• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد بريش / مقالات
علامة باركود

حديث حول مفهوم علوم المستقبل

د. محمد بريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/3/2014 ميلادي - 29/5/1435 هجري

الزيارات: 19073

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حديث حول مفهوم علوم المستقبل

حاجتنا إلى علوم المستقبل (2)


لقد تعددت المصطلحات حديثًا عند الخبراء العرب للدلالة على فن دراسة المستقبل، شأنه شأن العديد من الفنون والعلوم الوافدة من الغرب أو المنقولة عنه، أو تلك التي كان لنا فيها باع، قبل جفاف فكرنا دهرًا طويلًا، ولم ننتبه لها إلا بعد اهتمام غيرنا بها ثم بلورته وتطويره لها.

 

طبع المتخلف الذي ذكرناه آنفًا، وهوايته لممارسة التقليد، فرارًا من مواجهة معضلات الواقع بمسؤولية واعية صبورة صلبة، إدبارًا جهة الماضي الحنين، أو استلامًا لزحف الغواة الوافدين، وأصبحت فنون الإعداد للغد تنعت بأسماء عدة: (استشراف المستقبل، التنبؤ بالمستقبل، صور المستقبل البديلة) التخطيط المستقبلي، عالم الغد، وهلم جرًّا، إلا أن تزايد الدراسات والبحوث عربيًا - ولو ببطء - في هذا الميدان، جعل المصطلحات الثلاثة: استشراف المستقبل، المستقبلية، وعلوم المستقبل أكثر انتشارًا واستعمالًا من غيرها، وإن كان المصطلح الأول يكاد يكون سائدًا اليوم في مختلف الأدبيات والأبحاث والدراسات التي تناولت بالدراسة والتحليل آفاق المستقبل في العالم العربي.

 

وجاء هذا التعدد في التسمية لتنوع الألفاظ الأجنبية الدالة على هذا العلم عند أهله، فالناطقون بالإنجليزية يستعملون المصطلحات التالية: (Futurology) وترجم بالمستقبلية أو علم المستقبل، Discipline of studying the future)، وترجم بعلم دراسة المستقبل و(futurism)، وهو مصطلح استعمله العالم الأمريكي ألفين توفلر[1] (Alvin Toffler) في كتابه الشهير (صدمة المستقبل)[2]، إلا أن هذا المصطلح يختلف مدلوله المتداول عن مدلول مصطلح (Futurology)؛ لأن الأخير يرمز إلى علم المستقبل، بيد أن الأول في الاصطلاح الجمالي، يدل على حركة فنية واتجاه فني مفرط في معاداته لكل ما هو تقليدي مألوف، يؤمن بالمادة ويرى فيها طاقة الحياة، يعتبر عند أهل الاختصاص اتجاهًا نقيضًا للتعبيرية في الأدب والفن، وعدوًّا للمدرسة الطبيعية، ظهر في بداية القرن الحالي على يد الإيطالي مارينتي (Marinetti 1876-1944) في مدينة ميلانو، واندمج لنزعته الانقلابية مع الفاشية التي كان يقودها في إيطاليا موسوليني؛ حيث أصبح هذا الاتجاه الفني عام 1920 جزءًا من الأيديولوجيا الرسمية لإيطاليا الفاشية، واعتبره نقاد الفن بأنه تعبير عن أزمة القيم التي تميَّزت بها المدرسة الرمزية، وفي اللغة العربية ترجم المصطلحات المشار إليها بلفظ ومصطلح واحد: (المستقبلية) مع أن الاتجاه الفني الذي يرمز المصطلح إليه يرفض المستقبل، ويعبد السرعة والآلة، ويمجِّد الروح الوطنية ونزعة الحرب[3].

 

أما الناطقون بالفرنسية، فيستعملون مصطلح[4] (Futurologie)، وهو قليل التداول عند المهتمين بالدراسات المستقبلية، ويقابل مصطلح (Futurololgy) عند الإنجليز، وترجم كما قلنا بعلم المستقبل أو المستقبلية، ومصطلح (Prospective) الذي ابتدعه رائد علم المستقبل بفرنسا غاستون برجر (Gaston Berger)، وهو المصطلح الشائع في اللغة الفرنسية، مشتق من فعل Prospecter))؛ أي: نقب وفحص بتدقيق وانتظام وفاعله (prospecteur)؛ أي: منقب ومكتشف، ومن هنا كان مصطلح (الاستشراف) العربي أقرب إلى التعبير الفرنسي؛ لأن العرب تقول: (استشرف الشاة؛ أي؛ تفقدها؛ ليأخذها سالمة من العيوب)[5]، وتلك هي خلاصة عملية التنقيب والاستكشاف.

 

ونحن نميل إلى الذين عبروا عن هذا الفن بمفهوم (استشراف المستقبل)؛ لما تحمله لفظة الاستشراف من دلالة عريقة في لغة العرب، تعبر كما سنرى في الفقرة التالية أحسن تعبير عن المراد فعلاً من اكتشاف آفاق المستقبل، والتطلع لسبر أغواره.

 

وحتى نجلي بوضوح دلالة مفهوم (استشراف المستقبل)، نورد التوضيح اللغوي والاصطلاحي التالي:

الاستشراف في لغة العرب تحديد النظر إلى الشيء بشكل يجعل الناظر أقوى على إدراكه واستبيانه، كأن يبسط الكف فوق الحاجب كالمستظل من الشمس، أو ينظر إليه من شرفة أو مكان مرتفع، أو يمد عنقه ويسدِّد بصره نحوه، كل ذلك يفعله للإحاطة بشكل الشيء والتدقيق في ماهيته.

 

يقول صاحب (اللسان): (وتشرف الشيء واستشرافه: وضع يده على حاجبه كالذي يستظل من الشمس حتى يبصره ويستبينه، ومنه قول ابن مطير[6]:

فيا عجبًا للناس يستشرفونني
كأن لم يروا بعدي محبًّا ولا قبلي

 

وفي حديث أبي طلحة رضي الله عنه: أنه كان حسن الرمي، فكان إذا رمى استشرفه النبي صلى الله عليه وسلم، لينظر مواقع نبله؛ أي: يحقق نظره ويطلع عليه، والاستشراف أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، وأصله من الشرف العلو، كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع، فيكون أكثر لإدراكه)[7]، وذكر صاحب (المحيط): (واستشرف الشيء: رفع بصره إليه، وبسط كفه فوق حاجبه كالمستظل من الشمس)[8]، ونضيف أنه قد رفع بصره إليه؛ لينظر إليه نظرة متفحصة حتى يحيط به ويستبينه، وبسط كفه فوق حاجبه؛ ليتجنب أي شعاع ضوئي يُشوش على رؤيته؛ حتى يكون نظره حديد وصورة ما ينظر إليه أوضح له: ومن هنا كان استشراف المستقبل هو النظر إلى الزمن القدم ببصر حديد ونظر ثاقب، بغية تصوُّر الواقع المقبل، انطلاقًا من شرفة الواقع الحاضر، واستيعابًا لعبر الواقع الراحل.

 

ورغم أننا نميل إلى الاستمساك باسم لعلوم المستقبل تضرب جذوره اللغوية في لغة العرب الأوائل، فإننا لا نسعى إلى نهج أسلوب إسقاط التعابير المعاصرة على مفردات تراثنا اللغوي، ولن نحاول عبثًا تحميل التاريخ ما لا يتحمل، وندخل على التراث ما ليس فيه، فنتصنع أصولًا إسلامية أو تراثية لعلوم المستقبل الحديثة، أو نختزل نصوصًا للبرهنة على سبق العرب والمسلمين في ميدان الاهتمام بالمستقبل، فذلك أمر إن كان يؤيده كوننا أمة مأمورة وحيًا بالإعداد والتقديم للغد، وهو أمر صريح للاهتمام بالمستقبل، فإن غفلتنا المزمنة عن هذا الإعداد ترمي إلى الدلالة على العكس.

 

فكون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية نصت وطلبت من المسلمين العمل على الاهتمام بمستقبلهم الدنيوي، لكسْب مستقبل أخروي، وحثهم على إحكام العدة، وإتقان التطلع، فإن ذلك لا يكفي للدلالة على سبق المسلمين في ميدان العلوم المستقبلية، علمًا بأن الأمم السابقة من أهل الكتاب أمرت بنفس الإعداد والاستعداد.

 

ولا يعني قولنا هذا: إن المسلمين الأوائل كانوا فاقدي الحس المستقبلي، أو منعدمي التخطيط البعيد المدى؛ بل على العكس، كان إيمانهم الساطع ويقينهم التام في مستقبلهم بين يدي الله عز وجل خيرَ حافزٍ لهم لتخطِّي العقبات، ومواجهة التحديات، والعمل لصالح قومهم، والأجيال المقبلة؛ حتى إنهم لم يروا المستقبل في أنفسهم، بل رأوه في أبنائهم وأبناء من يدخلون دين الله أفواجًا، أبناء التوَّاقين للحرية والانعتاق من جبروت الطغاة، فهجروا ديارهم وضحوا بدنياهم في سبيل دينهم؛ لكي يعيش الخلف في رغد من العيش، وحرية في الدين، تضمَّن حياته ومستقبله ومستقبل دينه.

 

ثم إن الاهتمام بالمستقبل منذ القدم أمر لا تنفرد به الشعوب المسلمة، فنحن لن نطيل الحديث للتدليل على أن العناية بالمستقبل ليست بالشيء الجديد ولا الغريب على الإنسان - أي إنسان - في أي وقت وفي أي زمان؛ لأننا لا نستطيع سلخ هذا الإنسان عن الزمن، فحياته خارج إطار الزمن لا معنى لها، وبدون تداول الليل والنهار، وتقلُّب الفترات لن يجد هذا الإنسان طعمًا للحياة، ولن يستطيع بدون إحساسه بعجلة الزمن أن يستسيغ العيش أو أن يحس برغبة في العمل!

 

وإذا كانت حياة الإنسان عبارة عن حركة مستمرة قدمًا نحو الأمام على درب الزمن، فإن اللحظة التي يعيشها، والواقع الذي يحياه؛ إنما هو نقطة عابرة على ذلك الدرب تمتاز عن سابقاتها بوجود رجليه فوقها في اللحظة التي تناسبها من ذلك الزمن، لحظة يمتطيها الإنسان في الحاضر مستخرجًا لها من منجم المستقبل، ومودعًا إياها في خزائن الماضي بشكل إجباري؛ سواء أحس بذلك الاستخراج، وتلك المطية، وذلك التخزين، أم لم يحس بأي من هذه العمليات أو جميعها، فالمستقبل واقع مقبل، وتاريخ مقبل أيضًا، ولهذا ما زال الجدل قائمًا بين الخبراء في علوم المستقبل حول تصنيفه؛ هل يصنف ضمن علوم الاجتماع، أم ضمن علوم الاجتماع التاريخي؟ وليس المهم عندنا تصنيف هذا الفن في هذا الميدان من العلوم أو ذاك، فهو أميل إلى أن يكون فرعًا من علوم الاجتماع أكثر منه إلى علوم الاجتماع التاريخي، لكون هذا الأخير (يؤكد التنبؤات الظنية بالنسبة للماضي)، مع أن علم المستقبل يقتصر على التطورات المستقبلية الفعلية، ويستهدف تعيين مدى الاحتمال الرياضي لوقوعها أو قابليتها للتصديق)[9]، وما نستطيع الجزم به الآن هو أن علم المستقبل ليس من العلوم البحتة التي تعتمد تحليلًا يوصل إلى نتائج نهائية.

 

كما أن المهم عندنا ليس المستقبل كزمن مجرد، فإنما هو في ذلك التجريد حركة دائمة لها مفعول الاستمرار، مستقلة تمام الاستقلال عن الإنسان وإرادته، فسواء أحس الإنسان بالوقت أم لم يحس به، أو أدرك تداول الليل والنهار أم لم يدركه، فإن الوقت يجري ويمضي لا مستقر له. ولكن المهم الوعي بالمستقبل كواقع قادم، بغية استكشاف كنهه، بل والتحكم في شكله، فالطفل الصغير لا يدرك بعدًا للزمن، ولا يحس بمرور الوقت، لا يعي ماضيًا ولا يكترث بمستقبل، رغم مشاركته طوعًا أو كرهًا بني جنسه في رحلتهم الزمنية عبر دروب المستقبل، لكن بمجرد أن يبدأ هذا الطفل وهو في حركته الدائمة تلك يعي مجراه الحياتي، منتبهًا إلى كونه ترك وراء ظهره ماضيًا يحتاج إلى استيعاب، وقد فتح صدره لمستقبل يحتاج إلى تطلع واستشراف، وإن عينيه الآن على واقع يحتاج إلى استقراء واكتشاف، فإن مخيلاته تبدأ في التطلع لرسم أشكال لذلك الماضي، وذلك الحاضر، وذلك المستقبل، ينبغي أن تحلل وتصقل وتوظف لتحسين الحاضر؛ سواء الحاضر الآن، أو الحاضر غدًا، وتلك ملكة فطرية أودعها الخالق المنان كل عاقل من بني الإنسان لا يمتاز بها جنس دون آخر، ولا نرى فائدة لموضوعنا من إطالة الحديث حولها، بعد أن خلصنا وتبيَّن لنا أن الغاية من المستقبل في ميادين الدراسات المستقبلية والدافع للاهتمام به، هو الرغبة في تحديد شكله والتحكم في زمامه.

 

واستشراف المستقبل ليس تنبؤًا بالغيب، وليس كما يقول العوام ضربًا على الكف أو قراءة في الفنجان، بل هو علم من العلوم له مقومات وله فنون.

 

فالمستقبل لا ينشأ من فراغ، وإنما تتحدد معالمه وتتبلور أشكاله من خلال تطور قضايا الواقع، ومن خلال بزوغ أشياء كانت الجنينات لها موجودة في أرض الواقع، واستشراف المستقبل ليس رجمًا بالغيب ولا اعتداء على حرمات الدين، ويبدو للمسلم المتأثر بعصور التراجع الحضاري والكسوف الفكري والمصاب بداء التواكل - الذي انتشر لسوء الفهم المتواصل لمفهوم التوكل الذي نص عليه الإسلام، وسوء استخدامه له هروبًا أو عجزًا أو توارثًا أن الخوض فيما سيكون عليه المستقبل، لا يجوز للعبد الخوض فيه، ومفهوم التواكل المنتشر هذا جعل عديدًا من جمهور المسلمين لا يملكون ملكة التخطيط، ولا يحسنون ترتيب وتحديد الأولويات، ولا يربطون النتائج بالمقدمات، فنحن في ديننا الحنيف مطالبون بالعمل الدنيوي لكسب مستقبل أخروي، ونعرف أن من سنن الحياة التي وضعها الله لهذا الكون: ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 82] أن التطوير مستقبلي مرهون بتغير الواقع، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا ﴾ [الرعد: 11].

 

كما أننا مطالبون بالجهاد والإعداد له في جميع المجالات؛ سواء كان ذلك في المجال العسكري، أم في المجال الاقتصادي، أو في المجال الاجتماعي، أو في المجال الثقافي، أو في المجال التربوي؛ ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60].

 

والإعداد قدر المستطاع في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والتربوي، والثقافي والعسكري، يقتضي معرفة القدرات والإمكانيات المستطاعة، وتقدير القوة اللازمة، واحتمالات التفاعل والمواجهة، وكل ذلك أمر يتعلق بدراسة بدائل المستقبل، واستشراف شكله وأبعاده، وتحديد المسارات التي تؤدي إلى أحسن تجلياته.

 

والدول المتقدمة اجتنابًا منها لما قد يحمله المستقبل من مفاجآت، وتحسُّبًا لكل ما يعوق تقدُّمها واستمرار قياداتها الحضارية، تعتمد أسلوب الإدارة بالأهداف، وتضع التخطيط المحكم المبني على الاستيعاب الواعي للماضي والاستقراء الشامل للواقع، والاستشراف الدقيق للمستقبل.

 

ولا نعدم في عالمنا المعاصر والجزء الإسلامي منه على الخصوص، من يسير السير العشوائي يخوض في مجالات الحياة بشكل تلقائي، ملتزمًا أسلوب الإدارة بالكوارث، ناقلًا عن غيره مفتخرًا بماضيه، معرضًا عن واقعه، متفائلًا بحُسن مستقبله لا يستيقظ من سباته إلا بالكوارث، بل حتى الكوارث لا تكاد تؤثر في غيبوبته الفكرية واستقالته الحضارية، فهو قد اعتاد أن يقلب الهزيمة نصرًا والكارثة خيرًا، فإن أتت على هلاك 99% مما لديه، فإنه يعتبر نفسه في حل من كل محاسبة، ويستشعر الراحة التامة؛ لأن المصيبة لم تكن مائة بالمائة!

 

وحتى لا نمضي بعيدًا لنأخذ ميدانًا نحن فيه أشد فقرًا وأكثر غيابًا: ميدان البحث العلمي، والذي ما زلنا نعيش قرونه العجاف، فكم أستاذًا كان عليه أن يكون منشطًا لهذا الميدان، فاعلًا فيه، لا يتحرك ليستشرف مستقبله ويغير واقعه؛ كي يكون البحث العلمي متميزًا لديه، متفوقًا فيه على غيره مشاركًا في إجلاء سنن الكون، ورفع معالم الحضارة، مساهمًا في نُضج الفكر، فإن قيل له تحفيزًا: إن المركز الفلاني أو العالم الفلاني اكتشف سنة الله في كذا اجتهد اجتهادًا ضئيلًا؛ ليقول: إن ذلك الشيء المكتشف هو موجود في القرآن منذ أربعة عشر قرنًا، وكتب في ذلك الكتب؛ ليثبت أن هذا الشيء هو موجود فعلاً في القرآن منذ قرون من الزمان، ونسِي أنه بفعله ذلك إنما أشهد الله على نفسه، وأشهد الناس أنه ظل نائمًا منغمسًا في نومه قرابة أربعة عشر قرنًا[10].

 

وكم مرة سمعنا المثل المشهور (الوقاية خير من العلاج)، دون أن ندرك البعد الإستراتيجي والبعد المستقبلي لتلك الوقاية، وتلك الحماية، لكل ما من شأنه أن يعطل القوى ويضر بالجسم، جسم الفرد، أو جسم التنظيم أو الدولة، أو الهيئة، أو الأمة.

 

فالتحكم في المستقبل استشرافًا وتخطيطًا أسلم للإنسان والإنسانية من ولوج المستقبل صدامًا وكارثة، ومن هنا كان الاهتمام عند علماء المستقبل شديدًا بالمشكلة السكانية، ومشكلات التلوث وإهدار الطاقات، وغيرها من المشاكل التي ترعب حين التفكير في مستقبلها على افتراض استمرار تطورها الحالي.

 

ولهذا كان اهتمام الدول المتقدمة بالمستقبل شديد ومكثفًا، تعقد له الندوات وتقام من أجل إنجازه المؤسسات، وترصد له اللوازم والحاجات، ويحتل في خطط الإنجاز أعلى سلم الأولويات. والتفكير في المستقبل يكون بعيدًا عن الأحلام وأضغاثها؛ لأنه قراءة للواقع من خلال المستقبل، وليس اهتمامًا بالمستقبل من أجل الاكتفاء بالتخمين فيه والتنبؤ بأحداثه؟ فما منفعة هذا التخمين وذلك التنبؤ إذا لم ينعكس على الواقع، فيُغيِّره نحو الوجهة المثلى؟

 

وما الواقع إلا محصلة تطور تاريخي طويل، تفهم تجلياته من خلال حِقَب التاريخ السابقة له، والتي كانت تحمل الدور الجنينية التي أفرزته، وبالتالي فإن شكل الواقع يوحي بشكل المستقبل ومن سعى إلى تغيير حاضره نحو مستقبل زاهر ومشرف، فإنه يعد لذلك العدة، ويرسم له الخطة، ويرصد له الإمكانيات، ويقوم بالتنفيذ حسب ما حدَّده من أولويات، أما من كان في حاضره أعمى، فهو في مستقبله أعمى وأضل سبيلًا.

 

المصدر: المسلم المعاصر - السنة 16 - العدد 61- محرم وصفر

ربيع الأول 1412هـ / أغسطس- سبتمبر - أكتوبر 1991م



[1] رئيس التحرير المساعد لمجلة (فورتشن) وقت نشره لكتاب (صدمة المستقبل) كان أستاذًا زائرًا بجامعة كورنيل، وعالمًا زائرًا في مؤسسة راسل سيدج. نشرت له كتب كثيرة من بينها (مستهلكو الثقافة) (والمدرسة في المدينة) وعديد من المقالات العلمية في كبريات المجلات العلمية المتخصصة وتعتبر دراسته حول (صدمة المستقبل) الأولى من نوعها في مجال (سوسيولوجيا المستقبل).

 

[2] Alvin Tofflet, future shock, Random House, New York, 1970.

وقد ترجم إلى العربية من طرف محمد علي ناصف، وتقديم الدكتور أحمد كمال أبو المجد وقت كان وزير الإعلام بالحكومة المصرية، تحت عنوان (صدمة المستقبل) دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة يوليوز 1984.

[3] للمزيد من المعلومات حول مصطلح (المستقبلية) للتعبير على الاتجاه الفني المتطرف الذي ذكرناه راجع * (سوسيولوجيا المستقبلية وعلم المستقبل) خلدون الشمعة، الفكر العربي السنة الأولى عدد 10 مارس أبريل 1979 ص ص: 210-215.

[4] راجع حول مفهوم هذا المصطلح العدد الخاص من (رسالة اليونسكو) بالفرنسية (I. e courrler) إبريل 1971 والذي كان موضوعه (هل للمستقبلية من مستقبل؟) وخاصة موضوع روبير جنك (Robert Jungk) لقد بدأ المستقبل ص ص: 9-17.

[5] (المنجد في اللغة والأعلام) دار الشروق ببيروت الطبعة 26،1975 ص183.

[6] يقصد ابن منظور الشاعر الحسين بن مطير الأسدي (توفي سنة 169) شاعر متقدم في القصيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وله أماديح في رجالهما (انظر موسوعة (الأعلام) لخير الدين الزركلي، المجلد 2، ص260، دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة 1970).

[7] (لسان العرب) لابن منظور دار صادر، بيروت المجلد 9، ص 171-172.

[8] (القاموس المحيط) للفيروز آبادي مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1976 (في مجلد واحد) ص1065.

[9] (علم المستقبل في وقتنا الحاضر) د. محمود زايد، الفكر العربي، السنة الأولى عدد 10، مارس - إبريل 1979، ص 26.

[10] لا نريد هنا أن نستنقص من جهود علمائنا في مجال التفسير، أو غيرها من المجالات التي تبرز دور الإسلام في دفع عجلة العلم والمعرفة والابتكار والإبداع طوال التاريخ العريق للحضارة الإسلامية، ولكننا نستغرب مع المستغربين لأولئك الذين يريدون تعسفًا تحميل الآيات القرآنية ما لم تنزل من أجله، ويجعلون للقرآن تفاسير غامضة تتلقف كل اختراع جديد ثبتت نظريته لمقارعة سنن الكون مع مر الزمان أم لم تثبت؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حاجتنا إلى علوم المستقبل
  • عودة إلى مفهوم علوم المستقبل
  • تعاريف الخبراء لعلوم المستقبل

مختارات من الشبكة

  • علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية: سيرة المصطلح وحده ومفهومه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة جزء من حديث أبي نصر العكبري ومن حديث أبي بكر النصيبي ومن حديث خيثمة الطرابلسي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح الحديث الخامس من أحاديث الأربعين النووية (حديث النهي عن البدع)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تخريج ودراسة تسعة أحاديث من جامع الترمذي من الحديث (2995) إلى الحديث (3005) (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حديث عيسى ابن مريم وحديث الطير مع أبي بكر وحديث الضب مع النبي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • غنى النفس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حراسة السنة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شبهات حول الحديث الحسن وقواعد في علم الحديث والجرح والتعديل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كلمة التوحيد في الكتاب والسنة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب