• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات
علامة باركود

الفعالية الحضارية الإسلامية بين التنظير والتطبيق

أ. د. عبدالحليم عويس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/12/2012 ميلادي - 26/1/1434 هجري

الزيارات: 10488

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفعالية الحضارية الإسلامية

بين التنظير والتطبيق


يقع بعض المفكرين المسلمين في تناقضٍ شديد بين مستوى شمول الإسلام والقرآن لكل شيء: ﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ [1]، ومستوى المطالبة القرآنية والإسلامية الملحة بالمشي في الأرض، والتفكُّر في خلق السموات والأرض، وفي النفس الإنسانية: ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾[2]، والمطالبة المُلحة أيضًا بطلب العلم عبر مساحة قرآنية تربو على سبعمائة آية، علاوة على الآثار النبوية القولية والفعلية.

 

ولو أننا تعمَّقنا في القرآن وفي السنة النبوية، لوجدنا الموازين معتدلة وواضحة بين مستوى "التفصيل" والتنظير"، الذي وضع الإسلام معالمه في كل مجال من مجالات الفكر والحياة، من خلال عدد من الثوابت والمعالم التي تحدِّد الفيصل، أو تحدد الفروق بين الواجب، والحرام، والمكروه، والمباح..، والمستوى العقلاني التطبيقي الذي به وحْده يَزدهر التنظير ويُكسى عظمُه لحمًا، وتتفتَّح آفاقه وتتواصل مُعطياته عبر العصور!!

 

وكما يخطئ بعض  المسلمين في الفروق بين المستويين:

فيتصوَّرون الاقتصاد الإسلامي مجرد الابتعاد عن الربا والاحتكار والغش، والأخذ بالمضاربة، والمرابحة، والمتاجرة، ويتصورون الأدب مجرد مواعظ أو ضوابطَ أخلاقية؛ كذلك يخطئ أعداء الإسلاميين حين يؤمنون بالتغير الدائم والحركة المستمرة، دون ثوابت، أو أصول، أو معالمَ، تضع الإشارات الكبرى، وتوجه المسيرة البشرية في كل العصور إلى الطريق القويم الذي يجب أن يتَّجهوا إليه، وأن يُبدعوا فيه، مدركين ما ينبغي لهم وما لا ينبغي؛ مما قد يَعجِِز عقلهم عن إدراكه، ومما قد يُدركونه في مرحلة، بينما يغيب عنهم في مرحلة أخرى؛ ولهذا زوَّدتهم العناية الإلهية به من خلال الوحي الصحيح، وهم بعد ذلك مطالبون بالإبداع في مجال التطبيق، معتمدين على عقولهم وطاقاتهم، مستنيرين بالثوابت والأصول، مستجيبين - في الوقت نفسه - لتوجيه الرسول - عليه الصلاة والسلام -: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، مؤمنين بأن المعادلة بين التنظير والتطبيق لتحقيق الفعالية واضحة، لكن المسلمين أضاعوا معالمها بين إفراط وتفريط!!

 

لقد درَج كثير من المسلمين على معالجة تفسير القرآن وفقهه بطريقة فرعية وحرفية وجزئية..، دون أن يتعاملوا معه بطريقة كلية شمولية، يستمدون منه القِيم القرآنية المطلقة، والقوانين الثابتة، ومفاتيح التعامل مع سُنن الله الكونية والاجتماعية..، ومن ثَمَّ يستخلصون الإضافات الصالحة لتطوير التنظير!! ويا للأسف، كان من نتيجة هذا أن انحرَفت مسيرة المسلمين عن المنهج القرآني المعرفي والتجريبي، الجامع بين العقلية والمادية الحسيَّة في إطار محكم..، وسيطَر على فكرهم - في كثير من العصور - المنهاج اليوناني، ولا سيما بعد أن تُرجِمت كتب الإغريق بمؤازرة الدولة العباسية (الخليفة المأمون) في القرن الثالث الهجري، مع أن العكس كان هو الصحيح، فنحن المسلمين - المنطلقين من القرآن الكريم - أقوم فكرًا، وأنْقى تصوُّرًا، وأزكى عقيدة، وأقدرُ على قدْر الله حق قدْرِه، واحترام السنن الكونية والتاريخية، لو بقِي نهرنا الفكري سليمًا لا تُعكر صفوَه شوائبُ وثنية، أو عقلية منحرفة ‍‍‍!!

 

إن التصور القرآني للكون والحياة، هو أصدق تصوُّر ظهر في التاريخ بهذا الشمول، وهذا التوازن، إنه الدليل الأكبر على عظمة الخالق الذي يتطابق كتابه المسطور مع كونه المنظور!!

 

ومن المعروف أن قدْرًا كبيرًا من موضوعات القرآن وقضاياه، يعالج ما يُعرف بالقَصص القرآني، أو تاريخ الأنبياء وحضاراتهم، وتاريخ الأقوام الماضين، من مندثرين، وممن بقِيت لهم امتدادات وشواهد...، وهذه المعالجة لم تَلقَ هذا الاهتمام ليكون القرآن كتاب تاريخ، ولا لإثبات إعجاز القرآن التاريخي فحسب، بل قُصِد بها - إلى جانب ذلك - أن يستوعب المسلمون سُنن الله، وأن يلتزموها، وألاَّ يحاولوا القفز من فوقها، وأن يُدركوا أن تَمكينهم في الأرض مشروط بالفقه بهذه السنن والتزامها في الحركة التاريخية، والابتعاد عن التواكلية والعفَوية، أو ما يسمى بإسقاط التدبير!!

 

فالاعتماد على الله والتوكل عليه - بمعناهما الحق - يوجبان فقه المفاتيح والأساليب والوسائل التي خلَقها الله - سبحانه - وجعلها قاسماً مشتركًا بين كل الناس، ومعالم تدلُّهم على وسائل البقاء والتقدم والتعمير.

 

والقَصص القرآني يعطينا أيضًا - في حركتنا التاريخية - ذاكرة ضرورية للحاضر والمستقبل...، إنه (الحاسوب) الذي يغذِّي الحاضر بالمعلومات الصحيحة المعتمدة على تجارب صادقة، ومن ثَمَّ يمكن استخلاص الطرائق الصحيحة لحركة المستقبل!!

 

والفيصل الأساسي بيننا وبين الماديين، أننا نَمزُج بين الماضي والحاضر والمستقبل، ونراها نهرًا واحدًا دافقًا، يَصعُب وضع حواجز بين تيَّاراته وأمواجه.

 

فالزمان كتلةٌ واحدة، ومصطلحاتنا البشرية المعروفة: الماضي، والحاضر، والمستقبل مجرد مصطلحات نسبية معرفية، لكنَّ سرعة الأمواج وقوتها، تَحول دون إقامة حواجز سميكة بينها؛ كما أن هذه الحواجز خاصة بنا نحن البشر، ولكنها بالنسبة لعلم الله لا قيمة لها، فالثلاثية الزمانية عنده - سبحانه وتعالى - سواء..، ومن هنا نجد حديث الله في القرآن الكريم عن محتويات الجنة، وعن تنعُّم المؤمنين فيها، وكأنه رسْم للوحة مرئية ومشاهدة، لا تَفصلنا عنها هذه الآلاف من السنين (والله أعلم)، ونحن نَلمَح هذا المعنى في أي حديث قرآني عن الغيب، فهو حاضر في تفاصيله ودقائقه تمامًا، كما أن هذا الغيب يجب أن يكون حاضرًا في وعي المسلم ووِجدانه حضورًا يصل إلى درجة اليقين الكامل، وإلا فقَد الإيمان أولَ شروطه.

 

والإيمان بالغيب، واندماج هذا الغيب في رحلة الزمان كلها، مرتبط بالماضي والحاضر والمستقبل، وكأنه جزء لا يَنفصل عنها إلا بمقدار الحساب والجزاء (في يوم الفصل - يوم القيامة)؛ هذا الإيمان هو الفيصل المَكين بين المؤمنين والماديين الدنيويين (العلمانيين).

 

وهذا الغيب شيء مختلف تمامًا عن الأسطورة (الميثولوجيا) التي يحاول العلمانيون إضافتها إلى الغيب، بينما هي وهْمٌ وخرافة، وليست مستقبلاً محدد المعالم، ممن يحيط بكل شيء علمًا، ويملك الماضي والمستقبل، ويستحيل عليه الكذب أو إخلاف الميعاد!!

 

لقد كان ممكنًا - لو كانت المنهجية واضحة - أن يتمَّ استيعاب الفقه الحضاري والعلمي للقرآن خلال قرنين من الزمان، بعد ظهور الإسلام؛ بحيث تتمكن قواعد الدعوة في الأماكن التي ساح الإسلام فيها، وقد كُنا أهلاً لأن نجد على مشارف القرن الثالث الهجري نظريات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ومفاهيمَ ومصطلحات محددة، نَقتحم بها عالم الحضارات الموجودة، ونقود أهلها بها إلى الحضارة الإسلامية؛ لكن الأخطاء التطبيقية التي وقعت، وبخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي، كانت سببًا في الانحراف بالمسيرة، بعيدًا من استلهام الذات والغوص في أعماق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بطريقة كلية تنظيرية، وقد تعمَّق الانحراف حين أخذت السياسية أكبر من حجمها، وتُرِكت الجوانب الحضارية الأخرى لمبادرات الأمة أفرادًا ومؤسسات، دون أن يكون هناك تفاعل حقيقي بين الأمة والدولة.

 

ولعله لم يقع تفكير جدي في عملية التركيز على تقنين علم من العلوم؛ اقتصادًا كان، أو اجتماعًا، أو الغوص في علم من العلوم العملية؛ كعلوم الكيمياء، والرياضيات، والفلك، والفيزياء، وجاء تضخٌّم "علم الكلام" وما أفرَزه من تيارات جدلية عقيمة، على حساب الفعالية الإسلامية في علوم الحياة الأخرى، وأيضًا جاء الاتجاه إلى ترجمة علوم اليونان بهذه الطريقة العشوائية، التي طبَّقها الخليفة المأمون على مشارف القرن الثالث الهجري - خطوةً غير حكيمة، بل غير منتظمة انتظامًا يَنسجم مع البناء العام للرؤية والفعالية الإسلامية، فوقع الارتباك في وقت كان من الممكن أن يكون بداية انطلاق عالمي إسلامي جديد.

 

وقد كانت المنهجية السليمة كفيلة - بعد هذين القرنين - بإغناء الحياة الإسلامية في كل مجالات الإبداع الإنسانية، والثقافية، والعلمية، وكان كل قرن قادرًا على أن يندفع فيه المسلمون بقدر من الفعالية، يُمكنهم من أن يسبقوا كل الحضارات إلى عصر الفضاء والاتصالات!!

 

إننا لسنا إزاء محاكمة لمسيرتنا الحضارية، لكننا - حتى في هذه الأيام - مطالبون باكتشاف عوامل الخَلل في هذا التاريخ، انطلاقًا من أننا مؤمنون بأهلية الإسلام الدائمة للفعل الحضاري، وصلاحيته لقيادة كل زمان ومكان، بعد أن ختَم الله به الرسالات، وجعله حجته الباقية، وكلمته الخاتمة إلى يوم القيامة، وإنه لضروري أن تَعتدل المعادلات كلها في أيدينا، وأن تتوازن رُؤانا بعد أن وجدنا أنفسنا في هذا المحيط الحضاري المتدني.

 

وإذا كانا نأخذ على أوربا تركيزها على الفعالية المادية، وإهمالها للجوانب الإنسانية والأخلاقية، فإننا يجب أن نأخذ على أنفسنا تقصيرنا الشديد في الفعالية المادية، واستهلاكنا لطاقتنا في مجالات كلامية عقدية أو سياسية..، لقد اختلَّ الميزان في أيدينا، كما اختلَّ في أيديهم، لقد شدَّ كل منا الحبل بطريقة خاطئة، وكانت مسيرتنا التي انتهت بنا إلى واقعنا المعاصر أكبر حاجز حال دون تفهُّمهم لنا..، فما كان ممكنًا أن يتواضع الإنجليز؛ ليَفهموا ما عند المسلمين الهنود من أفكار عظيمة، مع أنهم يسوقون هؤلاء المسلمين الهنود سَوقَ الأنعام، وما كان ممكنًا للحملة الفرنسية التي جاءت بالمطبعة، وبالسلاح الحديث، أن يؤمن رجالها بأن لدى هؤلاء المصريين المتخلفين دينًا يحمل قِيَمًا حضارية هم أحوجُ الناس إليها.

إن الموقعين المختلفين للسيد المستعمر وللعبد المقهور، لا يَسمحان بالتحاور الفكري ولا بالفعالية الحضارية، فإن القوة  تعمي عن الحق، ومن هنا انتهت المدنية الأوربية إلى نجاحات كبيرة في مجال العلم والتقنية؛ مقطوعة عن خشية الله، وعن احترام إنسانية الإنسان، وعن مجرد التفكير في التعاون مع الآخرين الضعفاء على الخير الإنساني العام!!

 

وإذا كان بعض المفكرين يرون أنه لولا الإسلام، الذي حوَّل الطبيعة من معبود يُخْشى منه ويسجد الناس لشمسه ونجومه؛ إلى طبيعة مأنوسة موضوعة للبحث والتسخير..، لولا هذا الإسلام - بهذا المنهج الجديد - لبقِيت الحضارة الإنسانية الوثنية والكنيسة التي تحارب العلم هي المسيطرة على العالم..، إذا كان هذا الذي يراه بعض المفكرين صحيحًا - وهو صحيح - فإن غيبة المنهج الإسلامي الرشيد في البحث والتأصيل، بالإضافة إلى أوضاع المسلمين المتخلفة في القرون الثلاثة الأخيرة؛ قد أعطت أوربا الفرصة؛ لكي تؤمن بأنها قامت على سواعد أبنائها وحدهم، وبأنه لا يُمكنها أن تكون قد استفادت من هؤلاء المسلمين المتخلفين!!

 

ولن يتغير الفكر الأوربي في تعامُله مع الحضارة الإسلامية إلا يوم يظهر منهج جديد يَفرض على العقل الأوربي احترامه...، منهجٌ بعيد من الانهزامية الدونية، أصيلٌ في انتمائه للإسلام، منفتحٌ في تعامله مع الإنسان والكون والحياة، متفاعلٌ تفاعلاً متوازنًا مع كل الثقافات والحضارات.

 

♦ ♦ ♦ ♦

في الآداب والعلوم والفنون:

- جميعها - يكون التطبيق قبل التنظير التركيبي!! فالتطبيق الذي يَستلهم الجذور والأُسس الكلية - بوعي أو من دون وعي، شعوريًّا أو لا شعوريًّا - يَسبق مرحلة التنظير بالمعنى العلمي المعروف للتنظير...، ومن هنا لا بدَّ أن يتحرك عقلنا الأدبي والعلمي إلى الأمام في مجال الإبداع.

 

وعندما نتحدث عن ضرورة وجود رؤية أدبية وعلمية وإنسانية ملتزمة بمنهج الإسلام، وبالانتماء للوعاء العربي الحضاري الإسلامي، تتحاور مع الرؤية الأوربية العلمية والفلسفية المستقاة من الفكر الحر (الليبرالي)، أو الرأسمالي المنطلق من النظرة الأوربية للكون والإنسان والحياة..، عندما نتحدث عن ضرورة مثل هذه الرؤية، فيجب أن يكون واضحًا في أذهاننا أن الأصول الكبرى، والفقه الواعي أو الفطري بهذه الأصول، لا يكفلان إيجاد تصوُّر إبداعي تنظيري كامل المعالم والقسمات، مع أنهما قادران فعلاً على تحريك السلوك الفردي والاجتماعي في الاتجاه المنشود!!

 

لقد بقِي المسلمون نحو قرن بعد ظهور الإسلام يعملون على نشر الإسلام، وعلى نشر اللغة العربية؛ منطلقين من الأصول، ومن الوعي برسالتهم، وكانوا في سلوكهم النموذج الأصلي والأبقى لهذه الأصول...، لكنهم لم يدخلوا ميادين التنظير والتقنين إلا بعد أن قدَّموا نماذجَ تطبيقية عملية..، لقد كان عدل القضاة أسبقَ من التنظير للقضاء، وكان تطبيق الشورى أسبق من التفكير في وضْع "النظريات السياسية الإسلامية" في فكر الماوردي أو غيره، وكان تطبيقهم الاقتصاد الإسلامي في حياتهم الفردية والاجتماعية - اعتمادًا على الأصول - أسبقَ من التفكير في إنشاء نظام "الخراج" أو غيره.

 

إن الأصول تشكِّل الوعي، وتُنقي الفطرة، وتقدِّم الاتجاه العام، لكنها لا تسمح بتشكيل "النظرية" إلا بعد مزْج الأصول بعالم الإنسان - في حالاته المختلفة - وبعد إعمال العقل في ضوء التجارب البشرية، وصولاً إلى الإبداع التنظيري الذي قد يبقى آمادًا متطاولة قابلاً للمراجعة والإخصاب!! ولا يمكن أن يكون التنظير بعيدًا من التجربة الإنسانية والإعمال العقلي، إلا إذا أُريد به - وله - أن يكن مجرد قواعد تربوية، أو وعظية تَفتقد الرُّوح التركيبية والنماذج العملية والفنية التي تُعطي النظرية الروحَ والمصداقية، والقابلية للاستمرار.

 

♦ ♦ ♦ ♦

وحين قرأت للصديق الكبير الدكتور: عماد الدين خليل حديثًا عن المدخل إلى "إسلامية المعرفة"، يذكر فيه أن "المحور التنظيري" هو المدخل الضروري للمحور التطبيقي - خطر لي أنَّه يقصد بالمحور التنظيري: ضرورة الوعي العميق بالأصول الكلية والمعالم العامة، التي تمثل جوهر الرؤية الإسلامية للمعرفة بشتَّى فروعها، لكني عندما واصلت للتعرف على وجهة نظره، وجَدته يكاد يقترب من بعض العناصر التي لا يمكن الحديث عنها إلا بعد وجود مستوى معين من التطبيق.

إنه يطالب هذا المحور التنظيري بأن يقدم للمحور التطبيق: "تعريف المصطلح، وضروراته الملحة، وتصنيف الحلقات الأساسية للمعرفة"، "وكذلك يمكن أن يتولى المحور التنظيري تقديمَ وتصنيف المقترحات الضرورية التي تُعين على تنفيذ العملية وتحويلها إلى أمر واقعٍ ذي فاعلية مؤكدة، وقدرة - في الوقت نفسه - على الاستمرار والانتشار".

 

وما يقوله الدكتور:

عماد الدين خليل قد يكون صحيحًا في بعض الفروع المعرفية التي تتمتع بنماذج تطبيقية قويَّة في تاريخنا، وذلك مثل المجالات الاجتماعية أو الفلسفية أو الاقتصادية، بيد أن الأمر في الأدب - بأجناسه الحديثة من رواية وقصة، وأقصوصة، ومسرحية - لا يتمتع بهذا الرصيد، وما قُدِّم في القرون الأخيرة من أعمال تطبيقية تعبِّر عن التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة، يُعدُّ قليلاً جدًّا؛ ولذا فنحن في حاجة إلى تعميقٍ تكتمل له الأدوات الفنية في الأجناس الأدبية المختلفة؛ حتى يصبح تنظيرنا قريبًا من الكمال.

 

وما يُقال في الأدب يقال في علوم الاقتصاد والاجتماع وشتى المعارف؛ شريطة أن نكون واعين بقسماتنا الخاصة وبفروقنا الجوهرية عن الحضارة الغربية؛ من إيمان بالآخرة - مع الدنيا - وبالله  - مع الإنسان - وبالغيب - مع المحسوس.

وإذا كان العلمانيون يعمدون - عن جهل أحيانًا، ومكرٍ في أغلب الأحايين - إلى إنكار "الله" و"الآخرة"، وإلى إذابة الجسور بين الأسطورة والغيب؛ تشويهًا للغيب من جانب، وتعميقًا للدنيوية الحسيَّة الرافضة للدين من جانب ثانٍ، وتحطيمًا لمعنى الوجود الإنساني المتميِّز المسؤول من جانب آخر، فإننا يجب أن نُقاومهم بالإبداع الذي يترجم رؤيتنا الإسلامية، تلك الرؤية التي تقدم العلاقة الموضوعية الكريمة المتوازنة التي تربط الإنسان بالله، والروح بالمادة، والمحسوس بالغيبي، والدنيا بالآخرة، ومن ثَمَّ تدين الرؤية الأحادية والتمزيقية والمادية العمياء للإنسان والكون!!

 

والحق أن منطق الإسلام يَدحض هذا كله، ويؤكد المعنى والقيمة والمسؤولية لكل التاريخ البشري؛ في إطار خصوصية الإنسان، وتميُّزه، ومسؤوليته الحضارية والإنسانية.

 

ويتضح هذا فيما ورد في كتاب الله:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ﴾ [3].

﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ﴾ [4].

﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [5].

 

لكن هذا المنهج الإسلامي (الحضاري الإنساني الشمولي)، يحتاج إلى فاعليتنا وجهادنا وإبداعنا...!!

 

فهل يترجم المسلمون تصورهم إلى واقع عملي، كما ترجم الماديون تصوُّرهم إلى واقع عملي، سيطروا بأدواته على عقول الناس، وخدعوهم عن "الحق الكامل" و"الميزان الواحد" والمنهاج العلمي (العقلي التجريبي) المتعاون؟!!

 

إن تحقيق هذا الإقلاع هو التحدي الذي ينتظره منهم الوعي البشري كله، وتنتظره منهم الإنسانية التي تكاد تهوي إلى القاع؛ بخضوعها للمنهاج المادي الدنيوي الصراعي، الذي لا مكان فيه للضمير، ولا للروح، ولا للعدل، ولا لأخوَّة الإنسان لأخيه الإنسان..!!



[1] سورة الأنعام، آية: 38.

[2] سورة الذاريات، آية: 21.

[3] سورة الأنبياء، آية: 16.

[4] سورة آل عمران، آية: 191.

[5] سورة الأنبياء، آية: 17 - 18.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفعالية في التدريس

مختارات من الشبكة

  • كيف تنتصر الفعالية على الانفعالية وفي محكمة رسمية؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الانحطاط وأزمة الفعالية - تنقيب عن العلل والآثار (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مدن كندا تستضيف فعالية بعنوان زر مسجدي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فعالية ثقافية بالجامعة الإسلامية في أوغندا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الجالية الإسلامية في بلاكبيرن تختتم فعاليات حملة النظافة الثانية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • اختتام فعاليات المؤتمر الدولي الثالث للدراسات الإسلامية في ألبانيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • السنغال: انتهاء فعاليات ملتقى "الآل والأصحاب التاسع" بالكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إيطاليا: فعاليات أسبوع الثقافة الإسلامية الثاني(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إيطاليا: انطلاق فعاليات أسبوع الثقافة والحضارة الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الفعاليات الإسلامية الأوروبية تطالب بمراقبة الأغذية المقدمة للحيوانات(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب