المسح على الخفين ( من كتاب المرتع المشبع 1)

مواضع الطهارة .. الموضع الثالث عشر

ساتر للمفروض ولو بشده أو شرجه كالزربول

فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض

المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

المسح على الخفين

قوله: (ساتر للمفروض ولو بشده أو شرجه كالزربول الذي له ساق وعُرى يدخل بعضها في بعض، فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض؛ لقصره أو سعته، أو صفائه، أو خرق فيه وإن صغر، حتى موضع الخرز فإن انضم ولم يبد منه شيء جاز المسح عليه (يثبت بنفسه) فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه من خف وجورب صفيق ونحوهما)[1].

قال في "الإفصاح": "واختلفوا في جواز المسح على الجوربين، فقال أبو حنيفة [2] ومالك [3] والشافعي [4]: لا يجوز إلا أن يكونا منجلود أو مجلدين أو منعولين.

وقال أحمد [5]: يجوز المسح عليهما إذا كانا ثخينين لا يسقطان إذا مشى فيهما، ووافقه صاحبًا أبي حنيفة: أبو يوسف، ومحمد [6]" [7].

وقال ابن رشد: "اتفقوا [8] على جواز المسح على الخفين، واختلفوا في المسح على الجوربين، فأجاز ذلك قوم، ومنعه قوم.

وممن منع ذلك: مالك [9]، والشافعي [10]، وأبو حنيفة [11].

وممن أجاز ذلك: أبو يوسف ومحمد [12] - صاحبا أبي حنيفة - وسفيان الثوري.

وسبب اختلافهم: اختلافهم في صحة الآثار الواردة عنه عليه الصلاة والسلام أنه مسح على الجوربين والنعلين، واختلافهم أيضا: في هل يقاس على الخف غيره، أم هي عبادة لا يقاس عليها ولا يتعدى بها محلها؟

فمن لم يصح عنده الحديث، أو لم يبلغه، ولم ير القياس [16ب] على الخف قصر المسح عليه، ومن صح عنده الأثر أو جوز القياس على الخف أجاز المسح على الجوربين، وهذا الأثر لم يخرجه الشيخان - أعني: البخاري ومسلما - وصححه الترمذي [13].

ولتردد الجوربين المجلدين بين الخف والجورب غير المجلد، عن مالك في المسح [عليهما] روايتان [14]: إحداهما: بالمنع، والأخرى: بالجواز.

وأما صفة الخف: فإنهم اتفقوا [15] على جواز المسح على الخف الصحيح، واختلفوا في المخرق، فقال مالك وأصحابه [16]: يمسح عليه إذا كان الخرق يسيرا.

وحدد أبو حنيفة [17] بما يكون الظاهر منه أقل من ثلاثة أصابع.

وقال قوم بجواز المسح على الخف المنخرق ما دام يسمى خفا، وإن تفاحش خرقة، وممن روي عنه ذلك الثوري.

ومنع الشافعي [18] أن يكون في مقدم الخف خرق يظهر منه القدم، ولو كان يسيرا في أحد القولين عنه [19].

وسبب اختلافهم في ذلك: اختلافهم في انتقال الفرض من الغسل إلى المسح هل هو لموضع الستر - أعني: ستر الخف القدمين - أم هو لموضع المشقة في نوع الخفين؟

فمن رآه لموضع الستر لم يجز المسح على الخف المنخرق؛ لأنه إذا انكشف من القدم شيء انتقل فرضها من المسح إلى الغسل، ومن رأى أن العلة في ذلك المشقة لم يعتبر الخرق ما دام يسمى خفا.

وأما التفريق بين الخرق الكثير واليسير: فاستحسان ورفع للحرج [17أ]، وقال الثوري: كانت خفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس، فلو كان في ذلك حظر لورد ونقل عنهم" [20].

قال ابن رشد: "هذه المسألة هي مسكوت عنها، فلو كان فيها حكم مع عموم الابتلاء به لبينه صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44] [21].

وقال البخاري: "باب: غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين، وذكر حديث ابن عمر، وفيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها" [22].

قال الحافظ: "قوله: (ولا يمسح على النعلين) أي: لا يكتفي بالمسح عليهما كما في الخفين، وأشار بذلك إلى ما روي عن علي وغيره من الصحابة: أنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا.

واستدل الطحاوي [23] على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما، قال: فكذلك النعلان؛ لأنهما لا يفيدان القدمين" [24].

قال الحافظ: "وهو استدلال صحيح، لكنه منازع في نقل الإجماع [25] المذكور"[26].

وقال في "الاختيارات": "وكان صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح إذا كان لابس الخفين، ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا. والمشي فيه ممكن [27]، وهو قديم الشافعي [28] واختيار أبي البركات وغيره من العلماء" [29].

إلى أن قال: "ومنصوص أحمد [30]: المسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين [17ب]، فإذا أجاز [أحمد المسح] عليهما فالزربول الذي لا يثبت إلا بسير يشده به متصلا أو منفصلا عنه أولى بالمسح عليه من الجوربين، وما لبسه من فرو أو قطن وغيرهما، وثبت بشدة بخيط متصل أو منفصل مسح عليه.

وأما اشتراط الثبات بنفسه فلا أصل له في كلام أحمد، وعلى القول باعتبار ذلك فالمراد به ما ثبت في الساق ولم يسترسل عند المشي" [31] انتهى ملخصا.

وقال في "الشرح الكبير": "وإن لبس مخرقا فوق صحيح، فالمنصوص عن أحمد [32]: جواز المسح عليه، رواها عنه حربٌ؛ لأن القدم مستور بخف صحيح، فجاز المسح عليه كما لو كان مكشوفا.

وقال القاضي وأصحابه: لا يجوز المسح إلا على التحتاني؛ لأن الفوقاني لا يجوز المسح عليه مفردا، أشبه ما لو كان تحته لفافةٌ.

فأما إن لبس مخرقا فوق لفافة لم يجز المسح عليه؛ لأن القدم غير مستور بخف صحيح.

وإن لبس مخرقا فوق مخرق فاستتر القدم بهما احتمل ألا يجوز المسح لذلك.

واحتمل جواز المسح؛ لأن القدم استتر بهما، أشبه ما لو كان أحدهما مخرقا والآخر صحيحا" [33].