• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. صغير بن محمد الصغير / خطب مكتوبة
علامة باركود

نماذج من سير الصالحين (2) أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها

د. صغير بن محمد الصغير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2017 ميلادي - 2/4/1439 هجري

الزيارات: 30512

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نماذج من سير الصالحين (2)

أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها

 

إن الحمد لله:

أيها الأخوة: ولا زال الحديث عن السِيَرِ أخّاّذاً، يستضيء المسلمُ بنورها في حياته وأحداثه، وتخفف عليه الحمل الثقيل في نوائب الدهور، وسير الصالحات ومجدهُن ليست بأنقصَ من سير الصالحين، فكيف إن كنّ صحابيات جليلات؟!، بل كيف إن كنّ من المهاجرات؟!، بل ومن السابقين والسابقات للإسلام، وحديثنا اليوم عن امرأة - وأيُّ امرأة؟!- جمعت المجد والعز من أطرافه كلها، علمٌ وورعٌ وزهدٌ وسخاء نفس وعبادةٌ وبر والد و طاعة زوج وإحسان وجهاد، وتذلل لله وانكسار، وتفيض منها حكمة وشجاعة وصبر جميل وحياءٌ وعفه وتمسك بالحجاب، وطول عمر وحسن عمل وخاتمة طيبة، دروس في سيرتها لا تدري معها من أين تبدأ ولا كيف تبدأ؟

 

فأبوها صحابيٌّ، وجدُّها صحابيٌّ، وأختها صحابيَّةٌ، وزوجها صحابيٌّ، وابنها صحابيٌّ.. وحسبُها بذلك شرفًا وفخرًا، إنها ذات النطاقين: أسماءُ بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان -رضي الله عنهم أجمعين أُمُّ عَبْدِ اللهِ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، ثُمَّ المدنية.

 

أما أبوها فالصِّدِّيق خليل الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته، وخليفته من بعد مماته، وأما جدُّها فأبو عتيقٍ والد أبي بكرٍ، وأمَّا أختها فأمُّ المؤمنين عائشة الطَّاهرة المبرَّأة، وأمَّا زوجها فحواريُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزُّبير بن العوَّام، وأمَّا ابنها فالخليفة عبد الله بن الزُّبير - رضي الله عنه - وعنهم أجمعين...

 

كانَتْ أَسَنَّ مِنْ إمّنا عَائِشَةَ رضي الله عنهما بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وهي من السابقات للإسلام كانت هي السابعة عشر في الإسلام، وحين اشتد أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن الله تعالى له بالهجرة، كانت ممن نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبيها رضي الله عنهما فلقِّبت بذات النِّطاقين لأنَّها صنعت للرَّسول صلوات الله عليه ولأبيها يوم هاجرا إلى المدينة زادًا، وأعدت لهما سقاءً، فلمَّا لم تجد ما تربطهما به شقَّت نطاقها شقَّين، فربطت بأحدهما المزود وبالثَّاني السِّقاء، فدعا لها النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام أن يبدلها الله منهما نطاقين في الجنَّة، فلقبت لذلك بذات النِّطاقين، ولقد آذاها المشركون فصبرت وتحملت، قَالَتْ رضي الله عنها: أَتَى أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ فَخَرَجتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوْكِ؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللهِ أَيْنَ هُوَ؟ فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً خَرَّ مِنْهَا قُرْطِي، ثُمَّ انْصرفُوا، فَمَضَتْ ثَلاَثٌ لاَ نَدْرِي أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الجِنِّ يَسْمَعُوْنَ صَوْتَهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ يَقُوْلُ:

جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ♦♦♦ رَفِيْقَيْنِ قَالاَ خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعَبْدِ.

 

قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ تَصْدَعُ فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَتَقُوْلُ: بِذَنْبِي وَمَا يَغْفِرُهُ اللهُ أَكْثَرُ. يا الله هكذا يكون حال المؤمن الصابر تذلل وانكسار واستغفار، تزوج بها الزُّبير بن العوام، وكان شابًا فقيراً ليس له خادمٌ ينهض بخدمته، أو مالٌ يوسِّع به على عياله غير فرس اقتناها.

 

فكانت له نعم الزَّوجة الصالحة، تخدمه وتسوس فرسه وترعاه وتطحن النَّوى لعلفه، حتَّى فتح الله عليه فغدا من أغنى أغنياء الصحابة رضي الله عنهم.

 

ولما أتيح لها أن تهاجر إلى المدينة فرارًا بدينها إلى الله ورسوله، كانت قد أتمَّت حملها بابنها عبد الله بن الزُّبير فلم يمنعها ذلك من تحمل مشاقِّ الرِّحلة الطَّويلة، فما إن بلغت «قُباء» حتَّى وضعت وليدها، فكبَّر المسلمون وهلَّلوا، لأنه كان أوَّل مولود يولد للمهاجرين في المدينة.

 

فحملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعته في حجره، فأخذ شيئًا من ريقه وجعله في فم الصَّبيِّ، ثمَّ حنَّكه ودعا له، فكان أوَّل ما دخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا حال المرأة الصالحة تهتم بزوجها و نشأة أبنائها، لأنه جنتها ونارها، ولأنهم عمادها وبقاء أثرها بعد موتها، لا كما يروجه الجهلة أو المغرضين لنساء المسلمين من الدعوات المفسدة للعلاقات الزوجية كمن يقول: اهتمي بنفسك ولن ينفعك زوج ولا ولد، المرأة أيها الأخوة حين تطيع زوجها وتهتم بنشأة أبنائها فهذا من طاعة الله عز وجبل وهو سر نجاح الحياة.

 

ومن برِّها وإحسانها لوالديها أنها قالت رضي الله عنها ذات مرَّة: لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ حَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ جَمِيْعَ مَالِهِ خَمْسَةَ آلاَفٍ أَوْ سِتَّةَ آلاَفٍ فَأَتَانِي جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ عَمِيَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ. قالت فَقُلْتُ: كَلاَّ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيْراً.

 

قالت: فَعَمَدْتُ إِلَى أَحْجَارٍ فَجَعَلْتُهُنَّ فِي كُوَّةِ البَيْتِ وَغَطَّيْتُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ وَوَضَعْتُهَا عَلَى الثَّوْبِ فَقُلْتُ: هَذَا تَرَكَهُ لَنَا فَقَالَ: أَمَا إِذْ تَرَكَ لَكُم هَذَا فَنَعَمْ، تريد رضي الله عنها أن تسكن نفس الشيخ، وهذا يعطينا درساً أنّه من البر للوالد أن ينتقي الابن الأقوال ويفعل الأمور التي يراعي فيها خاطره و مشاعره، ومن برِّها أيضاً رضي الله عنها ما جاء عن ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَسْمَاءَ وَكَانَتْ أُمُّهَا يُقَالُ لَهَا: قُتَيْلَةُ جَاءتْهَا بِهَدَايَا فَلَمْ تَقْبَلْهَا حَتَّى سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ: ﴿ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [المُمْتَحَنَةُ: 8].وَفِي الصَّحِيْحِ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ أُمِي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ - يعني مشركة- أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ"[1]. وهذا مع البر والزهد والتأكد من الحلال والحرام، فإنّ فيه درساً تربوياً أيضاً وهو ما نصت عليه الآية: ﴿ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [المُمْتَحَنَةُ: 8].

 

ثم تعال أحدثك أيها الأخ المبارك عن حيائها وعفتها و طهرها، فقد روَى عُرْوَةُ عَنْهَا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ فرسه فكنت أسوسه وأعلفه وأدق لناضجه النوى وأستقي وأعجن وكنت أنقل النوى من أرض الزبير الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي وَهِيَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْماً وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ نَفَرٌ فَدَعَانِي فَقَالَ: "إِخّ إِخّ" لِيَحْمِلَنِي فَاسْتَحْيَيْتُ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ. قَالَتْ: فَمَضَى.

 

فَلَمَّا أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ الزُّبَيْرَ فَقَالَ: وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوْبِكِ مَعَهُ قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدُ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي.

ومع درس الحياء والعفة درس تربوي آخر للآباء في مراعاة بناتهم حتى بعد الزواج، مثل ما فعل أبوبكر رضي الله عنه مع ابنته.

 

ولقد كانت رضي الله عنها مفتية عالمة ومعبّرة للرؤى، روي عَنْ مُسْلِمٍ القُرِّيِّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ نَسْأَلُهَا، عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ. فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا[2]. وقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لِلْرُّؤْيَا أَخَذَ ذَلِكَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخَذَتْ، عَنْ أَبِيْهَا.

 

وأمّا جودها وسخاؤها فحدث ولا حرج، قال ابْنَ الزُّبَيْرِ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ أَجْوَدَ مِنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَجُوْدُهُمَا مُخْتَلِفٌ: أَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَجْمَعُ الشَّيْءَ إِلَى الشَّيْءِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهَا وَضَعَتْهُ مَوَاضِعَهَ وَأَمَّا أَسْمَاءُ فَكَانَتْ لاَ تَدَّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ، وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ: كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ سَخِيَّةَ النَّفْسِ اهـ.

وكَانَتْ رضي الله عنها تَمْرَضُ المَرْضَةَ فَتَعْتِقُ كُلَّ مَمْلُوْكٍ لَهَا. فهي موقنةٌ أن الصدقة والسخاء بطيب نفس يدفع البلاء.

 

ومن شجاعتها جهادها في سبيل الله: فقد شهدت معركة اليرموك مع ابنها وزوجها رضي الله عنهم التي كانت وقعت عام 15 هـ، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنوات، بين المسلمين والروم (الإمبراطورية البيزنطية)، ويعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام.

 

ومن شجاعتها رضي الله عنها: ما قاله هشام بنُ عُرْوَةَ: كَثُرَ اللُّصُوْصُ بِالمَدِيْنَةِ فَاتَّخَذَتْ أَسْمَاءُ خِنْجَراً زَمَنَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ: كَانَتْ تَجْعَلُهُ تَحْتَ رَأْسِهَا.

 

ومن الأمور المهمة في سيرتها التي تحتاج إلى وقفة: حكمتها ورجاحة عقلها وعزَّتُها:

فقد قالت لابنها عبدالله عندما حاصره الحجاج وانفض القوم عنه: يَا بُنَيَّ عِشْ كَرِيْماً وَمُتْ كَرِيْماً لاَ يَأْخُذْكَ القَوْمُ أَسِيْراً.

 

قَالَ عُرْوَةُ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخِي - قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ بِعَشْرِ لَيَالٍ - عَلَى أُمِّنَا وَهِيَ وَجِعَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ؟ قَالَتْ: وَجِعَةٌ. قَالَ: إِنَّ فِي المَوْتِ لَعَافِيَةً. قَالَتْ: لَعَلَّكَ تَشْتَهِي مَوْتِي فَلاَ تَفْعَلْ وَضَحِكَتْ، وَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَشْتَهِي أَنْ أَمُوْتَ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ: إِمَّا أَنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبُكَ، وَإِمَّا أَنْ تَظْفَرَ فَتَقَرَّ عَيْنِي. إِيَّاكَ أَنْ تُعْرَضَ عَلَى خُطَّةٍ فَلاَ تُوَافِقَ فَتَقْبَلُهَا كَرَاهِيَةَ المَوْتِ. قَالَ: وَإِنَّمَا عَنَى أَخِي أَنْ يُقْتَلَ فَيَحْزُنُهَا ذَلِكَ.

 

قال ابن الأثير: وخبرها مع ابنها لما استشارها في قبول الأمان لما حصره الحجاج، يدل على عقل كبير، ودين متين، وقلب صبور قوي على احتمال الشدائد. اهـ

وَكَانَ عمرها في ذلك الوقت حوالي مائة سنة.

 

وقيل: لَمَّا قَتَلَ الحَجَّاجُ ابْنَها عبدالله بن الزُّبَيْرِ دَخَلَ عليها وَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّه إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَصَّانِي بِكِ فَهَلْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ وَلَكِنِّي أُمُّ المَصْلُوْبِ عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ، وَمَا لِي مِنْ حَاجَةٍ وَلَكِنْ أُحَدِّثُكَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يخرج في ثفيف كَذَّابٌ وَمُبِيْرٌ". فَأَمَّا الكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ -تَعْنِي المختار- وأما المبير فأنت[3]

رضي الله عنها وعن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن الله من لعنهم وآذاهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله:

أيها الأخوة: رضي الله عن أسماء بنت أبي بكر، بدأت حياتها بشجاعة وصبر وثبات عندما كانت في مكة، وختمت حياتها في شجاعة وصبر وثبات في مكة أيضاً، فقد دخل ابن عمر المسجد الحرام وَذَلِكَ حِيْنَ صُلِبَ ابنها عبدالله بنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم فقيل له: إِنَّ أَسْمَاءَ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ فَمَالَ إِلَيْهَا فَقَالَ مواسيًا: إِنَّ هَذِهِ الجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا الأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ فَاتَّقِي الله واصبري، فَقَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيْلَ.

 

وكانت رضي الله عنها مستجابةَ الدعوة، فعن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ بَعْدَ مَا أُصِيْبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا صَلَبَ عَبْدَ اللهِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى أُوتَى بِهِ فَأُحَنِّطَهُ وَأُكَفِّنَهُ، فَأُتِيَتْ بِهِ بَعْدُ فَجَعَلَتْ تُحَنِّطُهُ بِيَدِهَا وَتُكَفِّنُهُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهَا.

 

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَتْ بَعْدَ ابْنِهَا بِلَيَالٍ. وَكَانَ قَتْلُهُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، و كَانَتْ خَاتِمَةُ المُهَاجِرِيْنَ وَالمُهَاجِرَاتِ[4]. فاللهم إنّا حُرِمنا صحبةَ نبيك صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الدنيا، فلا تحرمنا منها في الآخرة في جناتك جنات النعيم نحن ووالدينا والمسلمين.



[1] أخرجه البخاري 3/ 164برقم2620، ومسلم 2/ 696برقم1003.

[2] أخرجه أحمد 6/ 348.

[3] أصله في مسلم 4/ 1971برقم 2545.

[4] مراجع ومصادر الخطبة:

سير أعلام النبلاء للذهبي 3/ 520.

صفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 333.

أسد الغابة لابن الأثير6/ 9.

البداية والنهاية لابن كثير 8/ 346.

صور من حياة الصحابيات للباشا ص47.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نماذج من سير العلماء والصالحين (1) بقي بن مخلد رحمه الله
  • أسماء بنت أبي بكر الصديق
  • نماذج من سير الصالحين (6) عبدالله بن عمر رضي الله عنهما
  • أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين رضي الله عنها وعن أبيها (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • نماذج من سير الصالحين (5) سودة رضي الله عنـها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج سيئة لم ينفعها القرب من الصالحين(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • نماذج من سير العلماء والصالحين (9) عبدالله بن عباس رضي الله عنه وطلبه للعلم(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج من سير العلماء والصالحين (8) المروءة: صفوان بن معطل رضي الله عنه أنموذجا(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج من سير العلماء والصالحين (7): الإمام النسائي رحمه الله تعالى(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج من سير العلماء والصالحين (4) الإمام البخاري رحمه الله تعالى(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج من سير العلماء والصالحين (3) الإمام النووي رحمه الله تعالى(محاضرة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج من سير العلماء والصالحين (3) الإمام النووي رحمه الله تعالى(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • نماذج لخلفاء صالحين(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • أثر السنة النبوية في إصلاح الواقع الاجتماعي: نماذج عملية تطبيقية في السيرة النبوية (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب