• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر / خطب منبرية
علامة باركود

في أخطار المعاصي ( خطبة )

في أخطار المعاصي ( خطبة )
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/4/2014 ميلادي - 29/6/1435 هجري

الزيارات: 99022

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في أخطار المعاصي


الحمدُ لله العزيزِ العليم، غافرِ الذنب وقابلِ التوب، شديدِ العقاب ذي الطَّوْل، لا إله إلا هو إليه المصير، هو ربِّي لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ وإليه مَتاب، أحْمَدُه - سبحانه - على عافيته العظيمة، ونِعمه الكريمة، وآلائه الجسيمة، التي تُجدَّد كلَّ آن، في الأبدان والأوطان والأديان.

 

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له في رُبوبيَّته وأُلوهيَّته، وكماله في ذاته وصِفاته وأفعاله، فلا: ﴿ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 11 - 13].

 

وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الذي حذَّر أمَّته الذنوب، وبيَّن عظيمَ خطرها على الأبدان والقلوب، وأنها تُزِيل النعمَ عن العباد، وتُورِث أنواع الفساد، وتحلُّ النِّقمَ والمصائب في البلاد، وما يَنطق عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يُوحَى، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آل بيته الطاهرين، وزوجاته أمَّهات المؤمنين، وخلفائه الراشدين، وعموم صحابته الأئمَّة المهديِّين.

 

أمَّا بعد:

فأيُّها المسلمون، اتَّقوا الله تعالى حقَّ تقواه؛ بأن تُطيعوه فلا تعصوه، وتَذْكُروه فلا تنسوه، وتشكروه فلا تَكْفروه، فإنَّكم بذلك تحفظون نعمةَ الله عليكم، وتضمنون استقرارَها لديكم، وتأخذون بأسبابِ وصول مزيد فضله وإحسانه إليكم، وتدفعون المصائبَ عنكم، وحلولَ النِّقم فيكم: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

 

أيها المسلمون:

احذروا المعاصي فإنَّها بريدُ الكفر، وموجبةٌ لسَلْب النِّعم، وداعية للنِّقم، وتنقص العمر، وتَنزِع البركة مِن الرزق، وإنَّ العبدَ ليُحرَم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه، وهي تُظلِم القلب وتُقسِّيه، وتَحُول بينه وبيْن نورِ العلم وسبيلِ الهدى، وإنَّ المعصية لتَجرُّ صاحبها إلى معصية أخرى، قال بعضُ السلف: "إنَّ مِن عقوبة السيِّئة السيِّئةَ بعدها".

 

فالمعصية تُحبِّب العاصي إلى جِنسها، وتُثقل عليه الطاعة بعدها، حتى يألف الرجلُ المعاصي، ويُصبح من المُصرِّين عليها، حتى إنَّه ليفعلُ المعصية مع عِلمه بحُكمها وعظيم خطرِها، وربَّما لا يجد اللذَّة لها، ولكن الإلْف والعادة، واعتبِروا ذلك بحالِ مَن شأنهم التخلُّفُ عن الصلاة، أو الإدمانُ على المسكِرات والمخدِّرات، وأَكَلة الرِّبا، والذين يَحلِقون اللِّحَى، والمتبرِّجات، والمترجِّلات من النساء، حيث يُزيَّن لأحدهم - بسبب إصراره على المعصية - سوءُ عمله، ويَنسى عاقبة أمره بعد حلول أجله: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8].

 

فيكون ذلك مِن أسباب سوءِ الخاتمة عندَ حلول القاصمة، حين يُكشَف عنه الغِطاء، ويَظهر ما خفِي بسببِ غلبة الهوى، وإيثار الحياة الدنيا، فتجدون العصاةَ يتحسَّرون عند الموت، يقول العاصي: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، ﴿ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99 - 100].

 

ومِن أخطرِ أضرار المعاصي أيُّهَا المسلمون أنها تنزِع الحياءَ مِن نفْس العاصي، حتى يجاهِرَ بها ويعلنَها أمام الداني والقاصي، وفي الصحيحِ عنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كلُّ أمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإنَّ مِن المجاهرة أن يعمل الرجلُ بالليل عملاً، ثم يُصبِح وقد ستَره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه ويُصبِح يكشِف سِترَ الله عنه))؛ متفق عليه.

 

وإنَّ مِن الناس مَن يفتخر بمعصيته، ويرى أنها ضرورةٌ لحاله، فلا يزال يرتكب الذنبَ بعدَ الذنبِ، حتى تهون عليه المعصية، وتصغُرَ في قلبه الخطيئة، وذلك مِن عَلامات موت القلْب وفساد الفِطرة؛ فإنَّ الذنب كلَّما صغُر في عين العاصي عظُم عند الله - عزَّ وجلَّ.

 

واحتقار المعصية علامةٌ مِن علامات النِّفاق، وبرهان مِن براهينه بالاتِّفاق؛ ففي الصحيح عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((إنَّ الفاجِرَ يرى ذنوبَه كذُباب وَقَع على أنفه، فقال به هَكَذا)).

 

واحتِقارُ الذنب واستصغارُه والتهوينُ مِن شأنه مِن أسباب الإصرار على المعصية، الذي جعَلَه الله مِن أسباب منْع المغفرة، وطمْس القلب، واتِّصافه بالغفلة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ﴾ [النساء: 18]، وقال سبحانه: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].

 

أيها المؤمنون:

إنَّ خطورةَ الاستمرار على المعاصي تَظهر ثمرتُها عندَ فراق الدنيا والإقبال على الآخِرة، حيث يُحال بيْن المرء وقلْبه في أحوج لحظة، وعندَ أعظم مصيبة، حيث تُعرَض له معاصيه التي كان مُصرًّا عليها، فيُزيّنها له الشيطانُ، فيَهذي بها، حتى تحول بيْنه وبيْن النُّطق بشهادة الحق.

 

ذكَر الإمام ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: أنَّ رجلاً حضرَه الموتُ فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فجَعَل يَهذي بالغناء، ويَحكي صوتَ آلته، وأبَى أنْ يقول: لا إله إلا الله، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: هو كافِر بما يقول، ثم مات، وقيل لثالث: قل: لا إله إلا الله، فقال: كلَّما أردتُ أن أقولَها فلِساني يُمسِك عنها، وقيل لأحد التجَّار عند الموت: قل: لا إله إلا الله، فقال: هذه القِطْعة رخيصة، هذا المشتري جيِّد، وكان رجلٌ يُطفِّف في الوزن، فقيل له عند الموت: قل: لا إله إلا الله، فقال: إنَّه لا يستطيع أن يقولَها؛ لأنَّ كفَّة الميزان ثقيلةٌ على لسانه.

 

وهكذا خطَر المعاصي على أهلِها قد يُدرِكهم - إن لم يتوبوا - في الدنيا والآخرة، فتوبوا إلى الله عبادَ الله مِن كلِّ معصية، واعتذروا إليه مِن كلِّ خطيئة، فإنَّ التوبة النَّصوح يمحو الله بها السيِّئة، ويَسْتُر بها من الفضيحة، ويصرِفُ الله بها العقوبة، ويُكمِّل بها الإيمان، ويَعصِم بها من النيران، ويُورِث بها الجنان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين والمؤمنين مِن كل ذنب، فاستغفروه يغفرْ لكم، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

الحمدُ لله وكفَى، وأسأل الله للجميعِ الهُدى والتُّقى، والعفاف والغِنَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، له الأسماء الحُسْنى، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، النبي المصطَفَى، والرسول المُجتَبَى، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه أئمَّة أُولي التُّقى، وسلَّم تسليمًا.

 

أما بعد:

فأيُّها الناس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واحذروا أسبابَ سخط الجبار فإنَّ أجسامكم على النار لا تَقْوَى، واعلموا أنَّ لكلِّ ذنب عقوبةً قد تُصيب المذنب، لكن لغفلته وإعراضه لا يحسُّ بها، وقد تتأخَّر عنه فيظنُّ لجهله أنَّه قد أُعْفِي منها، وقد يصرِف الله العقوبةَ بسببٍ مِن الأسباب التي جعَلَها صوارفَ للعقوبات، كالتوبةِ مِن السيئات، أو خالص الدعوات، أو المصائب المكفِّرات، أو الحسنات الماحيات، أو عفو ربِّ الأرض والسموات، فإنْ لم يصرف الله عنه العقوبةَ، فإنَّه على خطَر منها، ولو في آخِرِ العمر، أو في القبْر، أو يوم الحشْر، وفي الحديث: ((إذا أراد الله بعبدِه الشرَّ، أمسكَ عنه العقوبةَ بذنبه حتى يوافِيَ به))، والله عليم حكيم.

 

أيها المسلمون:

وعقوبات السيِّئات والمعاصي نوعان: عقوبة شرعيَّة دِينيَّة كالحدود؛ كجَلْد الزاني غيرِ المحصَن، ورجْم المحصَن، وقطع يَدِ السارق، وعقوبات المفسدين في الأرْض، بالقتل أو الصَّلْب، أو قطْع الأيدي والأرْجُل مِن خلاف، أو النفي من الأرض، وكذلك حدُّ القصاص وسائرِ التعزيرات المقدَّرة شرعًا، أو إجماعًا، أو اجتهادًا، ومَن لم ينلْ جزاءه في هذه الدار شرعًا، طهَّره الله بما يُصيبه من مصائبَ في نفْسه وأهله وماله؛ قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الحدود: ((فمَن أصاب شيئًا مِن ذلك فعُوقِب به في الدنيا، فهو كفَّارة له وطهور)).

 

فإقامةُ الحدود والتعزيرات الشرعيَّة في الدنيا تطهيرٌ لأصحابها مِن أرجاس الذنوب، ونجاةٌ لهم من عذاب الآخِرة، ومَن قُصِّر في الحُكم عليه أو تنفيذه لَحِقَه مِن العقوبة في الآخرة بقَدْر ما نقص في الدنيا، ومَن لم يُطهَّر في هذه الدنيا مِن العصاة، طُهِّر بتشديد الموت عليه، وما يُصيبه مِن عذاب القبر وأهوالِ يوم القيامة.

 

فإذا أُقيمَتِ العقوباتُ الشرعية في الدنيا، رَفعَتِ العقوباتِ القدريَّةَ أو خفَّفتْها، ولا يَكاد الربُّ - سبحانه - يجمع على عبده بيْن العقوبتين إلا إذا لم يَفِ أحدهما برفْع موجب الذنب، ولم يكن فيه زوالُ دائه.

 

أمَّا إذا عُطِّلتِ الأحكام الشرعيَّة بسببِ تحكيم القوانين الوضعيَّة، أو هوى الراعي، أو احتيال آحادِ الرعيَّة، استحالتِ العقوبات على الذنوب إلى قدريَّة كونيَّة، وربَّما كانت أشدَّ منها، وربَّما كانت دونها، ولكن الأخطر أنَّ العقوبات الكونية القدرية تعمُّ الخاصَّة والعامَّة، فلقدْ أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيِّروه يُوشِك أن يعمَّهم الله بعقابٍ منه، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].

 

ومِن هذه العقوبات ما يُلاحظ وقوعُه عامًّا في هذه الأزمان في سائرِ الأقطار من الحروبِ الأهلية المدمِّرة، والفِتن العظيمة المحيِّرة، والجدْب، والقَحْط، والسِّنون، والفيضانات، والغَرَق الذي عمَّ كثيرًا من الدِّيار، وكذلكم الزلازل والخسْف، والرِّياح، والثلوج، فإنَّها بسببِ الجرأة على معاصِي الله، وتعطيل أحكامِ الله وحدودِه في العُصاة؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 44 - 45]، وقال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، وقال تعالى في قوم نوح: ﴿ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]، وقال في أهلِ سبأ: ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 16 - 17].

 

فهذه المصائب الجانِحة، والفِتن العامَّة هي نتيجةٌ لكفْر نِعم الله، والخروج عن طاعته، وتعطيلِ تحكيمِ شرْعه، وإقامة حدوده: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

 

وهكذا ما يُصاب به العبدُ مِن الهمِّ والحَزَن، والقَلَق والأَرَق، والتَّعَب والمرض، وضِيق المعيشة ونقْص الحِيلة، ونحو ذلك، كلُّ ذلك قد يكون مِن العقوبات المكفِّرات، وقد يكون سببًا لرِفعة الدرجات، وقد يكون من العِبَر والعِظات، التي يُنذِر الله بها العصاة؛ يقول تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

 

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

 

عباد الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

 

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم، واشكروه على نِعمه يزدْكم، ولَذِكْرُ الله أكبر، والله يعلم ما تَصْنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آداب المعاصي
  • الجهل قرين المعاصي
  • أقسام الذنوب والمعاصي (1)
  • من أضرار المعاصي وأخطارها الخاصة والعامة
  • المعاصي وعقوباتها
  • من الأسباب المعينة على قيام الليل .. اجتناب الذنوب والمعاصي
  • في التحذير من التمادي في المعاصي
  • ترك المعاصي
  • حكم من يحتج على عمل المعاصي بسعة رحمة اللّه ومغفرته

مختارات من الشبكة

  • الشائعات.. أخطار وموبقات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخطار محدقة بالمرأة (قصيدة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • أخطار التدخين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أخطار الربا وأضراره(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • كيف نجابه أخطار العولمة؟(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • المسلمون في الغرب: أخطار وتحديات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • " المجتمع " ترصد أخطار الحركة النسوية (1 – 2) المفهوم والمنطلقات(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • الأسرة المسلمة وصيانتها من أخطار العولمة(مقالة - موقع الشيخ د. عبدالله بن وكيل الشيخ)
  • أخطار البث الإعلامي المباشر على الإسلام وطرق مقاومته (6)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مشاكل البيوت: أخطار ومعالجات(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب