• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   عروض تقديمية   مواد مترجمة   بلغات أخرى   في الإعجاز   مرئيات   الإعجاز العلمي للفتيان  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرياح والتراب
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الرياح في المرسلات والنازعات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    القسم القرآني بالذاريات
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الإعجاز في فرش الأرض
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    قاع البحر في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار البحار في القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    حماية الماء من التلوث
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    وفي الأرض آيات للموقنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الفاحشة وطاعون الإيدز
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    الخمر أم الخبائث: داء وليست دواء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    مراحل خلق الجنين
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من أسرار السنة النبوية: شريط الخلق
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    دواب في السماء
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    العلم وأصل الحياة
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
  •  
    من نبوءات القرآن الكريم
    د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور أحمد إبراهيم خضر / بحوث ودراسات
علامة باركود

ظاهرة الفساد في جهاز الشرطة: خلاصة الخبرة العالمية

د. أحمد إبراهيم خضر

المصدر: نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/3/2011 ميلادي - 16/4/1432 هجري

الزيارات: 38186

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يتفق الأكاديميون والدارسون لظاهرة "فساد جهاز الشرطة" على أن هذه الظاهرة عالمية لا تقتصر على مجتمع دون آخر، وهي وإن كانت شديدة الظهور في الدول النامية؛ فإنها قائمة أيضًا في الدول المتقدمة، وأنها في حد ذاتها مشكلة اجتماعية مستعصية، هناك صعوبة في تعريفها، وصعوبة في تحديد مداها، وصعوبة أكثر في محاربتها.

 

وليس هناك من شك في وجود ظاهرة الفساد في العديد من أجهزة الدولة الأخرى غير جهاز الشرطة، ولكن نظرا لحساسية هذا الجهاز، وما يملكه من سلطة ومن قوة، فإن وجود الفساد بداخله جعله يحظى باهتمام أكبر من الناس ومن أجهزة الإعلام وخاصة في الدول الغربية الصناعية.

 

إن الشرطة كجهاز مفوض لخدمة المجتمع، يمنحه المجتمع سلطة لا يمنحها لغيره من الأجهزة. يستطيع رجل الشرطة وفقا للسلطة المخولة له، أن يوقف، وأن يحتجز، وأن يقبض على المواطنين العاديين لأسباب أمنية. لكن المشكلة هنا هي أن بعضًا من رجال الشرطة قد يسيئون استخدام هذه السلطة المخولة لهم، وقد يستخدم بعضهم القوة المفرطة أثناء أدائه لدوره أو اضطلاعه بمسؤوليته، أو يخطئ أخطاء مقصودة أو غير مقصودة، وهذا من شأنه أن يثير أسئلة هامة حول علاقة رجل الشرطة بالمجتمع.

 

فعند حدوث واقعة معينة فيها خروج عن المألوف يطرح الناس أسئلة عديدة منها: هل بإمكاننا أن نثق في جهاز الشرطة؟ هل هذه الواقعة مجرد واقعة على السطح، أم أن هناك وقائع أخرى غير معروفة ولم نسمع عنها؟ كيف يمكن تصور العلاقة بين رجال الشرطة وكبار المجرمين أو العصابات الإجرامية؟...... الخ.

 

إن فساد جهاز الشرطة يعنى بالنسبة للجمهور افتقاد هذا الجهاز إلى التكامل، وكل هذا من شأنه أن يشكل عائقًا قويًّا في العلاقات الجيدة بين الشرطة والشعب.

 

وينبه الباحثون في الفساد الشُّرطي من "هونج كونج" إلى الارتباط بين الفساد الشُّرطي والنظام السياسي؛ فيقولون: "إن دراسة الفساد الشُّرطي لا يمكن أن تنفصل عن السياق السياسي، ذلك لأن الفساد الشُّرطي هو جزء متكامل من التفاعل بين الصفوة الحاكمة والجماهير، ولهذا يرى بعض الخبراء أن مشكلة جهاز الشرطة الرئيسة تكمن في أن رجاله لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مهنيُّون بعد أن تم تسيسهم بدرجة كبيرة، وأصبحوا أداة في يد النظام السياسي والقادة السياسيين؛ فالسياسيون يتحكمون في تعيينهم في المناصب العليا لحماية النظام أساسًا، وعلى حساب المصالح العامة، كما يتدخل السياسيون كذلك في تنقلات ومكافآت وجزاءات الضباط، وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام الفساد طالما أن الجهاز يعمل لخدمة النظام، وذلك على حد رؤية خبراء هونج كونج.

 

وبينما يرى البعض أن غالبية رجال الشرطة فاسدون؛ يرى البعض الآخر أن حفنة قليلة منهم هي المتورطة في الفساد، وأن الفساد ليس مرتبطًا برتب معينة، ولكنه ينتشر بين مختلف الرتب. لكن القاعدة - كما يرى هذا البعض - هي أننا يجب ألا نحكم على كل جهاز الشرطة بالفساد بسبب انحراف البعض منهم.

 

الواقع أنه قد يصعب معرفة درجة انتشار الفساد داخل الجهاز ذاته، طالما أنه ليس هناك من تقارير تثبت حدوثه، لكن هناك العديد من التحقيقات الصحفية والرسمية تكشف عن وجود فساد في الجهاز الشُّرطي، مما يعطي انطباعًا بأنه شائع. هذا وقد أجرى البروفيسور "بن سميث" في عام 1998 دراسة على مائتين من محققي الشرطة الأمريكيين، ووجه إليهم سؤالاً مؤدَّاه: هناك مقولة تقول: "إن العديد من مسؤولي الشرطة فاسدون"؛ فهل تؤيد ذلك؟ أجاب جميع المحققين بعبارة: "نعم".

 

كما يمثل عدم الانضباط في وحدات الشرطة مشكلة هامة، وقد سؤل المحققون المشار إليهم في الدراسة السابقة سؤالاً مؤداه: هناك عدم انضباط في وحدات الشرطة، فهل توافق على ذلك؟ أجاب جميع المحققين بـ"نعم" أيضًا.

 

والشيء المسلَّم به هو أن انتشار الفساد في مختلف وحدات الجهاز الشُّرطي يشكل عائقًا كبيرا أمام عملها وكفاءتها، كما أنه يقلب أهداف التنظيم الشُّرطي رأسًا على عقب، ومن ثم يتسبب هذا الفساد في انتشار الجرائم بدلاً من أن يكون رادعًا لمرتكبيها، وقد دفع هذا الأمر بعض الباحثين إلى دراسة مدى ودرجة الفساد داخل جهاز الشرطة.

 

وجد الخبراء أن هناك ثلاثة عوامل تحدُّ من قدرة الباحثين على تحديد مدى ودرجة الفساد في جهاز الشرطة.

 

أولا: العوامل التصوُّرية:

يضع بعض العلماء تعريفات صارمة للفساد، ويرى أن أي خروج عن التعليمات المقررة في جهاز الشرطة يعتبر فسادًا، لكن المشكلة هنا هي أن هذه القواعد التي يتحتَّم على رجل الشرطة الالتزام بها كثيرة جدًّا؛ فهناك تعليمات تلزمه بطريقة ارتداء الزي، وكيف يخرج من سيارته، وكيف يسأل المشتبه فيهم، وهل يقبل أو لا يقبل دعوة المواطن على شرب فنجان من القهوة مثلاً.... إلى آخر ذلك من التعليمات التي يكون الالتزام بها صعبًا في كل الأوقات، فإلى أي مدى يعتبر سوء تصرفهم في مثل هذه المواقف فسادًا؟.

 

وهناك من العلماء الآخرين من يعرفون فساد الشرطة بطرق أكثر مرونة من الفريق الأول؛ فيتغاضى هذا الفريق عن ارتكاب رجال الشرطة لبعض المحظورات، طالما أن ذلك لا يصيب أحدًا بسوء بصورة مباشرة، أو يتسبب في ظلم لآخرين، ويرون أن مثل هذه الانتهاكات لقواعد الشرطة هي مجرد انحراف عن جادة المهنة.

 

ويستند هذا الفريق إلى العديد من المخالفات التي تحدث في الأجهزة الأخرى للدولة؛ فبعض العاملين في المصالح الحكومية وغيرها يتجاوزون الفترة الزمنية المحددة لفترة الراحة المسموح بها في العمل، وبعضهم يأخذ أشياء من مواقع العمل من المفترض ألا تخرج من هذه المواقع، وبعضهم يتلاعب بقواعد الإجازات المرضية، ويستخدمها بطريقة غير مناسبة. بعض العمال في بعض المطاعم يتناولون طعامًا دون دفع ثمنه، وكل هذه الأمور لها ما يشابهها في جهاز الشرطة، يعنى الخبراء من ذلك أن هناك عدم وضوح في تصور ما يمكن أن نعتبره فسادًا، وما لا يمكن أن نعتبره كذلك.

 

ثانيًا: العوامل المنهجية:

هناك صعوبة في دراسة مدى الفساد في جهاز الشرطة باستخدام وسائل البحث التقليدية؛ فقد أوضحت الدراسات في هذا المجال مدى الصعوبة التي يجدها الباحثون في دراسة ظاهرة فساد ضباط الشرطة.

 

هناك صعوبة تكمن في عدم ثقة الضباط في هذه البحوث، وهناك صعوبة في الطريقة التي يجيب بها المبحوثون من رجال الشرطة على الباحثين حينما يجيبون عن أسئلة تتعلق بسوء تصرفات رجال الشرطة، تسبب هذه الأسئلة انزعاجًا عند الضباط الشرفاء، ولا ينفتح الضباط الفاسدون في الحديث عنها.

 

والواقع هو أنه من الصعب على الباحثين سبر غور عالم الشرطة، والاقتراب من أنشطة رجالها وحياتهم وأمورهم، وخاصةً إذا كان الأمر يتعلق بالفساد. هذا بالإضافة إلى قاعدة معروفة في عالم البحث الاجتماعي، وهي أن المبحوثين يغيرون من سلوكياتهم في حضور الباحثين، وبالتالي يصعب عليهم الوقوف على الكثير من المسائل المتعلقة بالفساد، وهذا من شأنه أن يؤدى إلى تحيُّز في نتائج الدراسة، وعدم إمكانية الحصول على تصور دقيق عمَّا يجرى في جهاز الشرطة.

 

ثالثًا: العوامل الثقافية:

تحدُّ هذه العوامل من قدرة الباحثين على فهم ظاهرة فساد جهاز الشرطة، والمقصود بالعوامل الثقافية: اختلاف معتقدات الأفراد حول السلوكيات المناسبة وغير المناسبة لرجل الشرطة، فما يعتبره البعض سلوكًا فاسدًا ينظر البعض الآخر عليه على أنه سلوك مقبول، والعكس صحيح.

 

وهذه أمثلة لبعض السلوكيات الفاسدة في جهاز الشرطة في عدة دول مختلفة:

في بنجلاديش:

أظهرت أحد المسوح أن جهاز الشرطة هو أشد أجهزة المجتمع فسادًا، وأشار ثلاثة أرباع المبحوثين أنهم في العام الذي سبق إجراء المسح كانوا قد قدموا رشاوى لرجال شرطة.

 

في بوليفيا:

ارتكبت عصابة إجرامية سلسلة من السرقات المروعة، ثم تبين أن بعضًا من الرُّتب الكبرى في جهاز الشرطة منخرطون في هذه العصابة!.

 

في كينيا:

يحتج الطلاب والمتظاهرون دوما على الفساد في جهاز الشرطة.

 

في هاييتي:

استأجرت زوجة أحد مسؤولي الشرطة ثمانية رجال لقتل صبى في السابعة عشرة، لمجرد أنه دخل فناء بيتها!!.

 

في نيومكسيكو سيتي:

ادعى أحد ضباط الشرطة أن شخصًا ما قد صدمه بسيارته وهو يركب دراجته النارية في محاولة للحصول على تعويض من صاحب السيارة، وساعده في ذلك اثنين من زملائه، وشهدا زورًا بصحة الواقعة.

 

في جنوب أفريقيا:

ارتفعت معدلات جرائم السرقة والابتزاز من قبل رجال الشرطة، وأصبحت تمثل مشكلة كبرى لهذا الجهاز، وانتشرت ظواهر إطلاق رجال الشرطة سراح المشتبه فيهم مقابل مال يدفعونه لهم، وقبض على العديد من الضباط حصلوا على مبالغ مالية مقابل شهادات كاذبة، تفيد بأن رجلاً استخدم سيارته في ارتكاب جريمة.

 

وفي الهند:

حُكم على رجل شرطة بالسجن اثنتا عشرة سنه بتهمة اغتصاب فتاة قاصرة.

 

وفي الولايات المتحدة:

هناك قول مقتضاه: "طالما أن هناك رجل شرطة أمريكي؛ فهناك فساد".

 

من هنا كانت هناك حاجة ماسة لتعريف ما المقصود بفساد الجهاز الشُّرطي:

في الفترة من السابع والعشرين وحتى الثلاثين من شهر مايو من عام 2001 عُقد في مدينة "سكزجنو" في بولندا، وبدعوة من وزارة الداخلية البولندية، المؤتمر التنفيذي الدولي الثامن لمناقشة قضية الفساد. حضر المؤتمر ممثلون عن رجال الشرطة، وعن الرسميين الحكوميين، والباحثين، والأكاديميين، الذين قدموا من أربع وعشرين دولة: من أفريقيا، وآسيا، واستراليا، وأوربا، والأمريكتين الشمالية والجنوبية. كان عنوان المؤتمر: "الفساد: تهديد للنظام العالمي". ناقش المؤتمر الأوراق والبحوث التي تتناول تعريف، وأشكال، ووصف، وتوثيق الفساد الشُّرطي والمؤسسي، ومدى آثار هذا الفساد على المجتمع، وماهية المناهج المختلفة لاستئصاله، أو التخفيف من حدَّته.

 

رأى المشاركون في هذا المؤتمر أن التعريف القانوني للفساد يختلف من بلد لآخر، لكن مختلف التعريفات تُجمع على أن الفساد: هو السلوك غير المناسب، أو استخدام السلطة غير المناسب في تحقيق مكاسب شخصية، من قِبَل موظف عام في الدولة، أو من قِبَل رجل شرطة.

 

وهناك من الباحثين من يعرف الفساد بأنه: "إساءة استخدام أو تجاوز حدود السلطة الرسمية، أو عدم أداء المهام الرسمية، أو قبول رشوة، أو تقاضى عمولات وهدايا، أو أي منافع أخرى، أو حماية أنشطة غير قانونية، أو تصرفات من شأنها حماية مذنبين، أو تدمير سجلات أو أوراق خاصة بالشرطة، أو سرقة المقبوض عليهم، أو السرقة من مسرح الجريمة، أو اختلاق أدلة كاذبة، أو التعاون أو التورط في أنشطة إجرامية بصورة مباشرة، أو تجميع واستخدام معلومات تخص جهاز الشرطة".

 

ومن التعريفات الأخرى المشابهة للتعريفات السابقة، نستخلص هذا التعريف الذي يرى الفساد الشُّرطي بأنه: "إساءة استخدام رجل الشرطة للسلطة المخوَّلة له؛ سعيًا وراء الحصول على مكاسب شخصية أو تنظيمية".

 

وهناك تعريف آخر مؤدَّاه: "فعلٌ ما يحدث بين طرفين، يستخدم فيها رجل الشرطة السلطة الممنوحة له للحصول على مكاسب لا يستطيع الطرفان الحصول عليها بطريق مشروع".

 

وفي تعريف آخر أيضًا: "أنه فعل غير قانوني، أو سوء تصرف، يتضمن استخدام سلطة الوظيفة للحصول على مكاسب شخصية أو جماعية أو تنظيمية. ويعتبر الفعل فاسدًا إذا كان هناك انتهاك لمواد القانون المدني أو الجنائي، ويعتبر سوء تصرف إذا كان فيه خروجًا عن بعض القواعد المقرَّرة؛ كقواعد المرور مثلاً".

 

أما تعريف الباحثين في "هونج كونج " للفساد الشُّرطي فلا يختلف كثيرًا عن التعريفات السابقة، فيقولون بأنه: "سوء استخدام السلطة الشُرطية؛ سعيًا وراء الحصول على مكتسبات شخصية، مثل قبول وتجميع أو توزيع نقد زائف، وغير ذلك مما يعتبر انتهاكًا للقواعد والقوانين التي تصدرها الحكومة القائمة".

 

ولكي يصنف فعل رجل الشرطة على أنه فاسد؛ لا بد من الوقوف على الكيفية التي استخدم فيها هذا الشرطي - عند وقوع الفعل - أي شكل من أشكال المعرفة الخاصة بطبيعة عمله، أو موجودات وحدته، أو أن يكون الدافع إلى فعله هذا هو الحصول على فائدة ما، أو مكافأة محددة شخصية أو جماعية أو تنظيمية، بصفته عضوًا في الجهاز الشُّرطي.

 

وتكمن صعوبة تعريف الفعل الفاسد في أن بعضًا من أشكال ممارسات السلطة أو سوء تصرف أفرادها هي موضع سؤال، فهناك تصرفات لرجال الشرطة في التعامل مع المتهمين تتَّسم بالتعصب أو بالغلظة، أو الاستخدام غير الضروري للقوة، فليس هنا مكسب ملموس لرجل الشرطة، فكيف يوصف هذا الفعل بأنه فعل فاسد في ضوء تعاريف الفساد؟ ومن هنا تبدو الحاجة لتعريف هذه الأنماط السلوكية لرجل الشرطة؛ لأنه قد يكون لها نفس التأثير المترتب على الفساد، رغم أنها لا توصف بأنها أفعال فاسدة، ولكن الناس تنظر إليها على أنها أفعال فاسدة.

 

ويرى بعض الباحثين في بعض البلدان أن الفساد في جهاز الشرطة ينقسم إلى نوعين:

فساد داخلي: ويتمثل في: "التصرفات والأفعال غير القانونية داخل جهاز الشرطة التي يقوم بها أكثر من رجل من رجالها".

 

وفساد خارجي: يتمثل في: "التصرفات والأفعال غير القانونية التي تجري بين واحد أو أكثر من رجال الشرطة وبين الجمهور".

 

وفي بلدان أخرى مثل "البرازيل" ينقسم الفساد إلى نوعين: سلبي وفعَّال:

أما السلبي فهو: "استخدام المنصب الذي يشغله الشخص لتحقيق مكاسب تعود إليه في شخصه هو".

أما الفساد الفعال فهو: "تقديم رشوة لموظف عام لإقناعه بإنجاز عمل، أو التغاضي عن فعل، أو تأخير إنفاذ أمر رسمي".

 

المشكلة في تعريفات الفساد الشُّرطي هي أن هناك قصورًا فيها يجعلها لا تنطبق على أشكال معينة من السلوكيات المصنَّفة على أنها فاسدة، كما أشرنا من قبل. وهناك مشكلة أخرى في هذه التعريفات، وهي وإن كانت تنطبق على طرفين ارتكبا فعلاً فاسدًا، فإن هناك أفعالاً فاسدة يرتكبها رجل الشرطة بمفرده؛ كأن يسرق شيئًا من مسرح الجريمة، أو لا يقوم بإلقاء القبض على قريب أو صديق له متهم في واقعة ما.

 

يضاف إلى ذلك أن العديد من تعريفات الفساد تفترض أن هناك كسبًا معينًا يتحصل عليه رجل الشرطة من وراء هذا الفساد، وهنا تنشأ مشكلة، وهي صعوبة إثبات الدليل الملموس الذي يدينه، فهو قد يكذب أمام المحكمة، أو يخفي دليلاً أثناء التحقيق، أو يقدم دليلاً زائفا لحماية نفسه أو أحد زملائه.

 

كيف يبدأ الفساد؟

أجرى "لورانس شيرمان" دراسة عن الكيفية التي يتحول فيها رجال الشرطة إلى رجال فاسدين، تبنى " شيرمان" في دراسته ما أسماه بـ" المدخل التطوري للفساد"، يقول فيه:

"يبدأ الفعل الفاسد لرجل الشرطة بتصرف سلوكي صغير ليس فيه إيذاء لأحد، وليس فيه ضحايا، كأن يأخذ من متجر يقوم بتفتيشه أي مادة تافهة لنفسه، أو يتقاضى رشوة صغيرة للتغاضي عن مخالفة مرورية. هذا الفعل في نظر رجل الشرطة مجرد انتهاك محدود لقواعد مقررة، لا يتسبب فيها بضرر لأي أحد، ومن ثمَّ لا يعتبره فسادًا، لكنه مع مرور الوقت - ومع تكرر مثل هذه الواقعات - يتغير التصور الذاتي لرجل الشرطة من رجل شرطة شريف مهمته إنفاذ القانون، إلى رجل شرطة آخر، لا يقوم بتنفيذ القانون إلا لصالح نفسه. الواقع أن هذه الخروقات الصغيرة تتحول إلى خروقات أكثر خطورة، فإذا ما ارتكب هذه الخروقات أمام زملائه وبتسامح منهم، فإن هذه رسالة إلى كل الآخرين أن هذا الفعل ليس بفاسد، بل ربما يلقى تشجيعًا من الجميع، وهكذا يبدأ الفساد صغيرًا، ثم يكبر مع مرور الوقت، مع تسامح البيئة المحيطة به في مجال العمل عن فساد هذا الفعل.

 

أنواع الفساد:

في عام 1974طور الباحثان "ري بوك و تي باركر" قائمة تشمل ثمانية أنماط من أنماط الفساد، تشمل: (سوء استخدام السلطة، وتقاضى عمولات، والسرقة الانتهازية، وقبول رجل الشرطة محاباة أو رشوة من مواطن مقابل عدم احتجازه، وحماية الأنشطة غير القانونية، والأفعال الإجرامية المباشرة، وشراء رجل الشرطة أو بيعه أو مقايضته زميله بخدمات تنظيمية؛ مثل أن يبيع له نَوْبَتَه أو إجازته... الخ، وقيام رجل الشرطة بالإدلاء بشهادات كاذبة).

 

وفي عام 1998 قام "سيد و بروس" بمراجعة الأدبيات الدولية المطبوعة عبر عقدين من الزمان، وتمكنا من تحديد اثنين وعشرين شكلاً من الممارسات التي صنفت على أنها "فساد" مرتبط بجهاز الشرطة، وضع الباحثان هذه الأنواع في سبعة قوائم رئيسة هي: (المحاباة، والرشوة والابتزاز، وتقاضى العمولات، وغسيل الأموال، وتحويل المصادر الخاصة بجهاز الشرطة إلى غير مسارها القانوني، كاستخدام البضائع المصادرة بطريقة غير قانونية، والسرقة، والتورط المخطط في نشاط إجرامي).

 

كما يرى بعض الباحثين أن الشرطة عادة ما تنتهك حقوق الإنسان، وتنكر الحقوق الأساسية للمواطن الذي من المفروض أن يحميه القانون. ومن أمثلة ذلك: الوحشية في التعامل مع المعتقلين كاحتجازهم، واعتقالهم، وتعذيبهم بغير سند من القانون، هذا بالإضافة إلى الاستخدام غير المشروع للأسلحة، والتحرش الجنسي..... الخ.

 

أسباب الفساد:

اعتمادًا على عدد وفير من الدراسات؛ استطاع الدكتور "دافيد كارتر" عالم الإجرام الأمريكي تلخيص العوامل المتنوعة التي تساهم في ظاهرة الفساد في جهاز الشرطة على النحو التالي: (الجشع والطمع، دوافع شخصية مثل حب الأنا وشهوة الجنس، وشهوة السلطة، والتعصب الثقافي نحو فئات معينة من الجمهور، والتنشئة الخاصة بالجماعة التي يعمل معها رجل الشرطة، وسوء انتقاء طلاب الشرطة، والإشراف والتوجيه غير المناسب، والافتقاد إلى المحاسبة الواضحة لسلوك رجال الشرطة، وعدم وجود جزاءات أو تهديد حقيقي يمس رجل الشرطة في حالة عدم انضباطه).

 

النظريات المفسِّرة لظاهرة فساد جهاز الشرطة:

ظهرت في السنوات الأخيرة ثلاث نظريات رئيسة حاولت تفسير أسباب الفساد المنتشر في جهاز الشرطة.

 

النظرية الأولى:

وتسمى بنظرية "عموم المجتمع The Society at large theory" وصاحب هذه النظرية هو "أو. دبليو. ولسون". يرى "ولسون" أن المجتمع كله هو المسؤول عن فساد جهاز الشرطة، بمعنى أن فساد هذا الجهاز ناتج أصلاً عن أفعال فاسدة سائدة في المجتمع؛ فحينما يقوم مواطن ما بإعطاء رجل شرطة مبلغًا من المال أو هدية صغيرة مقابل خدمة أدَّاها له - يكون هذا المواطن قد ساهم في إفساد هذا الجهاز؛ ذلك لأنه فتح الباب أمام رجل الشرطة لأن يحصل على مقابل أكثر لخدمات أكبر.

 

إن هذا الأمر لا يقتصر على جهاز الشرطة، إنما يمتد ليشمل كافة القطاعات الأخرى في المجتمع، فإذا رأى ضابط الشرطة أن قاضيًا ما يتقاضى رشوة مقابل عرقلته سير العدالة؛ فإن هذا الضابط سيصل إلى نتيجة مؤداها: إذا كان القاضي يربح من هذا السلوك؛ فإنه بإمكانه أن يفعل ذلك أيضًا.

 

النظرية الثانية:

تسمى هذه النظرية بنظرية "دورة الفساد" The structural- affiliationtheory" صاحب هذه النظرية هو "آرثر نيدر هوفر". يرى "نيدر هوفر" أن ضباط الشرطة يتشربون الفساد وهم يراقبون أفعال الضباط والرؤساء القدامى؛ فالضباط الجدد لا يبدؤون بالفساد، ولكن السلوك المنحرف والاستجابة لهذا السلوك في ميدان تعزيز القانون يبدأ في الحركة مشكلاً "دورة فساد". يتعلم الضباط الجدد سلوكياتهم من الضباط القدامى الذين تعلموها من الضباط الأقدم منهم.. فإذا لم تضع السلطات المسؤولة حدًّا لذلك؛ فإن الضباط الجدد سيقومون بنفس هذه الأفعال السلوكية الفاسدة، ويمررونه لغيرهم من الضباط الجدد، وهذا يعنى أن الفساد لا يقتصر على الرتب الدنيا فقط، بل يمتد فيشمل القدامى منهم، وعادة ما ينخرط الآخرون فيما يعرف بالفساد المنظم.

 

أعطى خبراء الفساد الشرطي البريطانيون أهمية خاصة لما يسمونه "الثقافة الفرعية في وحدات الشرطة"، وتعنى الثقافة الفرعية: أن الأفراد الجدد يجدون أنفسهم يتعايشون مع زملاء لهم تحكمهم ثقافة خاصة في الوحدة التي يعملون فيها، وأن عليهم أن مسايرة زملائهم فيما يسود بينهم من معايير، فإذا كانت هذه المعايير فاسدة؛ فعليه أن يتماشى معها، وإلا فإنه سيتعرض لجزاءات غير رسمية من زملائه، تتمثل في رفضهم له وتعرضه للنبذ، ومن ثم تحتل هذه المعايير غير الرسمية أسبقية فوق المعايير الرسمية.

 

ويبرر البعض قبول هذه المعايير بأن المواطن العادي يعطى عادةً (بقشيشًا) لمَن يقدِّم له خدمة كسائق التاكسى أو عامل المطعم أو مصفِّف الشعر، أو مَن يقوم بتوصيل الطلبات إلى المنازل، كنوع من أنواع الرضا على مقدِّم الخدمة، فلماذا لا ينطبق ذلك على رجل الشرطة؟.

 

ترتكز هذه النظرية على عامل هام هو عامل "السريَّة" الذي هو أحد العوامل الرئيسة في جهاز الشرطة، إن هذه السلوكيات التي تجرى سرًّا تمثِّل أرضية تنزف بالفساد، وتحتاج مواجهة هذا الأمر إلى علاج من خارج الجهاز ذاته، كـ" مجلس مراجعة مدني"؛ لأنه طالما لا توجد هناك مراجعات لأعمال الشرطة من خارجها، فلن تكون هناك فرصة لإيقاف الفساد، ذلك لأن جهاز الشرطة هو الذي يملك وحده آليات مواجهة الفساد.

 

إنه حينما يلتحق الضباط الجدد بأعمالهم في وحدات هذا الجهاز، ويجدون أن السلوكيات الفاسدة هي المعيار السائد، وأنها مقبولة من الجميع - فلن يجدوا حرجًا في قبول هذه المعايير أو تجاهلها على الأقل.

 

النظرية الثالثة:

اشتهرت هذه النظرية باسم نظرية "التفاحة المعطوبة The rotten applehypothesis"، وتعتبر هذه النظرية من أشهر النظريات قبولاً لدى الباحثين في هذا المجال.

 

يرى المؤيدون لهذه النظرية أن فساد جهاز الشرطة ناتج أصلاً عن وجود أفراد بداخلها لديهم استعداد للفساد أصلاً، وحينما تظهر فضائح هؤلاء الفاسدين على السطح؛ فإنها تشوه صورة جهاز الشرطة بأكمله.

 

ويركز الخبراء البريطانيون على أن طبيعة التنظيم الشُّرطي نفسه قد تساهم في الفساد، ويرون أنه ليس هناك ضوء أحمر يوقِف رجل الشرطة عمَّا يريد أن يفعله، فهو حرٌّ في تصرفاته، كما أنه يتقاضى أجرًا، وتتاح أمامه فرصة التعامل مع الأشرار والمجرمين كجزء من روتين عمله اليومي، ولا يستطيع الناس مراقبة رجل الشرطة لأن لديه من سلطة البطش قدرًا هائلاً لا تمكِّن أحدًا من مواجهته.

 

كما أشار الخبراء أيضًا إلى أن الفساد قد يكون متوطنًا في بعض وحدات الشرطة دون غيرها؛ فهناك وحدات شُرطية معينة متخصصة في التعامل مع متهمين في جرائم معينة؛ كوحدات الآداب، أو وحدات المخدرات، أو وحدات البضائع المصادرة. وهنا يجد أفراد الشرطة أنفسهم على حافة الوقوع في الفساد، فإذا كانت الجرائم التي تخصصت فيها هذه الوحدات سريَّة بطبيعتها؛ فإنه من الصعب ضبط المتورِّطين من رجال الشرطة في أعمال فساد خاصة مع كثرة المغريات التي قد تُقدَّم لهم.

 

يرجع السبب في هذا الفساد إلى عدم توخي الدقة في اختيار رجال الشرطة الجدد، وإلى سوء التدريب، وسوء الإشراف، وأنه إذا لم يتم استئصال هذه النوعيات فإن الفساد سيعمُّ الجهاز كله، ولا علاج لذلك إلا باتِّباع قواعد صارمة في عملية الانتقاء للطلاَّب الجدد، والاهتمام بزيادة جرعات التدريب، ومراعاة الحزم والدقة في الإشراف.

 

ويرى الخبراء أنه ليست هناك واحدة من هذه النظريات جامعة مانعة بمفردها، وتعمل مستقلة عن الأخرى، ذلك لأن تفسير ظاهرة الفساد قد يكون في مجموع العوامل التي تناولتها هذه النظريات.

 

آثار الفساد:

على الرغم من أن الإدراك الشعبي للفساد الشرطي ليس دقيقًا بالضرورة؛ فإن استفتاءات الرأي العام قد تمد بمؤشرات لذلك؛ ففي أحد المسوح الأمريكية التي أجريت في عام 1996 عن تصورات الشعب نحو الشرطة، كانت النتائج مقلقة. كان السؤال المطروح هو: لماذا لا يُدان المجرمون غالبًا بعد القبض عليهم؟! أجاب 67% من المبحوثين: بأن رجال الشرطة يتلقون رشاوى.

 

إنه ما أن يصبح الفساد الشرطي ممنهجًا؛ فإنه يغذي إحساس الجماعات الإجرامية بالحصانة، ويسود في بعض المجتمعات شعور بأن المجرمين الأقوياء لا يمكن المساس بهم، ومن ثمَّ يشعر الناس بعدم الأمن بالتالي، وأن الشرطة لا تحميهم في الواقع، إنما تتستَّر على المجرمين، ومن ثمَّ تزول الثقة في عدالة النظام الجنائي ككل، وفي الشرطة بصفة خاصة.

 

هذا وقد حاول الباحثون الاستراليون في عام 1996 الوقوف على العوامل التي من شأنها أن تحدَّ من اتخاذ مواقف صارمة ضد الفساد؛ فذكروا منها ما يلي:

1- الاعتقاد بأن السلوك الفاسد له ما يبرره تحت ظروف معينة.

2- الاعتقاد بأنه ليست هناك حاجة للكشف عن الفعل الفاسد؛ لأنه لا أمل في اتخاذ موقف حاسم ضده.

3- الخوف من الانتقام ضد من أبلغ عن الفساد، سواء على المستوى الشخصي أو المستوى المهني.

4- صِغَر رتبة مَن يرغب في الإبلاغ عن الفساد.

5- وجود علاقة بين الرؤساء والمتهمين في قضايا الجريمة.

6- القلق من عدم كفاية الدليل عند الإبلاغ عن حالة فساد.

 

أما عن أهم الآثار التي ترتب على فساد جهاز الشرطة؛ فيمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

أولاً: فقد الشعب ثقته في جهاز الشرطة

إن أي فعل فاسد - وإن صغر، ومجرد تقاعس أحد رجال الشرطة عن إنفاذ القانون أو دخوله في أنشطة غير مناسبة - يسيء إلى سمعة الجهاز كله، ويفقد الناس ثقتهم واحترامهم لأفراده، ويشكون في أمانتهم وعدالتهم، ويرون أن رجال الشرطة يمكنهم فعل أي شيء طالما أن هناك أموالاً تدفع لهم، والسلطة في أيديهم. إن هذا كله من شأنه أن يتسبب في انهيار العلاقة بين المواطن ورجال الشرطة، ومن ثمَّ يؤثِّر في فاعلية جهاز الشرطة في المجتمع.

 

ثانيًا: الخوف من رجال الشرطة

حينما تفقد الجماهير ثقتها في رجل الشرطة، وتنتشر الإشاعات حول فساد رجالها - ينتاب الجماهير الخوف منهم والإحساس بعدم الأمان.

 

ثالثًا: فقد الثقة في القانون

يرى البعض أن فساد جهاز الشرطة يفقد الناس الثقة في القانون؛ لأنه إذا لم يخضع رجل الشرطة للقانون فلماذا يطيعه الأفراد؟ ذلك لأن القائمين على تنفيذ القانون قد يكونون عملاء لمجرمين أكثر منهم، ممثِّلين لسلطة تردع هؤلاء المجرمين. كما يؤدى انتشار الفساد في جهاز الشرطة إلى فقد الثقة في مصداقية رجاله أمام المحاكم، وهذا من شأنه أن يدمر نظام العدالة الجنائي، وقد تتأثر ثقة الناس حتى في الضباط الشرفاء؛ فلا يثقون في شهاداتهم أمام القضاء، ويتوقَّعون دائما أن المذنب يمكن أن يطلق سراحه حتى بعد محاكمته.

 

رابعًا: تبنِّي العقلية الثنائية (نحن وَهُمْ)

أشارت بعض الدراسات إلى أن هناك أثرًا خطيرًا للفساد الشُّرطي يجد ترجمته في علاقة المواطنين برجال الشرطة؛ حيث يؤدى الإغراق في الفساد إلى فساد إدراك رجل الشرطة لما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة.

 

خلاصة هذه الدراسات: "إنه مع بداية التحاق الطلاب بجهاز الشرطة يبدأ نوع جديد في علاقتهم مع المجتمع في الظهور، إنه العقلية الثنائية: نحن (أي: رجال الشرطة)، وهم (أي: المواطنون).

 

تنمو هذه العقلية مع الضباط الجدد أو العاملين الجدد بالتدريج، وتغذيها سرية الأعمال التي يقومون بها، والضغوط والأخطار التي يتعرضون لها. كل هذا يؤدى إلى نشوء ثقافة متماسكة منعزلة بين رجال الشرطة، يميز فيها رجال الشرطة أنفسهم عن المجتمع المحيط بهم تمييزًا شديدًا، وتتطور هذه العقلية إلى الحد الذي ينظر فيها رجال الشرطة إلى المواطنين على أنهم مصدر متاعب، أو أنهم "أعداء"، فيعزلون أنفسهم عن باقي المجتمع، ويتعمق هذا الإدراك بوجود إدراك مقابل من الجمهور ضد رجال الشرطة.

 

وبمرور الوقت، وفي كل وقت يشعر فيه رجل الشرطة بعداء المواطن له - تقوى علاقته ورابطته ببيئة العمل التي تحيط به، وتضعف بالتالي علاقته مع المواطنين، ثم بالمجتمع ككل.


إن الفساد هنا قد يكون سببًا أو نتيجةً لفصل الشرطة عن المجتمع، فانعزال الشرطة عن المجتمع يؤدي إلى انحراف قِيَم رجالها عن قِيَم المجتمع الكبير.

 

إن تجاهل الاعتراف بتأثير الفساد الشُّرطي على المجتمع يجعل اقتراف الأفعال الفاسدة أيسر وأسهل من محاولة تبريرها وعقلنتها، ومن ثم تكون كل حالة فساد شُرطي سببًا في توسع الهوة بين الشرطة والمجتمع.

 

إن ثنائية (نحن وَهُمْ) قد تكون دائرية في تأثيرها، طالما أن رجال الشرطة يتمسكون بثقافة بيئة العمل المحيطة بهم، وطالما يصفهم الجمهور بالانحراف، يصعب الجمع بين الطرفين.

 

وإذا وصم المجتمع رجال الشرطة بأنهم فاسدون، فإن أثر هذا على المجتمع سيكون مدمرًا؛ فإن المجتمع سينظر بالتالي إلى القواعد القانونية على أنها زائفة، وسيتصرف أفراد المجتمع طبقًا لهذا التصور، ولا يكون هناك بالتالي ما يمكن الوثوق به والاطمئنان إليه.

 

خامسًا: انتشار ثقافة الفساد، وضعف معنويات رجال الشرطة الشرفاء

ركَّزت بعض الدراسات على الآثار المحدودة للأفعال الفاسدة من قِبَل رجال الشرطة، على اعتبار أنها أفعال لا تسبب إيذاءً مباشرًا للناس. انتهت هذه الدراسات إلى القول بأن من أهم آثار الفساد لمثل هذه الأفعال هو انتشار ثقافة الفساد، التي تحثُّ على مزيد من الأفعال الفاسدة مستقبلاً، وتحطيم معنويات رجال الشرطة المخلصين في أداء أعمالهم، واقتناعهم بأن القانون يطبق على البعض دون البعض الآخر، كما يزيد من احتمالات عقلنة أو تبرير السلوكيات الفاسدة.

 

الواقع هو أن آثار الفساد السلبية قد تمتدُّ بالفعل إلى رجال الشرطة الشرفاء الذين يحاولون أداء ما هو مطلوب منهم بكفاءة وفاعلية، فهذا الفساد يدمِّر معنوياتهم؛ فهم يبذلون أقصى طاقاتهم للقبض على المجرمين المطلوبين للعدالة، ثم يفاجؤون بأن بعضًا من الضباط الفاسدين أتاحوا أمام هؤلاء المجرمين فرصة للهرب مقابل مبالغ مالية كبيرة! إن هذا الفساد من شأنه أن يضغط على الضباط الشرفاء ليتبنوا موقفا غير أمين تحت شعار: "إذا لم تتمكن من التغلب عليهم؛ فالحق بهم".

 

من هنا تبرز أهمية العناية برجال الشرطة الشرفاء؛ فهم من أقوى العوامل في محاربة الفساد في الجهاز الشُّرطي. إنهم يشهدون بأنفسهم مظاهر الفساد، ويلمسون الآثار المدمرة لهذا الفساد، ويتوافر لديهم الدافع للإبلاغ عما يشاهدونه. لا بد أن يُدعم هؤلاء الرجال بصفة مستمرة ويُشجَّعون على مواجهة الفاسدين من زملائهم، ويجب أن يتم التأكيد لهم أن الضابط الشريف سوف يُكافأ، وأن الضابط الفاسد سوف يُعاقب.

 

سادسًا: التأثيرات النفسية والاجتماعية للفساد الشرطي على الضحايا والمجتمع

يركِّز باحثون آخرون على نقطة هامة أغفلتها العديد من الدراسات التي تتناول ظاهرة الفساد الشُّرطي، وهي أنها لم تُلقِ الضوء على الآثار الاجتماعية والنفسية التي يتركها هذا الفساد على الضحايا والمجتمع.

 

ويعتبر تعرض المعتقلين والمحتجزين لمختلف صور الوحشية والتعذيب من أبرز صور الفساد الشُّرطي، وقد تناولت العديد من الدراسات هذه الصورة من صور هذا الفساد، ومن أبرز مَن كتبوا في هذا المجال الصحفي والمستشار النفسي النيجيري "لو ميفور".

 

يقول "ميفور" في مقالة له بعنوان: "الآثار النفسية والاجتماعية للتعامل الوحشي والتعذيب البوليسي في نيجيريا "- أشهر دول العالم في مجال التعذيب -: "الوحشية البوليسية هي الاستخدام العمدي للقوة المفرطة التي عادة ما تكون جسدية، وتتضمن أشكالاً من العدوان الشفهي والنفسي من قِبَل رجل شرطة، أو ضابط سجون. وقد يكون الاعتداء كمبادأة من رجل الشرطة، أو بناء على أوامر صادرة إليه من قبل ضابطه الأعلى؛ استجابةً لتعليمات حكومية أو إدارية".

 

ويرى "ميفور" أن الوحشية البوليسية موجودة في مختلف دول العالم، وهي واحدة من أنواع عِدَّة من سوء السلوك الشُّرطي، منها الاعتقال بدون سبب، والتعذيب، والتخويف، والتطهير العرقي، والقمع السياسي، وإساءة استعمال الرقابة الشرطية، والاعتداء الجنسي... الخ.

 

ويرتبط التعذيب النفسي ارتباطًا شديدًا بالتعذيب البدني، ولكنه أقل ظهورًا، ولا يلتفت إليه الكثيرون من الناس لدقته وسهولة إخفائه، وعدم ظهوره. والفروق بين التعذيب البدني والتعذيب النفسي غير واضحة تمامًا؛ التعذيب البدني هو استخدام وسائل من شأنها أن تسبب ألمًا ومعاناةً حادَّةً على جسد الشخص، وتنزل به إلى حافة الحيوانية، وذلك بالتحكم في احتياجاته العادية كالنوم، والغذاء، والإخراج. وذلك على النقيض من التعذيب النفسي، الذي يوجَّه مباشرة إلى النفس، وهو أطول أمدًا في تأثيره.

 

يصيب التعذيب النفسي الأفراد الذين يتعرضون للتعذيب بضغوط ما يعرف بــ"اضطراب ما بعد الصدمة"[1]، بالإضافة إلى تغذية الشعور بالكراهية، والغضب، والإرهاب، والإحساس بالعار، واللاقيمة، والشعور بعقدة الذنب، والأسى.

 

ويوجه التعذيب النفسي أساسًا إلى تدمير البناء النفسي والعقدي للشخص، والتأثير على سلامته العقلية، وذلك عبر عدة مناهج محددة؛ منها: تحطيم العمليات الإدراكية للشخص؛ بحيث يكون غير قادر على أن يحتفظ بالإحساس المعتاد لحدود شخصيته واستقلاليته كإنسان، ويكون غير قادر على التفرقة بين الأصدقاء والأعداء، أو بين الحب والكراهية.

 

كما يتجه التعذيب النفسي للشخص أيضًا إلى تحطيم حرمته، وخصوصيته، وإحساسه بهويته، واستبدالها بهوية كاذبة، وتحطيم ثقته في المجتمع؛ بحيث لا يجد أمامه مَن ينقذه من الناس، ولا يكون هو قادرًا على أن ينقذ أحدًا من الناس، بالإضافة إلى إذلاله أمام الآخرين، وإغوائه بالفساد؛ بحيث يحول شخصيته إلى شخصية متقلِّبة، مجزَّأة، مشوَّهة، لا صلة لها بماضيه وخبراته في الحياة التي كانت تمنحه الثقة والمصداقية والإحساس بالأنا وبالتفرد والاختلاف عن الآخرين، وقدرته على حماية نفسه من اختراق الآخرين لحياته؛ بحيث تجعله يعيش في عالم خيالي مختلف عن عالمه الذي كان يعيش فيه.

 

يؤثر التعذيب على الضحايا اجتماعيًّا بدرجة كبيرة؛ حيث يحطم فيهم الإحساس بالأمن والعدالة وبالقانون، والاتصال غير الجيد بالآخرين، كما يفقد علاقة الشخص بالواقع وبالعالم؛ فيفقده إحساسه بأسرته، وممتلكاته، وأحبائه، وأصدقائه، ويجعله شخصًا مغتربًا، غير قادر على الاتصال بالآخرين أو التعاطف معهم.

 

إن امتداد التعذيب إلى الأسرة والأصدقاء وكل الذين يشكلون البناء الاجتماعي للفرد هو عامل مشترك في التعذيب النفسي، إنه يدمر التوقعات العائلية للضحايا، وتحكمهم في أمورهم، ويدمر قوتهم، وقدرتهم على مساعدة عائلاتهم لهم، ومساعدتهم هم لعائلاتهم، كما يؤثر بشدة على علاقات الضحايا بأسرهم حتى على المستوى الشخصى.

 

ولا يتوقف تأثير التعذيب على الفترة التي تعرض فيها لهذا التعذيب، لكنه يمتد حتى فترة ما بعد إطلاق سراحه؛ حيث يعيش في حالة يسيطر عليه فيها الإحساس العجز، والوهن، وفقد القدرة على ضبط النفس، ونقصان الانتباه، والأرق... الخ.

 

علاج ظاهرة الفساد الشُّرطي:

صممت "سنغافورة " برنامجًا لاستئصال الفساد؛ فقامت بوضع مجموعة من المقاييس للتطبيق على جميع وحدات الشرطة أهمها ما يلي:

1- تطوير مناهج عمل محسنة.

2- زيادة قدرة وفاعلية الرؤساء على محاسبة مرؤسيهم؛ حتى يكون الضابط الأعلى قادرًا على مراجعة ورقابة عمل الأفراد الذين يعملون تحت إمرته.

3- تناوب الضباط العاملين في الوحدات؛ بحيث لا يعملون في مكان واحد لمدة طويلة.

4- القيام بتفتيش مفاجئ على وحدات الضباط ومراجعة أعمالهم.

5- منع الأشخاص غير العاملين وغير المتعاملين مع وحدات الشرطة من دخولها.

6- إعادة النظر في مقاييس مكافحة الفساد كل ثلاث أو خمس سنوات؛ بهدف تقويم هذه المقاييس وتحسينها.

 

ويرى الباحثون السنغافوريون أنه على الرغم من أن هذه المقاييس قد تعتبر أدنى من المطلوب، فإنها تلقى الضوء على بعض المقاييس العملية والبسيطة التي يمكن أن تكبح جماح الفساد في جهاز الشرطة.

 

ويضيف خبراء الفساد الشُّرطي عدة وسائل أخرى لعلاج الفساد الشُّرطي، نذكر منها الآتي:

1- وضع استراتيجيات متنوعة لإصلاح الجهاز الشُّرطي على امتداد فترات زمنية محددة.

 

2- تحسين ظروف بيئة العمل، وتنظيم ساعاته؛ بحيث لا يعمل رجل الشرطة عدة ساعات متواصلة تشكل جهدًا شديدًا عليه.

 

3- إمداد رجال الشرطة بالوسائل المدعمة لهم؛ بحيث لا يضعفون أمام محاولات المغريات: كزيادة رواتبهم، وحماية عائلاتهم، وتأمين وظائفهم، ومختلف أشكال الدعم الاجتماعي الأخرى، كما يجب أن يتعرف أفراد الشرطة على هذه الوسائل وكيفية الوصول إليها، حتى يستطيعون مواجهة تكاليف الحياة.

 

4- يجب أن يكون المديرون قادرين على حماية أفرادهم الشرفاء؛ حتى لا يتعرضوا للأذى في حالة إبلاغهم عن حالات فساد شهدوها.

 

5- يؤكد الخبراء في العلوم السلوكية على أن عملية التحاق الطلاب والأفراد الجدد بسلك الشرطة تحتاج إلى انتقاء دقيق، ومقابلات وفحوص متعمقة لاختيار مَن هم أضبط سلوكًا، وأكثر كفاءةً في قدراتهم البدنية والعقلية، وأن يكونوا من ذوى خلفية اجتماعية صحيحة، مع الإقرار بأن عملية الانتقاء هذه التي قد يترتب عليها اختيار ضابط شرطة جيد، قد لا تكون لها قيمة إذا تحول هذا الضابط الجيد إلى ضابط فاسد فيما بعد.

 

وكذلك يحتاج اختيار ضباط التحقيق إلى انتقاء دقيق أيضًا؛ يقول "بول مابرون" أحد ضباط الشرطة الدوليين المخضرمين، والذي كان يشغل رئيس مكتب تحقيق "لوس أنجلوس": إنه يختار أربعة فقط من كل من يتقدم للالتحاق بمكتبه، وهم عادة الأشد ذكاء والأصح جسدًا.

 

6- الاهتمام بالتعليم والتدريب المستمر والمحاسبة والإشراف في مختلف مراحل عمل رجل الشرطة، وخاصة في السنوات الأولى من سياقه المهني، ويجب أن يتضمن هذا التعليم والتدريب برامج تتناول خطورة الفساد، واحتمالات وقوع رجال الشرطة في براثنه في ظل سيادة ثقافة الفساد عبر الأفعال التي لا تسبب إيذاء لآخرين، لكنها أفعال فاسدة في حد ذاتها.

 

ويبدو هذا الأمر في غاية الأهمية بالنسبة للضباط الجدد؛ فإذا تشرب رجل الشرطة فكرة أن كل فساد - وإن لم يكن له ضحايا - فهو فساد، وأن كل فعل - وإن كان صغيرًا - قد يكون له آثارًا مدمرة؛ فإن ذلك سيكون بمثابة الضوء الأحمر المطلوب للحدِّ من احتمالات الفساد.

 

7- العمل على تحقيق التكامل داخل وحدات الشرطة، والتأكيد على العقوبات التي تُتَّخذ عند انخراط رجل الشرطة في سلوكيات فساد.

 

8- أشار الباحثون أيضًا إلى أنه لا يمكن كبح جماح الفساد طالما يتعامل المواطنون مع رجال الشرطة بطريقة تجعلهم يحصلون على مصالحهم بمقابل يقدمونه لهم، ويرون أيضًا أن ضمان تحقيق بيئة شرطية أنظف وجيل قادم متحرر من الفساد؛ فإن جهودًا مكثفة يجب أن تُبذل من الآن لتنبيه المواطنين إلى أهمية ذلك.

 

9- العناية بتدعيم الأخلاقيات في جهاز الشرطة هي واحدة من أهم وسائل مكافحة ظاهرة الفساد؛ يقول "دان لوري" مسؤول التدريب في الشرطة الكندية: "يعتبر التدريب الأخلاقي أحد أركان استراتيجية التعامل مع ظاهرة الفساد الشرطي... إن هناك حاجة ماسة إلى زرع الأخلاقيات في كل جوانب التدريب، أكثر من الحاجة إلى تلقين رجال الشرطة محاضرات في الأخلاق".

 

هذا وقد اهتم مؤتمر "سكزجنو" الذى أشرنا إليه سابقًا بالكشف عن آثار الفساد، وجاء في تقريره ما يلي:

"يؤدى الفساد في الدول النامية والحديثة العهد بالديموقراطية إلى التقليل من إمكانيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتقليل من إمكانية التخفيف من حدَّة الفقر، وإلى تدمير النسيج الاجتماعي الثقافي، وإلى ضعف البنية التحتية من صحة، وإسكان، وغير ذلك، وإلى عدم الاستقرار الاجتماعي، وعدم سيادة القانون، وانعدام الأمن، وإلى إيجاد بيئة فاسدة سياسيًّا، وإلى الاستخدام غير الفعال للمصادر المتوفرة، بما فيها المنح المقدمة من الدول المتقدمة، وإلى إحجام إسهامات المستثمرين الأجانب في المشروعات الوطنية، وإلى انعدام الثقة بين الشرطة والشعب.

 

أما بالنسبة للدول ذات الديمقراطيات المتقدمة؛ فإن الفساد يؤثر على ثقة الثقة في الشرطة، وفي السياسيين، وفي تحصيل الضرائب، وإلى الشكوك حول تعاون الشرطة مع رجال الجريمة المنظمة، كما يؤدى إلى خسائر اقتصادية، وإيجاد مناخ يتجاهل المعايير الأخلاقية، وكذلك حرمان جماعات الأقليات من المعاملة العادلة، كما يؤثر على فاعلية وكفاءة الانجاز في مختلف الإدارات".

 

 

أما عن الوسائل التي اقترحها المؤتمر المذكور لمحاربة الفساد الشرطي فقد كانت على النحو التالي:

1- وضع التشريعات الجديدة التي تصف وتحدد الأفعال الغير مناسبة "السياسية والشرطية"، وتطوير هيئة مراقبة لتحديد وضبط هؤلاء الذين يرتكبون أفعالاً فاسدة.

2- تطوير مقاييس دقيقة ومناهج لاكتشاف الفساد، وعقد مقارنات بين جهود الدول المختلفة والعمل على تبادل المعلومات بين هذه الدول في هذا المجال.

3- تطوير اتفاقيات دولية للتعامل مع الجرائم المنظمة والجرائم الأخرى؛ حتى لا يجد المجرمون سماءً آمنةً لأنشطتهم الفاسدة.

4- التشديد على وضع العقوبات الحاسمة على الفاسدين في جهاز الشرطة.

5- عدم استمرار العاملين في بعض الإدارات الحساسة - كالجمارك ومكافحة المخدرات وغيرها - لفترة طويلة.

6- اضطلاع الإعلام بدور هام في الإعلان عن مظاهر الفساد، وكشف وتعرية الرموز الفاسدة، مع العمل على نشر تكاليف الفساد وأثاره السلبية على البلاد.

7- إمداد الدول النامية بالمساعدات التي تساعدها على الحصول على الخبرات الفنية اللازمة لتحديد وضبط الفساد.

8- تجنيد المواطنين العاديين، وتدريبهم للمساعدة في أنشطة مكافحة الفساد.

 

هذه هي خلاصة الخبرة العالمية في دراسة ظاهرة الفساد الشُّرطي، غاب فيها التصور الإسلامي تمامًا، ورغم تقاطع التصور الإسلامي مع التصور العالمي في بعض النقاط، مثل مسؤولية المجتمع عن هذا الفساد، أو الإجراءات التنظيمية المختلفة لعلاجه - فإنه يختلف عنه كليةً في الفهم العام لهذه الظاهرة من زاوية أسبابها وطرق علاجها من الجذور.


وضع الباحثون الإسلاميون خمس قواعد تتعرض لأسباب ومنهج علاج ظاهرة الفساد بصفة عامة، ومنها الفساد الشُّرطي، وهي على النحو التالي:

أولاً:أن المشكلة ليست في أن جهازًا من أجهزة الدولة قد فسد لفساد أخلاقيات أفراده، وأن إصلاح هذه الأخلاقيات هو السبيل لعلاج الفساد بداخله، إنما المشكلة هي مشكلة مجتمع قد فسد كله؛ ففسدت بالتالي كل أجهزته.

 

ثانيًا: أن الذي يجترح الخطيئة - ممثلةً في فساد أو غيره - إنما يجترحها وهو يلتذُّها ويستثيغها، ويحسبها كسبًا له – على معنى من المعاني – ولو أنها كريهة في حسِّه ما اجترحها، ولو كان يحسُّ أنها خسارة له ما أقدم عليها متحمسًا، وما تركها تملأ عليه نفسه.

 

ثالثًا: أن الفاسد رجل اختلَّ ميزان الإخلاص والتجرُّد في نفسه، ومتى اختلَّ هذا الميزان اختلَّت القِيَم عنده، ولا يشعر بفساد عمله؛ لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد يتأرجح بين أهوائه الذاتية، ولا يستند إلى قاعدة ربانية، وهذا يعنى أن كلَّ صلة بين هذا الفاسد وبين الله مقطوعة، وكل ما أمر الله به أن يوصل مقطوع؛ لأن فِطرته المنحرفة لا تستقيم على عهدٍ ولا تستمسك بعروة، ومن ثمَّ لا تتورَّع عن فساد.


رابعًا: أن الفسادفي الأرض ألوان شتى، تنبع كلها من عدم الانصياع لكلمة الله، ونقض عهده، ورأس الفساد في الأرض هو الحَيْدة عن منهج الله الذياختارهليحكم حياة البشر ويصرفها. هذا مفرق الطريق الذي ينتهي إلى الفساد حتمًا،فمايمكن أن يصلح أمر هذه الأرض ومنهج الله بعيد عن تصريفها، وشريعة الله مقصاةٌ عنحياتها، وإذا انقطعت العروة بين الناس وربِّهم على هذا النحو فهو الفساد الشامل للنفوس والأحوال، وللحياة والمعاش، وللأرض كلها وما عليها من أناس وأشياء.

 

إنالهدم والشر والفساد حصيلة الحَيْدَة عن طريق الله، ومن ثمَّ يستحق أهله أنيُضلَّهمالله بما يهدي به عباده المؤمنين.

 

خامسًا: أن الدعوة إلى إصلاح أخلاقيات رجال الشرطة وغيرهم من العاملين في أجهزة الدولة يجب ألا تحتلَّ المرتبة الأولى، إنما يجب أن يبدأ الإصلاح من الأساس وينبت من الجذور، وأن يتركَّز الجهد أصلاً على إقامةمجتمع صالح يقوم على دين الله، بدلاً من التركيز على إصلاحات جزئية.

 

ولهذا فإن أول خطوات الإصلاح يجب أن تكون الدعوة إلى بناء العقيدة من جديد في المجتمع كلِّه؛ لأن الدعوة إلى العقيدة هي الأصل، فالأخلاق هي نتاج لأوامر الله، وهي تأتي من الدعوة إلى العقيدة وتطبيق الإسلام في المجتمع. فإذا استدمج الناس في قلوبهم مقتضيات هذه العقيدة، فسيكون هذا أقوى ضمان لصلاح كل أجهزة الدولة على امتداد الزمن، طالما أن وقود هذه العقيدة يحرك كل أفراد المجتمع على الدوام.

 

ونخلص من كل ذلك إلى إقرار حقيقتين هامتين:

الأولى: أن التصدي لحل مشكلة الفساد في الجهاز الشُّرطي وغيره من الأجهزة لن يجدي نفعًا، فلا جدوى أصلاً من الإصلاحات الجزئية، وإنما يجب أن يبدأ الإصلاح بإعادة إدخال الناس في الدين أولاً، ثم تقرير سلطة هذا الدين في المجتمع؛ فالناس لا يستجيبون لعقيدة ضائعة لأنها لا سلطة تحميها، وحين تستقر هذه السلطة يصبح إصلاح أجهزة الدولة مرتكنا إلى أساس. أى أنه لاجدوى من ضياع الجهد في مقاومة المنكرات الجزئية في قطاع ما والمنكر الأصلي باقٍ، وهومنكر الجرأة على الله، وانتهاك محارمه، وتطبيق شريعة غير شريعته.

 

الثانية: أن الله تعالى أعلم بعباده، وأعْرَف بفطرتهم، وأخبر بتكوينهم النفسي، فالقانون قانونه، والنظام نظامه، والمنهج منهجه، ليكون له في القلوب وزنه وأثره، ومخافته، ومهابته. وقد علم - سبحانه - أنه لا يُطاع أبدًا شرعٌ لا يرتكن إلى هذه الجهة التي تخشاها، وترجوها القلوب، وتعرف أنها مطلعة على خفايا السراير وخبايا القلوب، وأنه مهما أطاع العبيد تشريع العبيد تحت تأثير الرقابة الظاهرية التي لا تطلع على الأفئدة، فإنهم لابدَّ متفلِّتون منها كلما غفلت الرقابة عنهم، وكلما واتتهم الحيلة، مع شعورهم دائما بالقهر والكبت والتهيؤ للانتقاض كلما سنحت لهم الفرصة.

 

الخلاصة من كل ما سبق:

أن كل ما يمكن أن يتخذ من قواعد رقابية وعقابية لن يجدي نفعًا مع الفاسدين ما لم تكن هناك رقابة من التقوى في الضمير لتنفيذ هذه القواعد، وأن هذه القواعد الرقابية لابدَّ أن تكون صادرة من الجهة المطلعة على السرائر، والرقيبة على الضمائر، عندئذ عندما يشعر رجل الشرطة أو غيره وهم يَهِمُّ بفعل من أفعال الفساد أو ينتهك حرمة القانون، أنه يخون الله، ويعصى أمره، ويصادم إرادته، وأن الله مطلع على نيته هذه وعلى فعله، عندئذ يرتجف ويخاف، وتتحرك التقوى بداخله.

 

المصادر:

1- ARSHRIKA SINGH، CPORRUPTION IN POLICE،، PUCL Bulletin، February 2007، www.pucl.org/Topics/Police/.../police-corruption.html -

2- DAR LOREE، CORRUPTION IN POlICING: CAUSES AND CONSEQUENCES، Research and Evolution Branch Royal Canadian Mounted Police،Ottawa،Canada،2002

3-GARETH NEWHAN TOWARD UNDERSTANDING AND COMBATING POLICE CORRUPTION، www.csvr.org.za/ wits/ papnwhm5.

4- LAW MEFOR، THE PSYCHOLOGICAL EFFECTS OF POLICE BRUTALITY AND TORTURE، www.elombah.com/index.php?...psychological-effects-of-police-brutality-and-torture...law-mefor...

5- PALINE GO، POLICE CORRUPTION AND THE REASONS BEHIND،،http:Ezine//rticles.com/?expert=Pauline Go

6- PETER NAN-SHONG LEE،، THE PATTERN AND CAUSES OF POLICE CORRUPTION IN HONG KONG، www.pdfebooksdownloads.com/police-corruption.html

7- PETER C. KRATCOSKI، INTERNATIONAL PERSPECTIVES ON INSTITUTIONAL AND POLICE CORRUPTION،

Police Practice and Research، 2002، Vol. 3، No. 1، pp. 73–78

8- CORRUPTION IN POLICING CAUSES AND CONSEQUENCES، www.rcmp- rc.gc.ca /pubs /ccaps.../corrup-rev-eng.htm

9- POLICE CORRUPTION: THE CRIME THAT’S NOT GOING DOEW،findarticles.com/p/articles/mi.../is.../ai_n8761990/

10- POLICE CORRUPTION، INFORMATION AND FACTS، Pagerankstudio.com /…/ police-corruption-information-and-facts/

11- TALHA، SYED، VICTIMIZATION، In Servamus،Vol.91،No.1.1997، www.csvr.org.za wits/ papers/ papsyed.htm



[1] اضطراب ما بعد الصدمة PTSD مرض نفسى ينتج عادة عن حالة من الرعب الشديد تصيب الشخص الذى تعرض لحدث أو خبرة مؤلمة تعرضت فيها حياته للتهديد. والذين يعانون من هذا المرض يعيدون تذكر هذه الحدث أو هذه الخبرة بطريقة ما، ويحاولون تجنب الأماكن، والناس، وكل ما يذكرهم بهذه الخبرة، كما يكونون دوما شديدى الحساسية لخبرات الحياة العادية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أمن المجتمع المسلم كما يصوره القرآن
  • نظام الشرطة في الدولة الإسلامية
  • شرط الخبرة عائق وإعاقة

مختارات من الشبكة

  • الفساد الإداري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بشاعة الفساد وقول الله تعالى: (والله لا يحب الفساد)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • ظاهرة الفساد: ماهيتها ومظاهرها وأشكالها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ملخص بحث: إطار مقترح لتنمية ممارسات القيادة الأخلاقية للمديرين وعلاقتها بالحد من ظاهرة الفساد الإداري(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • الفساد وحش متعدد الرؤوس(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • منهج السنة النبوية في محاربة الفساد الإداري (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص بحث: المحسوبية والواسطة وأثرهما في الفساد الاقتصادي والإداري (بحث ثاني)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • هل ظاهرة التخاطُر ظاهرة صادقة؟!(استشارة - الاستشارات)
  • أجهزة التواصل الاجتماعي: ظواهر مؤذية ومظاهر مؤلمة(مقالة - ملفات خاصة)
  • أجهزة التواصل الاجتماعي .. ظواهر مؤذية ومظاهر مؤلمة(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب