• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم / خطب منبرية
علامة باركود

الثبات على دين الله (خطبة)

الثبات على دين الله (خطبة)
الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/5/2023 ميلادي - 17/10/1444 هجري

الزيارات: 15532

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثبات على دين الله

 

• المقدمة، والوصية بالتقوى.


أيها الإخوة المؤمنون، لقد أمر الله عز وجل بالتذكير؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، وقال سبحانه وتعالى ﴿ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ﴾ [الذاريات:55] وقال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴾ [الأعلى: 9 - 13]، هكذا أمر الله عز وجل بالتذكير، والتذكير ليس بالتعليم، أو ليس بالدلالة على أمر جديد، وإنما أن يُذكَّر المؤمن بأمر هو يعرفه، ومن ثَمَّ فإن التكرار في بعض المواضع من باب التذكير أمرٌ مطلوب، ومأمور به إذا كان الوضع والحال يقتضيه، وهناك أمور مهمة في جميع الأحوال يجب ألَّا يَمَلَّ الناس من تكرارها والتذكير بها بأساليبَ متنوعة؛ لأن نسيانها والغفلة عنها تجر إلى مصائبَ ومآسٍ في حق الشخص والجماعة، وتمر بالناس أوقات وأحوال تجعل الحاجة إلى التذكير ببعض هذه الأمور المعروفة واجبًا مؤكدًا وملحًّا إلحاحًا شديدًا، ومن تلك القضايا التي يجب بين فينة وأخرى أن يُذكَّر بها الناس الثباتُ على دين الله، الثبات على المبادئ، وعلى الأخلاق الفاضلة، والقيم النبيلة، وعدم التزلزل والانحراف عنها؛ فالله عز وجل أمر بالاستقامة، وأمر بالثبات على شرعه ودينه وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيُذكَّر بهذا المبدأ العظيم حينما تكون الأيام والأحوال تضرب وتمتلئ بالفتن، وتختلط فيها المفاهيم، ويسعى فيها دعاة الشر والفتنة كلٌّ يدعو إلى طريقه ومبدئه، وحزبه وطائفته وطريقته، هنا يجب أن يُذكَّر الناس بالثبات على دين الله عز وجل، وهذه الأيام التي نعيشها نخشى أن تكون من تلك الأيام والأحوال التي تمر بنا، نخشى أن ينطبق على هذه الأيام والأحوال قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا؛ يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا قليل))؛ [رواه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، فكم رأينا من تحولات، وشاهدنا من انتكاسات، وفُوجِئنا بتقلبات ما كانت تخطر بالبال، ومن أناس أيضًا ما كان يُظَنُّ أبدًا أن يحصل لهم ذلك الانحراف والسقوط في مهاوي الفتنة! فوجب على كل واحد منا أن يخاف على نفسه، وأن يبحث عن أسباب الثبات والنجاة، وأن يُلِحَّ في دعائه لربه سبحانه أن يثبته على الحق، ويُكْثِرَ من الدعاء المأثور الصحيح؛ الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نقوله في سجودنا: ((يا مقلب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك))، وأن يتدبر أيضًا الدعاء العظيم الذي نقوله جميعًا، دعاء كلنا ندعو به في كل ركعة من ركعات صلاتنا؛ هو قولنا في آخر الفاتحة: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، نعم هذا الدعاء كلنا يقوله، ولكن من الذي يعرف أنه دعاء؟! نسأل أنفسنا نحن دائمًا نقول: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، لكن على أي وجه نقوله؟ وبأي نية وقصد نقوله؟ هو قرآن؟ نعم، نحن نقرأ القرآن، ولكن هذا قرآن متضمن لدعاء يجب أن يكون في قلوبنا أننا ندعو الله عز وجل به، ونرجو إجابته سبحانه وتعالى، إن الغالبية العظمى من الناس يقولونه تقليدًا دون معرفة بحقيقته، ودون قصد لتحقيقه، وقد قرر الله عز وجل في الحديث القدسي أنه دعاء، وأنه يعطي للداعِين به ما سألوا؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه سبحانه وتعالى: ((أن العبد إذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))؛ أي: أنا أعطيه هذا السؤال، وأجيب له هذه الدعوة، وله ما سأل غيرها أيضًا من الدعوات؛ ولذلك نختم الفاتحة بما يُختَم به الدعاء؛ فنقول: آمين، بعدما نقول هذا الكلام، فالهداية إلى الصراط المستقيم حقيقتها الثبات على الحق، وعدم الانحراف عنه، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتلك الاستقامة؛ فقال مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين اتبعوه من عصره إلى يوم الدين: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، فتأملوا كيف أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة؛ أي: التمسك بالحق والثبات عليه، وهو سيد المستقيمين؟ لأن الأصل الذي تقوم عليه رسالته هو الاستقامة والثبات، ورفض كل أشكال الاضطراب والتناقض والانحراف عن الجادة، وكما هو أصل للرسالة والدعوة، هو أيضًا أصل للديانة والسلوك الشخصي لكل مسلم؛ ولذلك قرن الله تعالى في هذا الأمر بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه أي عموم المؤمنين، وكل واحد منا يطمع أن يكون من أولئك المؤمنين الذين تابوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل واحد من المسلمين المتقدمين والمتأخرين مخاطبين بهذا الخطاب: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾ [هود: 112]؛ أي: ويستقيم المؤمنون الذين تابوا معك، كما أُمروا ولا يطغوا، فعلينا أن نسأل الله هذه الاستقامة، وأن نحققها في أنفسنا؛ فنستقيم على أمر الله في كل أحوالنا، وفي مواجهة جميع الظروف؛ من شدة ورخاء، وخوف ورجاء، وأمام العوائق والمغريات في جميع ذلك، علينا أن نستقيم على أمر الله، فلا ننحرف عنه، ولا نساوم عليه؛ ولما كان المتبادر إلى الذهن أن الله يحذِّر من التقصير والتفريط في الدين، أكد الله ما يقابل ذلك، وهو ما قد يغفُلُ عنه الإنسان ولا يظنه مقصودًا بالاستقامة؛ وهو الغلو الذي يزين الشيطان لكثير من الناس أنه مما يحبه الله؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَطْغَوْا ﴾ [هود: 112]؛ أي: ولا تتعدوا، ولا تتجاوزوا، ولا تغلوا في أموركم؛ أي: لا تفرطوا، لا تتهاونوا، ولا تغلوا في شيء من الأمر، واستقم، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وفي أيام المحن والابتلاءات يحصل الانحراف عن الصراط المستقيم؛ إما بالتفريط، وإما بالإفراط، فعند أول محنة كبيرة مرت بالمؤمنين بعد إكمال دينهم وتمام نعمة الله تعالى عليهم؛ ألَا وهي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - حصلت الردة عن الإسلام من أكثر قبائل العرب وبلدان العرب، غير مكة والمدينة والطائف، كما هو معلوم في السيرة، حصل هذا الابتلاء والانحراف والتفريط في الاستقامة على دين الله، انتفى الثبات عن أولئك الذين ارتدوا وأعقبه الانحراف، وأي انحراف أكبر من أن يرتد الإنسان عن دينه، وعند المحنة الثانية بعد ذلك، عندما حصل القتال بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزعَّم عليٌّ رضي الله عنه فريقًا، والفريق الآخر معاوية رضي الله عنه أيضًا، حصل فتنة كلها في باب الغلو، تلك الردة في باب الجفاء، وهذه الردة في باب الغلو، فالخوارج خرجوا على عليٍّ ومعاوية وسائر الصحابة في أثناء المحنة، وفي أثناء الفتنة والاقتتال بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نمت بذور الرفض والتشيع بدءًا من تلك المحنة، وكلتا الطائفتين من الغُلاة كما هو معلوم للجميع، ففي المحن تحصل الانحرافات ويحصل التزلزل، تتزلزل الأقدام، وينتهي الثبات، ويذهب اليقين، وتعقبه الشكوك والشبهات، وينجرف فِئام من الناس عن الجادة، نسأل الله ألَّا يجعلنا وإياكم منهم، وفي محنتنا التي نمر بها يبدو أن النوعين من الفتنة حاضران، ففتنة التخلي عن بعض أصول الدين ومسلماته حاضرة يقوم بها بعض من الناس اتباعًا لأسيادهم الغربيين، ويجاهرون بذلك، ويناضلون عليه، ويتخذون كافة الوسائل لغرسه في مجتمعنا وترسيخه، وفتنة الغلو والإفراط حاضرة كذلك، فللحوثية وجه من أوجه الغلو المذموم، ولها فكرها ومنهجها الغالي الذي تقاتل لفرضه على المجتمع، وتتخذ سائر الوسائل المؤدية إلى ذلك، والقاعدة وما يتفرع عنها لها فكرها أيضًا ومنهجها الغالي، وهي كما تسمعون تقاتل عليه، وتعمل بكل وسيلة على فرضه على الناس، وفي أوساط المجتمع أفراد وفئات غيَّرت وبدَّلت، وباعت القيم، وخانت الأمة، وحطمت المبادئ، كل ذلك لأجل عرض من الدنيا قليل، وعود كاذبة بمناصبَ ووجاهات، وحَفنات حقيرة من المال، وحطام الدنيا الزائل، هذه نتائج الفتن، وتلك ثمارها المُرَّة، فأين أنت يا عبدالله من هذه الفتن؟ أين أنت من تلك التقلبات والتغيرات الخطيرة؟ هل أنت ممن قال الله فيهم: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، أسأل الله أن أكون وإياكم وسائر المسلمين على هذا المبدأ، ومن هؤلاء الرجال الذين مدحهم الله عز وجل، أن نكون بعيدين - والعياذ بالله - من الذين قال الله عنهم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]، وممن قال الله فيهم: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 143]، إن أعظم ما يتصف به المؤمن في هذه الأحوال هو الثبات والاستقامة؛ ولذلك كان دعاء الصالحين الصادقين عند اشتداد الخطوب ونزول الكروب: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، ونحن نقول ذلك ونكرره؛ تضرعًا إلى الله عز وجل، ورجاءَ أن يستجيب لنا، وأن يثبتنا فنقول: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

• المقدمة والوصية بالتقوى.

 

أيها الإخوة الكرام: إذا علمتم أن أعظم مطلب يسعى إليه المؤمن هذه الأيام هو الثبات على الحق، فاعلموا أن للثبات على الحق أسبابًا، فعلينا أن نسعى في تحصيلها؛ منها: الإخلاص لله عز وجل، وصدق النية، وإرادة وجه الله في كل تصرف يتصرفه الإنسان، ومجاهدة النفس على ذلك، فحينما يكون الإنسان مخلصًا فلا يُخشى عليه، إنما يُخشى على من اختلطت نيته وأصاب الدَّخَنُ قصده ووجهته، ذاك الذي يُخشى عليه، نسأل الله ألَّا يجعل أحدًا منا من أولئك المدخولين المغشوشين؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]، وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

 

السبب الثاني: القناعة الراسخة بما عليه الإنسان من منهج، وعدم التشكك فيه؛ أي إن الإنسان يسير على طريق ومنهج يجب أن يكون راسخًا في هذا الطريق، وموقنًا بهذا المنهج، وغير متشكك فيه، وليس عنده مجال أن يتخلى عنه، إذا رُميت عليه الفتن، وغاب في غياهب الظلمات والمحن؛ فيثبت على ذلك، مهما بلغت الأثمان، وكانت التَّبِعات والتضحيات؛ فذاك الذي يثبته الله عز وجل، فالقناعة الراسخة بما عليه الإنسان من منهج صحيح وعدم التشكك فيه سبب في الثبات عليه؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاء قومه يعرضون عليه العروض السخية ليتنازل عن مبدئه، وعن دينه ورسالته التي بعثه الله بها؛ قال - وهذه رواية صحيحة وهناك رواية أخرى دائرة على ألسن الناس ولكنْ فيها ضعف - قال: ((والله لو قبسوا لي من الشمس قبسة على أن أدَعَ هذا الدين ما تركتُهُ، أو أن تنفرط سالفتي))، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، معنى ذلك أنه آمن بهذا المبدأ، وأيقن به، فمهما جاؤوا بالترغيب أو جاؤوا بالترهيب، فلن يؤثِّروا فيه، وذلك أبعد من أن يأخذ الإنسان قبسة من الشمس، تصوروا هل يقدر إنسان أن يأخذ شيء من الشمس؟ لا يستطيع أحد، فلذلك المؤمن الموقن يكون استحالة تزلزله وانحرافه عن مبدئه، كاستحالة أن يأخذ الإنسان قبسة من الشمس.

 

السبب الثالث من أسباب الاستقامة والثبات: الاعتدال والواقعية والتوازن في حال الإنسان وتفكيره، حينما يكون على منهج وسط، ويكون معتدلًا في أفكاره وفي أحكامه وتصوراته، بل في أموره كلها، فهذا الذي يسير ويستمر في السير، لا ينحرف يمينًا ولا شمالًا، أما إن كان غاليًا منحرفًا إلى جهة من التطرف؛ تطرف الارتخاء، أو تطرف الغلو، فإن ذلك جدير أن يتذبذب، وكما تلاحظون إذا اختل توازن السيارة في الطريق، فإنها تذهب من هذا الطرف إلى ذلك الطرف، لا تبقى مستقيمة، متى يكون هذا؟ عند السرعة القصوى، والاعتدال في السير، وكذلك عدم الاعتدال في السير إلى الله يُورِث هذا التذبذب والانفراط والاختلال في التوازن؛ فينحرف الإنسان، أسأل الله أن يعيذني وإياكم.

 

أما السبب الرابع: فالتيسير، التيسير المنضبط بضوابط شرع الله عز وجل؛ ((إن هذا الدين يُسرٌ، ولن يشادَّ أحد الدين إلا غلبه))، لكن إلى أي مدى هو يسر؟ يسر في حدود ما أذِن به الله سبحانه وتعالى، وفي حدود ما ضبطته الضوابط والقواعد الشرعية، وما قرره علماء الإسلام، ليس يسرًا بهوى الإنسان، فيترك الصلاة ويقول: الدين يسر، يفعل المنكر ويقول: الدين يسر، ويوالي أعداء الله ويقول: الدين يسر، لا، لكنَّ اليسر الصحيح المنضبطُ بضوابط الشرع، والشرع كله يسر؛ فإن ذلك يعصم من الانحراف، كذلك البعد عن التقليد الأعمى، والتحزب المقِيت، والعصبية الجاهلية بأنواعها، هذا يعصم من الانحراف؛ لأن المتعصب والمتحزب يتبع إخوانه وحزبه، يتبع قبيلته والهوى الذي انطلق منه، عند ذلك لا يثبت على المبدأ، فيسير معهم حيث ساروا على مبدأ العرب القائل:

وهل أنا إلا من غَزِيَّة إن غَوَتْ
غويتُ وإن ترْشُد غزية أرشدِ

لا الإنسان يتجرد لله عز وجل، لا بأس أن يكون مع جماعة، وأن يكون مع حزب، لا بأس أن يكون له رأي، لكن لا يتعصب له تعصبًا يجعله يرد الحق، أو يقبل الباطل من أجل ذلك.

 

أيضًا الرجوع إلى أهل العلم والفضل والخبرة، عندما لا يكون الإنسان عالمًا، أما العلم، فهو أقوى العواصم العاصمة من الوقوع في الانحراف، لكن حينما يكون الإنسان ليس له علم، فالرجوع إلى من أمر الله بالرجوع إليهم يعصمه من ذلك؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83].

 

وكذلك يتشاور الناس فيما بينهم؛ كما وصف الله هذه الأمة: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يسير في طريق لا يُرضي الله؛ قال الله عز وجل له: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].

 

ومن أسباب الثبات أن يعلم الإنسان ويكون عنده بصيرة يدرك أن الطريق ليست معبَّدة بالورود، وليست سهلة، لكن فيها العقبات والأشواك، وفيها المطبات وكل ما يؤذي، فإذا الإنسان أيقن بذلك، فإنه يصبر على هذه الطريق، وتأملوا الإنسان المسافر الذي يعرف الطريق الذي يسير فيه، ويعرف ما فيه من مضايقات ومن معوِّقات، فإنه يسير وهو موقن، ولا يرجع عن هذا الطريق، لكن الإنسان الذي لا يعرف الطريق، يتخبط فإذا بهذا الطريق فيه الحفر والعقبات التي لا يستطيعها، عند ذلك يفاجَأ؛ فتخور قواه، ثم يرجع وينتكس، ولا ينقص ولا يصل إلى هدفه.

 

أيضًا الاستعداد للتضحية في سبيل هذا المبدأ الذي يحمله الإنسان، فالإنسان لا يمكن أن يؤمن بمبدأ ويعمل بكل ما في وسعه لتحقيقه، ثم لا يُطلَب منه أن يكون لديه تضحية في سبيل هذا المبدأ، فلا بد أن يكون لديه مبدأ أنه مستعد للتضحية في سبيل ما يؤمن به.

 

وكذلك اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وسؤال التثبيت في الأمر؛ فإنه من أعظم العواصم أن الإنسان لا يتكل على نفسه، ولا على علمه، ولا قوته، ولا على إرادته، ولا أي شيء، وإنما يتكل على الله، ويطلب منه الثبات، فهو الذي يثبت من شاء، ويُضل من يشاء، ويهدي من يشاء، فنسأل الله دائمًا أن يثبتنا، وأن يهدينا إلى أقوم سبيل، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الحق، ولا يزيغ قلوبنا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أسباب الثبات على دين الله (خطبة)
  • السعادة لأهل الثبات (طوبى للغرباء)

مختارات من الشبكة

  • الثبات على الدين (2) الطريق إلى الثبات (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الثبات... الثبات...(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات الثبات عباد الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا مسلمي أوربا: الثبات الثبات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الثبات على الدين (3) ثبات الرسل عليهم السلام(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الثبات والمرونة في الدعوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة الثبات على الدين(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الثبات على الدين وأسبابه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الثبات على الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات على الدين ( خطبة )(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب