، وأيضًا إشارة إلى التدرُّج في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا التسلسل.

 

وفي هذا المقال نتناولُ المستوى الثاني من الحديث "التغيير باللسان"، في قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف؛ كتطبيق عملي في الحياة الواقعية، لعلنا نجدُ مَن يطبقها في واقعنا الذي نحن أحوج لتطبيقه لإخراج الأمة مما هي فيه.

 

وقد وردت قصةُ صاحب الجنتينِ في القرآن الكريم في سورة الكهف، قال تعالى:

﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 32 - 44].


سنُركِّز هنا في هذه القصة على ما قام به الرجل المؤمن (صاحبُ صاحبِ الجنتين) في إنكاره للمنكر الذي صدَر مِن صاحب الجنتين وتغييره له باللسان.

فصاحب الجنتين قد أنعم الله عليه بنعيمٍ كبير؛ فقد أعطاه جنتينِ، لا جنة واحدة، وكانت تلك الجنتانِ مزروعتينِ بالأعناب، وتحيط بهما أشجار من النخيل، وتنبت الزروع بين الجنتينِ، وقد فجر الله بينهما نَهرًا للسقيا، واستجابت الجنتانِ لأمرِ الله، فأنتجتا ثمارًا يانعةً ناضجةً، تسرُّ الناظرين بهذا النسق الجميل للجنتينِ ووفرة الثمار وطيب نضجها.

 

لكن هذا الرجل لم يكن لينظر إلى المعطي - الله تعالى - بل ركَّز على العطاء نفسه، فشُغل به عن ذكر ربه وفضله عليه؛ ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]،وشغلَتْه نفسه وتَمحور حولها، وقال لصاحبه بكل غرور: ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [الكهف: 34]، بهذا الغرور حدَّث صاحبه من موقع الإحساس بالقوة والفوقية والامتياز، بسبب ما يملك من كثرة المال والأتباع، بل وصل به الغرور بأن ينسب الخيرَ والنعمة لنفسهِ، بدل أن ينسبها للمُنعِمِ المتَفَضِّل سبحانه وتعالى.

 

وهنا يُعبِّر الله عن منكرِ صاحب الجنتين بالقول: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ [الكهف: 35]، فهو ظالم بقوله منكر، ثم تمادى في منكره بقوله: ﴿ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36]، فقد دخل جنته، ومِلْء نفسه البطر، وملء جنبه الغرور، وقد نسي الله، ونسي أن يشكره على ما أعطاه، وظن أن هذه الجنان المثمِرة لن تَبِيد أبدًا، أنكر قيام الساعة أصلًا، بل تهكَّم قائلًا: ﴿ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36]؛ إنه الغرور يخيل له أن القيم التي يتعامل بها في الدنيا الفانية تظلُّ محفوظة لها حتى في الملأِ الأعلى!

 

أي منكر هذا؟!

هنا جاء دَور الرجل الفقير ماديًّا، والغني بالله، الفاهم لدَوره كمؤمن في إنكار منكر صاحبه ومحاولته تغييره له بلسانه، هذا الفقير الذي لا مال له ولا نفر، ولا جنة عنده ولا ثمر؛ فإنه معتزٌّ بما هو أبقى وأعلى، معتز بعقيدته وإيمانه، معتز بالله الذي تعنو له الجِباه; فهو يجابه صاحبه المتبطِّر المغرور؛ منكرًا عليه بطره وكبره، يذكره بمنشئه المَهين من ماء وطين، ويوجهه إلى الأدب الواجب في حق الله تعالى، ويُنذِره عاقبة البطر والكبر، ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار.

 

جاء ردُّه منطلقًا من رفعة في التفكير، ودقة في البصيرة، وعمق في الزمان، واتصال بخالق الأكوان، وغَيرة على دينه، وشعوره بالمسؤولية، ومستنكرًا لكل ما قاله المغرور صاحب الجنتينِ، فَيردُّ على كُفره وتكبُّره وتعنُّته، بحوارٍ هادئ هادف، قائلًا له: ﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37]، يُذكِّره بأصلِ خلقتِه من ضعفٍ ومن مادةٍ ضعيفةٍ مَهينة، مذكرًا هذا المغرور أنه مخلوق من تراب مثلما تم خلق ما يملكه (الجنتين) مِن تراب، وأن الله هو الخالق، ثم يكفر به!

 

ويتابع قوله بأنه ثابتٌ على الإيمان بربه المُنعِم المتفضِّل سبحانه وتعالى: ﴿ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 38]، وأن الأصلَ أن يرتبطَ قلبُ العبدِ بالله الخالق، لا بما خلقه الله (الجنتين)، وما أروع ردَّ الرجل المؤمن الثابت على الإيمان، المتمسك بالميزان الإيماني الصحيح، ولم تخدعهُ الحياةُ الدنيا وزُخرُفها!

 

وبعد استنكار الرجل المؤمن أقوالَ صاحبه المغرور، وإعلانه تمسُّكه بعقيده الإيمانية الصلبة يأتي دوره في النصح والإرشاد لصاحبه، فيقول له: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ [الكهف: 39]، فيعلمه أن الأصلَ أن يرتبطَ قلبُ العبدِ بالله في الغنى والفقر وفي كل الأحوال، وأن الصحيح إذا دخل الإنسانُ أملاكًا لهُ أن يقول: ما شاء الله، وأن ينسبَ القوة والملك والنعمة لله سبحانهُ، فيقول: لا قوة إلا بالله.

 

ويتابعُ الرجلُ المؤمنُ دوره في التوجيه والإرشاد إلى الحق بكل ثقةٍ وإيمان عظيمينِ ثابتينِ راسخَينِ، فيقول لصاحب الجنتين: ﴿ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ [الكهف: 39]، إن كنتَ ترى فيما يظهَرُ لك في خيالك القاصر المتعلق بالظاهرِ، أنك أغنى مني مالًا وأكثر عددًا وقوةً ومنعةً، ﴿ فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ ﴾ [الكهف: 40]، فإن الله سبحانه وتعالى قادرٌ أن يعطيَني خيرًا من جنتِك، وأخذ يُحذِّره من غضب الله تبارك وتعالى؛ لأن عاقبة الكفر والبغي والاغترار بالنعمةِ عاقبةٌ وخيمةٌ، ﴿ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ﴾ [الكهف: 40، 41]، فالله سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يهلك جنتيك ويدمرهما؛ بسبب اغتراركَ وبَغْيك وظلمك وكفرك.

 

وهكذا تنتفض عزَّة الإيمان في النفس المؤمنة، فلا تبالي المال والنفر، ولا تداري الغنى والبطر، ولا تتلعثم في الحق، ولا تجامل فيه الأصحاب، وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال، وأن ما عند الله خيرٌ مِن أعراض الحياة، وأن فضل الله عظيم، وهو يطمع في فضل الله، وأن نقمة الله جبارة، وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتبطرين.

 

هنا حقق هذا المؤمن الفقير أمرَ رسول الله في حديثه الشريف تغييره منكرِ صاحب الجنتين بلسانه: ((مَن رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيدِه, فإن لم يستَطِعْ فبلسانِه...)).

ولكن لماذا كان التغيير هنا باللسان، وليس باليد، وهي الدرجة الأعلى في التغيير، أو بالقلب فقط؟

 

للنظر في هذا الأمر من زواياه الثلاثة للتغيير: موضوع المنكر، وفاعل المنكر، ومُغيِّر المنكر، والتفاعل بينهم؛ يتضح ما يلي:

 

موضوع المنكر:

﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾ [الكهف: 35، 36]، فقد دخل جنته وملء نفسه البطر، وملء جنبه الغرور، وقد نسي الله تعالى، ونسي أن يشكره على ما أعطاه، وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تَبيد أبدًا، أنكر قيام الساعة أصلًا، بل تهكَّم قائلًا: ﴿ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36]، فهو منكر قلبي عبَّر عنه هذا المغرور بقوله بلسانه لصاحبه.

 

فاعل المنكر:

﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ [الكهف: 32 - 34].

 

صاحب الجنتين الذي أنعم الله عليه بنعيمٍ كبير؛ فقد أعطاه جنتين، لا جنة واحدة، وكانت تلك الجنتانِ مزروعتين بالأعناب، وتحيط بهما أشجار من النخيل، وتنبت الزروع بين الجنتين، وقد فجَّر الله بينهما نَهرًا للسقيا، واستجابت الجنتانِ لأمرِ الله، فأنتجتا ثمارًا يانعةً ناضجةً، تسرُّ الناظرين بهذا النسق الجميل للجنتين ووفرة الثمار وطيب نضجها.

 

مُغير المنكر: صاحبه، ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ [الكهف: 37]، وهو الفقير مالًا وولدًا: ﴿ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ [الكهف: 39]، وليس عالِمًا من علماء الدين، بل هو من عامَّة الناس لا يملك إلا إيمانَه بالله.

ومن هذا التحليلِ نجد أن المنكر في هذا الموقف منكرٌ قلبي، تم التعبير عنه باللسان، وأن هناك عَلاقةً بين الطرفين (فاعل المنكر، ومغير المنكر)، فكل منهما صاحب للآخر، وأن الفارق بينهما اجتماعيًّا هو الغنى والفقر في المال والولد، ومن ثَم ليس هناك سلطان لأحدهما على الآخر (كسلطان الحكم والقوة)، وليس لأحدهما على الآخر ولايةٌ عامة أو خاصة، ومن ثم كان التغيير باللسان هو المناسبَ لكل هذا.

 

إن تغييرَ المنكر باللسان يستطيع أن يقوم به الكثيرون لو فقه المسلمون دورهم تجاه دينهم، وكانت لديهم الغَيرة على الإسلام، خاصة في هذا الزمان الذي يحارب فيه الإسلام باللسان صباحَ مساءَ في وسائل الإعلام (المكتوبة، والمسموعة، والمرئية)، وغالبية المسلمون سمَّاعون ومشاهدون لهم، بل ناقلون ومشيعون لهم.

ولكن لا نفقد الأملَ؛ فهناك مِن المسلمين مَن فقهوا ذلك، وبدؤوا دورهم الفعَّال، مستخدمين الوسائل الحديثة على النت، بارك الله فيهم.

 

أخي المسلم:

هل فهمت دورك؟

هل تشارك في خوض معارك الدفاع عن دينك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم؟

 

الوسائل متعددة، وقدراتك لا حدود لها إن أردت وسعيت

بارك الله فيكم





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القيم في خبر صاحب الجنتين
  • فهم واقع الحياة في قصة صاحب الجنتين: تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن في قصة صاحب الجنتين
  • قصة صاحب الجنتين

مختارات من الشبكة

  • قبل إِرادة التغيير إدارة التغيير(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إرادة التغيير تقتضي إدارة التغيير(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قيادة التغيير .. تغيير القناعات (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التغيير بالقلب في قصة أصحاب الكهف(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • القول السديد في التغيير الرشيد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صناعة التغيير وأنموذج إستراتيجية الكايزن Kaizen(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • فلسفة التغيير(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الاستمرار نحو التغيير بعد رمضان..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ليس بيننا باشوات بل غيتس هو الباشا!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • غزة ودرجات التغيير(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب