• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

فضول التفكير (خطبة)

فضول التفكير (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/10/2024 ميلادي - 13/4/1446 هجري

الزيارات: 6730

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضول التفكير

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ:70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْعَقْلُ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ مَحَلُّ التَّفْكِيرِ، وَلَهُ ارْتِبَاطٌ بِالْقَلْبِ وَثِيقٌ، وَإِذَا صَرَفَ الْعَبْدُ تَفْكِيرَهُ فِي الْأُمُورِ الْعَالِيَةِ، وَالْمَوَاضِيعِ السَّامِيَةِ؛ صَلُحَتْ أَحْوَالُهُ، وَاسْتَقَامَ عَيْشُهُ، وَقَرُبَ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَمَّا إِذَا وَجَّهَ الْعَبْدُ تَفْكِيرَهُ لِلْأُمُورِ الدَّنِيئَةِ، وَأَشْغَلَهُ بِالشَّهَوَاتِ الْوَضِيعَةِ؛ فَسَدَ حَالُهُ، وَصَغُرَ عَقْلُهُ، وَصَارَ هَمُّهُ شَهْوَتَهُ.

 

وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يُفَكِّرُونَ، مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ، شَرِيفُهُمْ وَوَضِيعُهُمْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُفَكِّرُ بِحَسَبِ مَقَامِهِ وَهِمَّتِهِ وَاهْتِمَامِهِ، وَبِسَبَبِ ضَعْفِ الْإِيمَانِ كَانَ أَكْثَرُ تَفْكِيرِ النَّاسِ مِنْ فُضُولِ التَّفْكِيرِ، وَمِنْ سَيِّئِهِ وَرَدِيئِهِ، مِمَّا لَا يَعُودُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنَفْعٍ عَاجِلٍ وَلَا آجِلٍ.

 

وَمِنْ فُضُولِ التَّفْكِيرِ الْمُحَرَّمِ: إِشْغَالُ الْفِكْرِ فِيمَا حُجِبَ عَنِ الْعَقْلِ؛ كَالتَّفْكِيرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَائِرِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَمُحَاوَلَةِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَيِّ ذَاتٍ إِلَّا بِرُؤْيَةٍ بَصَرِيَّةٍ، أَوْ وَصْفٍ مُطَابِقٍ لِلذَّاتِ، وَاللَّهُ تَعَالَى حَجَبَ عَنِ النَّاسِ رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا؛ لِيَجْعَلَهَا شَرَفًا وَجَزَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ؛ فَفِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ ‌تَرَانِي ﴾ [الْأَعْرَافِ:143]، وَفِي إِثْبَاتِهَا فِي الْآخِرَةِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ ‌سَتَرَوْنَ ‌رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَمِنْ فُضُولِ التَّفْكِيرِ الْمُحَرَّمِ: مُحَاوَلَةُ كَشْفِ سِرِّ الْقَدَرِ، وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَلَيْسَ مَأْمُورًا بِمُحَاوَلَةِ كَشْفِهِ، وَلَوْ حَاوَلَ فَلَنْ يُكْشَفَ لَهُ، بَلْ سَيَغْرَقُ فِي بَحْرٍ مِنَ الضَّلَالِ؛ وَلِذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «وَإِذَا ‌ذُكِرَ ‌الْقَدَرُ ‌فَأَمْسِكُوا»، وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ، وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ، فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ؛ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ﴿ ‌لَا ‌يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:23]، فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ، وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ».

 

وَمِنْ فُضُولِ التَّفْكِيرِ السَّيِّئِ: التَّفْكِيرُ فِي الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ؛ كَالزِّنَا وَالْفَوَاحِشِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّفْكِيرَ فِيهَا، وَالِاسْتِرْسَالَ فِيهِ يَقُودُ -فِي الْغَالِبِ- إِلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ التَّفْكِيرِ إِلَى الْعَزْمِ وَالتَّخْطِيطِ، ثُمَّ إِلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ ‌وَلَا ‌تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ:32]، وَالْمَنْعُ مِنْ قُرْبَانِهِ يَقْتَضِي حِفْظَ الْعَقْلِ مِنَ التَّفْكِيرِ فِيهِ، وَحِفْظَ الْقَلْبِ مِنْ تَمَنِّيهِ. أَمَّا إِنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الْفِكْرَةُ وَدَفَعَهَا عَنْهُ، وَحَفِظَ تَفْكِيرَهُ مِنَ الْحَرَامِ سَلِمَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا طَرَأَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «دَافِعِ الْخَطْرَةَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ فِكْرَةً، فَدَافِعِ الْفِكْرَةَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ شَهْوَةً، فَحَارِبْهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ عَزِيمَةً وَهِمَّةً، فَإِنْ لَمْ تُدَافِعْهَا صَارَتْ فِعْلًا، فَإِنْ لَمْ تَتَدَارَكْهُ بِضِدِّهِ صَارَ عَادَةً، فَيَصْعُبُ عَلَيْكَ الِانْتِقَالُ عَنْهَا».

 

وَمِنْ فُضُولِ التَّفْكِيرِ السَّيِّئِ: التَّفْكِيرُ الْمُثَبِّطُ عَنِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَهُوَ سِلَاحُ إِبْلِيسَ ضِدَّ الْعَبْدِ، فَيُمَنِّيهِ لِئَلَّا يَعْمَلَ، وَيَعِدُهُ لِيَقْعُدَ وَيَكْسَلَ. وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ تَرَاهُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: سَوْفَ أَتُوبُ مِنَ الذَّنْبِ الْفُلَانِيِّ، وَلَا يَتُوبُ، وَسَوْفَ أُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأُبَكِّرُ لِلْمَسْجِدِ، وَأَلْزَمُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ، وَتَمْضِي عَلَيْهِ سَنَوَاتٌ وَهُوَ يَتَمَنَّى وَيَعِدُ وَلَا يَفْعَلُ، وَيَجِدُ رَاحَةً وَعُذْرًا فِي التَّمَنِّي وَالْعِدَةِ؛ ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ‌مَنْ ‌يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ:123-124]؛ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي وَالْوُعُودِ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ [الْقِيَامَةِ:5]، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «يَقُولُ: سَوْفَ أَتُوبُ»، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «‌التَّسْوِيفُ ‌جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ عَظِيمٌ، طَالَمَا خَدَعَ بِهِ»، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، إِيَّاكُمْ وَالتَّسْوِيفَ: سَوْفَ أَفْعَلُ، سَوْفَ أَفْعَلُ».

 

وَمِنْ فُضُولِ التَّفْكِيرِ السَّيِّئِ: الِاسْتِغْرَاقُ فِي الْخَيَالَاتِ وَالْأَمَانِيِّ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ فَكَمَا أَنَّ الْأَمَانِيَّ الَّتِي تُثَبِّطُ عَنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ مَذْمُومَةٌ، فَكَذَلِكَ تُذَمُّ الْأَمَانِيُّ الَّتِي تُقْعِدُ عَنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا، أَوِ الَّتِي تَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الْعَبْدِ؛ فَيَنْتَقِلُ مِنْ خَيَالٍ إِلَى خَيَالٍ طَوَالَ الْوَقْتِ، وَيَكْثُرُ ذَلِكَ فِي النَّاسِ مَعَ ضُغُوطِ الْحَيَاةِ، وَكَثْرَةِ الْمَشَاكِلِ، وَالْمُعَانَاةِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ. وَفِي الْغَالِبِ يُصَاحِبُهَا شَيْءٌ مِنَ الْيَأْسِ وَالْقُعُودِ وَالْكَسَلِ؛ فَيَحْلُمُ وَهُوَ يَقْظَانُ بِغِنًى وَاسِعٍ يَخْتَرِعُ لَهُ قِصَّةً مِنَ الْقِصَصِ، أَوْ بِبُطُولَةٍ نَادِرَةٍ، أَوْ بِشُهْرَةٍ وَاسِعَةٍ، أَوْ بِنَيْلِهِ مِنْ عَدُوٍّ مُتَرَبِّصٍ بِهِ، وَقَدْ يَنْغَمِسُ فِي أَحْلَامِ الْيَقَظَةِ إِلَى حَدِّ أَنَّهُ يُكَلِّمُ نَفْسَهُ، وَيَقُومُ بِحَرَكَاتٍ تُوَافِقُ مَا فِي تَفْكِيرِهِ، وَقَدْ يُدْمِنُ عَلَيْهَا كَإِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَفْصِلُهُ عَنْ وَاقِعِهِ الْبَئِيسِ، وَتَفْتَحُ لَهُ وَاقِعًا افْتِرَاضِيًّا يَرَى فِيهِ مُتَنَفَّسًا جَمِيلًا، لَكِنْ لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا، بَلْ يَسْتَيْقِظُ عَلَى وَاقِعِهِ الْبَئِيسِ الَّذِي لَمْ يَسْعَ فِي تَغْيِيرِهِ، وَاكْتَفَى بِالْخَيَالَاتِ عِوَضًا عَنِ الْعَمَلِ الْجَادِّ لِلْخُرُوجِ مِمَّا هُوَ فِيهِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا، وَأَنْ يَكْفِيَنَا شُرُورَ أَنْفُسِنَا.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ قُلُوبَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ أَعْمَالَكُمْ، وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهَا إِلَى زَوَالٍ؛ ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا ‌مَتَاعٌ ﴾ [الرَّعْدِ:26].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ نِعْمَةُ التَّفْكِيرِ؛ فَبِهَا يَسْتَنْتِجُ الْإِنْسَانُ وَيَخْتَرِعُ وَيَسْتَنْبِطُ، وَيُخَطِّطُ لِمَصَالِحِ مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَلَا خَطَرَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ أَشَدُّ مِنْ أَنْ تُصَرَفَ فِي الْفُضُولِ الَّذِي يَضُرُّ صَاحِبَهُ وَلَا يَنْفَعُهُ.

 

وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَوْجِيهٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى التَّفْكِيرِ الْمُفِيدِ؛ كَالتَّفْكِيرِ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ، وَمِنْهَا آيَاتُهُ فِي الْكَوْنِ، وَكَذَلِكَ التَّفْكِيرُ فِي آيَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِلِامْتِثَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ ‌تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ:219]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ ‌يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ:176]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ ‌يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْحَشْرِ:21]، وَكَذَلِكَ التَّفْكِيرُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَآلَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ لِلْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالرِّضَا، وَتَسْخِيرِ النِّعَمِ فِي مَرْضَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ ‌يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ:13]. وَكَذَلِكَ التَّفْكِيرُ فِي الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ؛ لِيَعْمَلَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ أَعْمَالًا صَالِحَةً تُنْجِيهِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّفْكِيرُ فِي الْجَنَّةِ لِيَشْتَاقَ إِلَيْهَا، وَيَنْشَطَ فِي الْعَمَلِ لَهَا، وَالتَّفْكِيرُ فِي النَّارِ؛ لِيَخَافَ أَنْ يُقْذَفَ فِيهَا؛ فَيَأْتِيَ الطَّاعَاتِ، وَيُجَانِبَ الْمُحَرَّمَاتِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ، آكُلُ ثِمَارَهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا. ثُمَّ مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ، آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، ‌وَأَشْرَبُ ‌مِنْ ‌صَدِيدِهَا، وَأُعَالِجُ سَلَاسِلَهَا وَأَغْلَالَهَا؛ فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَيْ نَفْسِي، أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ صَالِحًا، قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتِ فِي الْأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نعمة التفكير وضرورة توظيفها
  • آثار الفكر الغربي في مزاج التفكير العربي (1)
  • التفكير في المستقبل
  • أهمية التفكير وإعمال العقل
  • آثار الفكر الغربي في مزاج التفكير العربي (2)
  • أثر التفكير الغربي في مناهج التعليم للعالم العربي

مختارات من الشبكة

  • تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن: التفكير الكلي والتفكير الجزئي(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • فهم واقع الحياة في قصة صاحب الجنتين: تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن في قصة صاحب الجنتين(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • من مهارات التفكير(مقالة - موقع د. أحمد البراء الأميري)
  • التفكير الإبداعي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • معايير التفكير الناقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مهارات التفكير الاستنباطي والتقييمي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مهارات التفكير الناقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التفكير هو أن يهتدي المرء إلى ما سيفعله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العفو والصفح - فضل حسن الخلق - فضل المراقبة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/12/1446هـ - الساعة: 21:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب