• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. أحمد البراء الأميري / مقالات
علامة باركود

مسير أم مخير؟ نظرات في الهدى والضلال

د. أحمد البراء الأميري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/11/2012 ميلادي - 19/12/1433 هجري

الزيارات: 28328

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مسيَّر أم مخيَّر؟!

(نظرات في الهدى والضلال)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحبه، ومَن اهتدى بهُداه.

 

وبعد:

فهذه صفحات أحاول فيها تلخيصَ مسألة مِن أهم المسائل التي شَغَلت الفكر الإنساني؛ وهي:

مسألة الجبر والاختيار، أو ما يُسمى: (القضاء والقدر، أو الهدى والضلال)، أَعرِض فيها الفكرة من خلال القرآن الكريم والحديث الشريف فقط، وأختار مِن أقوال العلماء المعتبَرين ما أراه صوابًا موافِقًا لروح الكتاب والسنة، والله الموفِّق.

 

وسأجعل الكلام على شكل نقاط لسُهولة العَرض:

أولاً: عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر مؤسَّسة على الإيمان بالله - عز وجل - وعلى المعرفة الصحيحة بأسمائه الحُسنى، وصفاته العلا، وإعمالها جميعًا؛ ومنها: العِلم، والإرادة، والحِكمة، والعدل، وأنه: ﴿ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ﴾ [النساء: 40]؛ فعِلم الله - تعالى - الكامل المُطلَق يَقتَضِي معرفته بما كان وبما سيكون، ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ [هود: 123]، ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

 

وعِلم الله - تعالى - كاشف وليس مُلزمًا، بمعنى أن الذي يَعصي الله لا يعصيه لأن الله سبحانه - كتَب عليه ذلك، بل الله كتَب ذلك لأنه عالِم بما يكون، ولو كان المحتجُّ على معصيتِه بالقدر صادقًا لوجب عليه أن يُثبِت أنه اطَّلع على ما هو مكتوب، وأنه عصى تنفيذًا لما هو مكتوب، والصواب أنه عصى غفلةً، أو شهوة، أو كِبْرًا... إلخ.

 

وقد احتجَّ المشركون بالقدر، فقالوا: ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾ [الأنعام: 148]، فردَّ الله عليهم قولَهم فقال: ﴿ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾ [الأنعام: 148].

 

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 148].

 

وإرادة الله - تعالى - الكاملة المطلَقة تقتضي ألاَّ يقع شيء في الوجود ضدَّ هذه الإرادة، ولا بد في هذا المقام من التفريق بين الإرادة والرضا، كما يُوضِّح ذلك قولُه - تعالى -: ﴿ إنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]؛ فهو يَرضى الطاعات ويَكره المعاصي.

 

• وحِكمة الله - تعالى - الكامِلة المطلَقة تُحِيط بسبب ابتلائه لعباده، ويَعجز العقل المخلوق عن إدراكها، كما يَقصر عن التوفيق بين المصائب والآلام الحادثة في الكون، وعن رحمته التي وسعتْ كل شيء.

 

• أما عدلُه الكامل المطلَق - عز وجل - فيقتضي ألا يَسلُب إرادة المكلَّف، ثم يُحاسبه على إتيان فعلٍ منهيٍّ عنه، أو الامتناع عن فعل مأمور به؛ إذ الاستطاعة أصل التكليف، قال - تعالى -: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286]، والوسع هو الطاقة والقوة[1]، فلا يُمكن إذًا - لا شرعًا ولا عقلاً - أن يكلِّف الله - تعالى - عباده بالإيمان به، ويُقِيم لهم الدلائل على وجوده، ووحدانيته، وأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، ثم يمنعهم من الإيمان به!

 

كيف وقد أسقط التكاليفَ عند العجز عن أدائها؛ ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [النور: 61]، و[الفتح: 17]، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وفي الحديث عند البخاري - رحمه الله -: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنب)).[2]

 

ثانيًا: هل يستطيع العقل أن يُدرك سرَّ القدَر؟

يقول الأستاذ علي الطنطاوي - رحمه الله -: "عقل الإنسان لا يستطيع أن يَحكم، ولا يصح حُكمه إلا في الأمور المادية المحدودة، والعقل لا يستطيع أن يُدرك شيئًا حتى يَحصره بين الزمان والمكان، فما لم يَنحصِر بينهما لا يستطيع إدراكه؛ ومِن ذلك: مسائل الروح، وأسماء الله وصفاته، وأمور القدَر، والعقلُ مخلوقٌ محدود؛ فكيف يُحِيط بالموجود المطلَق الذي ليستْ له حدود؟!"[3].

 

قد يقول قائل: أليس هذا الكلام إهمالاً للعقل الذي يَعتمد عليه التكليف، بدلاً من إعماله كما هو مطلوب؟


وفي الجواب على هذا التساؤل، يقول الأستاذ عباس محمود العقاد - رحمه الله -:

"إن التكليف يَعتمد على العقل، والعقل يَعتمد على الإيمان، والفرق بعيد بين الإيمان الذي يُلغي العقل، والإيمان الذي يَعمل فيه العقل غاية عمله، ثم يُعلم مِن ثَمَّ أين ينتهي وأين يبتدئ الإيمان، والعقل يستطيع أن يَصِل إلى هذه النتيجة، فتلزمه حجَّة الدعوة إلى التصديق بالغيب المجهول"[4].

 

ثالثا: معنى الإمساك عن الخوض في القَدَر:

الإيمان بالقضاء والقدر خيرِه وشرِّه أحدُ أركان الإيمان الستة، فكيف نؤمِن به دون فهم له؟ وقد وردتْ فيه آيات وأحاديث نحن مأمورون بتدبُّرها، فكيف يُطلَب منَّا أن نُمسِك عن الخَوض في القضاء والقدَر؟

 

روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((... إذا ذُكِر القدَر فأمسكوا))[5]، ولو صحَّ الحديث؛ فالمراد منه النهي عن التنازع في القدَر.

 

روى الترمذيُّ وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتنازع في القدَر، فغضب حتى احمرَّ وجهه، حتى كأنما فُقئ في وجنتيه حَبُّ الرمان، فقال: ((أفبهذا أمرتُم، أم بهذا أرسلتُ لكم؟ إنما هلَك مَن كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمتُ عليكم ألا تنازعوا فيه))[6].

 

يقول الدكتور فاروق الدسوقي:

"وهذا يعني أن الكلام في القدَر، أو البحث فيه بالمنهج العِلمي الصحيح غيرُ محرَّم أو منهي عنه، إنما الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو التنازُع في القدَر؛ أي: أن يُعرَض الموضوع عرضًا يؤدِّي إلى تنازع الناس قِبَلَه فريقَين، كأن نقول - مثلاً -: هل أراد الله - سبحانه - لإبليس المعصية وقدَّرها عليه؟ فإن قلنا: نعم، قيل: فلماذا يُحاسبه ويَلعنه إذًا؟ وإن قلنا: لا، قيل، فهل يفعل إبليس - أو أي مخلوق - أمرًا دون إرادة الله؟ لا" [7].

 

رابعًا: منهج دراسة المسألة:

المنهج الصحيح في دِراسة مسألة القضاء والقدر، أو الجبر والاختيار، هو جمعُ الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الواردة في هذا الموضوع، وفهمُها جملة واحِدة، وهذا هو المنهجُ الأمثل في دراسة كل مسألة مِن مسائل الدِّين، ومِن الخطأ حشدُ الأدلة على أحدِ الآراء، وإهمالُ الأدلة الأخرى، ومِن الخطأ أيضًا قطعُ النص عن سياقه ومناسبته [8].

 

خامسًا: آيات كريمة يُفهَم منها معنى الجَبر:

في القرآن الكريم آياتٌ تُفيد الجبر إما صراحةً وإما إلماحًا، وفيه آياتٌ أخرى كثيرة تدلُّ على حرية الاختيار؛ فمِن الآيات التي يُفهم منها معنى الجبر قوله - تعالى -:

1- ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].

 

2- وقوله: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6].

 

3- وقوله: ﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النحل: 93].

 

4- وقوله: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

 

5- وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].

 

6- ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56].

 

7- ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22-23].

 

8- ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].

 

9- ﴿ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 247].

 

10- ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 269].

 

11- قول نوح - عليه السلام - لقومه: ﴿ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [هود: 34].

 

12- ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [السجدة: 13].

 

13- ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ﴾ [الزمر: 36-37].

 

وهنا يجب أن نفرِّق بين آيات الإخبار عن مشيئة الله - سبحانه - وقدرته، وتصرُّفه في مُلكِه، وما إلى ذلك، وبين الآيات المتعلِّقة بالثواب والعِقاب؛ فالآيات مِن النوع الأول يكون الإنسان فيها مجبورًا لا خيار له، لكن لا يترتَّب عليه تكليف، وبالتالي فلا ثواب ولا عِقاب.

 

يقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله -:

"هناك أمور تحدُث وتتمُّ بمحْض القدرة العُليا، وعلى وَفْق المشيئة الإلهية وحدَها، وهي تنفذ في الناس طَوْعًا أو كَرْهًا، سواء شَعُر بها الناس أم لم يَشعُروا؛ فالعقول ومقدار ما يودَع فيها مِن ذكاء أو غباء، والأمزِجة وما يُلابِسها من هدوء أو عنف، والزمان والمكان الذي تولَد فيه، والوالدانِ اللذان تَنحدِر منهما، وما تتركه الوراثة في دمك من غرائز وميول، والحياة والموت... وأمثال ذلك - لا يدَ للإنسان فيه"[9].

 

سادسًا: إزالة الشبهات حول آيات الجَبر:

معنى قوله - تعالى -: ﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النحل: 93].

 

يقول محمد الغزالي - رحِمه الله -:

"إن إطلاق المشيئة في آية تقيِّده آية أخرى يُذكر فيها الاختيار الإنساني صريحًا؛ فإضلال الله لشخص معناه: أن هذا الشخص آثَر الغيَّ على الرشاد، فأقرَّه الله على مراده، وتَمَّم له ما يبغي لنفسه، وهذا واضح في قوله - تعالى -: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5]، وقوله: ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 26-27].

 

وكذلك الحال في ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾، قال - تعالى - في سورة الرعد: ﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾ [الرعد: 27]، وفي سورة مريم: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]، وفي سورة محمد: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264]، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3].

 

ويقول محمد الغزالي - رحِمه الله - أيضًا:

"أما قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6]، فليس معناه أن إنذارهم وعدمه سواء؛ لأن نفوسهم صيغتْ بحيث لا تقبل الحق مِن تِلْقَاء ذاتها، فهي أوعية للكفْر برغم أنوفِها، كلا! إنما القصد صرفُ همَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن قومٍ طالَما دعاهم، وبذَل جهوده لإنقاذهم مِن غوايتهم فأصرُّوا على تنكُّب الصراط المستقيم بمحْض اختيارهم"[10].

 

وقول الله - تعالى -: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]، فيه مواساة للرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما مات عمه أبو طالب كافرًا، وكان شديد الحِرص على إيمانه؛ بَيْدَ أن الرجل إلى آخِر لحظة مِن حياته آثَر الوثنية على التوحيد، مع طول مناشَدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياه أن يؤمِن بالله، ويَدخُل في دينه، والحديث ثابتٌ في الصحيحَين في سبب نزول الآية الكريمة[11].

 

سابعًا: آيات تدلُّ على الاختيار:

وهي العمدة في موضوع الهدى والضلال، وهي الدليل على أن الله - سبحانه - وهَبَ عبده الحرية (التي هي مَناط التكليف)، وهي توضِّح معنى الآيات التي (قد) يُفهَم منها الجَبر:

1- ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].

 

2- ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس: 108].

 

3- ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت: 17].

 

4- ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

 

5- ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145].

 

6- ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15- 16].

 

7- ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

 

8- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 104].

 

9- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [النمل: 4].

 

10- ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الزمر: 41].

 

11- ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].

 

12- ﴿ ... وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ... ﴾ [التغابن: 11].

 

13- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ [يونس: 9].

 

14- ﴿ ...قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾ [الرعد: 27].

 

15- ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 86].

 

16- ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104].

 

وهذه الآيات الكريمات واضِحة لا تحتاج إلى شرْح، وقراءتها بأناةٍ وتمعُّن تَكفي لإدراك معانيها.

 

ثامنًا: أحد عشرَ قَسَمًا على حرية الاختيار!!

مِن أعاجيب القرآن الكريم أن الله أقسمَ أحد عشَر قَسَمًا على حرية الاختيار في سورة (الشمس)، ثم أَتْبَعها بثلاثة أقسام على المعنى نفسِه في سورة (الليل) التي تلي سورة (الشمس) مباشرةً؛ وذلك لبيان أهمية المُقسَم عليه؛ قال - تعالى -:

1- ﴿ وَالشَّمْسِ ﴾ [الشمس: 1].

2- ﴿ وَضُحَاهَا ﴾} [الشمس: 1].

3- ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾ [الشمس: 2].

4- ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴾ [الشمس: 3].

5- ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ [الشمس: 4].

6- ﴿ وَالسَّمَاءِ ﴾ [الشمس: 5].

7- ﴿ وَمَا بَنَاهَا ﴾ [الشمس: 5].

8- ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ [الشمس: 6].

9- ﴿ وَمَا طَحَاهَا ﴾ [الشمس: 6].

10- ﴿ وَنَفْسٍ ﴾ [الشمس: 7].

11- ﴿ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10]؛ هذا جواب القَسَم، فالمعنى: قد أفلَح ونجَح مَن زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال، وقد خَسِر وخاب مَن دنَّس نفسَه بالفجور والمعاصي.

 

وقال سبحانه في سورة الليل:

1- ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1].

 

2- ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل: 2].

 

3- ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 3 - 10]؛ فجواب القَسَم: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ [الليل: 4]وبيَّن أن التيسير لليُسرى هو نتيجة العطاء والاتقاء والتصديق بالحسنى؛ أي: بالإسلام وهو الملَّة الحُسنى، أو بالجنة، وأن التيسير للعُسرى هو نتيجة البخل والاستغناء والتكذيب بالحُسنى.

 

وقد سمى طريق الخير باليُسرى؛ لأن عاقِبتها اليُسر، وطريقة الشرِّ بالعُسرى؛ لأن عاقبتها العُسر.

 

تاسعًا: الطبْع على القلب (أو الختم عليه):

قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 6-7].

 

والختم على القلب هو الطبع عليه فلا يدخُل إليه خير ولا يخرُج منه شر، وقد يتبادر إلى بعض الأذهان أن عدم إيمانهم إنما هو بسبب الطبع على قلوبهم، وهذا خطأ تصحِّحه آيات أخرى؛ مثل قوله - تعالى -:

1- ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 155].

 

2- ﴿ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [يونس: 74].

 

3- ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 59].

 

4- ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].

 

5- ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 3].

 

فهذه الآيات تبيِّن صراحةً أن الختم على القلب هو نتيجة أعمال معينة؛ مثل: نقض المواثيق، والكفر بآيات الله، وقتل الأنبياء، والتكبر، والاعتداء... إلخ.

 

قال الراغب الأصفهاني بعد قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾ [الأنعام: 46]: إشارة إلى ما أجرى الله - سبحانه - به العادة، أن الإنسان إذا تناهى في اعتقادِ باطلٍ، أو ارتكاب محظور، ولا يكون منه تلفُّت بوجهٍ إلى الحقِّ؛ يورثه ذلك هيئةً تمرِّنه على استحسان المعاصي، وكأنما يُختَم بذلك على قلبه... وعلى هذا النحو استعارة الإغفال: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ [الكهف: 28]، واستعارة الكِنِّ: ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ﴾ [الأنعام: 25]، واستعارة القساوة: ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13].

 

عاشرًا: ﴿ وَمَا تَشَاءونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾:

وردتْ هذه الآية الكريمة مرتينِ في الكتاب العزيز:

1- في سورة الإنسان: ﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الإنسان: 29-30].

 

2- وفي سورة التكوير: عندما يقول الحق - سبحانه - عن القرآن الكريم: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 27 - 29].

 

ومِن أفضل ما وجدتُه في شرح هاتينِ الآيتين شرحًا يستلهم النظرة الكلية للقرآن الكريم، ويفهم الآيات الكريمات جملة واحدة في ضوء بعضها بعضًا - ما جاء في "المعين على تدبُّر الكتاب المبين" لمجد بن أحمد مكي، وهو تفسير مختصر على هامش القرآن المجيد، وسأكتفي بذِكره؛ لأن الإطالة تخرُج بهذا المقال عن غايته.

 

قال المؤلف في تفسير الآيتين من سورة الإنسان:

• "إن هذه الرسالة رسالة بيان وهداية، وموعظة وإرشاد وتذكير، وليستْ رسالة إكراه ولا إلزام، فمن شاء - بما آتاه الله من إرادةٍ حرَّة مُمكَّنة بخلق الله - اتخذ لنفسه في الدنيا إلى رضوان ربه ونعيمه في جنَّته وسيلةً بالطاعة والتقرب إليه، ولستم تشاؤون شيئًا إلا إذا منحكم الله المشيئة الحرة، ومَكَّنكم من استخدامها؛ لتشاؤوا بها طريق نجاتكم وسعادتكم، أو طريق هلاككم وشقائكم... إن الله كان عليمًا بأحوال خلقِه، وما يكون منهم، حكيمًا؛ حيث خلقهم ووضعهم موضع الامتحان...".

 

وقال في تفسير الآيات الثلاث من سورة التكوير:

"... ما القرآن الذي يتلوه محمد إلا موجَّه لجميع العالَمين المكلَّفين الموضوعين موضِع الامتحان في الحياة الدنيا، ينتفع بهذا الذِّكر ويَهْتَدِي بهَدْيِه مَن أراد بإرادته الحرة أن يستقيم على صراط الحق والهدى، وقد منحكم الله مشيئةً حرة تستطيعون بها أن تشاؤوا طريق الخير أو طريق الشر، ولولا ذلك لكنتم مُجْبَرين، ولستم تشاؤون شيئًا إلا إذا منحكم خالقُ الكائنات... المشيئة الحرة، ومكَّنكم من استخدامها؛ فأنتم مسؤولون مسؤولية تامة عن مشيئاتكم وأعمالكم الاختيارية"؛ انتهى.

 

أحدَ عشر: أحاديث يُفيد ظاهِرها الجبر[12]:

هناك أحاديث يُفيد ظاهرها الجبر، أختار منها ثلاثة، هي من أكثرها إشكالاً في الظاهر:

الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم - رحمهما الله - (وفي روايات أُخَر أبو داود والترمذي)، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنا في جنازة في بقيع الغَرْقَد، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مِخصرةٌ، فنَكَس، وجعل ينكتُ بمِخْصَرته، ثم قال: ((ما منكم من أحدٍ إلا وقد كُتِب مقعده من النار، ومقعده من الجنة))، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتَّكِل على كتابنا؟ فقال: ((اعملوا؛ فكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له، أما مَن كان من أهل السعادة فيُيَسَّر لعمل أهل السعادة، وأما مَن كان من أهل الشقاء فيُيَسَّر لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى... ﴾ [الليل: 5 - 7].

 

يقول محمد الغزالي - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث[13]:

"والحديث للبصر النافذ لا لَبْس فيه؛ فإما أن الله عالِم بما سيعمل الناس في الدنيا وما يَصيرون إليه في الآخِرة مِن ثواب أو عقاب؛ فهذا مما لا شك فيه.

 

وإما أنَّ سَبق العِلمِ هو ما يُرغم الناس على العمل بما كُتب أزلاً؛ فباطل، فإن العلم نورٌ يكشف وليس قوة ترغم، والبشر - من تلقاء أنفسهم - يتوجَّهون إلى ما يُرِيدون من أهداف، والله يتمِّم للعبد مرادَه؛ فمَن زرع تفاحًا آتاه الله ثمرةً شهية، ومَن زرع شوكًا جَنَى ما غرس، والآية التي استشهد بها النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل أوضح دلالة على ذلك؛ فإن مَن تعلَّق بأسباب الخير - من عطاء وتقوى وتصديق - أكمل الله غايته ويسَّره للحسنى، ومَن تعلَّق بأسباب الشرِّ - من بخل وفجور وتكذيب - أتمَّ له قصده، وأملى له في غيه، ويسَّره للعسرى.

 

الحديث الثاني: في الصحيحَين (وغيرهما)، عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: ((... فوالذي لا إله غيره: إن أحدَكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيَسبِق عليه الكتابُ، فيعملُ بعمل أهل النار فيدخلُها، وإن أحدكم ليعملُ بعمل أهل النار حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيَسبِق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخُلُها)).

 

يقول محمد الغزالي - رحمه الله -:

"وهذا الحديث يصف لنا صنفَينِ من الناس خواتيمُ أعمالِهم تُغاير مسالكهم الأولى مغايَرةً تامةً، وذلك ليس غريبًا فيما يقع تحت حِسِّنا من أحوال الناس، فرُبَّ فاسقٍ ظلَّ أكثر عمره مريضَ الاعتقاد سيِّئ الخَلِيقة، ثم أبصر آخِر الأمر عواقب غيِّه فاهتدى، ورُبَّ صالح ظلَّ يعكف على الخيرات، ثم غرَّتْه الدنيا فوقع في شِراكها وهوَى، غير أن هذه المصاير المتناقِضة لم يكن للقدَر السابق أثَرٌ جبري في خطِّها على هذا النحو، والتعبير في الحديث الوارد بسبقِ الكتاب لا يعني أكثر مِن دقة العِلم وانضباطه، وهو جارٍٍ في هذا على أساليب المبالغة في لغة العرب..."[14].

 

إن الأخذ بظاهر الحديثَين اللذينِ أوردناهما آنفًا يؤدِّي بنا إلى نتيجتَين خطيرتين:

الأولى: إلغاء الآيات التي تنص على الاختيار وتعطيلها.

 

والثانية: وصف الله - عز وجل - بما لا يليق به؛ إذ ما ذنب إنسانٍ طيِّب مخلص قضى عمره مخلصًا لله، عابدًا طائعًا، فلما كاد يصِل إلى الجنة صُرِف عنها.. لماذا؟! لأن الكتاب سبق بهذا! وهكذا اقتضتْ حكمة الله، وهو لا يُسأل عما يفعل! وهل ينسجم هذا الفهم مع ما لا يحصى من الآيات التي تدل على رحمة الله، وكرمِه وعفوه، وإحسانه وإنعامه، وفرحه بتوبة عباده... إلخ، على أننا لو اتبعنا المنهج الذي ذكرناه في (رابعًا) وهو النظر إلى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة جملة واحدة، وفهم بعضها في ضوء بعض؛ لَمَا ثار هذا الإشكال أصلاً، فهناك حديثٌ آخر - في صحيح البخاري (رقم: 4203) - يُزِيل الإشكال ونصُّه: ((إن الرجل ليعمل عمل أهلِ الجنَّة فيما يبدو للناس، وهو مِن أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة))! فقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((فيما يبدو للناس)) لم يُبْقِ مجالاً لتشويش الوسواس الخنَّاس.

 

الحديث الثالث: محاجَّة آدم وموسى - عليهما السلام - التي رواها البخاري ومسلم وغيرهما:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((احتجَّ آدم وموسى، فقال له موسى: أنتَ آدم الذي أخرجتْك خطيئتُك من الجنة؟ فقال آدم: أنتَ موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمرٍ قُدِّر عليَّ قبل أن أُخلَق؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فحجَّ آدم موسى)) مرتين[15].

 

يقول محمد الغزالي - رحمه الله -:

"وهذا الحديث لا يدل على شيءٍ قطُّ مما يفكِّر فيه المعتذِرون بالقَدَر؛ فالحديث... يشير إلى أن موسى - عليه السلام - كان يريد تحميل آدم - عليه السلام - متاعِب الإنسانية كلِّها، ويُرجِع شقاء أبنائه جميعًا إلى أكْلتِه مِن الشجرة، وقد دافع آدم - عليه السلام - عن نفسه بصدق، فإن وجود الحياة البشرية لم يكن نتيجة طبيعية ولا عقلية لخطأ آدم؛ إذ كان من الممكن جدًّا أن يُعاقَب على خطئه بأي عِقاب آخَر... أما ترتيبُ وجود العالَم الزاخر بآلامه وآماله على هذا الخطأ، فهذا قدَرٌ إلهي محْض، لا يجوز أن يُعاتب آدم عليه، ومِن هنا حجَّ آدم موسى... قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فحجَّ آدم موسى، فحجَّ آدم موسى))، إن خطأ آدم - عليه السلام - ليس سببًا شرعيًّا، ولا عِلَّةً عقلية لوجود الناس، وانتشارهم في الأرض يَشقون ويَكدحون"؛ انتهى بتصرف[16].

 

وبعد، فهذه بعض الأضواء التي أرجو أن تكون قد وضَّحتْ جوانب من هذه المسألة الحسَّاسة التي حارتْ فيها أفهام، وزلَّتْ فيها أقلام، وأرجو ممن استفاد منها أن لا ينسى كاتبها من دعوة صالحة، هي جلُّ ما آمُله من كتابتها، والله - تعالى - أعلم، وله الحمد قبل البَدْء وبعد الختام.



[1] فهو "يكلِّف عبده دون ما تنوء به قدرته"، كما قال الراغب الأصفهاني.

[2] البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

[3] تعريف عام بدين الإسلام: 50، بتصرف (ط. دار الفكر).

[4] الإنسان في القرآن: 42 (ط. نهضة مصر).

[5] انظر: فيض القدير: 1/447، رقم 615.

[6] الترمذي 2134، باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدَر، وإسناده ضعيف، ولكنَّ له شاهدًا عند ابن ماجه رقم 85 في المقدمة، باب في القدر، وإسناده حسن، فالحديث حسن؛ انظر: جامع الأصول: 10/135.

[7] القضاء والقدَر في الإسلام: 1/368.

[8] مثال قطع النص عن سياقه: الاستِشهاد على أن أفعال العباد خلقها الله - سبحانه - بقوله - تعالى -: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، ولو تذكرنا أن الآية وردتْ في محاجة إبراهيم - عليه السلام - لقومه، بعد أن كسَّر أصنامهم التي نحتوها بأيديهم، ثم راحوا يعبدونها؛ لسقط الاحتجاج بعموم لفظها: ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 95- 96].

[9] عقيدة المسلم: 97

[10] انظر: عقيدة المسلم: 108

[11] انظر: عقيدة المسلم: 101 وما بعدها، بتصرف.

[12] انظر جامع الأصول: 10/103.

[13] عقيدة المسلم: 111

[14] انظر: عقيدة المسلم: 112

[15] البخاري: رقم 3409

[16] عقيدة المسلم: 106





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كلمات في القضاء والقدر وأفعال العباد
  • الداعون إلى الهدى والداعون إلى الضلال ( خطبة )
  • كيف يتسلل المضلون إلى عقول الغافلين؟
  • إضلال أم تضليل؟
  • هل الإنسان مسير أم مخير؟

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة بديعة الهدى لما استيسر من الهدى (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة بديعة الهدي لما استيسر من الهدي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • هل الإنسان مخير أم مسير؟ (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل الإنسان مخير أم مسير؟ (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل الإنسان مخير أم مسير؟ (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل الإنسان مخير أم مسير؟ (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أ.د. علي النملة في أمسية بأدبي الرياض عن المفكر عبدالوهاب المسيري(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • المنهج المعرفي والنموذج التفسيري في فكر عبد الوهاب المسيري (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المسير إلى عرفة والوقوف بها(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة زاد المسير (ج2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب