• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي / بحوث ودراسات
علامة باركود

التعسف في استعمال الشرف

أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي

المصدر: موقع: الجزيرة دوت كوم
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/4/2011 ميلادي - 26/5/1432 هجري

الزيارات: 14515

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

«الشرف» لفظ من الألفاظ المحببة إلى النفس، فإن حروف الشين والراء والفاء تدل - كما يقول ابن فارس-: «على علو وارتفاع، فالشرف: العلو، والشريف: الرجل العالي، ورجل شريف: من قوم أشراف»، ومن الألفاظ المرادفة للشرف، أو المقاربة من حيث المعنى: الحسب، والسؤدد، والمحتد، والمجد، والعز، والجاه، وقد يكون بين هذه الألفاظ فروق دقيقة في معانيها.

 

وفي ضوء هذا التعريف يرد هذا التساؤل: هل يمكن أن نصنف الشرف ضمن قائمة الأخلاق، كالكرم والوفاء والأمانة والصدق، ونعده من جملة القيم الخلقية؟ والجواب: لا، لا يمكن تصنيفه كذلك، بل إنه مركز اجتماعي يخول الإنسان لأن يتبوأ مكاناً خاصاً بين الناس، ويمكنه من الهيمنة، لكنه قد يصنف ضمن قائمة الحقوق، كحق الحرية، وإن كانت مرتبته فوقها في نظر الناس.

 

ولأن النفس مجبولة على حب الظهور، والعلو، والتسلط، فإنها تتطلع تلقائيًا إلى الشرف، مؤملة الوصول إليه، حتى لربما ادعته لنفسها زعماً أو وهماً.. أما مخولات الشرف ومقوماته وأسبابه فمن أهمها:

1- النسب والأصل والمحتد: فإن طيب الأصول يتعدى إلى الفروع في الغالب، ومن هنا تبوأت قريش مكانًا سامقًا بين العرب، واختار الحق سبحانه وتعالى صفيه محمداً - عليه الصلاة والسلام - من بين هذه القبيلة لعراقة أرومتها.

 

2- المال: فالناس ميالة إلى أهل الأموال، والمال يستر عيوب الإنسان، ولذا يسود صاحبه ويشرف، قال علي ابن محمد البسامي (ت 302هـ):

أرى كل ذي مال يسود بماله
وإن كان لا أصل هناك ولا فصل

 

3- المنصب: وأعني به الرتبة الوظيفية العالية، وهو مقام معظم عند عموم الخلق.

 

4- العلم: فإن العلم نور، والجهل ظلام، والعلم كنز لا يفنى، وكله شرف وجمال.

 

العلم زين وتشريف لصاحبه
فاطلب هديت فنون العلم والأدبا

 

5- الخُلُق: كلما ازدان خلق الإنسان ازداد رفعة ومكانًا، وربما كان لبعض الأخلاق - كالحلم والشجاعة والكرم - أثر فعال في نفوس الناس، فيحترمون صاحبها، ويجلونه، قال ابن قتيبة: «كان يقال: أربع يسوّدن العبد: الأدب والصدق والعفة والأمانة» عيون الأخبار 3-224.

 

6- الدين: وهو أشرف تلك الخصال وأجلها، والمهيمن عليها.. وإليه النظرة الأولى في الميزان الشرعي.

 

وكل هذه المقومات مكتسب من فعل الإنسان نفسه وجهده إلا الأول منها، فإنه ذاتي، ليس للإنسان فيه جهد، والإسلام لا يتنكر لهذه المقومات الشرفية، ولا يعترض عليها، ولكنه ينظمها ويوجهها الوجهة السليمة، ولو استقرأنا بعض النصوص الواردة في هذا المجال لاتضحت لنا رؤية الإسلام تلك.

 

فمن أبرز تلك النصوص:

1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، قال ابن كثير - رحمه الله - في معرض تفسيره للآية: «فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء - عليهما السلام - سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله تعالى، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضاً، منبهاً على مشاربهم البشرية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾، أي ليحصل التعارف بينهم، كل يرجع إلى قبيلته».

 

2- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ فقال: أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا: نعم، قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».. قال الإمام النووي - رحمه الله -: «قوله (فقهوا) أي صاروا فقهاء وعلماء، والمعادن: الأصول، وإذا كانت الأصول شريفة كانت الفروع كذلك غالباً، والفضيلة في الإسلام بالتقوى، لكن إذا انضم إليها شرف النسب ازدادت فضلًا» (شرح النووي على صحيح مسلم 16-78).

 

3- وما رواه أبو هريرة أيضًا مرفوعًا: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم، وهو ظاهر الدلالة على أن الاعتبار بالنيات والأعمال، وليس بالأشكال وكثرة الأموال والرياش.

 

فهذه النصوص ونظائرها تدل على أن الشرف الحقيقي يكمن في الإيمان والتقوى والعمل الصالح والعلم النافع، وأن شرف غيرها يأتي في الدرجة الثانية، بمعنى أنه شرف مساند وليس شرفًا أصيلًا، كما أوضح ذلك النووي.. وذلك مما يؤكد سمو الإسلام في نظرته إلى الناس من خلال المعايير الدقيقة التي يزن بها الأعمال والتصرفات، وما يترتب عليها من نتائج دنيوية وأخروية.

 

وصدق الشاعر في قوله:

الناس من جهة التمثيل أكفاء
أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب
يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
وللرجال على الأفعال أسماء

 

ومن هذا المنطلق نهى الإسلام عن التفاخر بالأحساب والأنساب، فعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد» رواه مسلم، بل نهى عن تزكية الإنسان نفسه حتى لا يرفعها فوق الآخرين، قال سبحانه: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم:32].

 

أجل: ذلك هو المنهج الذي لا يتغير، والقانون الذي لا يتبدل، إنه منهج الإسلام وقانونه «فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» كما جاء في الحديث، على أنه لا ينبغي أن تفوت الإشارة إلى التنبيه السابق، وهو أن الإسلام لا يتنكر لمقومات الشرف الأخرى وأسبابه، أعني النسب، والمال، والمنصب... إلخ.

 

فإن النسب على سبيل المثال - وهو من أهم مقومات الشرف عند أكثر الناس - له أثره على أرض الواقع، فإن الأصول إذا طابت تعدى أثرها إلى الفروع، وذلك كما يقول الراغب الأصفهاني في الذريعة إلى مكارم الشريعة ص136: «لأن كرم الأعمام والأخوال مخيلة لكرم المرء ومظنة له، فالفرع وإن كان قد يفسد أحياناً فمعلوم أن أصله يورثه الفضيلة أو الرذيلة، فإنه لا يكون من النخل الحنظل، ولا من الحنظل النخل، ولذلك قال الشاعر:

وما يك من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه
وتنبت إلا في منابتها النخل

 

وفي ضوء هذه المقدمات الممهدات المسلمة نأتي إلى بيت القصيد، الذي نحن بصدد بحثه، أعني: التعسف في استعمال الشرف، أي التكلف والتعمد في استغلال المركز الاجتماعي في الوصول إلى الغايات والمقاصد الشخصية، أو الإضرار بالمجتمع، وهي قضية ذات أهمية، نظراً إلى طبيعة النفس البشرية التي تتوق دائماً إلى الاستعلاء والتغلب، كما نوهنا في أول الحديث، وإذا كانت بعض النفوس تميل إلى الزهد والقناعة والتواضع، فإن ذلك قليل في دنيا الناس، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مثل ذلك إنما تتقبله النفس بسبب المجاهدة والرياضة، أما لو تركت النفس ومطالبها فإنها كما قيل:

والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع

 

ولنعد إلى قضيتنا «التعسف في استعمال الشرف» هل هو مقبول شرعًا؟ وما موقف العقل من ذلك؟

والحقيقة إن استغلال الشرف - أيًا كان مصدره - في الوصول إلى الغايات الشخصية، أو إلى الإضرار بالآخرين، أمر مستقبح عقلًا، ومذموم شرعًا، أما عقلًا: فلأن هذا الاستغلال استذلال للنفس، والشريف ينزهها عن أن يضعها في موضع الذلة:

عزيز على نفس الغيور اتضاعها
وعار عليها أن تميل لذلة

 

وفي هذا الاستغلال تدنيس للعرض الشريف أيضًا:

ليس الكريم بمن يدنس عرضه
ويرى مروءته تكون بمن مضى

 

وفيه ثالثًا استعلاء على الناس، واستكبار عليهم بلا موجب، وذلك مما يأباه العقل السليم، والفطرة الصحيحة، ولذا قالت العرب: «التواضع شبكة الشرف»، وأما شرعًا: فإن نصوص الشرع جاءت متضافرة في النهي والتحذير من هذا التصرف المشين.

 

فمما جاء في ذم استغلال شرف النسب، قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، «فبين تعالى أنه جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل أن يتعارفوا أي يعرف بعضهم بعضًا، ويتميز بعضهم عن بعض، لا لأجل أن يفتخر بعضهم على بعض ويتطاول عليه» أضواء البيان للشنقيطي.

 

ومما جاء في ذم استغلال شرف المال:

1- قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 5-6]، والمراد بالإنسان هنا، قيل: أبو جهل، وأنه هو المراد بهذا وما بعده إلى آخر السورة، وقيل: جنس الإنسان، والاستغناء يكون بالمال غالباً فيغتر صاحبه فيسخره في سبيل الاستعلاء على الغير.

 

وعلة هذا الخلق كما يقول الطاهر بن عاشور في التحذير والتنوير: «أن الاستغناء تحدث صاحبه نفسه بأنه غير محتاج إلى غيره، وأن غيره محتاج، فيرى نفسه أعظم من أهل الحاجة، ولا يزال ذلك التوهم يربو في نفسه حتى يصير خلقاً حيث لا وازع يزعه من دين أو تفكير صحيح فيطغى على الناس لشعوره بأنه لا يخاف بأسهم لأن له ما يدفع به الاعتداء».

 

2- قصة قارون، الذي أعطاه الله من المال حتى فاض، فبغى الرجل وتكبر ومنع حق الله، وقد جاءت قصته مفصلة في القرآن العزيز، من الآية 76 حتى الآية 83 من سورة القصص، والمتأمل فيها يلحظ أول وهلة ظاهرة استغلال شرف المال في إعزاز النفس ورفعها فوق قدرها، والتعالي على البشر، بل وعلى قبول الحق، ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾ [القصص: 78]، وكفى بذلك مذمة.

 

3- ما رواه كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) أخرجه أحمد.

 

4- قال المناوي في فيض القدير: «مقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفسادًا للدين من إفساد الذئبين للغنم، لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره، وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعًا».

 

ومما جاء في ذم استغلال شرف الزعامة والوجاهة، ما استفاض في القرآن من ذم الملأ الذين كانوا يمثلون أشراف الناس وأعيانهم في الأمم الماضية، حيث كانوا يتزعمون حملة المعارضة للأنبياء والرسل عليهم الصلوات والتسليمات، ففي سياق قصة نوح مع قومه - مثلاً - جاء قوله تعالى: ﴿ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأعراف:60]، وفي سياق قصة هود جاء قوله تعالى: ﴿ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الأعراف:66]، وفي سياق قصة موسى مع فرعون جاء قوله تعالى: ﴿ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 109]، وعن موقف قريش من دعوة محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ﴿ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ﴾ [ص: 6-7].

 

وبالجملة فإن من تدبر قصص الأمم الغابرة في القرآن الكريم في موقفهم المعارض من أنبيائهم يدرك مدى استغلال ملأ كل أمة لشرفه في رد دعوة الحق، وصدق الله العظيم القائل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [سبأ: 34].

 

ومما ورد في ذم استغلال شرف الدين والعلم: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ [التوبة: 34]، قال ابن كثير في معرض تفسيره للآية: «والحاصل التحذير من التشبه بهم - يعني اليهود والنصارى - في أقوالهم وأحوالهم ولهذا قال تعالى: ﴿ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾، وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورئاستهم في الناس، يأكلون أموالهم بذلك، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف، ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعاً منهم أن تبقى لهم تلك الرئاسات فأطفأها الله بنور النبوة»، ولاشك أن هذا من أشد وأسوأ أنواع الاستغلال.

 

ونورد في هذه الحلقة أمثلة تطبيقية على التعسف في استعمال الشرف:

1- عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم :(يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم)، والرجل الذي سابه قيل هو بلال رضي الله عنه، قال البدر العيني مستنبطاً فقه الحديث: «فيه عدم الترفع على المسلم، وإن كان عبداً ونحوه من الضعفة لأن الله تعالى قال: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وقد تظاهرت الأدلة على الأمر باللطف بالضعفة وخفض الجناح لهم، وعلى النهي عن احتقارهم والترفع عليهم»، وفي هذا استغلال لشرف النسب.

 

2- عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا، اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: (لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار)، فأبو مسعود رضي الله عنه استغل شرف السيادة في ضرب الغلام وإيذائه، ولكنه استدرك الأمر فأعتقه فرضى الله عنه.

 

3- ورد في سبب نزول قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ [الحجرات: 11] أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وذلك أنه كان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسعوا له، حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول - وكان به ثقل في السمع - فجاء يوماً وقد أخذ الناس مجالسهم فجعل يتخطى رقاب الناس، ويقول: تفسحوا تفسحوا، فقال له رجل قد أصبت مجلساً فاجلس، فجلس ثابت مغضباً فغمز الرجل فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان، فقال ثابت: ابن فلانه، وذكر أماً كانت له يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه استحياء، فأنزل الله الآية، ووجه الاستغلال هنا ظاهر.

 

4- وورد أيضاً في سبب نزول قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13] أنه لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى أذن على ظهر الكعبة، فقال: عتاب بن أسيد: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم يرَ هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود، وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئاً يغيره، وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً، أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا، فأقروا، فأنزل الله هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب، والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء، قلت: وهؤلاء المعَيِرون كلهم من مسلمة الفتح، حيث لم يقر الإيمان في قلوبهم بعد، حين قالوا ما قالوا.

 

5- وروى الإخباريون أن خلافًا نشب بين محمد بن عمرو بن العاص وأحد المصريين، فقام ابن عمرو يضرب المصري بالسوط ويقول: خذها وأنا ابن الأكرمين، فشكاه المصري إلى الخليفة عمر بن الخطاب فاستدعى الخليفة عمرو بن العاص وابنه إلى المدينة، فلما حضرا أعطى عمر الدرة للمصري، وقال: اضرب ابن الأكرمين، فضربه حتى أثخنه، ثم التفت عمر إلى عمرو وقال: متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. «مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص98».

 

6- أورد أهل الأدب أن أبا العلا المعري - الشاعر المعروف - كان عند الشريف المرتضى (علي بن الحسين، أبو القاسم المتوفى سنة 436هـ) فجرى ذكر المتنبي الشاعر فتنقصه المرتضى، وجعل يتبع عيوبه فقال المعري - وكان يتعصب للمتنبي - لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله: (لك يا منازل في القلوب منازل) لكفاه فضلًا، فغضب المرتضى وأمر بسحبه، فسحب المعري برجله وأخرج من مجلسه، وقال لمن بحضرته: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة ؟ قالوا: لا، فقال أراد قول المتنبي في هذه القصيدة:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل

 

ففي هذه القصة نلحظ كيف استغل الشريف المرتضى شرف النسب فأوقع بالمعري ذلك العقاب.

 

تلك أمثلة حية تكشف لنا صوراً قاتمة من الممارسات الخاطئة نحو استغلال مركز «الشرف» وهي صور تتكرر في كل زمان، وفي معظم المجتمعات الإنسانية يمارسها فئات محدودة، ولكن لها هيمنة وكلمة نافذة في مجتمعها، ومن هنا تظهر آثارها السلبية الفادحة التي لا تقاس بآثار غيرها من الممارسات، ذات الطابع الخاص، مهما كبرت.

 

والسر في ذلك أن أولئك لهم نفوذ اجتماعي بالغ التأثير، سواء أهل النسب والحسب، أو أهل المناصب والولايات الكبيرة، أو أهل المال والجاه العريض، أو أهل العلم والفكر، أو أهل الدين، أو ذوو الطباع والأخلاق المتميزة، فمثل هذه الفئات إذا صلحت وسخرت مركزها الاجتماعي في سبيل الخير والمصلحة العامة، فإن صلاحها يعم المجتمع لا محالة، وهذا معنى ما جاء في الأثر: «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس: العلماء والأمراء».

 

وقول الأفوه الأودي:

تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا

 

أما إذا كانت هذه الفئات قد انكفأت على نفسها، وسيطرت عليها الأنانية، وغلبت مصالحها الخاصة على المصالح العامة، وتاجرت بمكتسباتها ومدخراتها؛ من العلم أو الدين أو الجاه أو المال أو النسب.. إلخ، فذلك نذير خطر يهدد المجتمع كله، ففي الأثر يروى: «إن لله أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم» أخرجه الطبراني.

 

وأكثر من ذي بلاغةً ووضوحًا قول الحق سبحانه: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ [الإسراء: 16]. والله الموفق.

 

تاريخ نشر المادة في مصدره: 2010/12/03م، 2010/12/10م، 2010/12/17م حيث أن المادة مقسمة على ثلاثة أجزاء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشرف
  • جرائم الشرف ( مقدمة ودراسات سابقة )
  • جرائم الشرف ( لغة واصطلاحا )
  • جرائم الشرف ( مشكلة الدراسة - المنهج - الخطة )
  • استعمال الصائم للحقن

مختارات من الشبكة

  • في النهي عن استعمال الحق على وجه غير مشروع أو التعسف في استعماله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التعسف في استعمال الحق (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • علاقة الطلاق في نظرية التعسف في استعمال الحق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر نظرية التعسف في استعمال الحق في حماية البيئة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • في معايير التعسف في استعمال الحق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موارد ومصادر (دفع التعسف عن إخوة يوسف) للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة دفع التعسف في أخوة يوسف ( نسخة أخرى )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كثرة الاستعمال في كتاب الخصائص(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تحري معاني النصوص(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب