• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

نعمة خلق الإنسان (خطبة)

نعمة خلق الإنسان (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/6/2019 ميلادي - 23/10/1440 هجري

الزيارات: 44696

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التذكير بالنعم المألوفة (2)

نعمة خلق الإنسان

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرَّحْمَن: 1 - 4]، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ، الرَّزَّاقُ الْكَرِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ذَكَّرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ بِخَلْقِهِ لَهُمْ؛ لِيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ فَالَّذِي خَلَقَ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْبَدَ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الْبَقَرَة: 21]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ، وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِهِ وَآلَائِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ؛ فَمَا خَلَقَكُمْ إِلَّا لِأَجْلِ ذَلِكَ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاء: 1].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

نِعْمَةُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ أَعْظَمُ النِّعَمِ بَعْدَ نِعْمَةِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَكَانَ عَدَمًا؛ وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَمَا عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى؛ وَلَمَا عَرَفَ دِينَهُ وَرُسُلَهُ وَكِتَابَهُ وَأَحْكَامَهُ. وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَمَا اسْتَمْتَعَ بِالدُّنْيَا وَبِمَا حَلَّ مِنْ مَلَذَّاتِهَا فِي كُلِّ أَطْوَارِ وُجُودِهِ، فِي طُفُولَتِهِ وَشَبَابِهِ وَكُهُولَتِهِ وَهَرَمِهِ. وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَمَا ذُكِرَ، وَلَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ وَلَا أُسْرَةٌ وَلَا ذُرِّيَّةٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا إِنْتَاجٌ ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلٌ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مَرْيَمَ: 67].

 

وَنِعْمَةُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ نِعْمَةٌ دَائِمَةٌ بِدَوَامِهِ، فَهِيَ تَسْتَحِقُّ دَوَامَ الشُّكْرِ لِلْخَالِقِ سُبْحَانَهُ، وَفِي تَذْكِيرِ الْإِنْسَانِ بِدَوَامِ الشُّكْرِ عَلَى نِعْمَةِ الْخَلْقِ افْتَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ الْإِنْسَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الْإِنْسَان: 1 - 3].

 

وَفِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ مِنَ الْقُرْآنِ قُرِنَ ذِكْرُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ بِشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ نِعْمَةٌ دَائِمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الْأَعْرَاف: 189-192].

 

وَخَلْقُ الْبَشَرِ وَانْتِشَارُهُمْ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ؛ مِمَّا يَسْتَوْجِبُ عِبَادَتَهَ وَشُكْرَهُ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الرُّوم: 20]، وَذَكَّرَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ بِنِعْمَةِ الْخَلْقِ فَقَالَ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نُوح: 13- 14].

 

وَالْعَبْدُ الْمَخْلُوقُ حِينَ يُؤَدِّي شُكْرَ نِعْمَةِ الْخَلْقِ فَإِنَّمَا يَعُودُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ لَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّهُ إِذَا قَابَلَ نِعْمَةَ الْخَلْقِ بِالْكُفْرِ ضَرَّ نَفْسَهُ وَلَمْ يَضُرَّ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، وَهَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَفْهَمَهُ كُلُّ مَخْلُوقٍ جَاءَ التَّذْكِيرُ بِهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الزُّمَر: 6- 7].

 

وَمَهْمَا تَبَتَّلَ الْعَبْدُ الْمَخْلُوقُ لِلرَّبِّ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فَلَنْ يُؤَدِّيَ شُكْرَ نِعْمَةِ الْخَلْقِ، وَمَهْمَا انْقَطَعَ لِعِبَادَتِهِ، وَتَحَرَّكَ لِسَانُهُ بِشُكْرِهِ فَلَنْ يُوَازِيَ شُكْرُهُ نِعْمَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ لَمَا تَشَرَّفَ بِعُبُودِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى هَدَاهُ لِعِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ لَمَا عَرَفَ كَيْفَ يَعْبُدُهُ وَيَشْكُرُهُ. وَهَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمُ نُدْرِكُهُ بِمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ مَنْ عَاشُوا فِي الْفَتْرَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقُلُوبُهُمْ تَتَقَطَّعُ شَوْقًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَعْرِفُونَ طَرِيقَةَ عِبَادَتِهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَجْتَهِدُونَ وَيَدْعُونَ؛ كَمَا جَاءَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ شَوْقِهِ الشَّدِيدِ لِإِدْرَاكِهَا، وَلِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَيّ الْوُجُوهِ أَحَبُّ إِلَيْكَ عَبَدْتُكَ بِهِ، وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَى رَاحَتِهِ».

 

وَالْعَبْدُ يَعْرِفُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ بِفِطْرَتِهِ، وَبِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعَقْلِ؛ فَبِالسَّمْعِ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، وَيَسْمَعُ الْحُجَجَ وَالْبَرَاهِينَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْعِبَادَةَ دُونَ سِوَاهُ، وَأَنَّ عِبَادَتَهُ هِيَ الشُّكْرُ عَلَى نِعْمَةِ الْخَلْقِ، وَبِالْبَصَرِ يُبْصِرُ مَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةَ عَلَى عَظَمَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَبِالْعَقْلِ يُدْرِكُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَفْهَمُهُ فَيَهْتَدِي إِلَيْهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ، وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ عِدَّةٌ، مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السَّجْدَة: 6 - 9]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النَّحْل: 17- 18]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الْمُلْك: 23]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النَّحْل: 78]. وَفِي تَكْرَارِ اقْتِرَانِ الشُّكْرِ بِمِنَّةِ الْخَلْقِ فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَبْيَنُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا.

 

وَآيَةُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ كَانَتْ سَبَبَ إِسْلَامِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ كَمَا قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ﴾ [الطُّور: 35-37]، قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ -وَهُمْ يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ- أَنْ يَنْتَبِهُوا لِآيَاتِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْحَضِّ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِيَعْرِفُوا قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى حِينَ خَلَقَهُمْ وَرَبَّاهُمْ وَرَعَاهُمْ وَعَلَّمَهُمْ وَهَدَاهُمْ وَكَفَاهُمْ؛ فَذَلِكَ مُوجِبٌ عَظِيمٌ لِشُكْرِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النَّمْلِ: 40].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَة: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَمَا خَلَقَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهُ عَبَثًا، وَلَنْ يَتْرُكَهُ سُدًى ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 115]. بَلْ خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذَّارِيَات: 56].

 

كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَهُ لِيَسْتَقْوِيَ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ، أَوْ لِيَسْتَكْثِرَ بِهِ قِلَّةٍ، أَوْ لِيَغْتَنِيَ بِهِ مِنْ فَقْرٍ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ الْغَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرَّعْد: 16].

 

كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُهْلِكَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فَلَا يُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُبَدِّلَ بِهِمْ خَلْقًا آخَرَ غَيْرَهُمْ، وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ [النِّسَاء: 133]، ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [الْأَنْعَام: 133]، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إِبْرَاهِيم: 19- 20]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فَاطِر: 15 - 17].

 

وَإِذَا أَيْقَنَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ عَلِمَ فَقْرَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحَاجَتَهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنَّهُ لَا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَنَّ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ فَلَنْ يَنَالَهُ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَحْذَرُهُ فَلَنْ يَنْجُوَ مِنْهُ إِلَّا بِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ كُلَّ مَا يُصِيبُهُ فَبِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُعَلِّقُ قَلْبَهُ بِرَبِّهِ وَإِلَهِهِ وَمَوْلَاهُ، وَتَتَوَجَّهُ رَغْبَتُهُ إِلَيْهِ، وَيَصْرِفُ خَشْيَتَهُ لَهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ، فَلَا يَحِيدُ عَنْ هَذِهِ الْغَايَةِ الْعَظِيمَةِ النَّبِيلَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا، وَلَا يَضِيعُ عَنْهَا فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا. وَكُلَّمَا نَسِيَ وَغَفَلَ عَادَ وَتَذَكَّرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُهُ، وَأَنَّ خَلْقَهُ نِعْمَةٌ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، وَأَنَّ الْغَايَةَ مِنْ خَلْقِهِ عِبَادَةُ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا قَرِيرَ الْعَيْنِ بِتَعَلُّقِ قَلْبِهِ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَفِدُ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ فَيَحْظَى بِقُرْبِهِ مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في خلق الإنسان
  • حقيقة خلق الإنسان
  • حديث أطوار خلق الإنسان وخاتمته

مختارات من الشبكة

  • أمور تعين الإنسان على مواجهة أزمات الحياة وقوله تعالى (إن الإنسان خلق هلوعا)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • من أنت أيها الإنسان؟ (2) بداية خلق الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفكر في خلق الإنسان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {خلق الإنسان من نطفة} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: ( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عظمة الرحمن في خلق الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح الحديث الرابع من كتاب الأربعين النووية (مراحل خلق الإنسان)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أطوار خلق الإنسان (وقد خلقكم أطوارا)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/1/1447هـ - الساعة: 14:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب