• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد بن لطفي الصباغ / مقالات
علامة باركود

اختيار الصديق

د. محمد بن لطفي الصباغ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/7/2010 ميلادي - 9/8/1431 هجري

الزيارات: 37007

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا بدَّ للإنسان السويِّ من أن يتَّخذَ له صَديقًا أو أصدقاء؛ ذلك لأنَّ الإنسان كائنٌ اجتماعيٌّ بطبيعته، فالصديق يُؤنِسُه في الرخاء، ويُعينه في الشدَّة إن كان من أهل الوفاء.

 

من أجلِ هذا كان اختيارُ الصديق أمرًا في غاية الأهميَّة؛ ذلك لأنَّ للصديق أثرًا عميقًا في فكر الإنسان وسلوكه، وهذه حقيقةٌ لا شكَّ فيها، فالمرءُ يتأثَّر بمَن يعايش ويرافق.

 

فإذا عاش المرءُ مع ناسٍ صالحين، كان - في الغالب - صالحًا، وإذا عاش مع ناسٍ مجرِمين، كان - في الغالب - مجرمًا.

 

وحديثُ أبي سعيد الخُدري يدلُّ على ذلك، وفيه: أنَّ رجلاً قتل مئةَ نفسٍ، فأراد أن يتوب، ولكنَّه خَشِيَ ألاَّ تكونَ له توبة، فأتى إلى عالِم يسأله: هل له مِن توبة؟ فقال: نعم، ولكن عليك أن تنطلقَ إلى أرض كذا وكذا، إنَّ بها ناسًا يعبُدون الله، فاعبُدِ الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنَّها أرضُ سوء[1].

 

وفي هذا الحديث الصحيح بيانٌ لأهميَّة الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، فليحذَرِ المسلِمُ من العَيش في البيئة المنحرِفَة عن الحق.

 

يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنا بريءٌ ممَّن يُقيم بين ظَهْرانَي المشرِكينَ، لا تَراءى ناراهُما))[2].

 

والأصدقاء هم من الوسط الاجتماعيِّ؛ ألا فليعلم كلُّ أبٍ حريص على تربية أولاده أنَّ تأثير الصديق كبيرٌ، يفوق تأثيرَ الأبوَين، فإذا أردت أيها الأبُ أن يكونَ ولدُك مستقيمًا على الصلاح، ملتزمًا بالحق، فعليك أن تتدخَّل في اختيار صديقه، وليكُن تدخُّلك في ذلك بطريقة طبيعيَّة، لا إكراه فيها ولا إلزام.

 

ففي مجتمعاتنا أفكارٌ منحرِفة، ومذاهبُ باطلة، واتجاهاتٌ إلحاديَّة، وعاداتٌ دخيلة، بدأت تُغالب عاداتِنا الأصلية، ينشرها فريقٌ من الساقطين الذين قد يَظهرون بمظهر المثقَّف التقدُّمي، وهذه العادات تقوم على إثارةِ الشهَوات، ونشر الشُّبُهات، ويجرُّون الشبابَ إلى السقوط، ويُسهِّلون لهم سلوكَ الطريق الموصِل إلى المعاصي، والفواحش والجرائم.

 

هناك - مثلاً - عادةُ التدخين، الذي ثبت ضررُه علميًّا، فمِن الخطر على الأولاد أن يكونَ لهم أصدقاءُ مدخِّنون؛ لأنَّه إذا كان ذلك فستنتقلُ هذه العادةُ الخبيثة إليهم، وهذا بلاءٌ عظيم.

 

وكذلك تعاطي المخدِّرات التي تُفسِد العقلَ والجسم، وتقضي على الإنسان قضاءً مبرمًا، فقد يقول المبتلى بها لخليله: جرِّب تناول هذا المخدِّر تجرِبة؛ لتجدَ اللَّذَّة والمتعة والانبساط، فأنا أُحبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي، فإذا استجابَ لطلبه وجرَّب وقع في الفخِّ، وأصبح من المدمنين.

 

وكذلك الفواحشُ التي قد تدعو إليها النفسُ الأمَّارة بالسُّوء، وطريق الانحراف طويل، ولكنَّه يبدأ بالخُطوة الأولى، وينتهي بسالكه إلى السقوط والدمار، وهذه هي خُطَّة الإفساد التي يتَّبعها الشيطان وأعوانُه من الإنس والجنِّ، وهي تقوم على التدرُّج بالإضلال خُطوةً خُطوة.

 

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 21]، وقد حذَّرَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من اتِّخاذ الخليل الفاسد، ودعانا إلى النظر والتأمُّل؛ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((المرءُ على دِين خَليله، فلينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِل))[3].

 

وذلك لأنَّ المرء إذا صادق إنسانًا زائغَ العقيدة، منحرِفَ السلوك، سيِّئ الأخلاق، أَنِسَ بصحبته، وخالطه ووادَّه، واستمرَّتْ صداقتُه له - أصبح مِثلَه في العقيدة والسلوك، أو قريبًا منه.

 

إنَّه قد يشعُر في بادئ الأمر بالاستغراب والدهشة عندما يسمع كلمةَ الكفر، أو عندما تُمارَس أمامَه المنكرات والفواحش، ولكنَّ هذا الاستغراب، وتلك الدهشة يَضعُفانِ شيئًا فشيئًا، حتى يصبحَ ما كان يُنكره مألوفًا لديه، ثم يقع فيه ويَهلِك.

 

ولقد نهانا الله - جلَّ جلالُه - عن القُعود مع المنحرِفين، وأمرَنا بالإعراض عنهم؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].

 

وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ﴾ [النساء: 140].

 

وهذا إجراءٌ وقائيٌّ عظيم، وقد قصَّ كتابُ الله علينا قصَّةَ الرجل الظالِم الذي ضلَّ بسبب الخليل الضالِّ المضِلِّ، فذكر أنه يومَ القيامة يَعَضُّ على يديه، ويبدو نادمًا على اتِّخاذ ذاك الضالِّ خليلاً، ولكن هذا الندم لا يفيده شيئًا؛ قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾ [الفرقان: 27 - 29].

 

ويذكر كتابُ الله أنَّ الصديق السيِّئ يُهلِك مَن يستجيب له: ها هم أهل الجنة يتحدَّثون فيما بينهم وهم في النعيم المقيم، فقال قائل منهم: إني كان لي قرينٌ كافِر، يُنكر البعث يومَ القيامة، وكان يُريد أن يُورِّطني ويُهلكني، لولا أن تدراكَتْني رحمةُ الله، ويودُّ أن يعرفَ مصيرَه، فاطَّلع إلى النار، فإذا ذلك القرينُ في وسط النار، فقال له: واللهِ لقد كِدتَ أن تهلكني، ولولا نعمةُ الله عليَّ لكنتُ معك في هذه النار المحرِقة؛ قال - تعالى - عن أهل الجنة: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ [الصافات:50 - 57].

 

إذًا؛ فينبغي على الإنسان ألاَّ يتخذَ صديقًا يضلُّه عن سبيل الله، ويجعله يندم يومَ لا ينفعُ الندم، بل عليه أن يصبرَ نفسَه صبرًا مع الذين يُعينونه على سلوكِ الطريق الموصل إلى السعادة؛ قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

 

قال صالح بن عبدالقدُّوس:

وَاحْذَرْ مُعاشَرَةَ الدَّنِيِّ فإِنَّها
تُعْدِي كَما يُعْدِي الصَّحِيحَ الأَجْرَبُ
يَلقاكَ يَحْلِفُ أَنَّهُ بِكَ واثِقٌ
وإِذا تَوارَى عَنْكَ فَهْوَ العَقْرَبُ

 

وقال أيضًا:

المَرءُ يَجمَعُ والزَّمانُ يُفَرِّقُ
ويَظَلُّ يَرْقَعُ والخُطُوبُ تُمَزِّقُ
ولَأَنْ يُعادِيَ عَاقِلاً خَيْرٌ لَهُ
مِن أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ لا تُصادِقْ أَحْمَقًا
إِنَّ الصَّدِيقَ عَلى الصَّدِيقِ مُصَدِّقُ[4]

 

وعندما تكون الصداقةُ قائمةً على أساس من التقوى، فإنها تستمرُّ في الدنيا، وكذلك يكون أمرُها في الآخرة، أمَّا الصداقات الأخرى، فإنَّها تنقلب يومَ القيامة إلى عداوة؛ يقول الله تعالى: ﴿ الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].

 

ومع ذلك فمطلوبٌ من الإنسان في علاقته مع صديقه الذي ارتضاهُ لنفسه: أن يكونَ معتدلاً في محبَّته، وثِقته ومواصلته؛ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أَحْبِبْ حبيبَكَ هَونًا ما، عسى أن يكونَ بغيضَك يومًا ما، وأبْغِضْ بغيضَكَ هَونًا ما، عَسى أن يكونَ حبيبَكَ يومًا ما)) [5].

 

وينبغي ألاَّ يكثر عليه في الزِّيارة، فقد ورَدَ: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((زُرْ غِبًّا تَزدَدْ حُبًّا))[6].

 

وأن تكون محبَّتُه له في الله، حتى يفوزَ بأن يكون يومَ القيامة في ظلِّ الله؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((سَبعةٌ يُظلُّهُم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه: الإمامُ العادل، وشابٌّ نشَأَ في عبادة ربِّه، ورجلٌ قلبه معلَّق في المساجد، ورجُلانِ تحابَّا في الله؛ اجتمعَا عليه، وتفرَّقا عليه، ورجلٌ طلبتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تَصدَّق بصَدقة، فأخفاها حتى لا تعلمَ شِمالُه ما تُنفِق يمينُه، ورجل ذَكَر الله خاليًا، ففاضَتْ عيناه))[7].

فهنيئًا لِمَن يحظى بهذا التكريم والسعادة في ذلك اليوم العصيب.

 

هذا، وإنَّ الصديق الذي لا يحبُّ صديقه إلاَّ لله، فاز في الدنيا بتذوُّق حلاوة الإيمان:

عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((ثلاثةٌ مَن كُنَّ فيه ذاقَ حلاوةَ الإيمان: أن يكون اللهُ ورسولُه أَحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكُفْر كما يكرَهُ أن يُقذَفَ في النار))[8].

 

وهكذا يتبيَّن أنَّ الصداقة المحمودةَ المطلوبة هي ما كانت قائمةً على الحُبِّ في الله، وقد رَبَط رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الإيمانَ بالتحابِّ بين المسلمين، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تَدْخُلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكُم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببْتُم؟ أفشوا السلامَ بينكم))[9].

وهذا سُموٌّ بالصداقة، وذلك بأن تكون قائمةً على العقيدة، لا على المصلحة الماديَّة، ولا على أيِّ اعتبارٍ آخَرَ.

 

وممَّا يدلُّ على تأثير الصديق في صديقه الحديثُ الآتي:

عن أبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما مَثَلُ الجليس الصالِح وجليس السُّوء كحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِير، فحامِلُ المسك: إمَّا أن يُحذيَكَ[10]، وإمَّا أن تبتاعَ منه، وإمَّا أن تجدَ منه رِيحًا طيِّبة، ونافخُ الكِير: إمَّا أن يحرِقَ ثوبَكَ، وإمَّا أن تجدَ منه رِيحًا مُنْتِنَة))[11].

 

إذًا؛ لا بدَّ من التأثُّر، وقد تختلف درجاتُه، ومن أجْل ذلك قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُصاحِبْ إلاَّ مؤمنًا، ولا يأكُل طعامَك إلاَّ تقيٌّ))[12].

فالجلوس مع المؤمنين يَزيد في الإيمان، فقد كان معاذٌ يقول لصاحبه: اجلس بنا نؤمن ساعة[13].

 

والصداقةُ الخالصة تتبعها المودَّةُ أو تسبقها، ونحن منهيُّون عن موادَّة مَن يُحارِب الله ورسولَه؛ قال تعالى: ﴿ لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

 

ومِن أوثقِ عُرى الإيمان الحبُّ في الله، والبُغض في الله، وقال تعالى: ﴿ وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113].

 

فالركونُ إلى الذين ظلموا سببٌ في أن تمسَّ الراكنين إليهم النارُ، والمشرِكون ظالمون؛ ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، والعُصاة ظالمون لأنفسهم.

 

ذكَرْنا في هذا البحث: أنَّ الصداقة السامية مبنيَّة على الحبِّ في الله، والحبُّ طريقةٌ من طرائق التأثير الناجِح، فكم من صديق صالِح قادَ صاحبَه إلى الصلاح والاستقامة، والخير عن طريق الحب!

 

والمرءُ يدلُّ عليه صديقُه، قال الشاعر:

عَنِ المَرْءِ لا تَسْأَلْ وسَلْ عَن قَرِينِهِ
فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقارَنِ يَقْتَدِي

 

والصديقُ الصالح يحتمل زلاَّتِ صاحبه، ويعفو عنه، قال أبو تمام:

مَن لي بِإِنسانٍ إِذا أَغْضَبْتُهُ
وجَهِلْتُ كانَ الحِلْمُ رَدَّ جَوابِهِ
وتَراهُ يُصْغِي لِلحَدِيثِ بِسَمْعِهِ
وبِقَلْبِهِ ولَعَلَّهُ أدْرَى بِهِ

 

ومن الآداب التي تُراعى مع الصديق: ما ذكره بشَّار في الأبيات الآتية:

إِذا كُنتَ في كُلِّ الأُمُورِ مُعاتِبًا
صَدِيقَكَ لم تَلْقَ الَّذِي لا تُعاتِبُهْ
فَعِشْ واحِدًا أو صِلْ أَخاكَ فَإِنَّهُ
مُقارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةً ومُجانِبُهْ
إِذا أنتَ لم تَشرَبْ مِرارًا عَلى القَذى
ظَمِئْتَ وأيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشارِبُهْ
ومَن ذا الَّذِي تُرْضى سَجاياهُ كُلُّها
كَفى المَرْءَ نُبْلاً أنْ تُعَدَّ مَعايِبُهْ

 

وقال النابغة:

ولَستَ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لا تَلُمُّهُ
على شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ

 

وقال آخر:

هُمُ النَّاسُ والدُّنيا ولا بُدَّ مِن قَذًى
يَلُمُّ بِعَيْنٍ أو يُكَدِّرُ مَشْرَبا
ومِن قِلَّةِ الإِنْصافِ أَنَّكَ تَبتَغِي
صَدِيقًا مُهَذَّبًا ولَستَ المُهَذَّبا

ـــــــــــــــــــ

[1] متفق عليه، "صحيح البخاري" برقم (3470)، و"صحيح مسلم" برقم (2766).

[2] رواه أبو داود برقم (2645)، والترمذي برقم (1604).

[3] رواه أحمد في "المسند" 2/303، 334، وأبو داود (4833)، والترمذي (2378)، والحاكم 4/171.

[4] "معجم الأدباء" 12/6.

[5] رواه الترمذي (1997).

[6] رواه الحاكم في "المستدرك" 3/347، وأبو نعيم في "الحلية" 3/322، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع الصغير".

[7] متفق عليه؛ البخاري (660)، ومسلم (1031)، وأحمد 2/439، ومالك 2/955.

[8] متفق عليه؛ البخاري (21)، ومسلم (43).

[9] رواه مسلم (54)، وأبو داود (5193)، والترمذي (688)، وابن ماجه (369).

[10] أي: يعطيك.

[11] متفق عليه؛ البخاري (2101)، ومسلم (2628)، وأحمد 4/405.

[12] رواه أبو داود (4832)، والترمذي (2395).

[13] صحيح البخاري: كتاب الإيمان باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بُنِي الإسلام على خمس)) أول أبواب الإيمان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإخاء والصداقة والصحبة
  • شاور صديقك (بطاقة أدبية)
  • الصديق عند الضيق (حكايات أنس - 2)
  • (رحلة ياسمين: قصة مسلسلة للأطفال (4) الصغير والصديق)
  • الصداقة.. ما لها وما عليها
  • أبو بكر الصديق خليفة رسول الله (1)
  • هل من صديق؟
  • صديق وأخ .. ولكن!!
  • اختيار الصديق
  • كلمة عن الصديق الصالح
  • تفنن في اختيار ما يليق بك
  • حقوق الصديق (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • لماذا اختيار الإسلام دينا؟ الاختيار بين الإسلام والمعتقدات الأخرى (كالنصرانية واليهودية والهندوسية والبوذية..) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أسس اختيار المؤذن(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • رسالة في الزكاة لابن كمال باشا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطوات إجراء الحديث الصحفي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أولادنا واختيار الأصدقاء(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قبل الالتحاق بكلية الشريعة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطباؤنا هل يحسنون اختيار موضوعاتهم؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختيار الاسم الحسن للمولود(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أحداث رمضان (2) غزوة بدر وأفضلية اختيار المولى عز وجل(مقالة - ملفات خاصة)
  • اختيار الذكر والدعاء(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- امثال عن الصديق
عبير الزهور - سلطنة عمان 09-12-2011 09:36 PM

1)الحياة بلا صديق كالوردة بلا رحيق
2)الصديق في وقت الضيق
3)ليس من الصعب ان تضحي من اجل صديق و لكن من الصعب ان تجد الصديق الذي يستحق التضحية منك
4)الصاحب ساحب

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب