• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

وصية الله لآدم وذريته

وصية الله لآدم وذريته
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/2/2016 ميلادي - 2/5/1437 هجري

الزيارات: 14335

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وصية الله لآدم وذريته

وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن المتعين على كل مؤمن ومؤمنة أن يكون متأملًا في آيات الله، متدبرًا لما جاء به هذا القرآن العزيز من الأخبار والأوامر والنواهي، ومن القصص العظيمات، تلك القصص التي أبدى فيها القرآن العظيم وأعاد، وقد بيَّن الله جل شأنه حكمة ذلك، فقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]، فينبغي للمؤمن أن يكون مستحضرًا للعبرة التي يستفيدها من قصص الأولين وما حصل للأمم السالفة، ومن القصص التي حفل بها القرآن الكريم قصة الأبوين عليهما السلام، قصة أبينا آدم وبدء خلقه، وما أُمر به عندما خالفه عدوه واستكبر عليه، عندما خالفه عدوه الشيطان؛ يقول رب العزة سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38] [البقرة: 30 - 38].


فتأملوا - رحِمكم الله - في هذه القصة العجيبة، هذه القصة التي تكرر ذكرها في مواضع من القرآن الكريم، وكيف أن الله جل وعلا لَمَّا أمر الملائكة بأن يسجدوا لأبينا آدم عليه السلام، وكان الأمر شاملًا لذلك المخلوق الذي كان مع الملائكة وليس منهم، كان معهم بعبادته، ولم يكن من جنسهم؛ فإنهم خُلِقوا من نور، وأما هو فخُلِق من نار، وقد كان عنده من الكبر ما عنده، ولذلك لما أمره ربه بالسجود لآدم عليه السلام، أبى واستكبر، وكان ما قص الله علينا في هذه الآيات الكريمات.

 

ومما يتوقف عنده من العِبر أن الله جل وعلا لَمَّا قال لأبينا آدم ولزوجه حواء: ﴿ اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38].


فتعلَّم بهذا يا عبد الله أن المخرج في هذه الدار دار الاختبار، هو اتباع الهدى الذي فزِع إليه أبونا آدم لما عصى ربه، فإنه كما قال جل وعلا: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 37]، فينبغي أن نكون على نهج أبينا آدم عليه السلام من الأوبة إلى الله جل وعلا، فإن هذا هو الذي يعيدنا إلى جنة ربنا كما أُعيد أبونا عليه السلام:

فحيَّ على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيمُ
ولكننا سَبْيُ العدو فهل ترى
نعود إلى تلك الديار ونسلمُ

 

فقوله سبحانه مُخبرًا عما كان من أوبة أبينا آدم، وما كان من وصية الله جل وعلا له بأن يكون مستقيمًا على هذا الهدى، والهدى هو ما أوحاه الله جل وعلا إلى أنبيائه وأرسلهم به.

 

فهذا خبر من الله سبحانه بما أنذر الله جل وعلا به آدم وزوجه حواء عليهما السلام، وهو خبر أيضًا ونذارة لذريتهما بأنهم سيكونون في هذه الأرض بعد أن أُهبطوا من الجنة، أنهم سيكونون في مواجهة مع عدوهم إبليس الذي أخرجهم من الجنة؛ ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ [البقرة: 36].

 

أخرجهما مما كانا فيه من نعمة الله جل وعلا، ومن طاعته، ومن عُلوِّ المنزلة، وشرف المكانة والنعيم المقيم في الجنة إلى ضد ذلك كله؛ عياذًا بالله من سوء الحال، ولذلك أخبر الله هذه الذرية بالخبر لأبيهم بأنه سينزل الكتب ويبعث الرسل، وأن المتبع لذلك هو الناجي، وقد تكفل الله بالنجاة بأن أخبر بأن مَن اتَّبع هداه ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38].

 

وقد تنوَّعت عبارات المفسرين رحمهم الله فيما وعد الله تعالى به مَن اتَّبع هداه أنه ﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾.

وخلاصة وحاصل ذلك أن كل خوف هو منفي عمن اتَّبع هدى الله، وكل حزن منفي أيضًا عمن اتبع هدى الله جل وعلا، والخوف كما يقول أهل الاختصاص: حالة تنزل بالإنسان تجعله على اضطراب وتغيُّر في الحال مما سيحصل في مستقبل أيامه، والحزن يكون بالنسبة للإنسان حالة فيها الاضطراب والاستشعار لأمر كدَّره مما هو واقع فيه في حاله أو فيما مضى.

 

فالمؤمن المتبع لهدى الله جل وعلا لا يخاف مما يستقبله من أموره في هذه الدنيا، ولا مما يستقبله في الآخرة، كما أنه لا يَحزن على ما يفوته في هذه الحياة الدنيا؛ لأنه مهما فاته، فإن رأس المال عنده - وأعظم ما يحافظ عليه - طاعته لربه، فلا يضيره بعد ذلك ما فاته من أمور هذه الحياة الدنيا؛ كما وعد الله جل وعلا في شأن مَن اتَّبع الهدى كما في سورة طه، قال جل وعلا: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾[طه: 123]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

 

وتأمَّلوا - رحمكم الله - أن مدار حرص الناس جميعًا في تطلُّب المعايش، وسعيهم في الأرض - مؤمنهم وكافرهم - على أن يأمنوا من هذين الأمرين العظيمين، كل ساعٍ ومتطلب في معاشه يسعى لهذين الأمرين الجليلين العظيمين؛ ألا تصيبه حالة من الحزن، وألا يناله شيء من الخوف، وهذا لا يمكن أن يحصل بمال ولا ملك ولا منصب، ولا رتبة ولا مرتبة؛ لأنها حالة نفسية إنما تحصل إذا اتبع مَن هو أعلم بهذه النفس وأعلم بهذه الروح، فقد ينال الإنسان المال والجاه والرتب والمراتب، لكنه مع ذلك في حالة من القلق والحزن الذي لا يدري ما مصدره، وربما يدري ولكن لا مخرج من ذلك، إلا بأن يكون الإنسان على الجادة التي أمر الله بها، وهو اتباع الهدى.

 

فهذه النفس البشرية فيها خوف لا يُسكنه إلا الأوبة إلى الله جل وعلا والركون عليه، وفيها قلق وحزن وأنواع من التغير، لا يمكن أن تكون على الحال الطيبة إلا بالأوبة إلى الله جل وعلا والركون إليه، ولن تستجلب راحة ولا طمأنينة بمثل الأوبة إلى الله والفزع إليه سبحانه، والتقرب إليه بالطاعة.

 

ألا ترون رحمكم الله كيف أن نبينا صلى الله عليه وسلم - وهو أشرح الناس صدرًا، وأطيبهم عيشًا - كان يقول لبلال رضي الله عنه وأرضاه في شأن الصلاة: (أرِحْنا بها يا بلال)؛ وذلك لأن الصلاة هي الحال التي يكون فيها المرء أقرب ما يكون إلى ربه، وبخاصة في حال السجود؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا من الدعاء، فإنه قَمِنٌ أن يستجابَ لكم).

 

وتأملوا أيها الإخوة المؤمنون كيف أن هذا الحزن والخوف منفي - كما تكرر في مواضع من كتاب الله جل وعلا - عن أهل الإيمان بالنظر إلى أن الحزن والخوف هما الحال التي تؤدي بكثير من الناس إلى الاضطراب، ففي هذه الآية التي أوحى الله جل وعلا فيها، والتي جاء فيها خبر الله جل وعلا لأبينا آدم - أن الخوف والحزن منفي عنه وعن ذريته إن اتَّبعوا الهدى، وهذا يقتضي أن تُنفى هذه الحال لمن خالف، فهي بشارة ووعد كريم لأهل الإيمان أنْ لا خوف عليهم ولا حزن، وهو وعيد أيضًا ونذارة للمعرضين بأن الحزن والخوف سينالهم إن هم تنكَّبوا الصراط المستقيم، ولذا قال جل وعلا في سورة المائدة: ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [المائدة: 69]، والله جل وعلا يقول أيضًا في موضع آخر من كتابه الكريم: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأنعام: 48]، وقال سبحانه في موضع آخر: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 35]، ويقول جل وعلا أيضًا في موضع آخر من كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾[الأحقاف: 13]، وهذه البشارة في هذا الموضع الكريم تكون من الملائكة عليهم السلام في اللحظات الأخيرة لمغادرة الإنسان لهذه الحياة الدنيا، فإن من أعظم اللحظات التي تنزل بالإنسان، هي لحظات مغادرته لهذه الدنيا، هذه الدار التي ألِفها وطابَ عيشُه فيها في أيام خلَتْ، وفيها أهله وبنوه، وفيها ما فيها من أمور عديدة يتعلق بها بطبعه، في هذه اللحظات ينزل الحزن العظيم على عامة الناس المغادرين للدنيا، وهنا يُثبت الله عباده المؤمنين ويُبشرهم على ألسنة الملائكة أنْ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ لأن الإنسان المغادر للدنيا - وهو يغادر هذه الحياة التي ألِفها وفيها أهلوه وبنوه - يكون على حزن عظيم، ماذا سيكون لهؤلاء؟ وكذلك على خوف مما يستقبل، ماذا سيكون الحال؟ فتأتي البشارة لا خوف مما أنتم مقبلون عليه، فأمامكم جنة ربكم وأمامكم رضاه، وأمامكم النعيم المقيم، ولا تحزنوا على ما مضى؛ فإن هؤلاء الأهلين بصلاح الآباء يَحفظهم الله جل وعلا؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الطور: 21]، ويكون كمال البشارة بتحقيق الأمن العظيم في حال أهوال القيامة، فقال سبحانه في شأن عباده المؤمنين الذين اصطفاهم: ﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾[الأنبياء: 103].

 

فما أعظمها من بشارة؛ حيث أمِنوا من خوف الدنيا وحزنه! وأيضًا أمِنوا من أهوال يوم القيامة:﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ﴾، وتكمل النعمة على بعض عباد الله المؤمنين الأخيار، بأنهم حين ينفخ في الصور فإنهم ممن يُؤمَّنون من فزع ذلك اليوم العظيم؛ ولذا قال سبحانه: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الزمر: 68]، فما أعظم بشارة هؤلاء المستثنين إلا من شاء الله! جعلنا الله وإياكم منهم!

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيقول الله جل شأنه في هذه الآية الكريمة: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38].

في هذه الآية ما يُحفز المؤمن على أن يستكثر من الطاعات ويتباعد عن السيئات، فهذه هي السعادة الحقيقية التي تطمئن بها الروح، وترتاح بها النفس، ويُسَرُّ بها الخاطر، ومما يوضح هذا أن الله جل وعلا يحب عباده المؤمنين ويحب طاعاتهم، ويَجزيهم عليها الجزاء الأوفى؛ كما جاء في الحديث القدسي في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه يقول: (من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجله التي يمشي عليها، ولئن استعاذني لأعيذنه، ولئن سألني لأُعطينه ...) إلى آخر الحديث.

 

ومعنى قوله: (كنت سمعه الذي يسمع به): أن الله جل وعلا يُهيئ لهذا المؤمن الذي استكثر من الطاعات المزيدَ منها، ويباعده عن السيئات، فإن الله إذا أحب العبد هيَّأ له الطاعة وسهَّلها له، وباعده عن المعصية، أما من لم يكن حريصًا على الطاعات، فإن الله لا يبالي به في أي واد هلك، فمن أعظم ما يحزن العاصي إذا عصى ربه أنه لو كان محبوبًا عند الله، لحال بينه وبين المعصية، فالمؤمن يهيئ الله له الأسباب والسبل بأن يستقيم على الطاعات، ويباعده عن السيئات.

 

"كنت سمعه الذي يسمع به"؛ يعني - كما فسرتها الرواية الأخرى - "فلا يسمع إلا بي"؛ يعني: بما يرضيني، "وبصره الذي يُبصر به"؛ يعني: لا يأتي مما يبصر إلا ما يحبه الله ويتباعد عن معاصيه، "ويده التي يبطش بها"؛ يعني: أنه لا يتعاطى من أموره في هذه الدنيا إلا ما أحبه الله، فإذا أراد السيئة حِيلَ بينه وبينها، وقوله: "ورِجله التي يمشي عليها"؛ يعني أن الله يجعل ذهابه وإيابه في طاعاته، ويباعده عن سيئاته، وهذه منزلة عظيمة إنما يوفَّق إليها أولياءُ الله الذي قال عنهم جل وعلا: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].

 

ولذا كان من أعظم ما ينبغي أن يُحزن المسلم إذا اقترف السيئة - أن يعلم أن شؤمها أدى به إلى أن يكون بعيدًا عن ربه، وإلا لو كانت له عنده المنزلة لحِيلَ بينه وبينها، ومن أعظم أيضًا ما يكون مسيئًا لهذا المسلم إذا عصى الله - أن يحال بينه وبين التوبة؛ لأن الخطأ والذنب والمعصية لا بد من وقوعها من ابن آدم، فهو غير معصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل بني آدم خطَّاء)، ولكن المصيبة أن يكون مُصِرًّا غير تائبٍ ولا راجعٍ، ولذا جاء في تمام الحديث: (وخيرُ الخطَّائين التوابون).

 

وأبونا آدم عليه السلام بعد أن عصى ربه وتاب إليه - ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 37] - عاد إلى حال ومنزلة أعظم مما كان عليها من الحال الأولى بتوبته إلى ربه، ولذا كان المشروع للمؤمن أن يكون حريصًا على هذه الكلمات، وهي كلمات التوبة والأوبة إلى الله؛ كما بيَّنتها سورة الأعراف؛ حيث أخبر الله جل وعلا عن آدم وزوجه حوَّاء أنهما تابا وأنابا إلى الله واعترفا بخطيئتهما؛ ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، ولذا كانت هذه الكلمة العظيمة من أعظم ما يدخل به العبد على ربه، ألا ترون أن ذا النون لما دعا ربه، دعا بهذا الاعتراف والإقرار، وحب العودة إلى العزيز الغفار: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (ما دعا بها عبدٌ إلا قُبِل منه)، أو كما صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام.

 

فنسأل الله تعالى أن يوفِّقنا للتوبة والإنابة، وأن يُعيذنا من سخطه وأليم عقابه، إن ربي سميع قريب مجيب.

 

ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات؛ الأحياء منهم، والأموات.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

اللهم أصلح لنا نيَّاتنا وذريَّاتنا.

 

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

 

اللهم إن بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام من الفرقة واللأواء، ومن الشدة والبأساء، ومن تسلُّط الأعداء وكيدهم - ما لا يقدر على كشفه إلا أنت، ولا نشكوه إلا إليك، فنسألك اللهم فرجًا عاجلًا لأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام.

 

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كَرْب المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اجعل بلدنا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اللهم وفِّقهم للخيرات وأعِذْهم من المنكرات، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبْعِدْ عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكْفِهم شرارهم.

اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم احفَظ إخواننا المرابطين على الثغور.

اللهم احفظهم بحفظك، اللهم سدِّد آراءهم ورَمْيَهم يا رب العالمين.

اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا في فلسطين والشام، وفي ليبيا والعراق، وفي غيرها من البلاد يا رب العالمين.

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حياة آدم على الأرض
  • وصية الله جل جلاله
  • الأدب وصية رب العالمين

مختارات من الشبكة

  • وصية الله لآدم وذريته وقوله تعالى: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خطبة: كلكم لآدم وآدم من تراب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • الوصية في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ستون وصية ووصية للحصول على نوم هنيء ومبارك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • آخر وصايا الرسول (خلاصة خطبة جمعة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يَبيت ليلتينِ إلا ووصيته مكتوبة عنده(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • من روائع وصايا الأمهات (4)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من روائع وصايا الأمهات (3)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الإدمان المعاصر: الجوال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب