• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد منير الجنباز / مقالات
علامة باركود

قصة ذي القرنين

قصة ذي القرنين
د. محمد منير الجنباز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/11/2021 ميلادي - 25/3/1443 هجري

الزيارات: 30882

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة ذي القَرْنين


وردَتْ قصته أيضًا في سورة الكهف؛ قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 83]، وكان السؤال الثاني عن رجل طوَّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ فكان الجواب بأن هذا الرجل هو ذو القرنين، وقد أفاضت الآيات في وصفه وذكر أعماله الخارقة حتى التبس على عدد من المؤرخين حقيقته الدعوية، فذكروه مع الأنبياء، وورد عن على رضي الله عنه قال: "لم يكن نبيًّا ولا رسولًا ولا ملكًا، ولكن كان عبدًا صالحًا"، وقال ابن عباس: كان ذو القرنين ملكًا صالحًا رضي الله عمله وأثنى عليه في كتابه، وكان منصورًا، وكان الخضر وزيره، وذكر أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل، وورد أن الله سخر لذي القرنين السحاب يحمله حيث أراد، ووفق ما ذكره القُرْآن عنه فإن الله تعالى قد أثنى عليه بالعدل، وأنه بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وملك الأقاليم، وقهر أهلها، وسار فيهم سيرة حسنة، وأنه كان من الملوك العادلين، لكن اختلفوا في اسمه ومن أي البلاد هو، فقيل: هو الإسكندر بن قيلقوس الذي ملك الدنيا بأسرها، باني الإسكندرية، أقول: وهذا خطأ كبير؛ لأن الإسكندر هذا لم يكن من أهل التوحيد، بل كان وثنيًّا، ووصل إلى المشرق حتى الهند، ولكنه لم يصل في فتوحاته إلى أقصى المغرب، والخلاف في تحديد اسمه ونسبه ومسقط رأسه كبير، حتى إن الفخر الرازي جزم بأنه الإسكندر المقدوني، وهذا خطأ فادح، وشتان بين مؤمن مؤيد من الله ووثني اتخذ من مبدأ الفلاسفة دينًا له لما فيه من الخلط الكبير في العقيدة، ومع ذلك فإنه لم يروَ عنه أنه في غزواته قد وصل إلى يأجوج ومأجوج وبنى عليهم السد، كما ذكر القُرْآن؛ فالقُرْآن جلَّى لنا كثيرًا من أخباره، مما يعطينا تصورًا وافيًا عنه.

 

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84، 85]، لقد أعطاه الله قوة كبيرة بدنية في جسمه، وفكرًا مستنيرًا، وأمده بجيش قوي كبير، والتمكين في الأرض يعني بسط السيطرة والقوة والغلبة على العدو، وتسخير خيرات الأرض وما فيها لصالحه، وتذليل طرقاتها ومياهها وبحارها له، فلا يستعصي عليه شيء فيها، والسبب: بمعنى الطريق الموصل إلى الغاية المرجوة، ولقد أخذ في كل الأسباب التي سخرها الله له؛ لذلك طاف العالم فاتحًا ومرشدًا ومصلحًا، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ [الكهف: 86] وقد اتجه إلى أقصى الغرب، وهناك وجد الشمس تغرب في عين ماء حارة، وربما عنى بالحمأ: الطين الأسود الناتج عن تحلل الصخور البركانية، وأما الشمس حقيقة فهي في السماء، ولا تغرب على الحقيقة في شيء على الأرض، وإنما هذا الغروب هو حسب رؤية الرائي لها، وإلا فإن قُطر الشمس أكبر من قُطر الأرض بمائة وتسع مرات، فكيف تغرب الشمس في عين حمئة من عيون الأرض؟ فهذا لا ينبغي إلا أن يكون بحسب رؤية الرائي لها، كما لو رأيناها تغرب خلف الجبل أو في البحر، ﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ﴾ [الكهف: 86]، فانطلق إلى المكان عند العين الحمئة الحارة فوجد عندها قومًا يقيمون حولها، ولعلهم من خلال البيئة التي تضمهم نتوقع أنهم كانوا أهل زراعة وفلاحة ومن ذوي البلاد الحارة التي لا يحتاجون فيها إلى ملابس غليظة تقيهم البرد، ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ [الكهف: 86]، وهؤلاء القوم لم يكونوا على دين حق؛ لذلك خيره الله بين أن يأخذهم بالقتل والعذاب وبين أن يدعوهم بالحسنى إلى الإسلام، ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ [الكهف: 87]، وهذا بعد دعوته إلى الحق وبيان الطريق السوي وعبادة الله الخالق الواحد، فإذا أبى المدعوُّ تلبية الدعوة يكون قد ظلم نفسه بالبقاء على الشرك ورفضه الإيمان، ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، واستحق العذاب من قِبَلِ ذي القرنين، ويكون قد أعذر في ذلك، ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ﴾ [الكهف: 87]، وهذا سيكون يوم القيامة؛ حيث يهوي الملحدون والمشركون في النار، ويكون عذابهم أليمًا شديدًا، ﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 88]، أما الذين آمنوا واتبعوا طريق الهدى فهم بحقٍّ الراشدون العاملون في الخير والإصلاح والإعمار، فلا يقترفون منكرًا، ولا يصرون على معصية؛ فلهم الجنة في الآخرة جزاء لما قدموا، ولهم في الدنيا التيسير والعيش الهنيء والمعاملة الحسنة من قِبَل ذي القرنين، فهم الذين يتحقق فيهم قول الله تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30] في الخير والتقوى والعمل الصالح، فيجعل الأرض مهدًا وسلامًا، فلا يقترف فيها المنكَرات ولا القتل، أو التدمير والتخريب، طائع لله عز وجل، عامل بتعاليمه التي تقضي بالمحبة والسلام ونشر الخير والمودة وصلة الأرحام، ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 89]، فغادرهم في اتجاه آخر وإلى جهة أخرى بعد أن أصلحها واطمأن على نشر الإسلام فيها متخذًا ما سخر الله له من الأسباب في الخير وتعميمه فوق الأرض، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ﴾ [الكهف: 90]، فعاد أدراجه من جهة الغرب ليطلع على أحوال الناس في الشرق، ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ [الكهف: 90]، وجد القوم عراة لا يلبَسون ما يسترهم، وهذا دليل على بدائيتهم الموغلة في الجهل؛ فهم والبهائم سواء، فلا يملِكون أدنى حضارة، ولا شيئًا من المعرفة، وإلا لكان لهم من الشمس ستر، ولو بما يجدونه من المواد المتوفرة لديهم من ورق وعشب، فهم أشبه الناس بأقزام إفريقيا في الغابات، وشعب أسترالية البدائي؛ فقد وجدوا على هذه الحالة عند اكتشاف بلدانهم، ﴿ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ﴾ [الكهف: 91] فكان عنده علم بمن في المغرب كما عنده علم بمن في المشرق، ويكون بهذا قد طاف المشرق والمغرب، ووضع للجميع القوانين العادلة والدعوة الراشدة للالتزام بها، فمن أخذ بها عامله المعاملة الحسنة، ومن أبى وتنكر كان العقاب رادعًا له، وبهذا جدد الدعوة في كافة المعمورة، وعمم الإسلام، وبلغ كافة الخلق ما أعطاه الله من المكنة وتسخير الأسباب له، ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 92]، فقد حاد عن الشرق وعن الغرب ليرى أطراف الأرض الأخرى فيذرعها بتطوافه، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴾ [الكهف: 93]؛ أي: أشد تخلفًا من سابقيهم، والظاهر أنهم من أمة المغول، فكلامهم في مراحل تكوينه الأول، فلا يجيدون الكلام إلا فيما بينهم، أما لغة غيرهم فمن المحال فهمها، ومهما قرَّبت لهم اللغة وذللتها للفهم فإنها تستعصي عليهم، لكن ذا القرنين بما آتاه الله من الأسباب استطاع التفاهم معهم، واستمع إلى مطالبهم، وما يحسن حالهم، فكان طلبهم الذي ألحوا عليه هو الشكوى من جيرانهم الذين آذوهم، ﴿ قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ [الكهف: 94]، وكان هؤلاء الجيران من قوم يأجوج ومأجوج، فهل كانوا قبيلتين أم قبيلة واحدة؟ فقيل: يأجوج من الترك، ومأجوج من الجبل والديلم، وقيل: قبيلة واحدة، حملت هذا الاسم؛ لأنهم ينتسبون إلى يافث بن نوح، فما حقيقة إفسادهم؟ قيل: كانوا يخرجون إلى أرض القوم المجاورين لهم في الربيع فلا يدعون فيها شيئًا أخضر إلا أكلوه، وقيل: كانوا يأكلون البشر، وقيل: كانوا يمارسون القتل والظلم والتعدي على جيرانهم، وهذا الذي ذكر عنهم يجعلهم مبالغين في الشر، وتجنبهم أولى؛ لذلك طلبوا من ذي القرنين أن يعطوه مالًا ليقيم سدًّا حاجزًا بينهم وبين يأجوج ومأجوج، أقول: إذا كان معهم المال فلمَ لم يقيموا هم السد؟ لعل هناك صعوبات تعترضهم، منها: عدم وجود الخبرة في بناء السد، وربما كان خصومهم لا يمكنونهم من إقامته، فيحتاج إلى قوة كبيرة تحميه؛ ولهذا بذلوا له المال، ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 95]، وهنا نسب القوة لله، والعون على هذا العمل منه جلَّت قدرته، فالله أعطاني القوى، ومكنني من تنفيذ أشق الأعمال، فذلك خيرٌ منه ومَنٌّ، ومع ذلك فلا بد لكم من بذل الجهد والعمل لكي تعملوا معي بقوة وجد؛ فالسد لصالحكم، وعليكم أن تبذلوا الجهد لإقامته؛ لكي تشعروا بقيمة العمل وأن البناء لا يأتي من فراغ أو كسل، وإنما يأتي بالكد والجد، وهكذا استعان ذو القرنين بالله أولًا ثم بمشاركة أصحاب المنفعة، فخطط مع مَن معه من أهل الخبرة والهندسة لإقامة سد قوي عجيب الصنعة، لا مثيل له من قبل ولا من بعد، ووزع العمل كل في قدرته وتخصصه، ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾ [الكهف: 96] قطع الحديد الضخمة والكتل الكبيرة، ﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾ [الكهف: 96] صف القطع بعضها قرب بعض ما بين الجبلين كما يصف البناء من اللبن أو الحجارة طبقة فوق طبقة، إلى أن ارتفع البناء من قطع الحديد، ﴿ قَالَ انْفُخُوا ﴾ [الكهف: 96] والنَّفخ يعني صنع الكير من الجلد، فإذا سحبوه امتلأ هواء، وإذا ضغطوه أخرج الهواء بقوة، فيعين في إشعال النار بقوة، وكذلك أتوه بالفحم الذي وضع بعناية محسوبة مع الحديد وبين قطعه فأشعلوها نارًا حامية جعلت الحديد يذوب وينصهر فيلتصق بعضه ببعض ليكون كتلة واحدة، وهم على هذه الحال من المرحلة الأولى إذا به قد أعد المرحلة الثانية، ﴿ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ [الكهف: 96] فكان أن سكب فوقه النحاس المذاب؛ إمعانًا في القوة والتماسك، ولكيلا يصيبه الصدأ، ومثل هذا السد يصور لنا قوة منفِّذه، وارتقاء علمه؛ فعادة ما تبنى السدود بالحجارة لحجز المياه، وهذا السد بني بالحديد والنحاس، ومن المعلوم أن الفحم المحترق مع الحديد يعطي الحديد صلابة وقوة، ومن هذين العنصرين يصنع الفولاذ؛ لذلك عقب بعد الانتهاء والفراغ منه، ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 97] إذًا كان هذا السد لأغراض خاصة غير حجز المياه؛ فقد قطع عليهم طريق غزو جيرانهم، وكان ناعمًا أملس شديد الارتفاع لا يستطيعون ارتقاءه، فهذا صعب، والأصعب من ذلك أنهم لا يستطيعون نقبه، وهذا بادٍ من كلمتي "اسطاعوا واستطاعوا"؛ فزيادة المبنى في الكلمة تدل على زيادة المعنى، ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 98]، رحمة لأولئك الجيران المتشكين وللأمم المجاورة، بحيث كف أذى هؤلاء الأشرار عنهم، وجعلهم يعيشون بأمان، ولكن إلى أجل، فإذا انقضى هذا الأجل فإن السد سينصدع ويتداعى، فينفتح الطريق ليأجوج ومأجوج في آخر الدهر لينطلقوا من محبسهم وإسارهم للتخريب الذي فطروا عليه والأذية التي لا تقف أمامها قوة كالتي كانت لذي القرنين حين كف أذاهم عن الجيران، بل وعن العالم، ﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 96، 97]؛ فهذا الحجز وراء السد سيكون محضن تكاثر وتفريخ، فإذا ما أتيح لهم الخروج فسوف يتدفقون أفواجًا لا عدَّ لها، ﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴾ [الكهف: 99]، وهذا دليل تكاثرهم المفرط.

 

وقد ورد في كتب الجغرافيا للجغرافيين المسلمين نص يفيد بأن ذا القرنين عندما وصل إلى المغرب شكا له أهل الأندلس من هجمات المغاربة، وطلبوا منه عمل حاجز بينهما، فجمع المهندسين وقاسوا منسوب ماء البحر المحيط - المحيط الأطلسي - وماء بحر الروم - البحر المتوسط - فكانت النسبة في مستوى الماءين متقاربة، فأمر بشق قناة بين البحر والمحيط، فكان مضيق جبل طارق، وتم الفصل بين المغاربة وأهل الأندلس، ويقال: إن البحر المحيط غمر مناطق كثيرة ومدنًا كانت على شاطئ البحر المتوسط؛ لأن منسوبه كان أعلى، الآيات من الكهف 83 - 98.

 

وأخرج البخاري معلقًا: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت السد، قال: ((وكيف رأيته؟))، قال: مثل البرد المحبرة - أي المخططة - فقال: ((رأيته هكذا!))، وأخرج ابن جرير عن قتادة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، قد رأيتُ سد يأجوج ومأجوج، قال: ((انعَتْه لي))، قال: كالبرد المحبرة، طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: ((قد رأيتَه))؛ أي: وافقه على الوصف، والبرد: مفردها بردة، وهي العباءة، وهذا يعني أنه كما وصف مؤلف من طبقة حديد حتى إذا صهرت بالفحم وضع فوقها طبقة من النحاس المذاب، وهكذا طبقة من الحديد ثم فوقها أخرى من النحاس، إلى أن بلغ قمم الجبلين ارتفاعًا ليسد ما بينهما.

 

وقد اطلعتُ على كتب حديثة ذكرت قصة ذي القرنين، أحدها: أن الكاتب قد ذكر غرائب لا تصح، وعد ذلك فتحًا في الكشف عن أمور خفيت على من كان قبلنا من المفسرين، وسافر ليقف على مكان مغرب الشمس ومشرق الشمس، ونسي أن مغرب الشمس نسبي بسبب كروية الأرض، وأن للشمس مشرقين ومغربين رئيسين؛ ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴾ [الرحمن: 17]؛ فالشمس تتحرك ما بين المدارين؛ مدار الجدي ومدار السرطان، فعندما تصل إلى مدار الجدي وهذا في فصل الشتاء في 23 كانون الأول - ديسمبر - وهو الانقلاب الشتوي حيث يكون النهار في نصف الأرض الشمالي قصيرًا، ويكون مشرقها ومغربها في أقصى بعد لها جهة الجنوب الشرقي، وفي فصل الصيف في 21 حزيران - يونيو - تصل إلى مدار السرطان، وهو أقصى بعد لها جهة الشمال الشرقي، ويكون النهار في نصف الأرض الشمالي طويلًا، فهذان هما المشرقان والمغربان، ولها مشارق ومغارب بعدد أيام السنة؛ ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ﴾ [المعارج: 40]، وحركة الشمس ما بين المدارين يكون لها في كل يوم مشرق ومغرب بعدد أيام السنة، وكل موقع على الأرض له هذه المشارق وهذه المغارب؛ لذلك من الخطأ أن نقول بأن ذا القرنين قد بلغ مشرق الشمس الحقيقي أو مغربها الحقيقي، والنص القُرْآني يعني الاتجاه غربًا والإيغال في ذلك، والاتجاه شرقًا والإيغال في ذلك، كما ننعت في هذه الأيام دول أوربا وأمريكا، فنقول: الدول الغربية، ونقول عن الصين واليابان وكوريا: الدول الشرقية، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 137]، وهي الشام ومصر، كما قال أغلب المفسرين.

 

ثم وقع الكاتب في خطأ أكبر عندما قال بأن ذا القرنين هو أخناتون، وعده ابن فرعون الهالك في زمن موسى، وأنه هو مؤمن آل فرعون، وأنه جعل الآلهة إلهًا واحدًا، فعده موحدًا، وهذا خطأ كبير؛ فهو وحد الآلهة بإله واحد، وجعله الشمس، وهذه وثنية، كما زعم أنه لما فرض على المصريين هذه العبادة تكتل ضده الكهنة، فخاف أن يغلِبوه، فهرب مع بعض أتباعه وركب البحر الأحمر وانطلق إلى مشرق الشمس... وهكذا يبدأ قصة ذي القرنين، هذا الملك الضعيف الذي هرب من الكهنة خرج ليصلح أُمَمًا أخرى ويبني سد يأجوج ومأجوج وهم الجبابرة فقهرهم وردهم وراء الجبال وبنى السد، كما يؤكد أن سور الصين هو السد، رغم عدم مطابقة وصفه مع وصف القُرْآن.

 

إن ذا القرنين هو المؤمن القوي المؤيد من الله، وصفات أخناتون بعيدة كل البعد عنه.

 

وآخر أيضًا يعد كورش ملك الفرس هو ذا القرنين، وكورش من عبَّاد النار، وذكر أن السد الذي بناه هو في جبال القوقاز؛ لوجود كتل مذابة من الحديد والنحاس متناثرة تدل على أن السد كان في هذا المكان، ولكن أين يأجوج ومأجوج الذين هم من كل حدب ينسلون؟ وإذا كان يظن أنهم هم المغول، فإن هجومهم على العالم الإسلامي لم يكن من هذا المكان.

 

وإن القُرْآن الكريم كتاب عظة وعبرة، فذكر ما يناسب المقام من القصص وأخبار السابقين، وليس هو كتاب تاريخ، ومن العبث أن ننزله وفق التاريخ الماضي القديم؛ لأن التاريخ نفسه ظني لا يقيني، وفجواته الزمنية كثيرة، والمسلِم لا يلتفت إلى الوراء إلا بمقدار ما يستفيد في آخرته تأسيًا وعملًا بما عمله الصالحون.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لفتات من قصة ذي القرنين
  • دراسة سردية لقصة ذي القرنين
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قصة ذي القرنين
  • قصة ذي القرنين والمنهج القرآني في استعمار البلدان
  • قصة ذي القرنين
  • نظرات تربوية في قصة ذي القرنين

مختارات من الشبكة

  • قصة ذي القرنين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • تفسير: (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مع ذي القرنين (درس رمضاني)(مقالة - ملفات خاصة)
  • سد ذي القرنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبأ ذي القرنين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب