• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد بريش / مقالات
علامة باركود

دراسة فكر الدكتور محمد أركون (1)

د. محمد بريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/9/2007 ميلادي - 11/9/1428 هجري

الزيارات: 45113

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دراسة فكر الدكتور محمد أركون (1)

مدخـل[1]


"إن انغماس الجماهير في الحركات الصوفية، الذي كان موضع استهجان وازدراء من المثقفين العلمانيين، ظاهرةٌ فشل المثقفون في فَهْم أسبابها ودواعيها. وكذلك فإن عودة الجماهير إلى الدين بأعداد كبيرة، وفي مختلف أقطار الوطن العربي، وخصوصًا بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، لم يستطع المثقفون أن يتنبؤوا بها قبل حدوثها، ولم يستطيعوا فَهْم دَلالتها ومغزاها. وبعبارة مختصرة: "إن سلوك الجماهير سواء إزاء الموروث أو الوافد لم يكن أبدًا موضع دراسة حقيقية مِن قِبَل المثقفين"[2]. هذه العبارة الصادرة عن أحد المثقفين العرب الذين يَعِيبون على الفكر الإسلامي والثقافة العربية "غياب المشروع العلماني البديل الذي سيحقق إشباع الحاجات الإسلامية الأساسية للجماهير"[3]، تفسر لنا الاهتمام المتزايد الذي يُولِيه عدد من هؤلاء المثقفين للإسلام والدعوة الإسلامية، بعد أن كانوا بالأمس القريب يتذبذبون بين الدعوة إلى العلمانية والحث على اختيار المادية كنهج "فكري ثوري" سيتيح للشعوب العربية الخلاص من قيود التخلف والخروج من ظلمات الجهل التي ساهمت في صنعها "العقائد الدينية" إلى عالم التقدم والعلم في رحاب المادية "والتحرر الفكري والثقافي" العلماني.


نفس العبارات نجدها عند كثير من المثقفين العرب المعاصرين، بصورة أكثر أو أقل حدة، لكن كلها تعبر عن نفس المبتغى وهو الاهتمام بالإسلام والفكر الإسلامي؛ لإعادة النظر فيه، وقلب موازينه، وفصله عن الغيبيَّات، وتفكيك أجزائه؛ لإخضاعها لعمليات البحث "التاريخاني"، وترك العبادة جانبًا بعيدًا عن الأحاديث النبوية ومقولات العلماء الفقهية، وللعمل على تغيير فكر المجتمعات البشرية التي تشكل الدعامة الأساسية لاستمرار الحركات الإسلامية "التقليدية "... بعض هؤلاء المثقفين لا يخلو من حسن في النية وصدق القول، لكن جُلَّهم متفقون على الدعوة إلى ثورة شاملة تهز فكر العالم العربي والإسلامي رأسًا على عقب مطالبين بعدم ترك الإسلام بأيدي الشيوخ و"علماء الدين". وإذا اقتصرنا على المغرب العربي، فإنه يمكننا تقديم الأمثلة التالية:


♦ د. محمد أركون: "إن اقتحام الإسلام لخشبة المسرح باعتباره قوة تعبئة للجماهير لم يُتخذ موضوعًا لتحليلات نظرية جادة، وأعتقد أننا نتوفر هنا على مادة جديدة لنراجع مقارباتنا وتعريفاتنا للظاهرة الدينية بصفة عامة.... إن مفهوم الدين لم يبلور بلورة كافية في الوقت الحاضر لتبيح لنا الكلام عنه علميًّا، ولنستطيع القيام بتلك النظرية التي تتردد بأن نجزم أن الأديان ما هي إلا أيديولوجيات"[4].


♦ د. محمد جسوس: "في هذا المجهود لإعادة التفكير والتخطيط للمستقبل، أتمنى أن تتاح الفرصة لكي نبدأ لأوَّلِ مَرَّةٍ بالطَّرْحِ العَلَنِيّ والعقلانِيّ للعديد من القضايا الأساسية التي تتخبط فيها المجتمعات العربية، والتي أعتقد أنه لا الحكم ولا الطبقات الحاكمة ولا المسار التاريخي، ولا اليسار العربي، بما فيه طليعة الطليعة، قد بدأت تطرح النقاشات حولها حتى بطرق لينة ومتواضعة.

 

هناك ما اقترحت تسميته بالقارات العربية الثلاث التي مازالت غائبة ومغيبة، مجهولة، خفية ومستترة، نتحدث عنها في الخفاء أو ندعي أننا نتحدث عنها ولا نحللها، بل ليست لنا مواقفُ منها ولا مخطَّطات.

 

أعتقد أن جزءًا كبيرًا من الإحباط والانكسار الذي حدث لليسار العربي يرجع إلى عدم شمولية نظرته، عدم شمولية استراتيجيته وممارسته. هذه القارات الكبرى الثلاث هي: الإسلام، الجنس، السلطة، أولى تلك القارات الغائبة والمغيبة هي الإسلام باعتبار أن الإسلام كان ولا يزال مركزَ الشرعية الأول والأخير بالنسبة للأغلبية الساحقة من الجماهير العربية التي تتعامل معها، وأن كل الطروحات الأيديولوجية الأخرى لم تتمكن من الحصول حتى على بصيص من الوفاء والالتزام الذي أمكن الوصول إليه عن طريق الإسلام. في حين أننا تركنا الإسلام في يد المشعوذين والمتطفلين والمنافقين وشيوخ الزوايا ومنعدمي الضمائر، وإن هذا الانفصام بين الثقافة السياسية وثقافة الجماهير قد أصبح من أخطر مكونات الأزمة الراهنة. لقد حان الوقت لكي تُطرح علنًا، بدون لفٍّ ولا دوران، مسألةُ موقف اليسار العربي من الإسلام ومختلف مكونات الإسلام، فلا نكتفي بمنطق المناورات والتعامل التاكتيكي معها في أحسن الأحوال، وبمنطق الانتهازية والشطارة والتحليل في أسوئها، فلا يكفي أن نستشهد فقط بالإسلام، وفي نهاية الأمر نحوله إلى مجرد سلعة ونتعامل معه بصفة أدواتية وانتهازية لا تختلف عن تعامُل ما سمَّيْته بالمُشَعْوِذين والمُتَطَفِّلين"[5].


♦ د. هشام جعيط: "لا وجود للشتات في الإسلام العربي. إن الإسلام كما بينه شبنغلر جيدًا: "له تربة تحت أقدامه". إن قدرته الهجومية المشكّلة لكيانه تحميه من كل تحطيم قادم من الخارج،... الإسلام لا يمكن أن ينزل منزلة موضوع تلاعب... الحقيقة أننا منذ عهد التنوير الأوروبي نمر بواحدة من تلك المراحل فوق التاريخية حيث يستعد الإنسان لمصير جديد محدد، بعد أن تخلص لا محالة من ثقل المجهول الأزلي. لكن إلى أن يأتيَ ما يخالف ذلك، فالإسلام باقٍ بالنسبة لملايين البشر بمثابة جواب صالح لقضية الموت وأسٍّ للسلوك الأخلاقي والاجتماعي أكثر من المسيحية؛ لكونه يتحرك في مجال ثقافي أقل تطورًا. ولذا فان مستقبلنا سيندرج في جدلية ذات الشيء وخلافه. لسنا بمتغربين ولا مغتربين، ولذا علينا أن نفصل حداثتنا في نسيج كياننا، إذًا نحن مجبورون على ذلك لا محالة. لقد قُضي علينا بالتحرك في دائرة الانتماء العربي الإسلامي لثقل معطياتنا التاريخية بالذات. وذلك مهما كان الشكل الذي نريد إضفاءه عليهما، ومهما تخيلنا من دور لهما. وبذا يتداخل التعبير الفردي عن إنسانيتنا، والإطار الشكلي على الأقل للكيونية التي نطمح إليها. وبعبارة أخرى، فتجاوزًا للنرجسية والمركزية العريقة والقومية من جهة، إنا لا نعتبر العروبة غاية قصوى لمصيرنا وقيمة في حد ذاتها. ومن جهة أخرى فنحن لا نقبل أن يكون الإسلام الأس الوحيد للأخلاق والمجتمع، والمحرك الأساسي الفعلي للعبة الاجتماعية، فارضًا قواعده الدينية وما يرتبط بها من فروض في العادات والقضاء، كما كان الأمر في الدولة الخاضعة للحكم الإلهي في العهد الوسيط وكما هي الحال في بعض الدول المعاصرة سواء كان حكمها تيوقراطيًّا أم لا. وعلينا تحمل تراثنا الثقافي والروحي وإحياؤه. وعلى مستوى أكثر عمقًا، علينا أن نشعر بأننا مستمرون من حيث التاريخ في عمل كل الذين شيدوا الحضارة العربية والإسلامية، والذين قاسوا من أجل الهُوية التي منحتها لهم، وأخيرًا أن نفصل تطورنا في نسيج هذه الهُوية التي استرجعناها واستبطناها؛ حتى لا نحس بها كقوة إكراه خارجية فُرضت علينا فتحمَّلناها"[6].


هذه العبارات تُظهر حدة الأزمة التي تعيشها النخبة المثقفة اليسارية في العالم العربي تُجاه الدين الإسلامي والتراث العربي الإسلامي[7]، تلك الأزمة التي تجسد الصراع الدائر على الساحة الثقافية العربية بين المذاهب السياسية؛ لاكتساب العدد الأكبر من الجماهير والبزوغ بثقل على بساط الساحة. والصراع هذا يجد أصوله وجذوره في بداية الحقبة التاريخية المصطلح على تسميتها "باليقظة العربية"، أي تلك الفترة التي انتبه فيها العقل العربي من سُباته تحت الضغط القوي والمؤلم لأقدام المستعمر.


والمطلع عن كَثَبٍ على ما يجري من أحداث على الساحة الثقافية يمكنه أن يستنتج دون صعوبة أن رحى الحرب فيها تدور على واجهات ثلاث تُمثِّل كل منها "إشكالية" تستدعي بالنسبة للمثقفين "المتبارزين" بحثًا وتحليلاً واتخاذ موقف، ومرتبطة ارتباطًا عضويًّا يصعب معه فصل إحداها عن الأخرى. هذه " الإشكاليات الثلاث هي:


♦ المدارس السياسية والفكرية الغربية والشرقية بشقيها الليبرالي الديمقراطي، والاشتراكي الماركسي، ومدى صلاحيتها للتطبيق في العالم العربي والإسلامي؛ لتشخيص مشكلاته وتفسيرها وتقديم حلول عملية لها ترضاها الجماهير وتؤمن بها.


♦ "التراث العربي الإسلامي" بما فيه الوحي الإلهي "الكتاب والسنة" بالانكباب على تحديد واضح لمفهومه ووظيفته، واتخاذ موقف منه ينطلق إما من كون الكتاب والسنة وحيًا إلهيًّا سماويًّا، لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، وإمَّا مِنْ كَوْنِهما إرثًا ورصيدًا تاريخيًّا ثقافيًّا وحضاريًّا ليس غير.


♦ الواقع العربي المعيش وكيفية التعامل مع مشاكله المعاصرة كالتَّخَلُّف والتَّبَعِية والغزو الفكري والثقافي الغربي والتحدي الصِهْيَوْنِيِّ، وغياب الوَحْدة بين الحكومات العربية في المواقف السياسية، وانعدام الحرية في عديد منَ البُلدان العربية، وغيرها من المشاكل التي أثقلت الدراساتُ والأبحاث والمراسلات حولها رفوفَ مكتبات وأرشيف الجامعة العربية.

 

وازداد حجم هذه الإشكاليات أو الواجهات وتراكمت التساؤلات حولها بعد أن أحس مثقفو اليسار العربي أن انشغالَهُمْ بالثقافة السياسية، واستيرادهم لمفاهيم ومعطيات المدارس الفكرية الشرقية والغربية في شكلها الخام وصبَّهم لها على الواقع العربي، وأخذهم من الدين الإسلامي موقفًا غامضًا يعارض أكثر مِمَّا يُسانِد، وبعد أنْ أَدْرَكُوا أن ابتعادهم هذا جعل الهوة بينهم وبين الجماهير التي يُصَرِّحون أنَّهم يعملون من أجلها تَتَّسِعُ وتزداد، في حين أن الثقافة الإسلامية في شكلها الشعبي من مَوَاعِظَ دينية ودروس فقهية بالمساجد والدور الثقافية، وشكلها الأكاديمي من خلال المقالات والنشرات بالصحافة الوطنية والدولية، أو الأبحاث والدراسات من خلال الندوات والمحاضرات في اللقاءات الثقافية، أو المؤتمرات الفكرية من طرف جهابذة الفكر الإسلامي والدعاة الإسلاميين المعاصرين، تكسب الأنصار تلو الأنصار وتكتسح الساحة بعودة فئات كبيرة من الشعوب العربية الإسلامية إلى ممارسة شعائرها الدينية مع إيمان كبير ويقين صادق، واستعداد لنصر الملة الإسلامية والذود عن الشريعة المحمدية.


وإقبال هذه الفئات على تجديد إيمانها وإخلاص الدعاة لها وصدقهم في دعوتها؛ جعل مثقف اليسار العربي يحار بين نظريات تفجر الثورات وتحرك الشعوب على مُسَوَّدات الكتب وصفحات الجرائد والمجلات، وبين واقع معيش يُظهر تشبث تلك الشعوب بدينها والتفافها حول شريعة نبيِّها، وسرعة تأثير دعوة الإسلام فيها. فتأكد لغير واحد مِن أمثال هذا المثقَّفِ الحائِرِ أنَّ المدارس الفكرية المادية والليبرالية ليست دواء ناجعًا لكل مشاكل العالم العربي الإسلامي بحُكْم أنها تفترض قبل قيامها، كلٌّ حسَب أيديولوجيتها، " تكوين تقليد للتفكير والكفاح، وطليعة واعية يحركها إيمانٌ قويٌّ، ومسيرة طويلةٌ إلى الحُكْم، فضلاً عن ظروف تاريخية ملائمة. وإلا يكون ذلك جدلاً لفظيًّا، وذريعة لطموح طائفة تغطي ولعلها تعمق النقائص الهيكلية الدائمة"[8]، وإن الشعوب الإسلامية المخاطَبة بفكر تلك المدارس الغريبِ عن تراثها وأصالتها، والمعاكس لطموحاتها وآفاق مستقبلها، لا ترغب في الابتعاد عن دينها وعقيدتها؛ لكون هذه العقيدة علاوةً على صدقها وحقيقتها لا تقف معارضًا لركب الحضارة، وليست عائقًا في طريق النهوض بالأمة نحو التقدم والرقي بقدر ما هي المحرك والدافع لمجهودات ومقدرات هذه الأمة نحو الحضارة الراقية والازدهار المستمر. ولتأكدهم هذا مَرَقَ العديد مِن مثقفي اليسار مِن صفوف تَكَتُّلاتهم الحزبية ومدارسهم الفكرية، وأقبلوا على دراسة الإسلام؛ ليعيدوا نظرتهم إليه بعيدًا عن الآراء الاستشراقية والافتراءات المعادية.


وأمام هذا المروق الذي أحدث الصدع في التكتلات الثقافيَّة القائمة، ومناصرة عدد من منظِّري التجمعات اليسارية العربية للدعوة الإسلامية إنْ سرًّا وإن علنًا، وتصريح باقيهم بالخوف من هذا الانتشار الكاسح للشريعة الإسلامية والملة المحمدية بين صفوف الشباب بالمدارس والجامعات، بل إعلان بعضهم أنَّهُمْ يَعِيشُونَ فَتْرَةَ مَخاضٍ فِكْري تُنبِئ عنِ انقلابٍ على الأفكار المادية أو الليبرالية، وتُبَشِّرُ بالعودة إلى الإسلام قولاً وعملاً، ولوضع حد للأزمة المشار إليها بحسم الصراع الدائر حول المواقف الثلاثة السابق ذكرُها؛ عَكَفَ عَدَدٌ غَيْرُ يسير من المخلصين لمذاهبهم السياسية، والموفون بالتزاماتهم تُجاه أساتذتهم في جامعات ومدارس الكتلة الشرقية أو الغربية على تحرير مشاريع ثقافية وإعداد برامج فكرية "نهضوية"؛ لإعادة تشكيل العقل العربي، وبالتالي إعادة تأريخ الفكر العربي الإسلامي، تنقسم في معظمها إلى قسمين[9]:


♦ قسم يرى ضرورة تبني الأفكار المادية، واقتباس المناهج الاشتراكية الماركسية؛ للخروج بالفكر العربي من أوضاعه المتردية الراهنة، ويرى ضرورة البَدْء بإعادة كتابة التاريخ على ضوء مناهج المادية الجدلية.


♦ وقسم يرى أنَّ تَبَنِّي الأفكار المادية أو غيرها من أفكار المذاهب السياسية المعاصرة يستلزم المرورَ من مرحلة تاريخية تتم فيها علمنة الشعوب العربية الإسلامية، وجعل إيمانها بعقيدتها الإسلامية، وعملها بشريعتها المحمدية، ينقلب إلى تقديس لتلك العقيدة كإرث حضاري وثقافي إنساني، وتعظيم من طرفها لتلك الشريعة كعطاءات فكرية بشرية، تحمل في كيانها عناصرَ ثورية إذا ما قورنت بزمانها وفترة تاريخها، ثم سلْخ ذلك التقديس وذلك التعظيم عن كل إيمان بالدار الآخرة.


وإذا كان القسم الأول قد تناولته أقلام بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين بالبحث والتحليل، وتجلَّى للعيان مضمونُه وأهدافُه، وأساليبُه ووسائِلُه، فإن القسم الثاني بحُكْم تستُّرِه بستار الدعوة لتجديد الدين، وإحياء علومه وفنونه، وإعادة قراءة تراثه وكتابة تاريخه، لم يَنَلْ حَظَّهُ منَ الدراسة، ولم تسلط عليه الأضواء بالقدر الكافي، الذي يجعله بارزًا واضحًا لا غُبَارَ عَلَيْهِ خاليًا من كل أثر للتمويه أو التزييف.


من هذه المشاريع مشروع" إعادة القراءة للقرآن" للدكتور محمد أركون، وهو مشروع جزئي يدخل ضمن مشروعه العامّ المتعلق بإحياء جديد لعلوم الدين على ضَوْءِ ما استَجَدَّ من علوم في ميدان الآداب والعلوم الإنسانية كالألسنية والبنيوية والأنتروبولوجيا وغيرها. وحسَب ما وصل إليه عِلمُنا فإن مشروع محمد أركون لم يُتناول بالبحث والتحليل أو النقد والدراسة، لا من طرف المفكرين الإسلاميين ولا من طرف المفكرين اليساريين أو العلمانيين بشقَّيْهِم: الليبرالي والاشتراكي الماركسي، وإنما اكْتُفِيَ بتمجيده والإشادة به، وترجمة بعض مقالاته ونصوصه في بعض المجلات والدوريات العربية.


لذا، ولخطر هذا المشروع على مستقبل الدراسات الإسلامية بجامعاتنا العربية، ولفتح نافذة على التيارات المعاصرة الراغبة في قلب الدِّين رأسًا على عقب[10]، رأينا أن نقوم بجولة في أروقة القاعة الفكرية المجسدة لفكر ومشروع محمد أركون، والوقوف على بعض آرائه ومقترحاته ومدى صلاحيتها لتجديد الدين وإحياء شرعه القويم.


وسينقسم بحثنا إلى أربعة فصول هي:

1 - الفصل الأول: من هو محمد أركون؟ وفيه سنعرف بصاحب المشروع وبمؤلفاته وبعض ما قيل فيه وكتب حوله.

 

2 - الفصل الثاني: لماذا محمد أركون؟ وسنتناول فيه الأسباب التي دعتنا لدراسة مشروع محمد أركون دون بقية المشاريع المقترحة والمتداولة بالساحة الثقافية.

 

3 - الفصل الثالث: ماذا يريد محمد أركون؟ وفيه سنعطي نظرة موجزة عن الغاية من المشروع والأهداف التي يرمي إلى تحقيقها.

 

4 - الفصل الرابع: أركونيات، وفيه سنورد بعض الفقرات من مقالات وكتب محمد أركون؛ لاستكمال جولتنا في أروقة نتاج فكره ومشروعه.

 


[1] "الأوجه الاجتماعية والدينية للأنسية الإسلامية"، وهو بحث شارك به المستشرق روجي أرنالديز، أستاذ كرسي الفلسفة الإسلامية والإسلاميات سابقًا بجامعة باريس الرابعة، في اللقاء الثقافي الذي نظمه المجمع اليهودي الدولي – فرع فرنسا – في نوفمبر 1977 م والذي كان موضوعه: "الأمة الإسلامية". ويعني أرنالديز بالمفكرين المسلمين المعاصرين، خاصة أولئك الذين حصر نشاطهم في عبارته بباريس، ومنهم الدكتور محمد أركون والدكتور عبد المجيد تركي وغيرهما من المفكرين المقيمين بفرنسا والقاطنين أو المدرسين بجامعات باريس، والمفكران المشار إليهما شاركًا في اللقاء المذكور ببحثين وسنشير إلى بحث أركون منهما بشيء من التفصيل في الفقرة المعنونة: "لماذا محمد أركون؟".

"ASPECTS SOCIAUX ET RELIGIEUX DE L'HUMA-NISME MUSULMAN" par roger ARNAlDEZ, professeur de philosophie musulmane et d'islamdologie a l'Universite de Paris IV, "COMMUNAUTE MUSULMANE" Presses Universitaires de France, 1978, page 51 et 52.

[2] يسين السيد/ مدير الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، والمقولة التي أوردناها مقتبسة من عرضٍ قام به لصالح مجلة "المستقبل العربي" حول ندوة"التراث وتحديات العصر في الوطن العربي" التي عقدت بالقاهرة ما بين 24-27سبتمبر 1984، والتي شارك فيها محمد أركون موضوع مقالنا ببحث معنون:"التراث: محتواه وهُويته، إيجابياته وسلبياته". المستقبل العربي، العدد 69، نوفمبر1984، ص160.

[3] المرجع السابق.

[4] العبارة وردت ضمن مقابلة مطولة أجراها محمد أركون مع رئيس تحرير مجلة هيرودوت Herodote الفصلية والمتخصصة في الجغرافية السياسية "إيف لاكوست" نشرتها المجلة المذكورة في عددها الخاص بالجغرافية السياسية للعالم الإسلامي وقامت بنقل بعض فِقْراتها إلى العربية مجلة " الوحدة " الصادر عن المجلس القومي للثقافة العربية، عدد6، مارس1985، ص152-153.

[5] "أزمة المجتمع العربي وأزمة اليسار " محمد جسوس، وهو بحث شارك به في الندوة التي نظمها "منتدى الفكر والحوار " بالرباط ما بين 22-24نوفمبر 1984 م، نشر نص البحث في الملحق الثقافي لجريدة "الاتحاد الاشتراكي" العدد 54، الأحد / الاثنين 2 – 3 ديسمبر 1984، وفي مجلة "الوحدة" عدد 6 مارس 1985 م، ص21. وتجدر الإشارة إلى أن البحث يوضح تحولاً جذريًّا في فكر الدكتور محمد جسوس، وهو جدير بالقراءة.

[6] "الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي"، د. هشام جعيط، دار الطليعة، الطبعة الأولى مايو 1984، ص102و103.

[7] لدراسة أسباب هذه الأزمة ومظاهرها وطرق علاجها يمكن مراجعة الكتاب الأخير للدكتور محسن عبد الحميد:" أزمة المثقفين تجاه الإسلام في العصر الحديث " مكتبة أسامة بن زيد – الرباط 1405/1985م.

[8] د. هشام جعيط، الكتاب السابق، ص103.

[9] ظهرت في السنوات الأخيرة عدد من مشاريع الدراسة، وإعادة القراءة للدين الإسلامي والتراث العربي الإسلامي، تقترح مناهج فكرية مادية أو ليبرالية أو علمانية أو يسارية غير محددة المعالم؛ لإعادة النظر في الموروث الثقافي بما فيه الوحي الإسلامي وصياغة كتابة تاريخه من جديد، [يحتاج التاريخ العربي الإسلامي إلى إعادة قراءة وتدوين؛ لتَنْقِيحِه مِنَ الدَّخَن وإزاحة الأباطيل والشبهات عنه، والساحة الثقافية الإسلامية ما زالت تفتقر إلى مشاريع إسلامية معتمدة على برامج علمية للقيام بهذا العمل اللازم لتجديد الدين الإسلامي والفكر العربي الإسلامي] من ضمن المشاريع الثقافية اليسارية المطروحة على الساحة:

أ- مشروع الدكتور طيب تيزيني، أستاذ جامعي سوري، والذي سماه "مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بدايته حتى المرحلة المعاصرة"، وهو مشروع يعتمد الماركسية كمذهب والمادية التاريخية كمنهج، ينوي صاحبه إصداره في اثني عشر جزءًا، صدر منها حتى اليوم جزءان، خصص الجزء الأول لعرض النظرية المقترحة قي قضية التراث العربي. وللدكتور تيزيني أفكارٌ وآراء في قضية التراث العربي، لا يوافقه عليها عديد من الماركسيين العرب علاوة على غيرهم من مفكري المذاهب السياسية الأخرى.

ب- مشروع الدكتور حسين مروة، باحث لبناني، والمعنون:"النزاعات المادية في الفلسفة الإسلامية" صدر في جزأين ابتداء من 1978 وهو موضوع رسالة دكتوراه ناقشها الباحث في جامعة موسكو، وقد نشرت دار الحداثة للطباعة والنشر ببيروت كتابًا ضَمَّ أغلب المقالات والمناقشات التي تناولت مشروع طيب تيزيني ومشروع حسين مروة بالبحث والدراسة من قِبَل مثقفي اليسار أنفسهم، وعنوانه "الماركسية والتراث العربي الإسلامي "، الطبعة الأولى 1980.

ج- مشروع الدكتور حسن حنفي، أستاذ جامعي مصري، سبق له أن درس في جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، عنوان مشروعه " التراث والتجديد" يقول عنه إنه سيشمل ثلاثة أقسام:

- القسم الأول: موقفنا من التراث القديم وفيه 8 أجزاء.

- القسم الثاني: موقفنا من التراث الغربي وفيه 5 أجزاء.

- القسم الثالث: نظرية التفسير وفيه 3 أجزاء.

صدر حتى الآن من هذا المشروع كتاب واحد بعنوان "التراث والتجديد"وهو عبارة عن مقدمة للمشروع – دار التنوير للطباعة والنشر – الطبعة الأولى 1981، علمًا بأن للباحث كتبًا أخرى تناول فيها الموقف من الفكر العربي المعاصر، والفكر الغربي المعاصر، ودراسات في علم أصول الفقه وعلم أصول الدين والفكر الإسلامي المعاصر. وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور حسن حنفي هو أبرز منظري ما اصطلح على تسميته "باليسار الإسلامي "، وله بحث في هذا الباب عنوانه "ماذا يعني اليسار الإسلامي"؟ كما أصدر مجلة عنوانها "اليسار الإسلامي" (صَدَرَ مِنْهَا عدد واحد فقط ). ولمن أراد مزيدًا من البحث في نقد مشروع باحثنا فليرجع إلى كتاب "ظاهرة اليسار الإسلامي"لمحسن الميلي- مطبعة تونس-قرطاج - أكتوبر1983 وهو يَتَنَاوَلُ الظاهرة من وجهة نظر إسلامية، ومقال الدكتور فؤاد زكريا بعنوان " مستقبل الأصولية الإسلامية"، مجلة فكر، العدد 4، ديسمبر 1984 ضمن ملف عن "الفكر الديني والفكر العلماني" ص16-50 وهو يتناول الظاهرة من موقع علماني

د- مشروع الدكتور محمد عابد الجابري، أستاذ جامعي مغربي، الذي بدأه بكتابه " نحن والتراث" وأعقبه بمحاولته الأخيرة " نقد العقل العربي "-صدر منه الجزء الأول "تكوين العقل العربي " دار الطليعة –بيروت الطبعة الأولى 1984، وهو مشروع ينطلق من منهجية مادية، لكن مختلفة عن منهجية طيب تيزيني أو حسين مروة، ومعتمدة على أفكار المدارس الفكرية الفرنسية الحديثة في ميدان العلوم الإنسانية كالأبستمولوجيا والبنيوية وغيرهما....

هـ-مشروع الدكتور محمد أركون وهو موضوع بحثنا هذا.

كما أن هنالك عددًا آخر من مشاريع الثقافة كمشروع الدكتور غالي شكري وغيرها لم نر ضرورةً لذكرها.

[10] يقول أمير الشعراء شوقي في مِثْل هؤلاء الدعاة المجددين:

لاَ تَحْذُ حَذْوَ عِصَابَةٍ مَفْتُونَةٍ
يَجِدُونَ كُلَّ قَدِيمِ أَمْرٍ مُنْكَرَا
وَلَوِ اسْتَطَاعُوا فِي الْمَجَامِعِ أَنْكَرُوا
مَنْ مَاتَ مِنْ آبَائِهِمْ أَوْ عُمِّرَا
مِنْ كُلِّ سَاعٍ فِي الْقَدِيمِ وَهَدْمِهِ
وَإِذَا تَقَدَّمَ لِلْبِنَايَةِ قَصَّرَا.

 

 

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع محمد أركون من خلال إنتاجه وفكره (2)
  • محمد أركون.. ومأزق البحث الوجودي
  • رحيل أركون.. هل فقدنا حقا مفكرا إسلاميا؟!
  • تجربتي مع أركون
  • من أعلام الفكر المعاصر.. الدكتور محمد عبدالله دراز
  • محمد أركون و"علمنة" الإسلام
  • كلمة في رحيل الدكتور شفيق البيطار

مختارات من الشبكة

  • الفكر الأخلاقي والدراسات المعاصرة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دراسة الجدوى من منظور اقتصادي(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الدراسة المصطلحية: المفهوم والمنهج لمحمد أزهري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جهود الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة في كتابه "دراسات لأسلوب القرآن" - دراسة وتحليل(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثانية: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • دراسة الأسانيد إصدار مركز إحسان لدراسات السيرة النبوية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ‏حكم الدراسة الأكاديمية ‏في أقسام التأمين لغرض الوظيفة : دراسة فقهية تأصيلية (PDF)(كتاب - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • فتح مكة: دراسة دعوية (خاتمة الدراسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبحاث ودراسات الندوة التي أقامها المركز بالشراكة مع كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بجامعة القصيم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ملخص دراسة: التغرير في النكاح ( دراسة فقهية مقارنة )(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)

 


تعليقات الزوار
7- نفع الله بعلمك
اشراقة فكر - المملكة العربية السعودية 08-04-2013 07:39 AM

أسأل الله أن يعيننا عن الذود والدفاع عن دين الله

6- الاسلام عامل قوة
الدكتور حاتم النطاح الدليمي - iraq 01-05-2012 03:10 PM

الإسلام عامل قوة للمجتمعات وليس عامل ضعف وفتنة. إذا استغلت مفاهيمه بالطريقة الصحيحة.
ونظريات عودة الأفكار الإسلامية هي طبيعية ردا على تدخل خارجي أجنبي واحتلال القدس من دوله ترفع راية الدين.
وكذلك كلما دخل احتلال وتدخل جديد للمنطقة الإسلامية ازداد حب العودة إلى الإسلام. فهي صفه للمسلمين لا جيشا للتحرير بدون الراية
الإسلامية.

5- السيميائية والقرآن
سليمة ضياء - الجزائر 10-10-2010 09:58 PM

لقد كان موضوع مذكرة الماجستير " أسماء سور القرآن الكريم مقاربة سيميائية لإسم سورة البقرة و المعوذات " وأثناء مناقشة الموضوع رفض رئيس اللجنة أن نطبق السيميائية على النص القرآني ، فما رأيكم أنتم في هذا الموضوع بما أن محمد أركون من المناصرين لهذا الاتجاه في دراسة القرآن و أرغب ان أكمل دراسته في الدكتوراه

4- حوار مع علماني يحب أركون ؟
محمد بن عمر - تونس 18-09-2010 12:37 PM

حوار مع علماني/ــة/.... ؟؟
قوانين القرآن هي التي تحكم العالم رغم أنوف العلمانيين ؟
تقول العلمانية ، حنان بكير :"ولو كان الأخ "نادر" حقا مؤمنا، لعرف أن لا علاقة للموت أو المرض، بالإيمان أو الإلحاد..؟
و أنا أقول : كيف لا علاقة للمرض بالإيمان أو بالإلحاد و قوانين الله الأزلية التي يسير بها كونه و جميع مخلوقاته في الحياة الدنيا إنما تقضي ب" و ما أصابكم من مصيبة فبماكسبت ك س ب ت - أيديكم .. و يعفو عن كثير .. صدق الله العظيم .. و هذه الأمراض التي مات بها كل من أركون و الجابري -- من أكبر المصائب التي تصيب المعرضين عن نور الله و قوانينه ... ؟؟- هذا هو العمى الفكري الذي يجعلكم أنتم العلمانيون لا تبصرون حقائق التاريخ و الواقع ... ؟ و بالتالي تتخذون موقف الإعراض عن شريعة الله و قوانينه المفصلة في الذكر الحكيم ، و تقترحون قوانين ظالمة عمياء عمى بصيرتكم تؤلهون ، بها المستبدين و المجرمين من السلاطين ، ثم تتباكون على أعتاب هؤلاء المتألهين إذا ما جاهروا بالظلم و الفساد ..؟
و علمانيتكم هي التي تدفعهم للظلم و الاستبداد و الإجرام في حق شعوبهم . . لو كانت قوانينكم الوضعية تحكم العالم لفسد الكون و الحياة منذ زمن بعيد .. لكن قوانين الله و شريعته هي التي تحكم الكون و جميع المخلوقات رغم أنوفكم و جهلكم بها و تنكركم لقوانين الفطرة التي فطر الله الكون و الحياة عليها لا تبديل لخلق الله ..... و حتما ستموتون كما يموت سائر المعرضين عن ذكر الله بطاعون أو مرض مزمن كما يموت كل الحكام المجرمين... فأنتم ركائز حكمهم في الدنيا و سيتبرؤون منكم يوم يقف الناس بين يدي الله للحساب على ما اقترفت أيديهم ...
أجابني أحد مجانين العلمانية :
"هذا الكلام تردده في كل تعليقاتك و مواضيعك. و هذا التعليق بالذات جعلته موضوعا في مدونتك تحت عنوان: " قوانين القرآن هي التي تحكم العالم رغم أنوف العلمانيين ؟ ". هذه ملاحظة فقط قد لا تكون مهمة لكني أسجلها هنا لأنك تذكر بالاسم مدونة محترمة علقت على موضوعي أعلاه فكان تعليقك بمثابة رد عليها.
ماهي قوانين القرآن التي تتحدث عنها؟ و أي تشريع إلهي تتكلم عنه باستمرار؟.
أنت ترفض كل الأفكار و تناقش الجميع بنفس الأسلوب.
و لا تخلو كلمة علمانية من كل كتاباتك.
الاجتهاد أمر مطلوب و مرغوب فيه في كل التشريعات و الأنظمة. و أركون أو الجابري و غيرهما حاولا من خلال أبحاثهما في التراث الديني أن يكسرا حاجز الصمت حول هذا الموضوع. فقد ظل العقل الإسلامي رهين قراءة أحادية تمتد إلى القرون الوسطى. و كل محاولة لتحديث الخطاب و تحقيق مقولة " الإسلام صالح لكل مكان و زمان" تلقى نفس ردود الفعل التي عبرت عنها في تعليقك أعلاه. مع تحياتي.
و كان جوابي :
لما خلق الله الكون ضبط قوانين محددة لكل المخلوقات .. فوضع للكواكب مدارات محددة بدقة متناهية تسير فيها ... و هذا معنى قوله تعالى : " و كل في فلك يسبحون " كما وضع" لعالم النحل" قوانين مضبوطة يسير النحل طبقها لتأدية مهامه في إنتاج العسل حتى ينتفع به بنو آدم ... و هذا معنى قوله تعالى :" و إذ أوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا .. لاحظ : "أوحى" في هذه الآية " مما يذكر بمفهوم الوحي الذي هو "آيات بينات" ... فالنحل هنا قد أوحى الله إليه ليس بمعنى أنه أنزل إليه كلاما بل يعني أن الله قد خلق النحل و فطره ليسير طبق القانون الإلهي للقيام بالمهمة الموكولة إليه في هذه الحياة الدنيا ... و لا قدرة للنحل للخروج عن القوانين التي فطره الله عليها للحياة والتكاثر و الأكل و إنتاج العسل ... أما الإنسان فقد فطره الله ليسير طبق قوانين معينة تلائمه تماما لأداء مهمة الخلافة في الأرض الموكولة إليه من قبل الله عز وجل ... و تلائم جميع حاجياته ... : "كميل الرجل للمرأة فطريا لقضاء الوطر ..... إلا أنه غالبا ما يحيد عن فطرته هذه و ميله الطبيعي للأنثى و يقضي وتره بالعادة السرية.. أو أن يتزوج مثليا... أو يقضي وتره مع حيوان ... كما هو منتشر في شمال إفريقيا ...
إن قضاء الوطر بطريقة فطرية تبعا لما أوحاه الله في البشر- خلقه عليه- و للبشر – الكتب السماوية- تضمن للإنسان حياة إنسانية كريمة لا تشوبها الشوائب ... فيسلم عقله و بدنه وتسلم روحه من أي أدران يمكن أن تكدر صفوها و يعيش الإنسان متزنا بدنيا و نفسيا حتى يلاقي ربه بقلب سليم ، فتتواصل سلامته البدنية و النفسية و طمأنينته كما في الحياة الدنيا التي ناضل من أجل تحقيقها .. لكن في جنة عرضها السماوات و الأرض ...
لقد اختار العقل البشري بعد أن استطاع صنع السيارة أن يعبد - يوعبد بضم الياء - لها الطريق الذي يناسب سيرها و يحافظ على قدرتها في أداء مهمتها للسفر و حمل المتاع و السياحة ... و سن قوانين الطرقات بغاية الحفاظ على النظام بين مستعملي الطريق... فماذا ستقول أنت عن إنسان يملك سيارة جديدة ، يترك الطريق المعبد ليسير بسيارته في طريق غير معبد و مخالفا لكل قوانين الطرقات ؟
حتما ستقول أن هذا الإنسان غير عاقل أو مجنون ؟
هذا ما أنظر به إليكم أنا أنتم العلمانيين ... عندما تتركون قوانين الله في تنظيم الأسرة و تنظيم المجتمع و العقوبات كقطع يد السارق و جلد الزاني أو نفي المحاربين لدين الله بالفكر أمثالكم ؟ كذلك المنفي في ألمانيا كالكلب يعوي ليل مساء...؟
أنا أنظر إليكم على أنكم مجانين و أعداء لأنفسكم و للبشرية جمعاء ... هذا من الناحية الدينية ..
أما من الناحية الحضارية فحسب الدراسة التي قمت بها منذ زمن تحت عنوان : نحو بناء حضارة إسلامية بديلة عن الحضارة الغربية المتوحشة – راجع هذه الدراسة في كل مدوناتي و خاصة مدونتي ترائي لي أن ما يسمون "بزعماء الإصلاح " – وهم جلهم علمانيين - هم من ساهم في قبر الحضارة الإسلامية و لا يزالون يساهمون في تكريس التخلف الحضاري لأمتنا الإسلامية بما يلقونه من شبهات حول الإسلام الذي كان سببا في رقي الأمة الإسلامية و عزتها على مر العصور ؟ ما جعلني أنقم عليهم نقمتي على الحكام المستبدين و رجال الدين الأفاقين ؟
أما عن رفضي لكل الأفكار فهذا غير صحيح مطلقا و أكبر دليل هو دفاعي عن فكرة الأخ نادر الذي هاجمته "حنان بكير" بكل قسوة و جهل ..؟
أما الإجتهاد فمطلوب للرقي بالحياة المدنية عسكريا واقتصاديا و صناعيا و اجتماعيا و علميا ... دون المس بكتاب الله المقدس و مبادئه السمحة ... التي هي أصل كل تقدم و ازدهار .
دمت لعلمانيتك لأني أعلم أن حوار العقل لا ينفع مع العلمانيين لأنهم قوم لا يعقلون .
محمد بن عمر – تونس
18/09/2009

3- وجهة نظر
حمزة طالبي - الجزائر 25-06-2008 04:31 PM
ان جميع المشاريع النهضوية التى قدمها رواد الفكر العربي المعاصر من دعاة العلمانية والحداثة إلى دعاة الموروث الثقافي مرورا بدعاة التوفيق الحداثي والتراثي ...لم يكتب لها ان ترى الانوار على الصعيد الفكري والاجتماعي والسياسي...على الرغم من انها تتمحور معظمها حول فكرة (لنتقدم فالعولمة حرب مفبركة).لان الوعي الجماهيري غائبة تمامافي بعض الاقطار العربية على غرار بعض البلدان العربية التي لم يبلغ فيها الوعي الجمعي مرحلة تقبل الافكار بطريقة جدية وبصدر رحب .فمن يضيق بنفسه ويحتقرذاته يستحيل ان ينفتح عقله على الاخر ... كما لا يخفى على احد تلك المقولة الارسطية التى جاء فيها ما نصه *اذا لم تكن السياسة هي كل شيئ فهي في كل شيئ*...فجميع هذه العوائق الصادرة عن قصد هي السبب في فشل الاطروحات الاركونية والجابرية ... فلنردد جميعاهذه الكلمات*الحوار الفكري...مشاريع نهضوية*
2- تنبيه
محمد بريش - الإمارات 10-11-2007 08:10 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هذه الورقات التي تفضل الإخوة بإعادة نشرها حررت سنة 1985 ميلادية، وكنت وقتها في عز الشباب، كانت الغاية منها الوقوف في وجه تيار يريد أن يحد من بلورة شعب الدراسات الإسلامية حديثة النشأة في الجامعات بالمغرب، وكانت جهات متعددة منها المسيحي وغيره تبحث عن من يمكنها من تلميع ونشر بعض الأفكار الموجهة، وتحتاج في ذلك إلى جنود وفرسان، لعل الأستاذ محمد أركون كان أحد من وقع عليه الاختيار ليكون أحدها. إذ الملاحظ من فجاءة نمو نشاطه على أصعدة متعددة بعالمنا العربي الإسلامي، ولمعان إعلامي مصاحب له لافت للنظر، أن الأستاذ قد امتطى الفرس المسرج له من منبر السربون لإنجاز بعض المهام هي في الأساس فكرية، لكنها بفضل ما حشد لها من وسائل وترويج أضحت إيديولوجية، وخرجت عن إطارها الأكاديمي.

وازداد الأمر لدي إلحاحا لما علمت أن عددا من الأساتذة يرغبون في تسجيل أطروحة الدكتوراه بإشراف الأستاذ الفاضل لمجرد الحظوة بمباركة الجهات التي تدعمه، والسبق بتزعم مناصب مرتقبة في الساحة الفكرية والثقافية الإسلامية.

وكما هو شأني فإنني لا أخوض في موضوع حتى أستوفيه جانبا هاما من حقه في البحث والتنقيب؛ فعمدت إلى كتب د. أركون أقرأها في نصوصها الأصلية، وأعود إلى قراءة ما ترجم منها فأجد العجب العجاب، وكم ظلم الرجل ممن ترجموا له، وكم ركب المفتقرون لفرسان مثله لمواجهة تيارات يعادونها على ظهره لقضاء مآرب شتى لا علاقة لها بالفكر النقدي ولا بالتحليل التاريخي.

كما أنني انتقلت إلى الجهات التي نشط بها الأستاذ الكريم، وحضرت دروسه بالسربون، وسألت من عاشره من أهل بلدته وقريته، واستجوبت الرهبان الذين كانوا يستضيفونه في بعض محاضراته، وتابعت بكل ما أوتيت من وسع مقالاته وحواراته في العديد من الدوريات والمجلات، ثم بعد ذلك حاولت التجرد من المواقف الجاهزة وجعلت د, محمد أركون يعرفنا بنوع من التفصيل عن البوفيسور أركون محمد.

وبدأ نشر المقالات في مجلة "الهدى" التي كنت أرأس تحريرها على مدى خمسة أعداد، ثم توقف لسببين :

الأول : كاتبني الأستاذ الفاضل راغبا في الاطلاع على المقالات المنشورة، وأنه مستعد للتراجع عن كل ما يمكن أن يسيئ إلى الإسلام أو يفهم منه ذلك. فما كان لي أن أنسب له شيئا من الفكر لم يعد يتبناه، فليس لذلك من فائدة في بلورة الفكر وتطوير النقد.

الثاني : أنني كنت أهدف أساسا بذلك النقد إلى نشر نوع من الفكر التحليلي وإحياء مدرسة الحوار الثقافي داخل الحقل الإسلامي، دون تجريح ولا تكفير، رغم حداثة سني وقتئذ. وسرت في ذلك مثل من يرى أن مرشحا إيديولوجيا يريد أن ينبري لمجلس نيابي أو استشاري بدعوى خدمة الناس، فيقوم بحملة مضادة لمنع ترشيحه في إطار جو انتخابي نزيه، حتى إذا ما لاحظ أن البعض يريد أن يسعى للنيل من سمعة المنتخب وليس فقط الاكتفاء بعدم تزكية ترشيحه، انسحب حتى لا يخرج عن الإطار العلمي والثقافي الذي حدده لنفسه، ولهذا لم تنشرت الأركونيات ولا النقد التفصيلي للمشروع الأركوني.

ذلك، وهناك دواع ودوافع أخرى كانت وراء ذلك البحث، أهمها إجراء حفريات معرفية في العقل العلماني، وخاصة في جذوره المسيحية. وليس هذا مجال البسط في ذلك.

فالذي أنصح به القارئ أيا كان أن يلتزم بضوابط العلم والموضوعية في إطار من الاحترام والتقدير مهما كانت أفكار الباحثأو المثقف صاحب الفكرة موضوع النقد. وليستحضر دائما قول الله عز وجل، والعبرة فيه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : "لا تدري! لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا"..

وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد بريش
1- أستاذ كبير ومفكر عميق ..
سعد بن مطر العتيبي - السعودية 09-10-2007 01:51 PM
الأستاذ محمد بريش حفظه الله رجل كبير لا يعرفه كثيرون ، له عناية كبيرة بالحراك الثقافي و استشراف المستقبل ، وله فيه كتابات ، وكذا العلم الشرعي وإن لم يكتب فيه على حد علمي ، نسأل الله تعالى لنا وله الثبات على الحق ونفع الخلق ..

والأستاذ محمد بريش من أوائل من فنّدوا طروحات المدرسة الفرنسية في الصدّ عن الإسلام ، تلك المدرسة التي استصنعت أشخاصا من أمثال أركون ومن يقدسونه ، من خلال كتاباته في مجلة الهدى ..

نتمنى من أستاذنا الكبير أن يذكر لنا شيئا من حواراته الشخصية مع أركون وجها لوجه ، فلدى أستاذنا من خبره ما يحسن إيراده ..

وإذا لم ير أستاذنا أن ينشر ذلك فلا أقل من أن يدونه لله ثم للتاريخ ..
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب