حوار موقع رسالة الإسلام مع أ.د. فؤاد عبدالمنعم أحمد

الدكتور "فؤاد عبد المنعم أحمد" هو أحد الذي غاصوا في التراث الإسلامي من خلال تحقيق المخطوطات خاصة التي تتعلق بعلم السياسة الشرعية وهو علم لم يطرقه الكثيرون.. فوفقه الله لتقديم وتحقيق كثير من مخطوطات الماوردي وابن خلدون في القضاء والسياسة الشرعية.

ولا زال يأمل أن يوفقه الله في تفريع علوم أخرى عن السياسة الشرعية مثل علم الوقاية من الجريمة، وعلم السياسة الجنائية الشرعية، وعلم التخطيط الجنائي الإسلامي.. فنحن في عصر تفريع العلوم ولابد أن نبرز رصيدنا في الجانب الإسلامي.

وكان لنا هذا الحوار الذي شرفنا أن نجريه وسط مكتبته الخاصة بمنزله بالرياض التي جمعت آلاف العناوين من أمهات الكتب، وقد دعانا لزيارة مكتبته الأم التي تضم أكثر من عشرة آلاف عنوان، خصص لها شقة مستقلة بحي الأزاريطة بالإسكندرية مسقط رأسه.

فضيلة الدكتور هلا قدمت لنا نبذة عن مسيرتكم العلمية؟

• اسمي فؤاد عبد المنعم أحمد عبد الله عبد الرحيم قناوي، ولدت في 4 ذي الحجة 1359هـ، متزوج وأرمل رزقني الله بستة أبناء.

نشأت في الإسكندرية (شمال مصر على البحر الأبيض المتوسط)، وقضيت بها طفولتي وشبابي حتى تخرجت من كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، وتم تعييني بالنيابة العامة وتدرجت بها حتى درجة مستشار.

تم انتدابي للتدريس بجامعة قسنطينة بالجزائر، ثم خبيرا للبحوث الإسلامية برئاسة المحاكم الشرعية بدولة قطر لمدة خمس سنوات، ثم أستاذا بكلية الشريعة - قسم القضاء بجامعة أم القرى بمكة المكرمة لمدة 15 سنة، ثم أستاذا بجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية بالرياض لمدة 11 عاما حتى الآن.

ما هو تخصصكم الدقيق ومن هم العلماء الذين درسوك؟

• بعد تخرجي من كلية الحقوق حصلت على دبلومين: الأول في الشريعة الإسلامية، والثاني بالقانون العام، وكان ولازال النظام بكلية حقوق الإسكندرية اعتبار الدبلومين مقام الماجستير، وبناء عليه حضرت رسالة الدكتوراه بعنوان "مبدأ المساواة في الإسلام بحث من الناحية الدستورية، مقارنة بالأنظمة الدستورية الحديثة" ناقشني فيها الشيخ بدران أبو العنين بدران رحمة الله عليه، والدكتور محمد سليمان الطماوي عميد كلية حقوق عين شمس وقتذاك (رحمه الله)، والدكتور عبد الحميد متولي أستاذ القانون الدستوري، وعميد الفقه الدستوري المصري (رحمه الله).

ودرست على يد علماء كبار أمثال الدكتور "بدر المتولي عبد الباسط" عميد كلية الشريعة والقانون، والعلامة الدكتور مصطفى شلبي، الدكتور سليمان الطماوي رحمهم الله جميعا.

حياتكم العلمية ثرية بالبحوث والمؤلفات ولك اهتمام خاص بتحقيق المخطوطات، فما سر اهتمامكم بالمخطوطات؟

• عندما بدأت تحضير الدكتوراه وموضوعها "مبدأ المساواة في الإسلام كدراسة دستورية" كان من أهم الشخصيات التي استندت عليها هو قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، وخرجت له معظم تراثه، وقد تعاونت مع الدكتور محمد سليمان داود في تحقيق كتاب "قوانين الوزارة"، وفي ترجمة مطولة عنه بعنوان "من أعلام الإسلام.. أبو الحسن الماوردي"، ومن أقدار الله أنه بعد إصدار الكتاب بعام احتفل بمرور ألف عام على مولده، وكانت بحوثنا جاهزة للمشاركة في هذه الاحتفالية.

وكان لي اهتمام مبكر بإصدار سلسلة التراث السياسي الإسلامي واهتمام بإخراج هذه المخطوطات للعلن، وكانت أول إصدارات سلسلة التراث السياسي الإسلامي كتاب "التحفة الملوكية في الآداب السياسية" وأثبت بعد تحقيقه أن هذا الكتاب مدسوس على الماوردي وإنما هو من تأليف أبي الحسن الأهوازي وأنه مطبوع منذ  أكثر من 100 سنة على حجر، كما أثبت ّأيضا أن كتاب "نصيحة الملوك" ليس للماوردي، وكان هذا البحث سببا للترقي بجامعة أم القرى، وأصبح من يدرس الماوردي لابد أن يناقش اكتشافي  بأن (نصيحة الملوك) ليس للماوردي.

وكان البعض يتصور أن إشارة الماوردي لكتاب له في كتابه "أدب الدنيا والدين" هي لكتاب "نصيحة الملوك"، وقد حصلنا على النسخة الوحيدة في العالم من تركيا عن "درر السلوك في سياسة الملوك" وثابت فيها ما أورده في "أدب الدنيا والدين".

كيف توصلت إلى أن "نصيحة الملوك" ليس للماوردي ، وما هو منهجكم في التحقيق بشكل عام؟

• دائما أقول: إن التحقيق مع الكتب أسهل من التحقيق مع البشر، لأن الكتاب دائما أمامك وتستطيع أن تقلب فيه  وتتفحصه وتعيش مع مؤلفه ومؤلفاته كيفما شئت وتصل على ما تريد.

وقد وقفت في كتاب "نصيحة الملوك" على عشر مسائل فقهية تشير أن كاتبه حنفي المذهب واعتمد على الأحكام الحنفية بينما الماوردي كان شافعي المذهب ولم يعرف عنه أنه غيّر مذهبه، وأثبتّ أن ما ذكر في كتاب "أدب الدنيا" على أنه كلام من كتاب "نصيحة الملوك" أنه كلام من كتاب "درر السلوك في سياسة الملوك" بالنص.

ودائما منهجي في التحقيق أن أقوم "بتحقيق المؤلف بالمؤلف" بأن أدرس شخصية المؤلف وحياته وعلمه ومذهبه الفقهي وعلى يد من تتلمذ وأقرانه وتلاميذه، وأجمع مؤلفاته وأعقد المقارنات والمقابلات بين الكتاب محل التحقيق وما ثبت أنه من إنتاج المؤلف، وقد كشف لي هذا المنهج الكثير في مجال المخطوطات.

ورغم إثباتي عدم نسبة "نصيحة الملوك" للماوردي لكني لم أستطع إلى الآن تحديد مَن مؤلفه على وجه اليقين؟ ولكني أرجح أنه "لأبي الحسن أبي زيد البلخي" وهو متوفى قبل الماوردي وله كتاب "السياسة الكبير"، و"السياسة الصغير" وهو فقيه حنفي وله اهتمام بالحديث، وهو ما ينطبق على "نصيحة الملوك"، ولكني حينما رجعت إلى كتبه لم أقف على ما يطابق نفس الكلام كي أنسبه له على وجه اليقين.

لكن ما هو سر اهتمامكم بشخصية الماوردي تحديدا.. هل من قبيل تحقيق التراث فقط؟

• الماوردي هو أول من أفرد كتاب في "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" أو الإمامة الكبرى وما يتفرع عنها من ولايات، وهو يتضمن في العصر الحديث فروع القانون العام.. وقد وقفت على أن العالِم القريب من الحكام هو الذي يكتب في السياسة الشرعية.. وقد دس على الماوردي الكثير من كتب التراث السياسي  وهي ما زالت مخطوطات.

ما مدى استفادة الجامعات والمعاهد من تراث الماوردي في السياسة الشرعية؟

• من يدرس سياسة شرعية لابد أن يرجع إلى كتابه "الأحكام السلطانية" وكان الدافع لهذا الكتاب انه أراد أن يجمع لخليفة عصره المسائل الخاصة التي تعينه على الحكم وهي الولايات العامة وما يتفرع عنها.

وقد تميز الماوردي بإخراجه فرع السياسة الشرعية من الفقه الإسلامي بعمومه، فكان من كتبه "الإقناع"، "الحاوي الكبير"، "قوانين الوزارة"، "أدب الدنيا والدين"، وهو يعكس الشخصية الأدبية للماوردي، ويتضمن مبادئ في التربية الإسلامية.

كان من مؤلفاتكم أيضا "رسالة بن خلدون للقضاة".. فما قصة هذه الرسالة؟

• وجدت في زيارتي لتركيا رسالتين لابن خلدون، وكان لي اهتمام مبكر بابن خلدون ومقدمته الرائعة وهو شخصية ثرية، فعندما حصلت على رسالة ابن خلدون للقضاة قمت بتحقيقها، والرسالة في الأصل عشر ورقات إلا أنه كان يكتب عليها كثير من الحواشي وهي نفيسة في بابها مثل الاجتماع القضائي وتدخل في صميم السياسة القضائية الإسلامية.

وأعتبرها من الرزق الذي ساقه الله لي في هذه الرحلة.. فهذه الرسالة لم يعلم عنها أحد، ولم يعرف بها حتى الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي الذي أفرد لمؤلفات ابن خلدون كتابا كبيرا تجاوزت صفحاته 500 صفحة.

وماذا عن تحقيقكم القيم لكتاب الإفصاح للوزير ابن هبيرة الحنبلي؟

• من أهم نعم الله علي أن وفقني إلى تحقيق كتاب "الإفصاح عن المعاني الصحاح" للوزير ابن هبيرة الحنبلي المتوفى سنة 560هـ.

والكتاب نادر ويقع في 19 جزءا في تسع مجلدات، وهو شرح لصحيحي البخاري ومسلم على الجمع بين الصحيحين للحميدي الأندلسي، ويقوم على أساس المسانيد لا الموضوعات.. وبدأت في تحقيقه منذ 1979م وظهرت منه حتى الآن ثمان مجلدات.

كذلك من مؤلفاتكم كتاب يناقش السياسة الشرعية والتنمية الاقتصادية؟

• نعم هذا الكتاب من سلسلة إصدارات البنك الإسلامي للتنمية بعنوان "دور السياسة الشرعية في التنمية الاقتصادية وتطبيقاتها المعاصرة"، وهو موضوع بحث ترقيت به إلى درجة الأستاذية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، لأنه حكّم تحكيما علميا، وهو في الأصل موضوع محاضرة طلبها منى البنك منحنى سنة لتجهيزها.. والاقتصاد هو جزء من السياسة الشرعية.

ما هي نصيحتك لطلاب وأساتذة علم السياسة الشرعية؟

• دائما أوجه أبنائي الطلاب إلى الاتجاه لتحقيق المخطوطات في مجال السياسة الشرعية فلا يزال رصيدها زاخر لم يخرج للناس بعد.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لازال هناك علوم في السياسة الشرعية لم تفرع عنه أود أن يوفقني الله أو إخواني وأبنائي الدارسين إلى تفريعه عنه مثل علم السياسة الجنائية الشرعية، وعلم التخطيط الجنائي الإسلامي، وعلم الوقاية من الجريمة.. فنحن في عصر تفريع العلوم ولابد أن نبرز رصيدنا في الجانب الإسلامي.

كلمة أخيرة توجهها فضيلتكم إلى رواد موقع الملتقى الفقهي؟

• نسأل الله أن يوفق هذا الموقع، وأن يكون في خدمة الإسلام والباحثين، وأن ييسر الله لنا من الجهد والعمر ما نسهم فيه إسهاما إيجابيا بمشيئة الله تعالى.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الإثنين 21 محرم 1432 الموافق 27 ديسمبر 2010