• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (1 : 16)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2011 ميلادي - 22/6/1432 هجري

الزيارات: 291348

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة (1)

[1 : 16]


تقدم الكلام على (بسم الله الرحمن الرحيم) بما يشفي ويكفي - إن شاء الله - ولنا زيادة كلام على الاسمين العظيمين: الرحمن الرحيم عند الوصول إلى الآية (163) ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾.

أما قوله تعالى: ﴿ الم ﴾ [1] فهي من إعجاز القرآن المجيد، كما ذكره العلامة ابن القيم في كتابه: (بدائع الفوائد).

ونبهنا إلى أرقام حسابية في كل سورة ابتدأها بحروف مقطعة، مما قرره بعض الدكاترة العلميين في هذا الزمان، وحسبه بعضهم فتحاً فتح عليه، وهو في الحقيقة مسبوق منذ قرون بعيدة إلى مثله.

 

وقد تكلمت على هذه الحروف في سورة يوسف، وذكرت ما استحسنته من أقاويل العلماء، ومن أمثلها ما قاله ابن الجوزي في تفسيره عن هذه الحروف: (إنها مألوفة وقت نزول الوحي عند العرب، ولذلك لم يشغبوا بها ولم يستنكروها مع شدة جدالهم في القرآن، واستكبارهم عنه، وعداوتهم له ولمن نزل عليه، ولم يظهر التعجب منها والبحث عنها إلا بعد قرنين فأكثر حيث اختلطت العجمة بألسنة الناس، فأخذوا يتوخون لها معاني، حتى قال بعضهم: إنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه وليس كذلك). هذا كلام ابن الجوزي رحمه الله، والعلامة المودودي وغيرهما، مما لا نطيل بذكره بعد الإحالة عليه.

 

قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ [2].

أي: ذلك الكتاب الذي أنزلناه على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما وعدناه به، إذ قلنا له: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ [المزّمِّل: 5] ذلك الكتاب العربي المبين، المكون من تلك الحروف المبدوءة بها بعض السور، هو كتاب ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ لا يعتريه الشك أبداً من كل منصف سلم قلبه من الضغائن والشبهات.

فكل قلب واع لهذا الكتاب المبارك، متابع له، متدبر ما فيه، ملاحظ معانية - من تقديس الخلاق العظيم، وتقرير أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وإنعامه الشامل على خلقه، وتقرير ألوهيته في السماء والأرض بالمنطق العقلي القاطع لكل جدال بما يذكره من الآيات الكونية والنفسية والآفاقية، وما يضربه من الأمثال، وما يخبر به عن الأمم السابقة البائدة، وما جرى منها، وما أصابها من صنوف النقمة والعذاب، وما يقصه من أخبار الأنبياء، وما يكشفه من دفائن النفس الإسرائيلية الخبيثة خاصة ونفوس البشرية عامة، وما يشرعه من الأحكام التي يشهد لها ألد الأعداء أنها عدل ورحمة، وفي تطبيقها يحصل الأمن والخير والبركة، إلى غير ذلك مما يزيد يقيناً على يقين لا يبقى معه مجال للريب أبداً.

 

فهو كتاب مبارك ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ فمن الضروري انحصار الهداية العامة فيه، ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ حاذفاً المتعلق، لأن حذف المتعلق يشعر التعميم، كما قرره علماء البيان و الأصوليون.

فالله العليم الحكيم قرر هدى القرآن دون أن يقصر هدايته على ناحية من نواحي الحياة، بل جعل تلك الهداية شاملة لجميع شئون الحياة: السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحربية والسلمية، وقد تركزت أصول جميع ذلك وضوابطه فيه.

ولكنه سبحانه قيد تلك الهداية الشاملة بالتقوى التي تحصل بها عمارة الضمير وسلامته ونزاهته وحريته على الوجه الصحيح، ولذا قال سبحانه: ﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [2].

 

وأصل التقوى - في اللغة - مشتق من التوقي: وهو طلب الوقاية مما يضر أو يؤلم، وبما أن كل مخلوق مفطور على التوقي من كل ما يؤلمه أو يضره - حتى إنه يتوقى من حر الشمس ومن ألم البرد باللجوء إلى ظل سقف أو حائط أو شجرة أو مغارة وإلى مواقع الكن والدفء، ولبس ما يقيه - فاقتضت رحمة الله بخلائقه في الأرض- وهم بنو آدم - أن يرشدهم لما يقيهم وقاية حسية ومعنوية مما يضرهم في الدنيا والآخرة نتيجة عصيانهم له، وتجاوزهم حدوده، بتقريره المصير المترتب على ذلك في الدنيا والآخرة، ليأخذوا لأنفسهم وأهليهم وقاية من العذاب، ويبوئوا أنفسهم المنازل العالية في الجنان الباقية، باجتناب ما حرمه الله، والمسارعة فيما يرضيه، فيكونوا من المتقين المنتفعين بهداية القرآن.

وقد حصر الله عناصر التقوى بالإيمان بالغيب وما يتفرع عنه من جلائل الأعمال، فقال جل شأنه: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾.

ذلك لأن الإيمان بالغيب يجعل من ضمير الإنسان رقيباً باطنياً، يراقبه في كل عمل، ويخوفه من عقوبات الله.

 

فالمؤمن بالغيب - على الحقيقة - هو الذي يستشعر دائماً مشاهد يوم القيامة، وكل ما يرى في الدنيا من صنوف اللذات والنعيم يذكر به نعيم الجنة، الذي هو خير منه وأبقى فيبادر إلى الأعمال الصالحة، ويكون إنساناً صالحاً، وكل ما يرى في الدنيا من أصناف الشرور وحر النار، يذكر به عذاب جهنم، وشدة حرها، فيرتدع عن الشهوات، ويكبح نفسه عن جماحها، ولا يطلق لها أنانيتها، من أنواع الطمع والشره في مال أو عرض، أو أي نوع من أنواع التسلط والاغتصاب.

وكلما رأى جسراً أو عبره ذكر الجسر الممدود على متن جهنم - والذي ليس له طريق إلى الجنة إلا بعبوره، وهو جسر أحد من السيف وأدق من الشعرة، لا يعبر بالأحذية والأرجل ولا بوسائط النقل المتطورة، وإنما يعبر بصالح الأعمال وحسن المقاصد.

 

فبتذكره ذلك يكف عن كل ما تحدثه به نفسه مما يخالف حكم الله، ولهذا كان المسلمون المؤمنون الذي تخرجوا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم في مسجد الطين والعريش، منطبعين بالإيمان الصادق بالغيب، المنتفعين انتفاعاً كاملاً بهداية القرآن، فكانوا أصلح الخلق، وأنفع الخلق للخلق، وأرحم الخلق بالخلق، ممتثلين قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، و﴿ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]، ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الشعراء: 183]، ﴿ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴾ [النساء: 135] إلى غير ذلك من الآيات.

 

بخلاف من تأثروا بحب الدنيا فاختلط معينهم، بل على خلاف الماديين الذين شقي أهل الأرض من جراء أنانياتهم، وجروا على الإنسانية ويلات الحروب الفتاكة، والذين بسببهم تجري عدة حروب طاحنة في قرن واحد، كالحربين الماضيتين وغيرهما، وكالحرب المقبلة التي يصنع لها كل سلاح فتاك ستتجرع الإنسانية ويلاته.

كل هذا سببه عبادة المادة، والولوع بالأنانية والشهوات، فإن الإنسان خلق ظلوماً لا يرفعه من جهله، ولا يردعه عن ظلمه إلا التقوى الصحيحة الناشئة عن الإيمان بالغيب، وسيأتي بيان الله لأصناف الناس الثلاثة: المؤمنين، والكافرين، والمنافقين.

وإن الذين يستحقون الأمن في الدنيا والآخرة، ويحصل بسببهم الآمن في الدنيا، والعدل والرحمة؛ هم المؤمنون.

أما عبادة المادة من الكفار الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوس، ولا هدف لهم سوى المادة والأنانية المسعورة، فإنهم هم الذين تشقى بهم الأرض ويفقد أهلها الأمن والراحة والكرامة والعيشة الراضية.

وبعكس ما يزعمه بعض العلمانيين ممن أبرزته الثقافة الماسونية في ميدان الصحافة في هذا الزمان، حيث زعم - بكل إفك ووقاحة -: أن الدين الذي هو سبيل تأمين ما بعد الحياة قد ذهب بأمن الحياة ذاتها!

وزعمه هذا أقبح المغالطات، وأفحش أنواع الكذب المفضوح، لأن الذي يترسم خطا الدين - طامعاً بتأمين ما بعد الحياة - هو الذي يسعى للحصول على الأمن الصحيح في الدنيا، كي يناله في الآخرة.

 

فالمتقون لله، الواقفون عند حدوده في كل شأن من شئونهم السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحربية، هم الذين يعملون لتحصيل الأمن في الحياة الدنيا، وعلى العكس من يرفض تعاليم الدين ويسلم وجهه لغير الله في كل ما يهواه، فهذا هو الذي يسعى لشقائه وشقاء البشرية بما ينتهجه من ضروب الأنانية وقصر النظر على المادة النفعية كما هي الحال المشاهدة في هذه العصور وما قبلها، فإن جميع الخلافات التي أدت إلى الحروب وفساد القلوب سببها الميل عن الدين إلى الأغراض النفسية المتنوعة التي جنى بعض أهلها على الدين بالتأويل والتحريف لتسويغ خطئه ومقاصده، حيث ضعفت الركيزة الدينية التي هي: الإيمان بالغيب، أو انعدمت.

 

والعجب أن الذين رموا دين لله بما هو منه براء، قد عموا وصموا عن المجازر والحرب الهائلة التي سببها مجرمو الحرب من الشرق والغرب، فهل يعتبرون حروب التتار ومقدماتها الخبيثة والحرب العالمية وحرب القرم قبلها، والمجازر الوحشية في روسيا، والحرب العالمية الثانية التي سببتها النازية، والمخططات الماسونية اليهودية لإقامة الثورات، وبث الإرهاب في الشرق الأوسط.. هل يعتبرون جميع هذا من وبال الدين؟!

أم من وبال الافتيات على الدين وانتهاج الأنانية والنفعية والانتهازية؟ ما أظلمهم! وما أشد جنايتهم على العقول وجراءتهم على الله بهذا الإفك الصريح المفضوح!

ولكن الله غالب على أمره، جعلهم ينادون على أنفسهم بالحماقة والكذب، نداء يقرؤه ويسمعه كل مؤمن.

 

ثم إنه - سبحانه وتعالى - فصل بعض الصفات الرئيسية للمؤمنين بالغيب المنتفعين بالقرآن، الذين لا يجري منهم شر على الأرض، فقال: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ﴾.

لم يقل: يصلون، بل قال: ﴿ وَيُقِيمُونَ ﴾ تمييزاً منه - سبحانه - للصلاة الحقيقية عن الصلاة الصورية.

فالصلاة الحقيقية: صلاة القلب والروح، الصلاة الخاشعة، صلاة القانتين الخاشعين.

والصلاة من آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، لأنها من أعظم روافد العقيدة ودعائم الإيمان، ولهذا تكررت في اليوم خمس مرات، ولم يعذر المسلم بالتخلف عن إقامتها حتى حال المرض والخوف.

والسر العظيم في تكرارها أنها كحمام  روحي لغسل الذنوب وتطهير القلوب، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أرأيتم لو أن نهرًا غمرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا. قال: (فكذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا).

 

ثم إن في الصلاة تجملاً ونظافة، كما قال تعالى: ﴿ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31] ففيها يشرع الستر ويشرع الوضوء، وقد جعل الله في الوضوء كفارة للأعضاء المخصوص غسلها في الضوء، مما تجترحه من الخطايا، لأنها أسرع ما يتحرك في البدن لمخالفة رب العالمين.

ثم إن في الصلاة قوة روحية حيث يتصل صاحبها بالقوة الخفية مراراً عديدة في اليوم والليلة، فتمده هذه القوة الروحية بقوة معنوية يجابه بها المتاعب والصعاب، فيكون شجاعاً مقداماً صبوراً ذا رباطة جأش وصدق عزيمة لا يعرف الانهزامية أبداً، ومع ذلك تورثه قوة خلقية تدفعه إلى فعل الخير، وتصرفه عن فعل الشر.

ومع ما قلناه فإن في إقامتها جماعة مزايا أخرى كبيرة، فإن في المسجد رسالة الجهاد الصحيحة، والتربية العسكرية، فالمسجد خير مؤسسة عسكرية وخير جامعة علمية شعبية، وخير مجتمع ديني ومعهد للتربية الروحية، وفي المسجد يتحقق الإخاء والمساواة والحرية الحقيقية - حرية الضمير العميقة -.

 

فأعظم روافد العقيدة هي الصلاة، ولذا ثنى الله بها في وصف المتقين، ثم ثلث بالزكاة وما يتبعها من حقوق الأموال فقال: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [3].

فيجودون ببذل الزكاة الواجبة، والصدقات المندوبة ونحوها من حقوق المال الذي يعتبر إعطاؤه - مع حبه - من أكبر علامات الإيمان والتقوى، والزكاة هي الركن الثالث في الإسلام، وهي حق لأربابها المذكورين في القرآن، وليست تفضلاً من ذوي الأموال، ولذا كانت المنة فيها من كبائر الذنوب وماحية للثواب.

وفيها طهارة حسية ومعنوية، فهي طهارة لنفس الغنى من الشح البغيض، وطهارة لنفس الفقير من الحسد والضغينة على الأغنياء الكانزين البخلاء.

 

والشح آفة نفسية خطيرة تحدو بصاحبها إلى سفك الدم، أو بذل العرض أو بيع العقيدة وإرخاص الوطن، فلن يفلح من كان الشح سجيته. ومن أوصاف المتقين المؤمنين بالغيب وسماتهم العظيمة أنهم لا يتحيزون لنبي دون نبي من أنبياء الله، لأن هذا كفر من جهة، ومجلبة للطائفية والشقاق من جهة أخرى.

 

لذا قال الله في شأنهم: ﴿ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾.

فإن هذا الإيمان بالأنبياء السابقين هو:

أولاً: من ضرورات الإيمان بالغيب.

وثانياً: إنهم في منزلة واحدة من وجوب الإيمان.

 

فالإيمان بالقرآن يستلزم الإيمان بجميع الكتب السماوية المنزلة من الله على رسله، كما أن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يستلزم الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، وقد أعلن الله كفر من آمن ببعض رسله وكفر ببعضهم فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً ﴾ [النساء: 150- 151].

 

فالعليم الحكيم - سبحانه وتعالى - يعلم أنه لا يحصل الوفاق والاتفاق مع أي أمة بعض شعوبها يؤمن بنبي ويكفر بما سواه، وبعضهم يؤمن بنبي آخر ويكفر بغيره، بل ينقلب الوفاق والاتحاد إلى فرقة وشقاق بعيد، هذا في حال أمة واحدة، فكيف بحال أمم شتى؟

بل حصر الله الشقاق فيمن لم يسلك مسلكنا حصراً إجمالياً حيث قال: ﴿ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ [البقرة: 137].

ومما ذكرناه يتضح أن وصمة بعض العصريين للدين بأنه مدعاة للطائفية المفرقة بين شعوب الأمة، هي وصمة فاجرة معاكسة للحق والحقيقة من واقع دين الإسلام وتاريخ أهله، ذلك أن دين الله الحق - الإسلام - دين الأنبياء والمرسلين جميعهم، دين لا يعرف الطائفية أبداً، لأنه يوجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وما أنزل إليهم بدون تفريق.

 

وإنما تتكون الطائفية ويحصل الشقاق ممن لا يؤمن إلا بنبيه فقط ويطعن فيمن عداه - كاليهود الذين لا يؤمنون إلا بموسى والتوراة. والنصارى الذين لا يؤمنون إلا بعيسى والإنجيل بل يرفعون عيسى فوق منزلته، وغيرهم من أمم الكفر كالمجوس والبوذيين، فمنهم نشأت الطائفية وتفاقم أمر الشقاق، ولكن المتتلمذين على ملاحدة النصارى اغتروا بإفكهم وصدقوهم في رمي الدين الحق بدائهم. وما أسفه من تنكب عن وحي الله وطلب الرشد من غير صراطه المستقيم!!

ثم وصف اللهُ المتقين المنتفعين حقيقة بهداية القرآن بكمال إيمانهم بالغيب فقال: ﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [4].

ومن توضيح شأن المؤمنين بالغيب أنهم دائماً يستشعرون مشاهد يوم القيامة على الدوام.

والإنسان لا ينتفع بسمعه وبصره وقلبه إذا هو فاقد الحاسة الدينية التي هي: الإيمان بالغيب والإيقان بالآخرة.

 

والغيب هو ما غاب وحجب علمه عن النفوس وخالف المحسوس، فلذا كان للمؤمنين به ميزة عمن سواهم، بحصول التقوى والمنفعة بالقرآن والانتفاع بأحاسيسهم الباقية باقتران الحاسة الدينية إليها، ومن عداهم فإنهم أضل من الأنعام بل هم شر الدواب - كما وصفهم الله بقوله: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ [الأنفال: 55]، وقال: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

 

وقد وصف الله المتقين بخمس صفات جامعة لخصال الخير كلها، وكفيلة بتحصيل السعادة في الدارين، ولهذا حصر الله الفلاح والهداية فيهم حيث قال: ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [5].

 

وقد قرر الأصوليون واللغويون أن الإتيان بضمير الفصل بين الوصف والإشارة دليل على الحصر والاختصاص، وذلك بقوله: ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ لأنهم بإيمانهم بالغيب، وإيقانهم بالدار الآخرة انطلقوا من جدران الحس والتفكير السطحي والأفق الضيق المحدود إلى العالم الرحيب والأفق الواسع الذي يصور لهم تفاهة عيشهم وقصر عمرهم على هذه الأرض، وأنها مزرعة يجني حصادها بعد انتهائها، وأنها ابتلاء واختبار.

والفلاح معناه: الفوز بالمطلوب، وأصله في اللغة: شق الأرض، ومنه سمي الحارث فلاحاً.

فالمفلحون هم الفائزون بتحصيل مطالبهم جميعها بما فيه صلاح أحوالهم، قال ابن الأنباري: ومنه (حي على الفلاح) أي: هلموا إلى سبيل الفوز ودخول الجنة.

ثم إن إطلاق الهداية والفلاح لهم معلن بشمول جميع أنواع الهداية والفلاح في شئون دنياهم وآخرتهم ومقدماتها: من حضور الموت ونعيم البرزخ، ودخول الجنة.

وقال المحققون من المسفرين: إن تكرار اسم الإشارة في هذه الآية دلالة على أن كلاً من الهدى والفلاح مستقل بتميزهم به عن غيرهم بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزاً على حدته.

 

ولما كان الناس - في تلقي الهداية ورفضها - على ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر، ومنافق؛ بدأ الله بوصف الصنف الأول وتقرير هدايته والإشادة بشأنه وهم المؤمنون.

ثم ثنى سبحانه بذكر مقابلهم ومعاكسهم وهم الكافرون الذين فقدوا الحاسة الدينية، فبقوا داخل نطاق أسوار الحس المغلقة، محرومين من التحليق في الأفق الواسع والتفكير العميق، ومن لذة الإيمان بالغيب والانهماك في الآمال الصحيحة، ورجاء الوعد الصادق من الله، فليست لأرواحهم نوافذ مفتوحة كنوافذ أرواح المؤمنين، وليس لهم وشائج تربطهم بخالق الوجود، بل النوافذ مغلقة لتصميمهم على سدها وعدم رغبتهم حتى في الاقتراب منها، ووشائجهم بالله مقطوعة لتصميمهم على الهروب منه، فلذلك استوى فيهم الإنذار وعدمه، فأجمل الله وصفهم في آيتين هما: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [6- 7].

والإنذار: هو الإعلام المشوب بتخويف.

ولانغلاق قلوبهم كان الإنذار لا يجدي نفعاً، كما قال تعالى في سورة يونس: ﴿ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101].

فوجود الإنذار كعدمه بالنسبة لهؤلاء، وقد حكى الله عنهم في كتابه ما يدل على ذلك فقال: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [فصلت: 5] فهذا اعتراف منهم أنهم محبوسون في سجن الماديات المحسوسة لا يقدرون على الانطلاق للروحانيات، قد تجرعوا من حشائش الأباطيل ما أفسد أدمغتهم، وأزاغ قلوبهم، وأعمى أبصارهم، وأصم أسماعهم عن قبول الحق، فقضى الله بالختم على تلك الجوارح والحواس.

 

وفي إفراد الله ذكر (سمعهم) دون جمعه كأبصارهم اكتفاء بذكر المفرد عن الجمع المفرد عن الجمع كما في قوله: ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ [غافر: 67] أي: أطفالاً، كما قال أبو عبيدة والزجاج، مستشهدين بقول الشاعر:

كلوا في نصف بطنكمُ تعيشوا ♦♦♦ فإن زمانكم زمنٌ خميصُ

 

وقال بعضهم: إن العرب تذهب بالسمع مذهب المصدر، والمصدر يوحد، كقول القائل: يعجبني حديثكم، فأما القلب والبصر فإنها اسمان لا يجريان مجرى المصادر، (والغشاوة) - بكسر الغين المعجمة بلغة قريش وأكثر العرب، وبفتحها لبعضهم -: هي الغطاء، عبر الله بها لاحتجاب بصائرهم عن رؤية الحق.

 

فإن قال قائل عن هذه الآية: ﴿ خَتَمَ اللّهُ ﴾ إن فيها دليلاً على الجبر. قلنا: ليس فيها - ولا في غيرها من وحي الله - ما يقوم به دليل، وذلك من وجوه:

أحدها: أن الله مكنهم من سلوك ما يريدون باختيارهم، فلم تكن أفعالهم كحركات المرتعش أو حركة السعفة من هبوب الريح - كما يزعم المبطلون -.

ثانيها: أن الله خلق فيهم القدرة والإرادة وجعلهم أحراراً، ولا بد لأفعال العباد من إرادة يعزمون بها على فعل ما يقصدونه ويهدفون غليه، وقدرة كاملة يقدرون بها على فعل ما يريدونه من إيمان وكفر وخير وشر.

ثالثها: أن الله بصرهم بطريق الهدى والضلال حيث قال عن الإنسان: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10].

رابعها: إرساله سبحانه وتعالى الرسل، وإنزاله الكتب وتكرار وعده ووعيده، وتنويع تصويره لمشاهد القيامة تركيزاً للإيمان بالغيب، فلو أنه سبحانه يجبر فئات من عبيده على الإيمان، ويجبر فئات أخرى على الكفر والعصيان، لما كان لإرسال الرسل وإنزال الكتب فائدة.

خامسها: إخباره سبحانه وتعالى أنه ﴿ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾ [الرعد: 27] فأما غير المنيب من الهاربين عن حصنه الحصين، والمبتعدين عن صراطه المستقيم فإنه يمدهم في الضلالة، ويزيغ قلوبهم ويزيدها مرضاً جزاء على زيفها ومرضها، ويسلط عليهم الشياطين تؤزهم أزّاً، ويقيض لهم قرناء يزينون لهم جزاء على انتقاصهم الرسل وتكذيبهم لهم واستهزائهم بآيات الله وتعلقهم بغيرها من وحي الشياطين، فمن أناب إلى الله، وأقبل على وحيه زاده هداية ونور بصيرته، ويسر له الوصول إليه، أما من صد عن دعوته وهرب عن حصنه وصراطه نال جزاءه من مزيد الغواية وتسلط الشياطين، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ﴾ [التوبة: 115] وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً ﴾ [مريم: 74]. وقال أيضاً: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ [مريم: 83].

وقال أيضاً: ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [فصلت: 25].

وقال أيضاً: ﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]، وقال أيضاً: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5].

 

وبعد هذه الردود على شبهة الجبرية والقدرية نقول: إن الصنف الثاني من أصناف البشرية الذين هم الكفار الذين لا يجدي معهم إنذار ولا معجزة؛ هؤلاء كفرهم سببه العناد والكبرياء ليس عن عدم معرفتهم بالحق، ولا عن إجبار يضطرهم إلى الشرود عنه - كما يزعم أفراخ اليهود والمجوس من القدرية - إنما سببه المكابرة والعناد القبيح. وقد أرشدنا الله في الآيتين (14-15) من سورة الحجر إلى شناعة مكابرتهم المرذولة وإنكارهم حتى للمحسوس ركوباً لعنادهم فقال: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴾ [الحجر: 14- 15].

 

ولا عجب في هذا التمثيل العجيب من الله لواقعهم، فإن ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر كالمحسوس لمعرفتهم شخصيته الكريمة وصدقه وعفته وأمانته ولكونه لا يقرأ ولا يكتب، ولكونه لبث فيهم عمراً طويلاً لم يأتهم بشيء من عنده، ولأنه جاءهم بكتاب عربي مبين عجزوا عن الإتيان بسورة من مثله - على قوة فصاحتهم -، ولكونه قص عليهم من أخبار الأمم البائدة ما لم يكن يعرفه أحد ولا يحتويه كتاب أبداً، ولأنه يضرب لهم الأمثال المحسوسة الملموسة ويذكرهم بآيات ربهم النفسية والآفاقية، فلم يبق أمامهم إلا التصديق أو المكابرة المرذولة، وبسلوكهم هذه المكابرة لا يجدي العروج بهم إلى السماء، لأنه من المحتم الذي يعلمه الله أنهم سيقولون: ﴿ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴾ [الحجر: 15].

 

ولكل قوم وارث، فهذه سجية الكافرين ومن قلدهم في مسالكهم من أقدم العصور إلى أحدثها، فإننا نرى عبّاد الأشخاص والمبادئ المادية لا يجدي معهم شيء أبداً ولا يثنيهم عن سلوك طرقهم المعوجة فشل تلك المذاهب والمبادئ ولا خيانة أربابها وفلاسفتها، ولا أخطاؤهم المتكررة المقصودة، ولا هزائمهم الشنيعة بل يطلبون المعاذير الممجوجة هروباً عن صراط الله، بل تمادياً في الهروب.

هذان صنفان من البشر: صنف مؤمن ابتدأ الله ذكر أوصافه في أول سورة البقرة، وفصلها في سائر سور القرآن.

وصنف كافر أجمل الله وصفه في آيتين من هذه السورة، وفصلها في السور الأخرى من القرآن، وبقي الصنف الثالث وهم المنافقون، وقد أكثر الله في وحيه المبارك من ذكر أوصافهم لخطورتهم على كل مجتمع إسلامي، فاقتضت حكمة الله كشف أسرارهم وهتك أستارهم وبيان دفائن نفوسهم، وقد اشتملت أوائل هذه السورة على ذكر ركائز خبثهم في اثنتي عشرة آية حيث قال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 8 -9].

قال قتادة: هذه الآية نعت المنافق، يعرف بلسانه، وينكر بقلبه، ويصدق بلسانه ويكذب بعمله، ويصبح على الحال، ويمسي على غيرها، ويتكفأ تكفؤ السفينة كلما هبت ريح هب معها. اهـ.

 

إن حقيقة المنافقين - كما صورها الله، مما يشهد به واقعهم في كل عصر وبلد - هي صورة مخالفة لصورة المؤمن الحقيقي والكافر الواضح الصريح، فإن الكفرة - على اختلاف مللهم ونحلهم - كفرهم واضح صريح متسم بالشجاعة والعناد والمكابرة -، سواء من كان كفره بشرك الوسائط والأنداد، أو كان كفره بشرك التعطيل كالمقلدة للجاهلية الأولى والفراعنة، أو كان كفره بالإنكار لله كالشيوعيين، أو بالافتراء على الله كأهل الكتاب المحرفين - فكل هؤلاء من النوع الثاني، قد أراحوا المؤمنين بصراحتهم وظهور عداوتهم واتضاح وجوب منابذتهم ومخالفتهم في الدين بحيث لا يجنح إليهم أو يواليهم من في قلبه إيمان صحيح.

 

لكن مصيبة المسلمين، ومداخل الشر إليهم هي النوع الثالث المرتدي زي الصديق والمتملق بلسانه الذي يظهر الإيمان والاعتراف بالله وتقديس رسوله والقرآن، وهو يحمل في قلبه من الغيظ للمسلمين ما لا يقل عن غيظ الكفار أو يزيد، فهذا كالمرض الفاتك في الجسم وهم - وإن كانوا في الغالب من عِلية القوم إما بعلمهم المادي أو بمكانتهم - إلا أنهم لا يملكون الشجاعة التي يجرؤون بها على مقابلة الدين بالإنكار الصريح فيضطرهم الجبن إلى إظهار خلاف حقيقتهم وإلى سلوك الحذلقة بإيقاع الدس والتشكيك في بعض النواحي وفي سير ولاة المسلمين ليشككوا العامة فيهم وينتقضوا الدين بواسطتهم. وهذا شيء أجراه أسلافهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في الحقيقة مطايا اليهود في كل زمان ومكان - منذ ظهورهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، فاليهود هم شياطينهم وهم الذين يوجهون رؤساءهم بأنواع الفتنة التي تتناسب مع أوضاع كل مجتمع مسلم في كل عصر ومصر.

 

فلهذا فضحهم الله لعباده المؤمنين في سور كثيرة مبتدئاً بسورة البقرة، فكذب الله مزاعمهم وفضح أسرارهم، مبيناً أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وأنهم ﴿ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ باعترافهم الكاذب تزلفاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم - في وقته - وإلى من بعده من ولاة المسلمين ليولوهم الثقة وليطمئنوا عامة المسلمين إليهم فلا يرتابوا فيهم، وبهذا يطلعون على أسرار المسلمين ودخائلهم فينقلونها إلى الكفار من اليهود وأعوانهم، ويستفيدون منها لقضاء مآربهم الدنيئة.

 

وقد اعتبر الله مخادعتهم للمؤمنين مخادعة له ولهم، وهذا تفضل كريم من الله - سبحانه وتعالى - نجده يكرره في وحيه المبارك، وهو حقيقة الصلة الكاملة بين الله وعباده المؤمنين، إذ يجعل صفهم صفه دائماً وشأنهم شأنه، فيعتبر المخادع لهم مخادعاً له، والمعادي لهم  معادياً له، والمحارب لهم محارباً له، إعلاماً منه سبحانه للمؤمنين برفعة مقامهم، وعلو شأنهم عنده، لتمتلئ قلوبهم بمحبته والطمأنينة لوعده والثقة بنصره.

 

وها هنا فوائد:

الأولى: يحتمل أن تكون مخادعة المنافقين لأنفسهم على بابها من اثنين: فهم خادعون أنفسهم حيث منوها بالأباطيل، وأنفسهم خادعتهم حيث منتهم ذلك أيضاً، فكأنها محاورة بين نفسين على معنى الخاطرين كقول الشاعر:

يؤامر نفسَيه وفي العيش فسحة ♦♦♦ أيستربع الذوبان أم لا يطورها

 

الثانية: زعم بعضهم أن المخادعة في آية المنافقين من المقلوب، لأن الإنسان لا يخدع نفسه بل هي التي تخدعه وتسول له وتأمره بالسوء. وبما ن النحويين لا يجيزون القلب إلا في الشعر على الصحيح بحال الاضطرار؛ فإنه ينبغي تنزيه كلام الله عنه خصوصاً ما دام معناه واضحاً.

الثالثة: مرض القلب هنا عام في الحسي والمعنوي، ففي قلوبهم مرض الشكوك والشبهات المفسد لعقيدتهم وأخلاقهم، وفيها أمراض حسية من الغل والحقد الملتهب والغيظ المستعر ونحوه، مما يسرع في هلاكهم بإحداث أمراض فتاكة يشهد له المنقول والمحسوس من تقارير الأطباء.

الرابعة: جاء في النصوص ذكر بضع وعشرين مرضاً من أمراض القلب المعنوية وهي: الرين، والزيغ، والطبع، والصرف، والضيق، والحرج، والختم، والإقفال، والإشراب، والرعب، والقساوة، والإصرار، وعدم التطهير، والنفور، والاشمئزاز، والإنكار، والشكوك، والعمى، والإبعاد بصيغة اللعن، والحمية، والبغضاء، والغفلة، والغمرة، واللهو، والارتياب، والنفاق، وكل هذه تغلب عليه وتجلب أمراضاً حسية مهلكة لصاحبها كما أسلفنا.

الخامسة: سبب النفاق أغراض نفسية تجيش في الصدور، تمنع أهلها من قبول الحق وتدفعهم إلى معاداة أهله والذي يبثها ويغذيها في كل زمان ومكان هو اليهودية العالمية المفسدة لكافة المجتمعات.

 

وأول منشأ النفاق المعادي للإسلام حصل في المدينة المنورة بعد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وارتفاع شأن الدين واعتزازه في بدر، أظهر أحبار يهود الظغائن للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عبدالله بن أبي بن سلول من الخزرج مرشحاً للزعامة فلما رأى أن هذا الدين قضى على آماله الخسيسة حمل العداوة ضده وتمالأ مع يهود فأظهر الإسلام - مع رهط من قومه - بمنشورة يهود ليسلم من مغبة الكفر، ويتفيأ من الإسلام وأهله ظلا ظليلاً، فأجراهم الله على ظواهرهم لئلا يشاع أن نبيه صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولكنه فضحهم وهتك أستارهم نعمة منه وفضلاً على عباده إلى يوم يبعثون، لأنه أوضح أوصاف المنافقين المطردة فيهم.

ومن طبْع المنافقين إثارة الشغب والقلاقل بحجة الإصلاح والعدالة، وهم لا يزيدون الطين إلا بلة، فإياك - أيها المسلم المؤمن - أن ننسى نعمة الله عليك فتغفل عن قراءة وحي الله الذي كشف أوصاف المنافقين فتكون فريسة لهم، يصادرون عقلك، ثم يلعبون بمقدراتك، ويتمالئون مع اليهود وأعوانهم على مقدساتك، وارجع إلى التاريخ تجد الغزاة من عهد التتار إلى عهد اليهود في هذا اليوم لم يجوسوا خلال الديار إلا بسبب المنافقين أصحاب المزاعم الخداعة.

 

السادسة: أطلق بعض المفسرين المرض الذي في قلوب المنافقين أنه الظلمة، مستشهداً بقول الشاعر:

في ليلة مرضت من كل ناحية ♦♦♦ فما يحس بها نجم ولا قمرُ

 

وهو قريب من الصواب؛ لأن جميع أسباب النفاق ناشئة: إما من ظلمة الطبع أو ظلمة الشبهة أو ظلمة الهوى أو ظلمة الطمع أو ظلمة حب الرئاسة أو ظلمة الشهوة أو ظلمة الحقد والحسد والغواية، أو غير ذلك من الظلمات المادية التي تجتمع فتكون ظلمات فوق بعض، ويشهد لهذا التفسير تمثيل الله سبحانه لهم بأنهم في الظلمات لا يبصرون، صم بكم عمي، كما ذكره في هذه السورة وفي غيرها، ولذلك إذا عرض لهم زاجر الدين دفعه ما في قلوبهم المريضة من ظلمة الغواية والهوى بشتى أنواع التحريفات والتأويلات الباطلة التي تزينها لهم تلك الظلمات الراسخة في قلوبهم.

 

السابعة: بما أن الله نفى عنهم الإيمان نفياً قاطعاً مؤكداً بدخول الباء في خبر (ما) فقال: و﴿ ما هم بمؤمنين ﴾ أي بداخلين في جماعة المؤمنين ألبتة، فقد يرد هنا سؤال وهو: أن فيهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ممن هو من أهل الكتاب، أو غيرهم ممن لم ينكر توحيد الربوبية، أو من نشأ في الإسلام، وجرته ضغائنه وأغراضه النفسية إلى النفاق؟

فالجواب: أن اعتقادهم التقليدي الضعيف ليس له أثر في سلوكهم فلو محص ما في قلوبهم وعرف منشأ الأعمال من نفوسهم لوجد أن ما يقولون به من أعمال صالحة هي رياء وخداع، لأن أسباب النفاق التي ذكرنا سابقاً متوفرة في صدورهم، فلذا حصر الله إيمانهم به على مجرد اللفظ باللسان.

 

الثامنة: هذه الآيات وما بعدها مع كونها نعمة من الله على المؤمنين بإخبارهم عن أحوال المنافقين؛ فإن فيها أيضاً تهديداً للمؤمنين من سلوك مسالكهم وأن يفرغوا قلوبهم من الأنانيات وأغراض النفوس مما يغمسهم فيما انغمس فيه المنافقون، لئلا يهبطوا من أرفع المستويات إلى أحطها - والعياذ بالله - ولذا كان السلف الصالح من أشد الناس خوفاً من النفاق.

 

التاسعة: في هذه الآيات حض للمؤمنين على الصدق مع الله وتصفية سرائرهم له في أسلوب قرآني جمع بين توضيح مقام المؤمنين عند الله، وفضيحة أحوال المنافقين وكشفها لهم، والتهديد الشديد المرعب للمنافقين المحاولين خداع المؤمنين وإيذائهم.

ففي هذه الآية إعلام آخر للمنافقين بأن معركتهم ليست مع المؤمنين فقط، بل هي مع رب العالمين، فهم يتصدون ويتعرضون لبطشه ونقمته بمحاولتهم الخسيسة.

والخداع: من الخديعة وهي الحيلة والختل والمكر لكونها تفعل تفعل في الخفاء.

والمخدع: موضع داخل البيت تختفي فيه المرأة أو تخفي فيه بعض الأشياء.

وانخداع الرجل: استجابته للخادع سواء عن شعور أو عن غير شعور، ويعبر أيضاً عن الخداع بالفساد كما في الشواهد، ويقصد به هنا: الحيلة وما في معناها.

وخداع المنافقين للمؤمنين الذي اعتبره الله خداعاً له: هو بإظهارهم الإيمان والمحبة وإضمارهم الكفر والعداوة.

 

أما إخبار الله عنهم بقوله: ﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾، فذلك لأن الخداع يكون مع من لا يعرف السرائر، وأما الله الذي يعلم السرائر فالمخادع له إنما يخادع نفسه دون شعور بذلك، فكل من انخداع لمخادع على علم فقد خدعه، وأصبح الخادع هو المخدوع، فالله أجرى عليهم حكم الإسلام ظاهراً؛ حقناً لدمائهم، ونيلهم ما يناله المسلمون، ولكن جعل لهم سوء العاقبة في الدنيا ثم في الآخرة.

 

فخداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم بإهلاكها غيظاً وكمداً وتوريثها الوبال والنكال بكونها تتخبط في ركام من ظلمات الحقد والغواية، وتضليل الرؤساء بشتى الأوهام، واجتماع أسباب الهلكة من الشقاق بينهم وانعكاس جميع مقاصدهم عليهم، وجعل بأسهم بينهم، بحيث لو حصل لهم جولة ينتفضون بها تكالبوا على الحكم والمادة فقتل بعضهم بعضاً، فحظهم في الدنيا شقاء وتعاسة وسواد تاريخ، وحظهم في الآخرة الدرك الأسفل من النار.

والسبب في تماديهم وإصرارهم على النفاق غالباً هو ما أخبرنا الله عنه أن: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [10].

والمرض لغة: السقم الذي هو نقيض الصحة يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال ويوجب الخلل في أفعاله وأحاسيسه، فاستعير هنا للقلب إذا عرضت له شكوك وشبهات تخرجه عن اليقين، والطمأنينة فيتلاشى دين صاحبه أو يضعف أو لا يكون فيه - من الأصل - قبول للحق، ولكنه يجبن عن إظهار الكفر فينافق بإظهار الإيمان ليدفع عن نفسه القتل والأسر والجزية وينال ما يناله المسلمون المؤمنون، ويعلم أسرارهم فيكيد لهم بموالاته لأعدائهم.

 

وقوله تعالى في أوصاف المنافقين: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ [11- 12] معطوف على قوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ... ﴾ لبيان حالهم في ادعاء الإيمان وهم كاذبون أولاً، ثم بيان حالهم في تماديهم بالباطل واستمرائهم له ورؤيتهم الفساد صلاحاً والصلاح فساداً، لاعتمادهم على أقوال رؤسائهم من شياطين الإنس، وازدرائهم لوحي الله الحكيم، وهكذا شأن كل مفسد يدعي أنه مصلح، سواء كان إفساده عن علم وشعور، لضراوة عداوته للإسلام وأهله، أو كان إفساده عن تقليد لرؤسائه الروحانيين أو السياسيين فهو يدعي الإصلاح في كلتا الحالتين، تغريراً للمنخدعين بدعايته والمنجذبين إلى خطته، وتبرئة لنفسه من وصمة الإفساد بالتمويه والتلبيس والمغالطة.

وقد تقدم أن كل مغرض يسعى لهدم الإسلام، وتفتيت عقيدته، وتحطيم أهله يتذرع دائماً بدعوى الإصلاح والعمل على رفع الظلم وإزالة البؤس ونشر الحرية - يقصد بها الحرية البهيمية - ليصطاد في الماء العكر وليلبس للناس جلود الضأن من اللين، ويفتنهم فيما يبثه عليهم من زخرف القول غروراً.

فالمنافقون الأوائل يرون أفسد الفساد - الذي هو الصد عن دين الله - إصلاحاً، زاعمين أن هذا الدين مخالف لتراث الأجداد، وأنه مفرق للصفوف ومقيد للنفوس وقاض على حاجاتها الأصيلة فيها...إلخ.

كما يرون الفساد الثاني - الذي هو ممالأة الكفار، موالاتهم من دون المؤمنين - إصلاحاً لأحوالهم، وتقوية لروحهم، ووحدة وطنية لا يجوز لزاعمي الدين أن يتدخلوا فيها.

 

ولكل قوم وارث، فمنافقو هذا الزمان يرون أفسد الفساد، وأكفر الكفر، الذي هو الطعن في الدين، والعمل على إقصائه عن الحكم، واستبعاده عن جميع شئون الحياة، وحصره في المسجد فقط، يرون هذا إصلاحاً وصلاحاً للمجتمع زاعمين - من جهة - أنه طائفية ومدعاة للشقاق، ومن جهة أخرى: أنه لا يصلح للعصر، ولا يساير التطور. وهذا أعظم طعن بجناب الله العظيم، وإلحاد في أسمائه، وتفضيل لخططهم وآرائهم على حكم الله ومراده، ففي قولهم هذا إنكار لعلمه الواسع المحيط بكل شيء، وتنديد بحكمته ورحمته، فلم يجعلوا الله عليماً بما يصلح أحوال الناس في كل عصر، ولا حكيماً يشرع لهم ما يصلح أحوالهم، بل تمادى ورثة المنافقين هذا الزمان فزعموا أن أحكام الله في شرعة قاسية لا تناسب الإنسانية، وهذا يقتضي أن الله ليس رحيماً، لأن شريعته مبنية على القسوة والخمول، لا على الحكمة والرحمة، فقد ارتكسوا في أبشع دركات النفاق غاية الارتكاس، وهم يدرءون الشبهة عن أنفسهم بدعوى الإصلاح، فيسمون الخلاعة، ومفاسد الأخلاق، وإباحة الخمور، واختلاط الجنسين، والتبرج، والتهتك، والتعري في البلاجات الخليعة، وبث المراقص والمسارح؛ رقياً ومسايرة لروح العصر والتقدم، ويجعلون إباحة الزنى حال الرضا - والذي يعفى ممارسيه من إقامة الحد عليهم - وبث سائر أنواع الفحشاء والمنكر حضارة وتطوراً، فيرون أنهم مصلحون بجلب كل مفسدة، واستحسان كل منقصة تمسكاً بما يراه رؤساؤهم، أو تقليداً لأستاذتهم فاقدي العقيدة الصحيحة، والأخلاق الفاضلة. وهم في الحقيقة مفسدون، ولهذا ابتدأ الله الكلام المؤكد لإثبات إفسادهم بكلمة (ألا) التي هي أداة للتنبيه والإيقاظ وتوجيه الأنظار واهتمام المتكلم بما يحكيه بعدها، فقال تعالى: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ﴾.

 

ثم أخبرنا عنهم أنهم لا يشعرون - لفساد طبائعهم - بما حل فيها من الشبهات الناشئة من ظلمات المرض المتراكمة التي سبق ذكرها، وهم نوعان: نوع مريض القلب شديد العداوة للإسلام وأهله، نصب نفسه طاغوتاً  يقترف جميع الشرور والمؤامرات، وهم اليهود ومن انطبع بطبائعهم من المشركين القدامى والمحدثين الذين شركهم شرك تعطيل فظيع، وهم الذين قرَنهم الله مع اليهود في عداوتنا إذ قال: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ﴾ [المائدة: 82] ونوع آخر مسوق إلى الفساد بسوء التقليد الأعمى الناشئ من فساد تصورهم وما حل في قلوبهم من الأمراض والآفات المعنوية.

ثم إن إخبار الله لنا عن سوء فعالهم، وخبث سرائرهم بصيغة السؤال والجواب التي هي من أقوى الأساليب لفهم الكلام.

 

فائدة:

في قوله تعالى: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ﴾ أتى الله بضمير الفصل بعد (إنّ) واسمها ليفيد حصر أحوالهم في الفساد فمهما زعموا خلافه فهم مفسدون في كل شيء ولا يصدر عنهم إلا الفساد، لخبث ضمائرهم وفساد سرائرهم.

وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 13].

فقد سبقهم من آمن بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان مثلاً يحتذى ولهذا يجدر بمن يدعي بعدهم للإيمان أن يكون أسرع استجابة فلا يتلكأ، ولكن الكبر والتيه منعهم من الإقتداء بقوم سبقوهم إلى الخير.

 

قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): "قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾ يعني المنافقين في قول مقاتل وغيره، ﴿ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ ﴾ أي: صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب.

وقوله تعالى: ﴿ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ﴾ يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا القول من المنافقين إنما كانوا يقولونه في خفاء واستهزاء فأطلع الله نبيه والمؤمنين على ذلك، وقرر أن السفه ورقَّة الحلوم وفساد البصائر إنما هي في حيزهم وصفة لهم، وأخبر أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون للرين الذي على قلوبهم". انتهى

 

ويقول سيد قطب في تفسيره في (ظلال القرآن): "وواضح أن الدعوة التي كانت موجهة إليهم في المدينة هي أن يؤمنوا الإيمان الخالص المستقيم المتجرد من الأهواء، إيمان المخلصين الذين دخلوا في السلم كافة، وأسلموا وجوههم لله، وفتحوا صدورهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يوجههم فيستجيبون بكليتهم مخلصين متجردين. وواضح أنهم كانوا يأنفون من هذا الاستسلام للرسول صلى الله عليه وسلم ويرونه خاصاً بفقراء الناس غير لائق بالعلية ذوي المقام، ومن ثَمَّ قالوا قولتهم هذه: ﴿ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ﴾، ومن ثم جاءهم الرد الحاسم، والتقرير الجازم: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ ومتى علم السفيه أنه سفيه؟ ومتى استشعر المنحرف أنه بعيد عن المسلك القويم؟)).

 

وقوله: ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [14].

هذه الآية الكريمة أزالت ما يلاحظه بعض الناس من شبهة الإشكال في الآية السابقة: ﴿ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ﴾ فإن بعض الناس قد يقول: إنهم رفضوا الإيمان علانية بقولهم هذا، فكيف يعد قولهم نفاقاً؟ فنقول:

إن هذا التساؤل فيما بينهم هو قول بعض المغفلين منهم للفريق الآخر، أو يقوله منه من يتصف بالنفاق، ثم هم يركسونه في جوابهم، ويعمقونه، أو يقوله منهم من غلبت عليه سلامة صدره، وأعجب بالإسلام والمسلمين، فيأتيه الجواب منهم مفسداً صدره مغيراً أفكاره، فالحاصل: أن التساؤل في الآية السابقة ليس وارداً عليهم من خارج محيط النفاق وإنما هو فيما بينهم، ويشهد لذلك هذه الآية التي أوردها الله بعدها: ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا ﴾ فإنها تشهد عليهم بالنفاق الواضح الشنيع، وأن هذا دأبهم في مخادعتهم المؤمنين ومكرهم بهم، يدفعونهم عن أنفسهم كلما استقبلوهم بدعوى الإيمان.

وقد عبر الله عنهم بصيغة الماضي ليكون أصرح في توبيخهم على ما بلغوه من التهتك في النفاق حتى صاروا ذوي وجهين، يتكلمون بلسانين، وهذه حالة المنافقين في كل وقت يعدمون السلطة فيه، وتكون القوة والسلطة فيه لغيرهم، بل إن منافقي هذا الزمان يستمرون على هذه الحالة ولو لم يعتريهم الخوف الذي اعترى أولئك؛ إيغالاً منهم في المخادعة، حتى يفترسوا الحكم فيكشروا عن أنيابهم بكل قبيح.

 

أما قوله: ﴿ آمَنَّا ﴾ بلفظ مجمل غير مفصل بشيء ففيه تورية منهم وإيهام للسامع، إذْ يحتمل أن يقصدوا به الإيمان بموسى - إن كانوا يهوداً - أو بأصنامهم - إن كانوا من مشركي الخزرج - دون ما سوى ذلك من الإيمان الصحيح المطلوب - وذلك من خبثهم ومهارتهم بالغش والبهت والتدليس، ويحتمل أن يقصدوا به الإيمان المقيد ذكره في أول الآيات.

﴿ وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ﴾ أي: رؤسائهم في الكفر والضلال.  سماهم الله شياطين لسلوكهم مسلك الشياطين في الابتعاد عن أمر الله، وإضلالهم لعباد الله.

فالمنافقون المخادعون للمسلمين بزعمهم الإيمان إذا خلوا إلى شياطينهم ﴿ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ ﴾ على حالتنا لم ننتقل عنها، ثم إنهم لم يكتفوا بهذا الإخبار المطمئن للشياطين بأنهم معهم في العقيدة والنصرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واطلاعهم على أسرارهم وتربص الدوائر بهم، وتنفيذ ما يريدونه من صنوف الإيذاء السرية والمكر الخفي، بل بينوا سبب زعمهم الإيمان إذا التقوا بالمؤمنين بأنهم يلعبون على ذقونهم، ويسخرون منهم ويمكرون حيث يقولون: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ ساخرون بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، مستخفون بهم، فنحن نلعب بهم، ونتربص بهم الدوائر.

 

وحيث إن شأن المؤمنين الصادقين عظيم عند الله، ومنزلتهم لديه عالية؛ تولى - سبحانه وتعالى - مقابلتهم على استهزائهم بالمؤمنين ليكشف أحوالهم، ويفضح تذبذبهم، ويتولى الانتقام منهم في الدنيا والآخرة فقال: ﴿ اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [15].

واستهزاء الله بهم ليس كاستهزاء المخلوق بالمخلوق، فإنه تعالى عن مشابهة خلقه، ولكنه ينزل بهم في الدنيا والآخرة ما يجعلهم أضحوكة وهزواً لكل مطلع عليهم، فهو يقابلهم في الدنيا بإجراء الأحكام الظاهرة - التي قصدوا النفاق لأجلها - ولكنه يفضحهم بإخبار رسوله بما يكشف سرائرهم، ويفضح مواقفهم السلبية الانهزامية عند الشدة، وتقاعسهم عن الإنفاق وتكاسلهم عن الصلاة، وتماديهم في الكذب والخيانة، وانحيازهم إلى الكفار موالاة لهم وممالأة.

 

ومن مكر الله واستهزائه بالعصاة والكافرين والمنافقين استدراجهم بإدرار النعم ودفع النقم الدنيوية مدة من الزمن ليزدادوا بها إثماً، كما قال تعالى: ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178]، وكما قال: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 44- 45].

فهذا - على تأمل البشر - كأنه استهزاء ومكر وخداع، وذلك لما بين الفعل وجزائه من مشابهة ومشاكله في القدر، وملابسة قوية بين ضخامة الجزاء وشناعة الفعل.

وقال قوم: إن في ذكر استهزاء الله بهم استعارة كقوله: ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40] والجزاء لا يكون سيئة، وكقوله: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194]، والقصاص لا يكون اعتداء.

 

وقوله تعالى: ﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ أي: يزيدهم في الشر إما بزيادة فعله أو إمهالهم بالإمداد في أعمارهم ليزدادوا طغياناً.

والشر يجر بعضه بعضاً حتى يطغى صاحبه فيكون بعيداً من الهداية وهذا كقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً ﴾ [مريم: 74].

 

وقوله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16] يعني: هؤلاء المنافقين - إنما فعلوا ذلك لأنهم اختاروا الكفر على الإيمان.

وجاء التعبير بالشراء لأن فيه حقيقة الاستبدال، فهذا هو الذي جرأهم على خططهم الشنيعة المخالفة للفطرة، والمجانبة للدين، لكونهم اشتروا الكفر بالإيمان حتى خسرت صفقتهم، وفقدوا  الاهتداء إلى صراط الله المستقيم، فأفلسوا من الربح وفقدوا الهداية.

 

وفي قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ معنى آخر، وهو أن التاجر قد لا يربح وهو سائر في تجارته على هدى وبصيرة ولكنه أخفق في الربح لعوارض أخرى، فلا يستحق الذم على عدم ربحه في تلك الحال، أما هؤلاء فخطتهم على عماية، ولذلك نفى الله عنهم الأمرين: الربح والهداية، وذلك لأنهم عطلوا عقولهم التي يتمكنون بها من النظر الصحيح المؤدي إلى نتيجة نفسية وهي معرفة الصواب من الخطأ - واتبعوا الهوى واقتفوا آثار الآباء وقلدوا الأكابر الذين سماهم الله: الشياطين، فأصبحوا كالقردة في التقليد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الفاتحة (20)
  • تفسير سورة الفاتحة (21)
  • تفسير سورة الفاتحة (22)
  • تفسير سورة الفاتحة (23)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 17 : 24 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 25 : 27 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 28 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 30 : 36 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 37 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (38: 41)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 40 : 44 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 45 : 47 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 49 : 50 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 61 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (64)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 67 : 74 )
  • الهداية في القرآن من خلال سورة البقرة
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (81: 82)
  • تفسير سورة البقرة.. الآية (91)
  • تأملات في سورة البقرة
  • تفسير الربع الأول من سورة البقرة بأسلوب بسيط

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة: الآيات 11 - 20(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة الآيات: 1 – 10(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب