• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. حنافي جواد / ملف ثقافة وفكر
علامة باركود

الموسطون والمعدلون

أ. حنافي جواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/12/2010 ميلادي - 2/1/1432 هجري

الزيارات: 17466

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الموسطون والمعدلون

فراخ العصرانيين

مقدمة: أوصاني جدي - رحمه الله -:

أوصاني جَدِّي - رحمه الله - قال: "حذاريك مِن بعض القنوات الفضائيَّة الإعلاميَّة؛ فإنَّها تُروِّج لنظرية الوسطيَّة بأساليبَ متطورة، ومناهج دقيقة ملتوية، استثمرتْ فيها أحدثَ النظرات التواصُليَّة، والطرائق الإقناعيَّة والإمتاعيَّة، فقدْ تخترقُك من حيث لا تدري، فأعْرِضْ عنها، حتى تتمكَّنَ من زِمام العلوم النقليَّة، وترسخ في الفنون العقليَّة، كما رسَخ الأوَّلون خير البرية، ورغْمَ ذلك، فإنِّي لا آمن عليك مَغبَّةَ مشاهدة برامجها.

 

قلت: لكنَّها تأتي بالصالِح المفيد.

قال - رحمه الله -: الصالِح المفيد طُعمٌ لك ولغيرك؛ فلتحذرِ الطُّعْم.

 

قلت: وكيف أصْنَع؟

قال - رحمه الله -: لقد نبَّهْتُك عسى أن تَنتبه، وانتهتِ الوصية.

 

الوافد الجديد القديم:

ظهرتْ وانتشرتْ في عصرنا فِئاتٌ تدعو إلى الوسطية والاعتدال[1]، والتجديد[2] وفِقه الواقع[3]، وإصلاح الخِطاب الديني[4]؛ حتى يواكبَ تغيُّراتِ الزمان والمكان، وعوائد الأشخاص والجماعات، يزْعُمون أنَّ الإسلامَ لا يصلُح لزمانهم إلا إذا جُدِّد وبُدِّل، وأضفيتْ له صفات العصر ومستجدَّاته، فهؤلاء فِراخُ العصرانيِّين[5].

 

والعجيبُ مِن أمر هؤلاء الموسِّطين والمعدِّلين: أنهم يستدلُّون بالنصوص الشرعية، وأقوال العلماء الأعلام؛ لتعليلِ أقوالهم، وبِناء منطلقاتِهم، والتسويغ لاجتهاداتِهم وفلسفاتهم، يعتمدون المنطقَ العلمي والمنهجية الإسلامية الشرعية، ويُلِمُّون بمختلف الفنون الإسلامية، يَحسَبُهم الجاهل علماءَ، ولكنَّهم عُملاءُ، أو أشباههم.

 

إنَّ هذا الوافدَ الجديد قويٌّ ومُدعَّم بالوسائل والخُطط والدِّراسات، يصيب الهدفَ في عُقْر الدار؛ إذ هو مزوَّد بأحدثِ الأسلحة الصامتة المدمِّرة.

 

خصائص الموسِّطين والمعدِّلين:

• يستدلُّونَ بالنصوص الشرعية.

 

• يستدلُّون بكلامِ العلماء العاملين.

 

• لا يُظهِرون عداءَهم لأحد -  في الأغلبِ الأعمِّ.

 

• يحاولون التلفيقَ بيْن الأقوال والمذاهِب للاستدلالِ على نظرية التوسُّط.

 

• لهم نصيبٌ من العِلم والفِقه.

 

• مُقرَّبون من مصادرِ القرار، وربَّما قُرْبهم هو الذي دعاهم للنِّداء بالتوسيطِ والتعديل.

 

• كثيرو الحديثِ عن المقاصِد[6]، ورُوح الشريعة الإسلاميَّة وأسرارها، وفِقه الواقِع، وتسامُح الأديان، وحوار الحضارات.

 

• عقلانيُّون[7]، ويُخْفون عقلانيتَهم.

 

• عصريُّون، تَعرِفهم بسِيماهم وهِندامهم.

 

أهداف الموسِّطين والمعدِّلين:

• رأبُ الصدع بيْن التشريعات الإسلاميَّة والمناهِج الوضعيَّة.

 

• رفْع الاتِّهام بأنَّ الإسلام دينُ الإرهاب.

 

• مُزاحمة المخالِفين أدَّتْ إلى نشوءِ طائفةِ الموسِّطين والمعدِّلين.

 

ماذا يريد هؤلاء؟

• إنَّهم يُريدون تنزيلَ الواقِع على الدِّين، لا تنزيلَ الدِّين على الواقِع[8].

 

• إنَّهم يُريدون تفسيرَ النُّصوص الشرعية تفسيرًا عصريًّا يوافِق الفلسفاتِ الغربيةَ، والمواثيقَ الدوليَّة، والاتِّفاقيات والبرامج التحرُّريَّة الانحلاليَّة.

 

• إنَّهم يُريدون تطويعَ النصوص الشرعيَّة لخِدمة التوجُّهات الأيديولوجيَّة.

 

وللأسف للمرير:

تَصدُر تلك الدعاوى مِن فئات تدَّعي الالتزامَ والدِّفاعَ عن الدِّين، أمَّا الفِئات الأخرى المتطرِّفة، فإنَّها ترفُض الإسلامَ جملةً وتفصيلاً، ولن نستغربَ مِن الطائفة الثانية المتطرِّفة؛ لأنَّها قد أعلنَتْ توجهاتها وفلسفاتها، وصرَّحت بمواقفِها وضلالاتها، وإنما نعْجَب ونتأسَّف مِن هؤلاء الذين يَنسبون أنفسَهم إلى الدين، يَدَّعون أنهم يُدافعون عنه ويحرِصون على تطبيقه، يُوهِمون الناس بالإصلاح والتجديد والوسطية، ويَتَّهمون المخالفين بالغلوِّ والتشدُّد، والأصوليَّة والظلاميَّة.

 

يا قوم:

إنَّ دِينَ الله الإسلام متوسِّط معتدل في أصْله وفصْله؛ والوسطية مِن خصائصه، إنَّه أنموذج الوسطية والاعتدال، فنُصوصه القرآنية والسُّنية نماذجُ عملية، وأمثلة للوسطية، فدِين الله لا يحتاج إليكم لتُوسِّطوه، أو تُعدِّلوه؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

 

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غلبَه، فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا، واستعينوا بالغُدوةِ والرَّوحة، وشيءٍ من الدُّلجة))؛ رواه البخاري.

 

قال البقاعيُّ في تفسيره - نقلاً عن الحرالي -: "اليُسر عملٌ لا يُجهِد النَّفْس، ولا يُثقل الجِسْم"[9].

 

قال ابن حَجَر: "والمعنى: لا يَتعمَّق أحدٌ في الأعمال الدِّينيَّة، ويترك الرِّفق إلا عجَز، وانقطَع فيُغلب"[10].

 

قال عبدالرحمن بن مُعلاَّ: وحتَّى لا يقع ذلك جاءَ ختامُ الحديث آمِرًا بالتَّسديد والمقاربة؛ قال ابن رجب: والتَّسديدُ: العملُ بالسَّداد، وهو القصْدُ والتَّوسُّط في العِبادة، فلا يُقصِّر فيما أُمِر به، ولا يَتحمَّل منها ما لا يُطيقه[11].

 

قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: الغُلوُّ: مجاوزة الحدِّ بأن يُزادَ في الشيء، في حمْدِه أو ذَمِّه على ما يستحقُّ، ونحو ذلك[12].

 

وقال ابنُ حجر في تعريفِه للغلوِّ: "المبالغة في الشيءِ، والتَّشديد فيه بتجاوُزِ الحدِّ"[13].

 

قال الشيخُ ناصر العُمر في كتابه "الوسطيَّة في ضوء القرآن" في تعريفه للغلوِّ: "فالغلوُّ إذًا هو مجاوزةُ الحدِّ في الأمر المشروع، بالزِّيادة فيه أو المبالَغة إلى الحدِّ الذي يُخرِجه عن الوصفِ الذي أراده وقصَده الشَّارع.

 

قال الإمامُ الشاطبيُّ في موافقاته مُبيِّنًا حقيقةَ الوسطية: "فإذا نظرتَ في كُلِّيَّة الشريعة، فتأمَّلْتَها تجدُها في الموافقات: فإذا نظرتَ في كُلِّيَّةٍ شَرْعِيَّة، فَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا حاملةً على التوسُّط، فإنْ رأيتَ ميلاً إلى جِهة طرَفٍ مِن الأطراف، فذلك في مقابلةِ واقع أو متوقَّع في الطرَف الآخَر.

 

فطرَف التشديد - وعامَّة ما يكون في التخويفِ والترهيب والزَّجْر - يُؤتَى به في مقابلةِ مَن غلَب عليه الانحلالُ في الدِّين.

 

وطرَف التخفيف - وعامَّة ما يكون في الترجية والترغيب والترخيص - يُؤتَى به في مقابلةِ مَن غلَب عليه الحرجُ في التشديد، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك، رأيتَ التوسُّطَ لائحًا، ومَسْلَك الاعتدال واضحًا، وهو الأصلُ الذي يُرجع إليه، والمعقِل الذي يُلْجَأ إليه"[14].

 

"يا أهلَ التوسيط والتعديل، تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم أن نَفهمَ الوسطيَّة والاعتِدال كما جاء بها شَرْعُ الإسلام".

 

إنَّ الإسلام متوسِّط كلِّه:

• في عقيدتِه.

• في عباداتِه.

• في معاملاتِه.

• في أخلاقه.

• في جناياته.

 

عدالةُ الإسلام لا تَحْتاج إلى برهان[15]:

فقدْ نظَّمتْ شريعةُ الإسلام علاقةَ الإنسان بربِّه ونفْسه، وأقاربه وجِيرانه والمجتمع والنَّاس؛ كافرِهم ومؤمِنهم، كما نظَّمتْ علاقتَه بالكون والمحيط تنظيمًا عادلاً حكيمًا ربانيًّا[16].

 

فلا مجالَ لمقارنة الحِكمة الإلهية بالعدالة البشرية والأحكام الوضعية، ولا عجب؛ لأنَّ الربَّ - سبحانه وتعالى - خالِقٌ، والإنسان مخلوق.

 

لقدْ قادتْنا العدالةُ البشرية (المزعومة) إلى ما لا تُحمد عُقباه: قادتْنا إلى الظلم بجميعِ أنواعه، والتلوُّث بجميع أشكاله، والجَهالة بألوانها المتعدِّدة، وأحداثُ اليومِ والبارِحة خيرُ مِثال نضرِبه، وأفْضَل نموذج نُقدِّمه حُجَّةً دامغةً على القصور، والافتقار إلى عدالةِ شِرْعة الإسلام، ألم يَحِنْ وقت الرُّجوع؟!

 

يُمكن للعقل البشري[17] أن يكونَ عادلاً في حُدوده؛ وخَطؤُه في الحُكم وارد، فقد يُصيب الحقَّ وقد لا يصيبه، وقد يكون الإنسانُ نزيهًا في ذاته وقد لا يكون، وقد يَفْقَه المآلات والحيثيات، وقد لا يفقهها، والعدالةُ البشرية محكومةٌ بمحدودية الإنسان ونسبيَّته.

 

لا يُعطِّل دِينُ الإسلام العقولَ؛ بل يُحدِّد مجالاتِها ويضبطها؛ لئلاَّ تزيغَ عنْ جادَّة الصواب فتَهلِك، وتفصيل الكلام في المقام يطول، ولِمَن أراد التفصيلَ العود إلى المظان.

 

موصوفٌ عصرُنا بالعدالة والديمقراطيَّة والحريَّة؛ حرية الرأي والتعبير[18] والاعتقاد، و... ، والمساواة، فهل تحسُّون بالعَدَالة والحريَّة؟!

 

التشويه:

زِيادة على أنَّهم يريدون توسيطَ الدِّين وتعديلَه، فإنَّهم حريصون كلَّ الحِرْص على تشويه مصطلحاته[19]، كمصطلح التشدُّد؛ فقد حمَّلوه ما يُطيق وما لا يُطيق.

 

فأغْلَب ملتزمي الإسلام، المحتكِمين لتعاليمه، يُعْتبرون - في نظرِهم - متشدِّدين غالين، ويَجْهلون أو يَتجاهَلون أنَّ الحُكم بالتشدُّد أو الغلوِّ يتوقَّف على فِقهٍ في الدِّين عظيم، وفَهْم للنصوص عميق، وضبط للقواعِد والضوابط[20].

 

أصناف الموسِّطين المعدِّلين:

الصِّنف الأول: يعرفون الحقَّ ويَفْقهونه، ويُدركون أنَّ دين الله متوسِّط معتدِل، ولكنَّهم باعوا أنفسَهم بدراهمَ معدودة، فتدفعهم لذَّةُ المنصب والوظيفة إلى تبديلِ الحقِّ وكِتْمانه، فتجدهم يُجارون التوجُّهاتِ والأيديولوجيات، ويُنتجون فتاوى على حسبِ المقاسات، ووَفْقًا للرغبات - غفر الله لنا ولهم، وإلى سواء السبيلِ هَداهم.

 

الصِّنف الثاني: صِنْف الببغاوات مِن المقلِّدين والمقلِّدات، سمِعوا الناس يقولون شيئًا فقالوه، مَثَلهم كمَثَل الحِمار رأى الثيرانَ ثائرةً فانطلق معها وهو لا يَدري ما دهاها، فعجبًا لهؤلاءِ القوم لا يكادون يفقهون عِلمًا ولا كلامًا، تحسبهم أذكياءَ وهم على رؤوسِ الأغبياء، فيا ليتَ قوْمي يَعُون قولي!

 

أصناف المفسدين:

• المُفسِدون الظاهِرون: يُعادون الإسلامَ جهارًا.

• المفسدون المضمرون: يدسُّون السُّمَّ في العسَل؛ ومِن أصناف هؤلاء الموسِّطين والمعدِّلين مَن يروِّجون للإسلامِ العلماني/ الحداثي، مدَعَّمين بالوسائلِ والأموال، ووسائل الاتصال والإعلام.

 

الإرهاب والتوسيط:

دفعتِ الأحداثُ الإرهابية أقوامًا كثيرين مِن الباحثين وأشباههم، مِن الكتَّاب والصحفيِّين والإعلاميِّين - دفعتْهم إلى رفْع شعاراتِ التوسُّط والاعتدال والتجديد والتحديث (تحديث كلِّ شيء)؛ كي لا يُقال: إنَّ الإسلام دينُ إرْهاب، وقد قيل!

 

لم يكن هدفُهم الأساس تبرئةَ الدِّين الإسلامي عن الأحداثِ الواقِعة هنا وهناك وهنالك، وكان هدفُهم مداهنةَ القويِّ العنيف؛ حتى يرضى عليهم، ولن يرضَى عليهم ما لم يَتَّبعوه شِبْرًا بشِبر، وذِراعًا بذراع.

 

ألَمْ يعلموا أنَّ الإسلام دينٌ متوسِّط معتدِل، ودِين رَحْمة ويُسْر، قبلَ الأحداثِ وبعدَها، وسيبقَى كذلك إلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومَن عليها؟

 

قال - سبحانه وتعالى - داعيًا إلى التعارُف والتواصُل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

 

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

 

وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105].

 

وعن أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتدَّ به العطش، فوجَد بِئرًا فنزل فيها فشَرِب، ثم خرَج فإذا بكَلْبٍ يلهث يأكُل الثرى مِن العطش، فقال الرجل: لقد بَلَغ هذا الكلب مِن العطش مِثْلُ الذي كان قد بلَغ مني، فنزل البِئر فملأ خُفَّه ماءً، ثم أمسكه بفِيه حتى رقِي فسقَى الكلب، فشَكَر الله له، فغفَر له))، قالوا: يا رسول الله، إنَّ لنا في البهائم أجْرًا؟ فقال: ((في كلِّ كبدٍ رطْبة أجْرٌ))؛ متفق عليه.

 

أيا أهلَ الحداثةِ والعولمة، والفِكر والنقد، والتحرُّر والتنوير، إنَّ هذه النصوص الكريمة - وغيرها كثير - تتجاوز أربعةَ عشرَ قرنًا، وتتجاوز في عباراتها ومضامينها الزمانَ والمكان، وستُصْلِح كلَّ مَن يعمل بها ويلتزمها مِن هذه الأقوام ومِن غيرها، مِن الآتية في قابلِ الزمان والأيام.

 

سياق الظهور:

فظهرتْ في هذا السِّياق تياراتٌ تدعو إلى التقارُب بين المجتمعات المسلِمة وغيرها؛ بحيث يُمكِن للمسلِم أن يتنازلَ عن قليلٍ أو كثير مِن تعاليمِ الإسلام وشعائِرِه، وربما أركانه؛ حتى يتوافَقَ مع الأشكال الأمريكيَّة والأوربيَّة الفاسدة.

 

وفي هذا السِّياق كذلك أنتجتْ شركاتُ الإفتاء فتاوى تُبيح المحرَّمات، وتشرع للتنازلات، بأسامي حوارِ الحضارات، والتقارب بين الدِّيانات والثقافات، وعَلَتْ أصواتُ المنادين برُوح الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وغيرها من العبارات الملغومة، والإشارات المسمومة.

 

الإسلام سباق إلى العولمة الفاضلة:

يا قومِ، إنَّ الإسلام دينُ السِّلم والسلام، عرَف ذلك مَن عرَفه، وجَهِله مَن جهِله.

فمِن الواجب علينا - نحن المسلمين - التعريفُ بالإسلام وبيان فضْله، ونشْره في العالَم؛ لأنَّه رسالةٌ عالمية صالِحة ومُصلِحة لكلِّ زمان ومكان؛ مهما تغيَّرتِ الأحوال وتبدَّلت الأقوام؛  قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وقال - تعالى -: وتبارك: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ﴾؛ أي: القرآن فلم يؤمِنْ به، ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ بالتنوين مصدرٌ بمعْنَى ضَيِّقة - وفُسِّرت في حديثٍ بعذاب الكافر في قبْره - ﴿ وَنَحْشُرُهُ ﴾؛ أي: المعرِض عن القرآن ﴿ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ أعمى البصر[21].

 

فالخِطاب هنا لعامَّة المعرِضين، والسَّعَة والحياة الطيِّبة مرهونةٌ بالاتِّباع والالْتزام.

 

ولا يَغترَّنَّ الإنسانُ بالتقدُّمِ العِلمي والتقني والغِنَى المالي، فإنَّه لا يَعكِس السعادةَ الحقيقيَّة الدنيويَّة، بله الأُخرويَّة، ومِن رحمةِ الله بعباده المؤمنين والكافرين أنَّه لا يَكشِف عن قلوبِهم؛ ليعلمَ ما يُعانونه ويُضمرون.

 

التقصير من الداخل:

وسوء فَهْم غيرِنا (مسلمين وغير مسلمين) لدِينهم الإسلام يدلُّ على مسائلَ كثيرة؛ منها: أنَّنا قد قصَّرْنا في واجبِنا الشرعي - عولمة الإسلام، وقصَّرْنا في تأطيرِ كثيرين مِنَ المنتسبين للإسلام، كي لا يَزيغوا عن جادَّةِ الصواب.

 

لهذا، فنحن في حاجةٍ ماسَّة إلى مؤسَّسات عادِلة تُشرِف على الإفتاء والتأطير، في المجالاتِ الشرعيَّة والدعويَّة، يُشرِف عليها العلماءُ العاملون، الأتقياء الأنقياء.

 

مؤسسة الخطاب الديني:

إنَّ نشْر الإسلام وعَوْلمته في حاجةٍ إلى عملٍ مُؤسَّس ومنظَّم (مؤسَّسات ومنظَّمات)، ويستدعي ذلك رؤوسَ أموال وخُططًا إستراتيجيَّة، وخبراءَ ودراساتٍ وتوقُّعات، وليس ذلك بعملِ أفراد أو جماعات، تتحرَّك هنا وهناك.

 

لَم تتأخَّر الصحوةُ الإسلامية عن الرَّكْبِ؛ إلا لأنَّها لم تواكب المستجداتِ التقنيةَ والفِكرية، فالتركيز على الجهود الفرديَّة المبعْثَرة لا يجدي فتيلاً في زمن المؤسَّسات والتكتُّلات والشراكات.

 

الختام:

وخيرُ ما نَختِم به الكلامَ سؤالُ ربِّ العزَّة والجلال الهدايةَ لهؤلاء الموسِّطين والمعدِّلين، فاللهمَّ اهدِهم إلى سواءِ السبيل.

 

أمَّا واجبنا الثاني فهو التصدِّي لحملاتِ التوسيط والتعديل بالأدلَّة والبراهين، والبيان المنير: "الردُّ عليهم بالحُجَج البيِّنات، وإسقاط دعاواهم بنصوصِ القرآن والسُّنَّة، ومنطق العقول النيِّرة، ونعتمد في ذلك على أمرين اثنين:

• الله - عزَّ وجلَّ - فنسألُه التوفيق.

• ثم المنهج السليم.

• المنهج المؤسَّساتي.

• ثم المنهج الفَرْدي.

 

المنهج المؤسَّساتي: هو عملٌ مُؤسَّس ومنظَّم على قواعدَ ثابتة، وأهداف واضحة، وخُطط مُحكَمة، فزمنُ اليوم زمنُ المؤسَّسات والمنظمات؛ بحيث لا يُجدي فيه عملُ الأفراد والجماعات.

 

ومِن وسائلِ تفعيل المشروع الدعوي المؤسَّساتي:

• حُسْن التحكُّم في وسائلِ الإعلام والاتِّصال المختلفة.

• الشركات والمنظَّمات.

• المدارس والجامعات، مؤسَّسات التربية والتكوين.

• الأعمال الاجتماعيَّة والخيريَّة.

• المشاركة السياسيَّة المتوازنة.

 

المنهج الفردي: قائمٌ على تأهيلِ الموارد البشريَّة الصالِحة المصلِحة، التي تكون قدوةً ونموذجًا يُحتذى - منخرطة انخراطًا فاعلاً في المؤسَّسات - فاعلة في مُحيطها الصغيرِ والكبير.

 

ملحوظة: يحتلُّ المنهج المؤسَّساتي أهميةً بالغة لإنجاحِ المشاريع، بما فيها المشاريعُ الدعويَّة الإصلاحيَّة، ثم يجب ألا نَنْسى أهميةَ الأفراد/ الموارد البشريَّة المؤهلة؛ فإنَّها السبيلُ القويم لإنجاحِ جميعِ أنواع المشاريع.

 

والجدير بذِكْره أخيرًا:

أنَّ العنصرَ البشريَّ المنضبط المؤهَّل، المدرِك للمآلات، القادِر على التعامُل مع الإشكالات والصِّعاب والمواجهات، هو الكفيلُ بإخراجِ البشرية مِن ظلمات الجهْل إلى نور الفَهْم.



[1] الإسلام الوسطي.

[2] تجديد المقاصِد، وتجديد أصول الفقه والفقه والتفسير والفَهْم... تجديد كل شيء.

[3] ويَقصِدون به جعْل الواقع - الصالح والفاسد - حاكمًا على الشريعة ونصوصها، أمَّا إذا تصادم الواقع والنصوص، فإنَّهم يحاولون طيَّ النصوصِ وليَّها؛ لتخدمَ أغراضهم وتُوفي بمقاصدهم، ولا يقصدون بفِقه الواقع ما قصده ابنُ قيم الجوزية في إعلامه، حيث قال: "ولا يتمكَّن المُفتي ولا الحاكمُ مِن الفتوى والحُكم بالحقِّ إلا بنوعين من الفَهم أحدهما: فَهْم الواقع والفِقه فيه، واستنباط عِلم حقيقة ما وقَع بالقرائن والأمارات والعلامات، حتى يُحيط به علمًا.

والنوع الثاني: فَهْم الواجب في الواقع، وهو فَهْم حُكم الله الذي حَكَم به في كتابه، أو على لسان رسولِه في هذا الواقع، ثم يُطبِّق أحدهما على الآخَر...".

[4] تجديد الخطاب الدِّيني: يقصدون به جعْلَ الدين الإسلامي - القرآن والسنة ومناهِج البحْث الإسلامية - تبعًا للنمط الفِكري والاقتصادي، والاجتماعي والسلوكي الأمريكي والأوروبي؛ بحيث لا يَحدُث التصادم بين النموذج الغربي - الأمريكي والتشريع الإسلامي، وبذلك فقدْ تجاوزوا الدعواتِ العلمانيَّة الداعية إلى الفَصْل بين الدين والدولة - السياسة، كما تجاوزوا وتخطَّوْا بخطوات الدعوات اللا دِينيَّة الإلحادية؛ ليَدعُوا إلى فِكرة خطيرة جدًّا، لا يُدركها إلا العاقِلون؛ هي تجديدُ الدِّين/ الخطاب الديني؛ لإفسادِه وتدميرِه من الداخل.

[5] العصرانيون: فئات تدَّعي تشبثَها بالعقل والفِكر، وتُنادي بالتحرُّر من الماضي وأغلاله، تدعو إلى التجديدِ والتفكير المنطقي، والمواكبة والتقدُّم، وَفقًا للمفاهيم والفلسفات الغربية، ودعواها أنَّ تغيُّرَ الزمان يقتضي تغييرَ النصوص الشرعية؛ لتواكبَ المستجدات، وتحتوي المتغيرات الوطنية والدولية؛ بشكل يُوافِق المعاهدات الدولية والاتفاقيات، لا يُنكِرون النصوصَ الشرعية القرآنية والسُّنية، وإنَّما يَدْعُون إلى الاجتهاد فيها، وتنزيلها على الواقع المعاصِر، فهُم دُعاة التنوير - والعقلانية - والتحرُّر، يُقسِّمون السنة النبوية إلى تشريعيَّة وغير تشريعيَّة؛ وهدفُهم من وراءِ التقسيم خبيث، يَدْعون إلى الفِكر المقاصدي - كما يرونه - ويحتجُّون بقول العلماء: حيثما وُجِدتِ المصلحة فثَمَّ شرْعُ الله؛ ويفهمون القاعدةَ وَفقًا لمبادئِهم ومنطلقاتِهم - ويحثُّون على تجديدِ أصول الفقه والتفسير؛ ليسوا علمانيِّين ولا ثابتين على النصوصِ والمنطلقات التي اتفقتْ عليها الأمَّة، إنَّهم فئةٌ هَجِينة تدسُّ السُّمَّ في العسَل، تحسبهم مؤمنين وهم كالمنافِقين، لهم رُموزهم القديمة، وأعلامُهم الجديدة، مُموَّلون مدعومون للترويجِ لفِكرهم ودسِّ سمومهم؛ بل فِكر أعداء الإسلام؛ ولهذا تُعَدُّ العصرانية قنطرةَ العلمانية.

للتفصيل في الموضوع انظر كتاب: "العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب"، بقلم محمد حامد الناصر.

"لقدْ زعَم أصحابُ هذه المدرسة أنَّهم يريدون التجديدَ؛ لتنهضَ الأمة من كبوتها، ويريدون إعادةَ كتابة التاريخ العربي والإسلامي، مِن خلال طرْح العديد من الدراسات والأبحاث المتعلِّقة بالتراث، إلا أنهم عمدوا إلى إحياءِ وتمجيد الاتجاهات الفِكرية المنحرِفة، وعَرْضها في إطار عقلاني تحتَ مظلَّة الانتماء إلى التراث الإسلامي"؛ الصحيفة 177 من كتاب "العصرانيون"؛ محمد حامد الناصر.

[6] ومَقْصدهم مِن حديثهم عنِ المقاصد ورُوح الشريعة وأسرارها، هو تغييرُ الأحكام والتشريعات؛ حتى تواكبَ الواقِعَ الفاسِد، فيُضيفوا للدِّين ما ليس منه باسمِ المقاصِد، ويُزيلوا منه ما هو منه، باسمِ الأسرار والحِكم؛ مراعاةً لفلسفات التشريعِ الإسلامي.

[7] العقلانيُّون: يكادون يجعلون العقلَ مصدرًا من المصادرِ الأصلية للتشريع الإسلامي، يستعملون العقلَ في غير مجالِه، فلو استعملوا عقولَهم في البحْثِ فيما ينفعهم وينفَع الناس؛ في دِينهم ودُنياهم، لكان ذلك أجْدَى لهم وأنفَع، فالمجالاتُ التي يُمكِن استخدامُ العقول فيها كثيرة ومتعدِّدة؛ كالمجالات التربوية والاجتماعية، والفكرية والثقافيَّة، والعلميَّة والتقنيَّة والطبية، لكنَّهم يأبون إلا أن يُخضِعوا الثوابتَ الإسلامية والأصولَ الدِّينيَّة للاجتهاد، وليسوا أهلَه.

[8] سمعت الدكتورَ يوسف القرضاوي يتساءَل في إحدى محاضراته قائلاً: لماذا تُطالبون الإسلام بأن يتطوَّر، ولا تطالبون التطوُّرَ بأن يُسلِم؟!

[9] انظر: تفسير البقاعي (3/62).

[10] انظر: "فتح الباري" (1/94).

[11] انظر: "الغلو في الدين" (ص: 69)، والمَحجَّة في سَيْر الدُّلجة؛ لابن رجب (ص: 51).

[12] انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/289).

[13] انظر: "فتح الباري" (13/278).

[14] الجزء 2/128.

[15] قال ابن قيِّم الجَوزيَّة في كتابه القيِّم "إعلام الموقعين عن رب العالمين" : "فإنَّ الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالِح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصالِح كلها، وحِكمة كلها".

[16] ولمَّا أهْمِلُ مُنظِّم العلاقات ومسوِّي الخِلافات - الصِّراط المستقيم، منهج الوسطية والاعتدال - ظهرتِ النِّزاعات، واشتدَّتْ التوترات، وفسدتِ العلاقات بيْن الإنسان وأخيه الإنسان، والإنسان والحيوان والبيئة، وساء حال الناس في زمنِ الرخاء المزعوم، والتكنولوجيات والتقنيات، ظَنَنَّا التقدُّمَ الرَّقْمي سيكون حلاًّ للمعضلة، فكان وبالاً علينا لا معينًا، فظهر الرقُّ في حُلَّة جديدة، والعبودية البشرية في صِفة حديثة، ظنُّوا أنهم حاربوا الأُميةَ الأبجدية والإعلامية، فطَفَتْ على السطح الأُمية الأخلاقيةُ وأُميةُ القِيَم.

[17] إذا شرَّحت العقل البشري وجدته يتألَّف من:

1- تجارب موروثة (عادات - نماذج - حلول...).

2- لغة مترجِمة للأفكار والمواقف.

3- الهوى، وما أدراك ما الهوى؟!

قال ابن خلدون في مقدمته: "العقل ميزانٌ صحيح، فأحكامه يقينيَّة لا كذبَ فيها، غير أنَّك لا تطمع أن تزن به أمورَ التوحيد والآخِرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طورِه؛ فإنَّ ذلك طمعٌ في محال، ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذي يُوزن به الذهبُ، فطَمِع أن يَزِنَ به الجبالَ، في مقدمة ابن خلدون: وهذا لا يُدْرَك. على أنّ الميزان في أحكامه غيرُ صادقٍ، لكنَّ للعقل حدًّا يقِف عنده"؛"الصحيفة" (374).

[18] حرية الرأي والتعبير: مَن قال بذلك؟

حريَّة الإنسان مقيَّدة في الشريعة الإسلامية؛ بالضوابطِ والقُيود ومرسومة لها الحدود؛ وإن أنْكر ذلك المنكِرون وتجاهله المتجاهِلون؛ لئلاَّ يتسرَّبَ الهوى إلى الحياةِ فيفسدها، وإلى الأخلاق فيُدمِّرها، وأصحاب هذه الكذبة (دُعاة حريَّة الرأي والتعبير)، لا يُطبِّقون محتواها ومقتضياتها - الفاسِدة - عندما يتعلَّق الأمرُ بأمور جعَلوها مقدَّسة أو كالمقدَّسة، إنما يَقصِدون بحرية الرأي والتعبير قولَ مَن شاء ما شاء؛ طعنًا على الشريعة الإسلاميَّة وأحكامها الإلهية، أو طعنًا على علماءِ الإسلام وأئمَّته، لزَرْع بذور النِّزاع بين الطائفتين الضالَّة والمستقيمة على الطريقة، ليستغلُّوا فترةَ النِّزاع لقضاءِ مآربهم الدنيويَّة، ومصالحهم الاقتصاديَّة، يريدون بذلك تحقيقَ توازن القُوَى؛ لتدومَ لهم السلطةُ والقوَّة.

[19] فإذا تشوَّه المصطلح، واختلَّ معناه في الأذهان، تشوَّهتِ الأفهام والأفكار، وأثَّر ذلك على سلوكيات الأفراد والمجتمعات.

[20] قال ناصر العُمر في كتابه "الوسطية في ضوء القرآن": "إنَّ الحُكم على العمل بأنَّه غلوٌّ، أو أنَّ هذا المرء مِن الغُلاة، بابٌ خطير، لا يقدر عليه إلا العلماء الذين يُدركون حدودَ هذا العمل، ويَعلمون أبوابَ العقيدة وفروعها؛ لأنَّ الحكم على الشيءِ فرعٌ عن تصوُّره، فقد يكون الأمرُ مشروعًا ويُوصَف صاحبه بالغلوِّ، وها نحن نرى اليوم أنَّ الملتزمين بشَرْع الله، المتمسِّكين بالكتاب والسُّنَّة، يُوصَفون بالغلوِّ والتَّطرُّف والتَّزمُّت ونحوها؛ ولذلك فإنَّ المقياس في الحُكم على الأعمال والأفراد والجماعات هو الكتاب والسُّنَّة، وليستِ الأهواء والأعراف، وما تعارَف عليه النَّاس، وقد ضَلَّ في هذا الباب أُممٌ وأفراد وجماعات.

[21] تفسير الجلالين (1/418).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مدخل إلى تعظيم وسطية الإسلام والإشادة بخصائصها
  • الوسطية: مفهومًا ودلالة
  • الوسطية والطرفية
  • الوسطية ضرورة للحفاظ على اليقظة
  • وسطية الأمة المسلمة
  • تسوية الأفهام لفقه الوسطية والاعتدال

مختارات من الشبكة

  • الهند: 24% معدل زيادة المسلمين بالهند وكثافتهم ترتفع إلى 14.2%(مقالة - المسلمون في العالم)
  • دور الإعلام والسياسيين في ارتفاع معدل الجريمة ضد المسلمين(مقالة - المترجمات)
  • مخطوطة رسالة في دائرة المعدل(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • فلسطين المحتلة: انخفاض معدل زيادة المسلمين داخل الأراضي المحتلة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أستراليا: ارتفاع معدلات التحاق الطلاب المسلمين بالمدارس الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ارتفاع معدلات جرائم العنف والكراهية ضد المسلمين(مقالة - المترجمات)
  • محبطة من معدلات القبول في طب الأسنان(استشارة - الاستشارات)
  • مخطوطة تحفة الخاشعين (شرح معدل الصلاة)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • البوسنة: ارتفاع معدلات اعتداء الصرب على المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خلاصة الأمور المختلفة بين روضة المعدل وطريق الشاطبية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب