• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/3/2015 ميلادي - 5/6/1436 هجري

الزيارات: 66157

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيها الإخوة الكرام، إن المتأمل في نصوص القرآن والسنة يتبيَّن له ما حفَلتا به من التنبيه والتحذير من أنواع الفتن، فالفتن منها ما يكون متعلقًا بالإنسان في ذاته، يفتن بشيء من الشبهات، أو شيء من الشهوات، فيتعلق قلبُه بها، ويتوجه خلده وضميرُه إليها، ويكون متعلقًا بها، وهذه الفتن - وبخاصة فتن الشهوات - جعل الله تعالى من الطاعات ما يُكفِّرها؛ من الصلوات والصدقات والصيام، والحج والعمرة، وغير ذلك من القُربات.

 

غير أن الفتن التي تتعلق بالشُّبهات خطرها أعظم، وفَداحتها أكبر، وبخاصة إذا انتقلت من الشخص في ذاته إلى أن تكون فتنة عامة بين الناس، والفتن - وهي تتضمَّن الامتحان والاختبار بمدلولها اللغوي والواقعي - إذا حلَّت بين الناس، فإنها تؤثِّر على أمْنهم وعلى معايشهم، بل وعلى عبادتهم، والقيام بحقوق الرب جل وعلا، ومَن تدبَّر الكتاب العزيز، فإنه يَلحَظ ما اشتملت عليه آياته الكريمة من التحذير من الفتن، وبيان أنواعها، وما يتعيَّن من الوقاية منها ومُدافعتها، وما ينبغي من الثبات عند حدوثها.

 

وهكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيها التأكيد على هذا الأمر، والعناية البليغة به، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أبدى وأعاد في شأن الفتن، حتى إنه قام يومًا فأخبر الصحابة الكرام رضي الله عنهم بكل ما سيكون إلى قيام الساعة، واستغرق ذلك وقتًا طويلًا من بعد صلاة الفجر حتى غروب الشمس.

 

تأمَّل يا عبد الله خطبة نبوية من بعد صلاة الفجر، صعِد المنبر ولم ينزل منه إلا عند غروب الشمس، إنما يتوقف لصلاة الفريضة؛ يوضِّح هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمُنا أحفظُنا.

 

يقول: أعلمنا مَن حفظ هذه الخطبة، وما تضمنته من البيان والتوجيه والإرشاد، وقد تنوَّعت عناية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن البيان والتحذير حول الفتن بأساليب متنوعة وطرق متعددة، فتارة يُحذر من الفتن إجمالًا، ويَستنهض الناس لطلب المخرج؛ كما في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((ستكون فتنٌ، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومَن يُشرِف لها تَستشرفه، ومَن وجَد ملجأً أو معاذًا، فليَعُذْ به)).

 

هذا النص النبوي يبيِّن أن الإنسان ينبغي أن يكون متباطئًا عن الولوغ في الفتن، وتارةً كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الصبر على الفتن، والثبات على ملاقاتها؛ كما في سنن أبي داود عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه، قال: "ايم الله، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، ولَمَن ابتُلِي فصبَر فواهًا))، وقوله: (فواهًا)؛ يعني: هذا أمرٌ يُحمد له أن يثبت عند الفتن، ولا يغرق فيها.

 

وتارة كان النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الفتن يحثُّهم على التمسك بسُنته، ولزوم سنة الخلفاء الراشدين، مُبينًا لهم أن مَن لزِمها نجا، وأن مَن خالفها عرَّض نفسه للزيغ والانحراف، يوضِّح هذا ما رواه العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، فوعَظنا موعظة بليغة وَجِلَتْ منها القلوب، وذرَفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله، وعظتنا موعظة مودِّع، فاعهد إلينا بعهد، فقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًّا)).

 

(عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة)؛ يعني: لِمَن ولاه الله أمركم، ((وإن عبدًا حبشيًّا))؛ يعني: لا تنازعوا مَن وُلِّيَ عليكم وإن كان عبدًا حبشيًّا؛ لأن العرب كان عندهم نوع من الاستصغار بالآخرين والتكبُّر، فقال لهم بمنطقهم: ولو كان هذا الذي أمامكم ترونه ليس أهلاً لأن يكون أميرًا عليكم، ولو كان في سابق عهده مملوكًا، فإنه إذا وُلِّيَ عليكم واستتبَّ له الأمر، وجَب عليكم السمع والطاعة، وعدم المنازعة؛ لأن ذلك يُفضي إلى الشر العظيم؛ قال: ((وسترون من بعدي اختلافًا شديدًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة))؛ رواه الإمام أحمد وغيره.

 

وكان صلى الله عليه وسلم تارة يُحذِّر من استحداث ما يُسبب الفتن؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (وإياكم والأمور المحدثات)؛ لأن بعض الناس يُحدث على المجتمعات أمورًا تُذهب الأمن، وتُسبِّب الاضطراب، وتُخِل بمعايش الناس، وبالحرمات العظمى من الدماء والأعراض، وتؤدي إلى عدم قيام الناس بعباداتهم كما أمر الله جل وعلا.

 

وفي تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن، كان في بعض الأحيان يُجمل أنواع الفتن بما يكون من أوصافها - من شدة أو عموم، أو غير ذلك - وهذا يوضِّحه ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي إدريس الخولاني رحمه الله أنه كان يقول: قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أَسَرَّ إليَّ في ذلك شيئًا لم يُحدِّثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يُحدِّث مجلسًا أنا فيه عن الفتن"، يقول حذيفة: ليس عندي علم زائد أسرَّ لي به رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الفتن، لكنه حدثنا يومًا في مجلس عن الفتن، فقال وهو يعد الفتن منها ثلاثًا لا يَكَدْنا يَذَرنا شيئًا، ومنهن فتن كرياح الصيف، ومنها صغار، ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري - يعني الذين سمعوا هذا الحديث في وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفتن، تُوفُّوا جميعًا، وكان يحدث وقد بقِي هو منهم، ولذا أُثِر عنه رضي الله عنه الحديث عن الفتن في غير ما حديثٍ وأَثَرٍ عنه رضي الله عنه.

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض التارات يجيب إجابة مستفيضة مقرونة بالنصح والبيان التام لِما يكون من أسئلة الصحابة ومراجعاتهم في شأن الفتن، فقد جاء في كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري في باب: (كيف يكون الأمر إذا لم تكن جماعة)، وجاء أيضًا في صحيح مسلم في كتاب الإمارة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مَخافة أن يُدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشرٍّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير - النبوة والرسالة والسنة - هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دَخَن)) - فيه ما يداخله خير، لكنه مُختلط بشر، والخير غالب - قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يهدون بغير هدْيي، تَعرف منهم وتُنكر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم، دعاة إلى أبواب جهنم مَن أجابهم إليها، قذَفوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا، قال: ((هم مِن جِلدتنا، ويتكلمون بألْسِنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تَلزَم جماعة المسلمين وإمامهم)).

 

وتأمَّلوا أيها الإخوة أنه في تاريخ المسلمين إنما يحصُل الاختلال والاضطراب حينما تتوجَّه الحِراب بين المسلمين فيما بينهم، في منازعة على مُلك، أو إمارةٍ، أو كراسي، وغير ذلك.

 

المؤمن مأمور بأن يهتم بذات نفسه، وأن يبعد عن الفتن، وأن يُقللها قدر ما يستطيع، ومن أعظم ذلك اجتماع الناس على إمام واحد، يسمعون له ويطيعون بالمعروف، وقد يكون من الأئمة والأُمراء والسلاطين مَن عنده فِسق، وعنده أخطاء، وعنده أنواع من الظلم، وعنده أنواع من الاستئثار بالدنيا والأموال، وهذا وقع فيما مضى، ولن يزال واقعًا إلى آخر الدنيا، لكن ذلك لا يبرِّر أن يفرط عقد الأمن والجماعة والسمع والطاعة، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال حذيفة رضي الله عنه بعد أن قال رسول الله: ((تَلزَم جماعة المسلمين وإمامهم))، قال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، وهذا قد يحصل في بعض الأزمنة، في زماننا ولله الحمد، وبخاصة نحن في هذه البلاد لدينا الجماعة: جماعة المسلمين، وشعائر مقامة في بيوت الله، وأنواع من الطاعات ظاهرة، وإمام اجتمع الناس عليه سمعًا وطاعة فيما يأمر بالمعروف، إمام اجتمع عليه الناس، فأمنوا على أرواحهم، وأمِنوا على أعراضهم، وأمنوا على أموالهم، وأمنوا على دينهم، وأمنوا على عقولهم، هذه الكليات الكبرى محفوظة بحفظ الله باتِّباع سنة رسول الله بالاجتماع على إمام واحد، والاعتصام بالكتاب والسنة.

 

ولذا فإنه إذا وُجِدت توجُّهات لبعض مَن يريد الخروج عن هذه الجماعة، وشق عصا الطاعة، ونزع اليد من الطاعة، فإن هذا كما قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))؛ يعني: ليس على السنة، وإنما على ضلال الجاهليين الذين كانوا يتنازعون؛ لأنه لا دينَ لهم يحفظهم، ولا يَضبط شؤونهم.

 

يقول حذيفة: فلما قلت: يا رسول الله، فما تأمرني إذا لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزِل تلك الفرق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة، حتى يُدركك الموت وأنت على ذلك))؛ لأنه إذا لم توجد الجماعة ولم يوجد الإمام، تناحَر الناس كأنما هم في غابة حيوانات، فكان الأحفظ للمسلم أن يبعد عن مثل هذا المجتمع الذي لا يُعرَف فيه إمام، والذي يتناحر فيه الناس، كلٌّ يدعو لنفسه، ويقتل مَن خالَفه، متأولًا ظلمًا وعدوانًا؛ جاء في رواية عند الإمام مسلم أن حذيفة قال: يا رسول الله، إنا كنا بشر، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: ((نعم))، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: ((نعم))، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: ((نعم))، قلت: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس))، قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: ((تسمع للأمير وإن ضرَب ظهرك، وأخذ مالَك، فاسمع وأطِع)).

 

ومن فقه الإمام البخاري في تبويبه لهذا الحديث في كتاب الفتن من الجامع الصحيح أنه قال: باب: (كيف الأمر إذا لم تكن جماعة).

 

ومن تنبيه النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الفتن أنه حذر من تلوُّنها، ووصفها بأوصاف تنبئ عن شِدتها، ومن ذلك ما ثبت في المسند وسنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "كنا قعودًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس، قال قائل: وما فتنة الأحلاس؟ قال: ((هي هَرَبٌ وحربٌ))، والعلماء يقولون في معنى الأحلاس هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القَتَب، شبَّه الفتن بالأحلاس؛ لأنها لازمة دائمة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تأتي بعدها فتنة السراء، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كوَرِكٍ على ضِلَع، ثم فتنة الدُّهيماء، لا تدَع أحدًا من هذه الأمة إلا لطَمته لطمة، فإذا قيل: انقضت تمادَت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاقَ فيه، وفسطاط نفاقٍ لا إيمانَ فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده)).

 

والمقصود أن هذه الفتن تتوالَى وتتنوَّع، وإنما المخرج فيها لزوم الكتاب والسنة، ومعرفة هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهدي رسول الله في شأن الفتن دائرٌ على الامتناع عن الظلم، على الامتناع عن الاندفاع مع الغوغاء، قائم على أن تُحفَظ الحقوق للناس، وألا ينازع أحد أحدًا في حق له، قائمة على أن يكون الاجتماع على وَلِي أمرٍ سمِع له الناس وأطاعوا، واستتبَّ به الأمن، هذا كان هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والموفق من لزم هذا الهدي وحفظ لسانه ويده عن أن يصيب أحدًا من المسلمين، فالمسلم كما قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده)).

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيها الإخوة الكرام، إن الفتن عند تأمُّلها يُعْلَم أنها ملتبسة غير ظاهرة ولا بيِّنة، ولذلك يتوارد عليها الناس لاشتباهها، فإنها إذا وقعت الفتن، فإنها عمياء، تُعمي البصائر، وتُربك العقول، ولا يثبت معها إلا من نوَّر الله بصيرته وثبت بالعلم، وفي هذا يقول بعض المتقدمين: إن الفتن إذا وقعت، عُرِج بالعقول، ونُكِّست القلوب.

 

عند حلول الفتن أيضًا يزداد حرج النفوس وضيقها، حتى يوشك في بعض هذه الفتن أن يكون باطن الأرض خير من ظاهرها، ويوشك أن ينطبق قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء))، ليس به الدين أنه يرجو لقاء الله والدار الآخرة، لكن الذي أدَّى به إلى ذلك هو البلاء الذي يشاهده، والحديث في الصحيحين.

 

قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "إنما تُغبَط أهل القبور ويتمنَّى الموت عند ظهور الفتن، إنما هو خوف ذَهاب الدين بغلبة الباطل وأهله، وظهور المعاصي والمنكر".

 

هذا حال أهل الإيمان أنهم إذا تكاثَرت عليهم الفتن، وشاهَدوا اختلاط الأمور - كرِهوا الدنيا، كرهوها، وتمنَّوا لقاء الله، لكن من الناس من يكون حاله كما في الحديث المتقدم، ولذا قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إن تمنِّي الموت حينما تكثُر الفتن ليس عامًّا في حق كل أحد، إنما هو خاص بأهل الخير، وأما غيرهم فقد يكون لِما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه، وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه، وإنما هو بسبب وقوع البلاء والشدة، حتى يكون الموت - الذي هو أعظم المصائب - أهونَ على المرء، فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده".

 

وهذا يُشاهَد حينما يختل الأمن في بعض البلاد، ويتسلَّط الفُجَّار، ويعتدون على المحارم والأعراض، ولا يرعون للمسلم حرمة، ولا إلاًّ ولا ذِمَّة، فإن المسلم - سواءً كان برًّا، أو كان غير بَرٍّ - يتمنَّى أن يكون الموت نصيبه قبل مواجهة مثل أنواع هذه البلايا.

 

أيها الإخوة الكرام:

إن المتعين على المسلم أن يكون محاذرًا من الفتن، وأن يكون مستعيذًا بالله منها، وألا يكون متسببًا على نفسه ولا على مجتمعه في الدخول في هذه الأنواع من الفتن، والتي يكون كثير منها مبتدأه بالقول والكلمة فحسب؛ ولذلك فإنه مع انتشار أنواع وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، فالكلمة التي تعبر في الفضاء من أقصى الدنيا إلى أقصاها، ولا يُدرى في كثير من الأحيان مَن هو الذي يُشيعها ويُبتدئها، وكثير منها يُراد به الإخلال بأحوال المسلمين، وإشاعة أنواع الاضطراب فيما بينهم، وهو أمرٌ نشاهده اليوم سهلٌ على كثير من الناس الدخول فيه، فتجد الشخص يقرأ الكلمة فيُصدِّقها، وربما يعلِّق عليها، وربما يُعيد نشرها، ولا يدري من ابتدأها؟ ولا يدري هل هي حقيقة أو غير حقيقة؟

 

وهذا مثال واضح بيِّن في كيفية دخول كثير الناس في الفتن ونشرها فيما بينهم، و"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"؛ من قول يبتدئه فيه الضرر عليهم، ومن قول يُشيعه وينشره، ولو لم يكن مبتدئًا من عنده، وفيه الضرر على المسلمين.

 

المسلم ينبغي أن يكون محاذرًا من هذه الفتن، وألا يكون مبتدئًا لها، ولا ناشرًا، ولا مشيعًا لها، ولذلك كان من حث النبي صلى الله عليه وآله سلم أن يُلازم المسلم دعاءَ الله تعالى مستعيذًا من الفتن، وهذا ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم المسلم في صلاته أن يكون دعاؤه: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال))، وهذا الدعاء ثابت في الصحيح، ومشروع للمسلم أن يحافظ عليه، فهو سنة مؤكدة، بل إن الإمام طاوس بن كيسان رحمه الله كما أُثِر عنه في صحيح مسلم أنه سأل ولده يومًا: "هل قلت هذا الدعاء في صلاتك؟ قال: لا، قال: أعِد صلاتك"، وهذا اجتهاد منه أن هذا الدعاء إذا لم يُقَل تَبطل الصلاة، وإن كان الصحيح أنه سنة مؤكدة، وليس من واجبات الصلاة، ولا من أركانها، لكن المسلم مأمور أن يحافظ عليه لِما فيه من الخير العظيم الذي يلقاه إذا دعا الله به والشر الذي يُجنَّبُه: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)).

 

ألا وصلُّوا وسلِّمُوا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

اللهم أعِز الإسلام والمسلمين، وأذِل الكفر والكافرين.

 

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشْغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

 

اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

 

اللهم وفِّق ولي أمرنا ونائِبَيه لِما فيه الخير والهدى، ولِما فيه خير العباد والبلاد.

 

اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احقِن دماء المسلمين في كل مكان.

 

اللهم عجِّل بالفرج لكل مسلم ومسلمة من المكروبين.

 

اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا في الشام وفي ليبيا وفي اليمن، وفي غيرها من البلاد.

 

اللهم اجمعهم على الحق، اللهم ولِّ عليهم خيارهم، اللهم اكفِهم شِرارهم، اللهم انتصِف للمسلمين المظلومين في الشام من طاغية الشام، اللهم اقتُله وأهلِك جنده وأعوانه يا قوي يا عزيز.

 

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء والأموات.

 

اللهم أصلح لنا نيَّاتنا وذرياتنا يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

 

اللهم بمنِّك وفضلك، لا تجعل لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّسته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مذنبًا إلا إليك رَددته، ولا مُبْتَلَيًا إلا عافيته، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة المسجد الحرام 6/4/1432هـ - الفتنة ودور الشيطان في إشعالها
  • خطبة المسجد النبوي 15/7/1432هـ - التحذير من الفتن
  • خطبة المسجد الحرام 4/10/1432 هـ - النجاة من الفتن
  • خطبة المسجد الحرام 15/2/1434 هـ - اتقاء الفتن
  • هل اشتقت للنبي صلى الله عليه وسلم؟
  • خواطر حول الأحاديث النبوية في الفتن

مختارات من الشبكة

  • ‏تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • من فضائل النبي: أكرم الله جبريل بأن رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: استأذن ملك القطر ربه ليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان صلى الله عليه وسلم رحيما بالمؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (31): كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره من الأنبياء في الدنيا(مقالة - ملفات خاصة)
  • لم يتبق من قبور الأنبياء إلا قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • تخريج حديث: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب