• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ محمد بن صالح الشاوي / بحوث ودراسات
علامة باركود

من خلق العدم؟

من خلق العدم؟
الشيخ محمد بن صالح الشاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/3/2013 ميلادي - 11/5/1434 هجري

الزيارات: 22773

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مَنْ خَلَقَ العدم؟

مقتطفات من كلام العلماء في القضاء والقدر


فإن قيل: ذلك العدم الذي ترتب عليه هذا، مَنْ خَلَقَهُ؟.

فالجواب: أن ذلك العدم كاسمه، لا يفتقر إلى تعلق التكوين والإحداث، فإن عدم الفعل ليس وجوديًّا حتى يضاف إلى الفعل؛ بل هو شرٌ محض، والشر ليس إلى الرب سبحانه وقد أخبر تعالى أنَّ تَسَلُّطَ الشيطان إنما هو على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 100]، فلما تولَّوه دون الله وانشغلوا به وبالملذات التي زينها لهم، وأشركوه معه عوقبوا على ذلك بتسليطه عليهم، وكانت هذه الولاية والاشتراك عقوبة خلو القلب وفراغه من الإخلاص والإنابة العاصمة من ضدها[1].


فقد وضّح ونص على أن إخلاص الدين يمنع من سلطان الشيطان الخبيث الذي ينتهز فرصة خلو القلب فيملؤه بالسيئات؛ ذلك لأن القلب لا يخلو قط من الفكر، إما في واجب آخرته وما يحب الله، وما يتقرب به إليه، وإما في مصالح دنياه ومعاشه، وإما في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة.

 

وقديمًا قيل: إن النفس مثلها كمثل رحًا تدور بما يلقى فيها، فإن ألقيت فيها حبًّا دارت به، وإن ألقيت فيها زجاجًا وحصًا وبعرًا دارت به، وهي إن لم تشغلها بما هو في صالحها حاضرًا ومستقبلًا شغلتك بما يضرك حاضرًا ومستقبلًا.

 

والنفس المشبهة بالرحى لا تدور بالرديء من الأفكار والوساوس إلا إذا ألقاها الخبيث وهي فارغة خالية مما هو أنفع لها في حاضرها ومستقبلها.

 

فإخلاص القلب لله مانع من فعل ما يضاده، وإلهامه البر والتقوى ثمرة هذا الإخلاص ونتيجته، وإلهامه الفجور عقوبة خلوّه من الإخلاص.

 

العقوبة على العدم:

فإن قيل: هذا الترك أو الفراغ أو الخلو إن كان أمرًا وجوديًّا عاد السؤال، وإن كان أمر عدميًّا فكيف يعاقب على العدم؟

فالجواب: إنه ليس هناك ترك هو كف للنفس ومنع لها عما تريده وتحبه، فهذا قد يقال: إنه أمر وجودي، ولكن هو عدم وخلو عن أسباب الخير، وهذا العدم ليس بكف للنفس ومنع لها عما تريده وتحبه؛ بل هو محض خلوها مما هو أنفع شيء لها، ومع ذلك فالعقوبة على الأمر العدمي هذا هي بفعل السيئات التي تحبها النفس لا بالعذاب والعقوبات التي تناله بعد إقامة الحجة عليها.


فلله سبحانه وتعالى عقوبتان:

إحداهما: جعله خاطئًا مذنبًا لا يحس بألمها ومضرتها لموافقتها شهوته وإرادته، وهي في الحقيقة من أعظم العقوبات.


والثانية: العقوبة المؤلمة بعد ارتكابه للسيئات، وقيام الحجة عليه، وعدم توبته ورجوعه إلى الحق واستغفاره.

 

وقد قرن الله تعالى بين هاتين العقوبتين في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 44]، فهذه العقوبة الأولى التي ترتبت على فراغ القلب وخلوّه من ذكر الله وحبه وامتثال قوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وهو إنما خلقنا لعبادته، ثم قال: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]، فهذه العقوبة الثانية.

 

واعط هذا الموضوع حقه من التأمل، وانظر كيف ترتبت هاتان العقوبتان إحداهما على الأخرى، لكن العقوبة الأولى موافقة لهواه وإرادته ومحبته، والثانية مخالفة لما يحبه ويتلذذ به، وتأمل عدل الرب في هذه وهذه، وأنه سبحانه إنما وضع العقوبة في موضعها ومحلها الأَوْلَى بها الذي لا يليق بها غيره.


فإن قيل: هل كان يمكنهم أن يأتوا بالإخلاص والمحبة له وحده من غير أن يخلق ذلك في قلوبهم ويجعلهم مخلصين له؟ أم أن ذلك من الله، وهو الذي يجعله في قلوبهم؟

فالجواب: أنه محض منّته وفضله وفعله، وهو من أعظم الخير الذي في يديه، فالخير كله في يديه، ولا يقدر أحد أن يأخذ من الخير إلا ما أعطاه، ولا يتقي من الشر إلا ما وقاه.


الظلم:

فإذا قيل: إذا لم يخلق ذلك في قلوبهم ولم يوفقوا له ولا سبيل لهم إليه بأنفسهم؛ ألا يكون منعهم منه ظلمًا؟

فالجواب: أنه لا يكون بمنعه سبحانه لهم من ذلك ظالمًا؛ لأنه إنما يكون المانع ظالمًا إذا منع غيره حقًّا لذلك الغير عليه، وهذا هو الذي حرمه الرب على نفسه، أما إذا منع غيره ما ليس حقًّا له؛ بل محض فضله ومنّته لم يكن ظالمًا بمنعه[2].


والظلم عند أهل السنة:

هو وضع الشيء في غير موضعه كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له، وهذا قد نزَّه الله عنه نفسه في غير موضع من كتابه سبحانه ، وهو وإن أضل من شاء وقضى بالمعصية والْغَيِّ على من شاء؛ فذلك محض العدل فيه؛ لأنه وضع الإضلال والخذلان في موضعه اللائق به، ومن أسمائه الحسنى: العدل الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق، وهو سبحانه قد أوضح السبل وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح العلل ومكن من أسباب الهداية والطاعة بالأسماع والأبصار والعقول وهذا عدله، ووفق من شاء بمزيد عنايته وتوفيقه، وأراد من نفسه أن يعينه وهذا فضله، وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله، وخلّى بينه وبين نفسه ولم يرد سبحانه من نفسه أن يوفقه فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله[3].


وهؤلاء نوعان:

أحدهما: أن يكون جزاءًا منه للعبد على إعراضه عن الله وإيثاره عدوه في الطاعة وموافقته وتناسى ذكر الله وشكره، فهو أهل أن يتخلى عنه ويحرمه فضله وتوفيقه، قال تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67]، وقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].


الثاني: أن لا يشاء له ذلك ابتداءً لما يعلم منه أنه لا يعرف قدر النعمة والهداية ولا يشاؤها ولا يحبها ولا يشكر الله عليها ولا يثني على الله بها، فلا يشاؤها له لعدم صلاحيته محلًا لها، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال: 23]، وهو جزء من علم الله الأزلي الذي قال فيه الإمام أحمد: (ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه وجحدوه كفروا)[4]، وقال فيه رحمه الله: القَدَرُ قُدْرَةُ الله[5]، وهو أنه جل وعلا أزلًا قد علم ما هو صائرون إليه، وما هو مختارون له، وما هم معتقدون وفاعلون، ثم سطره وسجله.


ومن أجل المعذرة وترفعه جل وعلا عن الظلم أو الجبر أرسل الرسل، وأبان الطريق، وأوضح السبيل، ومكن من أسباب الهداية؛ بالأسماع والأبصار والعقول، لكي تشهد عليهم جوارحهم، ويشهد بعضهم على بعض، ولتشاهد عظمة علمه وإحاطته وقدرته جل وعلا قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 111]، وقال: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾ [الحجر: 14، 15].

 

وقال فيهم حتى في يوم القيامة عندما يدخلون الجحيم ويذوقون العذاب الأليم: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ [الأنعام: 28]، ولذلك قال جل وعلا: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ [الأنفال: 23].


فإذا قضى على هذه النفوس بالضلال والمعصية والعذاب الأليم في الآخرة، كان ذلك محض العدل، كما إذا قضى على الحيَّة بأن تُقتل، وعلى العقرب، وعلى الكلب العقور، كان ذلك عدلًا منه، وإن كان مخلوقًا على هذه الصفة.


العقوبة المترتبة على المنع:

فإن قيل: إذا كان العطاء والبذل والتوفيق والفضل إحسانًا ورحمة وتفضلًا منه جل وعلا فهلا كانت الغلبة له كما أن رحمته تغلب غضبه؟


قيل: المقصود من هذا البحث: بيان وإثبات أن هذه العقوبة المترتبة على هذا المنع، وأن هذا المنع المستلزم لهذه العقوبة ليس بظلم، وهذا الاستفسار سؤال عن الحكمة التي أوجبت تقديم العدل على الفضل في بعض المحال، وهلّا ساوى بين العباد في الفضل سبحانه؟


وهذا سؤال معناه: لِمَ تفضل سبحانه على هذا ولم يتفضل على هذا؟

وقد تولَّى سبحانه الجواب عنه بقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4]، وقوله تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 29]، ولما استشكل المشركون ذلك التخصيص فقالوا: ﴿ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [الأنعام: 53]، فقال الله مجيبًا: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53].


وهذا جواب شافٍ كافٍ، وفي ضمنه أنه سبحانه أعلم بالمحل الذي يصلح لغرس شجرة النعمة فتثمر بالشكر من المحل الذي لا يصلح، كما قال جل وعلا: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، وقال تعالى: ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 105]، ومثلهم صعب على فئة ممن ينتسبون إلى الإسلام الجمع بين العدل والقدر، فزعموا أن من أثبت القدر لم يمكنه ذلك من القول بالعدل، ومن أثبت العدل لم يمكنه أن يقول بالقدر، كما صعب عليهم وعلى آخرين غيرهم الجمع بين التوحيد وإثبات الصفات، فزعموا أنهم لا يمكنهم إثبات التوحيد إلا بإنكار الصفات، فصار توحيدهم تعطيلًا، وعدلهم تكذيبًا بالقدر.


وأما أهل السنة فهم مثبتون للأمرين، والظلم عندهم وضع الشيء في غير محله، كتعذيب المطيع وغيره.


ثم إن مُورِدَ هذا السؤال يظن أن التسوية بين الموجودات أبلغ في الحكمة، وهذا عين الجهل؛ بل الحكمة كل الحكمة في هذا التفاوت العظيم الواقع بينهما، ومن أجله اختلف وضع البشر عن الملائكة وغيرهم من المخلوقات، وليس في خلق النوع البشري تفاوت من حيث التكوين والإدراكات ومعرفة الضار والنافع والخير والشر والنور والظلام، وإنما وقع التفاوت بأمور عدمية لم يتعلق بها الخلق، إذ ليس في الخلق تفاوت.


الرضى والإعانة:

ولو قلت: كيف يرضى لعبده شيئًا ولا يعينه عليه؟

فالجواب: إن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها[6]، وقد يكون وقوع تلك الطاعة التي رضيها منه يتضمن مفسدة هي أكرهُ إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة؛ بحيث يكون حصولها مستلزمًا لمفسدة راجحة ومفوتًا لمصلحة أرجح[7]، وقد أشار لعينة من ذلك بقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 46، 47].


فأخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - للغزو وهو طاعة وقربة قد أمرهم بها، فلما كرهه منهم ثبطهم لما علمه منهم، ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي كانت ستترتب على خروجهم لو خرجوا مع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا ﴾ [التوبة: 47]، ﴿ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ ﴾ [التوبة: 47] أي: فسادًا وشرًّا، ﴿ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 47]، أي: سعوا فيما بينكم بالفساد والشر، ﴿ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾، أي: قابلون منهم مستجيبون لهم، فيتولد من بين سعي هؤلاء بالفساد وقبول أولئك منهم من الشر؛ ما هو أعظم من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أنْ منعهم من الخروج وأقعدهم، وهذا مثال يُعتمد عليه ويُقاس عليه، وما اطْلَعَنَا جل وعلا إلا على النزر اليسير من أسرار قدره، والحمد لله رب العالمين.


وفي ختام هذا البحث أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعله في ميزان أعمال كل من سعى في إخراجه مراجعة وطباعة ونشرًا، وأن يهدي ضال المسلمين للعمل بكتابه العزيز وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - إنه سميع مجيب.


وصل الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم[8].

 

من كتاب "رسالتان في القدر والربا ومقالات متنوعة" للمؤلف.



[1] لذا يقول ابن القيم في الجواب الكافي (ص51): وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب، فكل من أحب شيئًا غير الله عُذِّب به.

[2] مما يُحكي أن القاضي عبدالجبار الهمذاني المعتزلي دخل على الصاحب ابن عبَّاد، وكان معتزليًّا أيضًا، وكان عنده الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، فقال عبدالجبار على الفور: سبحان من تنزه عن الفحشاء! فقال أبو إسحاق فورًا: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء! فقال عبدالجبار وفهم أنه قد عرف مراده: أيريد ربنا أن يُعصى؟ فقال أبو إسحاق: أيُعصى ربنا قهرًا؟ فقال له عبدالجبار: أرأيت إن منعني الهُدى وقضي علي بالردى، أحسن إليَّ أم أساء؟ فقال له أبو إسحاق: إن كان منعك ما هو لك، فقد أساء، وإن كان منعك ما هو له، فيختص برحمته من يشاء، فأنصرف الحاضرون وهم يقولون: والله ليس عن هذا جواب. أهـ. انظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (ص251).

[3] قال الإمام الحسن بن علي - رضي الله عنهما -: (من لم يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره؛ خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر، وإن الله تعالى لا يُطاع استكراهًا، ولا يُعصَى بغلبة، لأن الله تعالى مالك لِما ملّكهم، وقادر على ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يَحُل بينهم وبين ما عملوا، وإن عملوا بِالمعصية فلو شاء لحال بينهم وبين ما عملوا، فإن لم يفعل فليس هو الّذي جبرهم على ذلك، ولو جبر الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو جبرهم على المعصية لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم كان ذلك عجزًا في القدرة، ولكن له فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم، فإن عملوا بالطاعة فله المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم)، ذكره أبو محمد في الفِرَق المفترقة (ص62)؛ والملّا علي القاري الهروي في شرح المشكاة (1/52)؛ والبياضي في إشارات المرام (ص71).

[4] انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/27)، وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (ص354).

[5] سبق تخريجه.

[6] كتأخير إجابة الدعوة لحبه لسماع صوت عبده اللحوح في الدعاء، وادخار ما هو أحظى للعبد من إجابة الدعوة.

[7] كعدم إعانته على قيام الليل - مثلًا - إذا علم منه ورود العجب المهلك عليه فيصرفه عن ذلك.

[8] وللفائدة فإنني رجعت في هذا البحث المتواضع لعدد من مؤلفات أهل العلم، وكثيرًا ما أنقل كلامهم بتصرف واختصار، وأكثر من نقلت عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث أنه أشبع هذه المسألة بحثًا وتأصيلًا، ومن هذه المؤلفات التي نقلت منها ما يلي:

1- فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: (8/106، 114، 199، 285، 307، 308، 356، 388، 391-405، 449، 452، 459).

2- مدارج السالكين لابن قيم الجوزية (2/201).

3- الفوائد لابن قيم الجوزية (1/25).

4- رسائل في العقيدة، للشيخ محمد بن صالح العثيمين.

5- بيان أركان الإيمان، للشيخ عبدالله بن صالح القصير.

6- الفوائد السنية على العقيدة الواسطية، للشيخ عبدالله بن صالح القصير.

7- عقيدة المؤمن، للشيخ أبي بكر الجزائري.

8- العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي.

9- أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للإمام اللالكائي.

10- الروضة الندية، للشيخ زيدبن فياض.

11- التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة، للشيخ عبدالرحمن بن سعدي، مع تعليقات سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز.

12- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن قيم الجوزية.

13- معارج القبول، للشيخ حافظ الحكمي.

14- أعلام السنة المنشورة، للشيخ حافظ الحكمي.

15- تقريب التدمرية، للشيخ محمد بن صالح العثيمين.

16- القضاء والقدر، للدكتور عمر الأشقر.

17- شرح العقيدة الواسطية، للشيخ صالح الفوزان.

18- الجواب الكافي، لابن قيم الجوزية.

19- خلاصة معتقد أهل السنة، للشيخ عبدالله بن سليمان المشعلي.

20- القول المفيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ محمد بن صالح العثيمين.

وغيرها من المصادر والمراجع المفيدة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كلمات في القضاء والقدر وأفعال العباد
  • تعريف القضاء والقدر وحكم الإيمان به
  • مقتطفات من كلام العلماء في القضاء والقدر

مختارات من الشبكة

  • هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلق آدم عليه السلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خلق المسلم نحو بيئته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أدلة الأحكام (4) (استصحاب العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تربية الأولاد بين الحكمة والرحمة (1 /3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقيقة الزمن (1)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خلق السماحة - دعاؤنا لولي أمرنا بتمام العافية(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الحكمة في خلق الرجل والمرأة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لماذا خلق الله الشر؟ (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة خلق الستر(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- من خلق العدم
ام احمد - السعودية 28-03-2013 04:05 PM

أعجبني الموضوع كثيرا فقد وجدت فيه ردا على تساؤلات ابنتي والتي لم أكن أستطيع إيصال الجواب إليها بمثل هذه الطريقة العلمية والمقنعة ... جزاكم الله خيرالجزاء.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب