• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / العلامة محمد بهجة الأثري / مقالات
علامة باركود

كيف تستدرك الفصاح في المعاجم الحديثة (1)

العلامة محمد بهجه الأثري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/11/2013 ميلادي - 12/1/1435 هجري

الزيارات: 14915

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف تستدرك الفصاح في المعاجم الحديثة (1)


في هذا البحث الذي أتشرَّف بإسماعكم إيَّاه، عرضتُ لألفاظ معدودة من فصاح اللغة ضِيمَتْ بالاستعمال، فعُدِل بدلالاتها عن جهتها، أو داخَلها التحريف، أو انفرد بها راوٍ متأخر زمنه عن زمن الرواية، ولم يُستَأْنَ في أمرها، فأُخذت على علاَّتها.


وإنما اقتصرتُ على هذه الألفاظ المعدودة؛ لأنني تناولتُها على نحوٍ من النقد والتوجيه، اصطنعت فيه الاستقراء والتمثيل له، بقدر الطاقة وإسعاف الفكر، ليستبين فيها وجه الرأي، ويستند البحث إلى سِنادٍ، فامتدَّ نَفَس الكلام عليها، والمقامُ لا يَتَّسِعُ ظرفه لأكثر منه، على أنني لم أُرِدْها لذواتها بقدر ما أردتُ ما يترتب على بحثها من نتائج، رفضًا لها ولأمثالها مما يجري منها بسبيل يقضي بنفيها من المعجم الحديث، أو قبولاً لها ولأمثالها يأذن بإقرارها وإدخالها في المعجم الحديث بعد درسٍ مُسْتَأْنٍ، يشارك فيه الرأيُ الجميعُ، ولا يستبد به الرأيُ الفاذُّ.


وأصطنعُ مذهبَ (البحتري) في اقتضابه، فأقتحم الكلام على هذه الألفاظ وثبًا، لأخلُصَ إلى النتيجة التي أبغيها، وإني بآرائكم لشديدُ الاعتزاز.


أول هذه الألفاظ (أنجب) اللازم، واستعماله على سبيل الغلط متعدِّيًا، وتحويله بذلك عن دلالته ومعناه، وليس بأحدٍ حاجةٌ إلى هذا التصرُّف المُفسِد لمقاصد الكلام العربيِّ الأصيل مع وجود الألفاظ الخاصَّة بالمعنى الذي يريدونه؛ مثل: وَلَدَه، ونَجَلَه، ونَسَلَه.


وهذا الفعل الرُّباعيُّ اللازم يدخل في طوائف من الأفعال جاءت على (أفعل)، تحت (باب ما همزُه يُفيد معنى الإتيان بالشيء)، وكل هذه الأفعال قد لَزِمَتِ الفاعل، لم يَشِذَّ شيء منها عن ذلك، فإذا عُدِّيت أفادت معنى آخر، وما جاء في كلام العرب من هذا كثيرٌ جدًّا، أذكُرُ منه ما يحضرني الآن:

• تقول العرب: أنجب الرجل والمرأة، إذا جاءَا بولد نجيب؛ أي: كريم فاضل في نفسه.

 

• وتقول: وأنخبا، بالخاء المعجمة: جاءا بوَلَد منخوب جَبان.


• وأضوى الرَّجُلُ: أتى بولد أو نسل ضاويٍّ، ومنه الحديث الشريف: ((اغتربوا، ولا تُضْوُوا)). وأسنع الرَّجُلُ: جاء بأولاد حِسَان طوال.


• وأذكرتِ المرأة: ولَدَتْ ذكَرًا، وفي الحديث الشريف: ((إذا غلَب ماءُ الرَّجل ماء المرأة أَذْكَرا))؛ أي: ولَدَا ذكرًا.


• وآنثتِ الحامل: وَلَدت أنثى، وألْأَم الرجلُ: وَلَد أولادًا لئامًا، وأذمَّ: وُلِد له ولد مذموم، وأخبث: وُلد له أولادٌ خبثاء، وأكرم: أتى بأولاد كِرام، وأحولتِ المرأة أو الناقة: وَلَدت ذكرًا على أثر أُنْثى، أو أنثى على أثرِ ذكر.


• وأجزأت: إذا ولدت الإناث دون الذُّكُور، وأتأمت: إذا وَلَدَتْ ولدَيْن في بطن، وأرجلت: ولدت ولدًا ذكرًا، وأشهب الفحل: وُلِدَ له الشُّهْبُ، وأصهب: ولد له الصُّهْب، وأبلق: ولد له ولدٌ أبلَق، وأكشفتِ النَّاقة: تابعت بين النِّتاجين، وأصاف الرجل: وُلِد له في الكبر، وولده صَيْفِيون، وأربَع: وُلِدَ له في شبابه، وولده رِِبْعيُّون، قال الرَّاجز:

إنَّ بَنِيَّ صبيةٌ صَيْفيُّون
أَفْلَحَ مَنْ كانَ لهُ رِبْعِيُّونْ

 

• وأحمق: وُلِدَ له ولد أحمقُ، وأحمر: وُلِدَ له ولد أحمر، وأسود وأساد: وُلِد له أولاد أكياس، وأسقبت الناقة: ولَدت ولدًا ذكرًا، وأحلب الرجل: ولدت إبله إناثًا، وأجلب: ولدت له ذكورًا، ومن كلامِهم: أأحلبت أم أجلبت؟ وأرَكَّت السَّحَابة: جاءت بالرَّكِّ، وهو المطر الضعيف القليل، وأودقت: جاءت بالوَدْق، وهو المطر، وأطشَّتْ: أتت بالطَّشِيش؛ أي: المطر الضَّعيف، وهو فوق الرَّذَاذ.


• وأفلق الشاعر: أتى بالعجيب في شعره، وأحسن: أتى بِفعل حَسَن، وأملح: جاء بكلمة مليحة، وأقبح: أتى بفعل قبيح، وأفجر: جاء بالغدر والفجور، وأذنب: أتى بالذنب، وغير هذا كثير.


وما عُدِّيَ من هذه الأفعال، خرج إلى معنى جديد غير معنى الإتيان بالشيء، ومنه: أنجب من الشجر قضيبًا: قَطَعَهُ، وأخبث الرَّجُلُ الرَّجلَ: علَّمه الخُبْثَ، وهو غير أخبث إذا وُلِدَ له ولد خبيث في نفسه، وأكاسه: أخذ بناصيته، وهو غير أكاس إذا وُلِد له أولاد أكياس، وأحسن الصنيع: جوَّده، وهو غير أحسن إذا أتى بِفعل حسن، ومن الأوَّل قولُهُ - تعالى -: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [غافر: 64]، ومن الثاني قوله - تعالى -: ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [الإسراء: 7].


هذا هو التأصيل اللغوي لهذا الباب، عُنِيتُ به لأرُدَّ إليه مناقشة الغلط في هذا اللفظ الذي وقع في بعض الكلام، ومن الحق أن بياض بالأصل، ولعلها: أُقِرَّ أن هذا الفعل - فعل (أنجب) - قد ورد موصولاً به الباء وضميره، وله شاهد قديم في شعر عُزِيَ إلى الأعشى حينًا، ورُوِي غُفلاً من العَزْو حينًا آخر، وهو قوله:

(أنجبَ) أيَّامَ والداه (به)
إذْ (نَجَلاهُ) فَنِعْمَ ما (نَجَلا)

 

واستعمال الشاعر (نجلاه)؛ أي: ولَدَاه، مع (أنجب به)، نصٌّ قاطع في تصحيح دلالة (أنجب) التي انحرف بها مَن لا تحقيق عندهم إلى وجهة أخرى.


• و(أنجب به) قليل في الاستعمال، ويحضُرني من ذلك ما جاء في ترجمة العباس بن عبدالمطلب - وهو في نكت الهيمان 175 - قال: "أُمُّهُ (نَثلَة).. (ولدت) العبَّاس لعبدالمطَّلبِ، (فأنجبت به)"، وتلاحظ هنا دلالة: (أنجَبَتْ به) مع قوله: (ولدت العباس)، كما تقدَّم مثلُهُ في بيت الأعشى، لتعرف الصُّورة الأصيلة في استعماله.


• وأما (أنجب) من غير الباء ومجرورها، فاستقصاؤه يطول لكثرته، ومنه قول العرب: "رُبَّ حمقاء منجبة"، وقيل: "أربعة مَوْقَى: كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وعجل بن لجيم، ومالك بن زيد بن مناة بن تميم، وأَوْس بن تَغْلِبَ، وكلهم قد أنجب!"؛ أي: وُلِدَ لهم أولادٌ نجباءُ فضلاء في أنفسهم، وآباؤهم مَوْقَى حُمَقاء!


وقال ابن الزبير: "لا يمنعكم من تزوُّجِ امرأةٍ قِصرُها؛ فإن الطَّويلة تلد القصيرة، والقصيرة تلد الطويل، وإياكم والمُذكِرة؛ فإنها لا تنجب"[1]، وامرأة مذكرة: تشبه في شمائلها الرجال، لا في خِلقتها.


وجاء في شعر العباس بن مرداس السلمي، يذكر فرسيه (صوبة) و(الصموت):

أعددت (صَوْبَةَ) و(الصَّمُوتَ)
ومُفاضَةً للرَّوع كالسَّحْلِ
فُرُطَ العِنانِ، كَأَنَّ ملجمَها
في رأس نابتةٍ من النَّخْلِ
بين الحَمَالةِ والقُرَيْظ، لقد
أنجبت من أُمٍّ ومن فَحْلِ[2]


 

وفي قول شاعر آخر في (شقيق) فارس (ميَّاس)، وهو في كتاب أنساب الخيل، ولم يُعزَ إلى قائله:

عَرانينُ من عبدِ بن غَنْم، أبوهمُ
هجانٌ، تسامى في الهجانِ، وأنجبا[3]


 

وفي تأريخ ابن الأثير:

"قال إسحاق بن إبراهيم المصعبي، وهو يحاور المعتصِم، وقد قال له: إنه نظر إلى أخيه المأمون، وقد اصطنع أربعة فأفلحوا، واصطنعت أربعة فلم يُفلِح أحد منهم، فقلت: أجيب على أمان من غضبك؟ قال: نعم، قلت: يا أمير المؤمنين، نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها فأنجبت، واستعمل أمير المؤمنين فروعًا فلم تنجب؛ إذ لا أصول لها، فقال: يا إسحاق: لَمُقاساة ما مر بي طول هذه المدة أهونُ عليَّ من هذا الجواب!"[4].


وبسبيل من هذا الاستعمال الصحيح لهذا الفعل، قول الذهبي في (ذيل العبر) في مفيد الدولة نجم الدين إسماعيل بين إبراهيم بن الخباز، المتوفى سنة 703هـ: "كتب عمَّن دبَّ ودرج، وجمع، وكتب الكثير، ولم ينجب"؛ أي: لم يُتقِن ما جمع وكتب، وقد نقل محقق الكتاب من شذرات الذهب (6/8): "أنه كان له ولد، يقال له أبو عبدالله محمد، وكان مسند وقته"[5].


ومنه أيضًا قول شاعر العصر الحديث "أحمد شوقي" في قصيدة (صحبة المكتب) الرائعة:

وكم مُنْجِبٍ في تلقِّي الدروسِ
تَلَقَّى الحياةَ فلم يُنْجِبِ

 

وأكتفي بهذا القدر من الاستعمال الصحيح لهذا الفعل، وأنتقل إلى ما ورد منه في بعض الكلام مخالفًا لقاعدة الباب وأمثلته، ومنه ما يوهم أنه استعمال صحيح لا مانع يمنع منه؛ لوروده في بعض المعاجم، أذكُرُ ذلك استكمالاً للتحقيق الذي أردته، ودرءًا للشبهات التي اكتنفته منها، وقد عثرتُ في ببعض الشعر القديم على نصين، ورد فيهما هذا الفعل متعديًا، أحدهما لشاعر جاهلي، هو طُفَيْل الغنوي وصَّاف الخيل المشهور، والآخر لراجز من مخضرَمي الدولتين: الأموية والعباسية، يقال له: "حفص الأموي مولاهم".


فأما نص طفيل الغنوي - وهو في تاج العروس - فهو قوله في (ك/ت/م) يصف بعض أفراس العرب:

دِقاقٌ كأمثالِ الشَّواجنِ ضُمَّرٌ
ذخائر ما أبقى الغرابُ ومُذْهَبُ
أبوهنَّ مكتوم وأعوجُ أنجبا
ورادًا وُحوًّا ليس فيهن مُغرِبُ[6]


 

وفي هذين البيتين تحريفان؛ (فالشواجن) في البيت الأول هي تحريف السَّراحين؛ أي الذئاب، والعرب يشبهون الأفراس بها في ضمورها وعَدْوِها، ولا معنى للشواجن في سياق البيت، وروايته في ديوان طفيل:

وخيل كأمثال السِّراح مصونةٌ
ذخائرُ ما أبقى الغرابُ ومُذْهَبُ

 

والسراح والسَّراحين، كلاهما جمع السِّرْحان.


• و(أنجبا) في البيت الثاني، هي في الرواية الصحيحة (تفتلى) - أي تفصل من أمَّاتها - كما جاء في ديوان طُفيْل، وهو محقَّق على أصول معتمدة، وقد حققه كرنكو، وطبعه في سنة 1927م في ليدن في سلسلة جيب التذكارية، وأعاد تحقيقه محمد عبدالقادر أحمد معتمدًا على أصلين: تحقيق كرنكو، ونسخة صحيحة من الديوان في مكتبة الآثار القديمة ببغداد من رواية أبي حاتم السِّجِسْتاني عن الأصمعي، وطبعه في بيروت سنة 1968م.


ومما يُستَأنسُ به في تصويب هذا التحقيق شعر آخر لطُفيل الغنوي في ديوانه، وهو قوله:

جلبنا من (الأعراف) أعراف غمرةٍ
وأعرافِ لُبنَى الخيلَ، يا بُعْدَ مَجْلَبِ[7]
بناتِ الغريبِ والوجيهِ ولاحقٍ
وأعوجَ تَنْمي نسبةَ المتنسِّبِ
وِرادًا وحُوًّا مشرِفًا حَجباتها
بناتِ حصانٍ قد تُعُولِمُ (مُنْجبِ)
وكُمْتًا مُدَمَّاةً، كأنَّ متونها
جرى فوقها واستشعرت لونُ مُذْهَبِ

 

وأما نص الراجز حفص الأموي مولاهم، فهو قوله في أرجوزة ارتجزها ارتجازًا:

إن الجواد السابقَ، الإمامُ
خليفة الله الرِّضَى الهُمامُ
أنجبَه السوابقُ الكرامُ
من مُنْجِبات ما لَهَنُّ[8] ذامُ

 

وهذا الرجز، ذكره ياقوت في ترجمة حفص هذا في معجم الأدباء[9]، في خبر يتحدث فيه راويه، وياقوت ناقلٌ عنه، عن حلبة زُعِمَ أن هشام بن عبدالملك أجرى فيها بين يديه أربعة آلاف فرس، وهو ينظر إليها تدور، وبينها فرس له، وجعل الناس يتراءَوْنها، حتى أقبل فرسه كأنَّه ريح لا يتعلق به شيء، حتى دخل سابقًا، وأخذ القصبة، ثم جاءت الخيل بعده أفذاذًا وأفواجًا، فوثب الرُّجاز يرتجزون من فورِهم، بعضُهم في مدح الخليفة وفرسه كما فعل حفص، وبعضهم يرتجز في مدح غيره كما فعل غيره على ما جاء في الخبر، وهو في جملته وتفصيله مصنوع مفتَعَل، وفيه إحالة ظاهرة، فإن إجراء أربعة آلاف فرس أمر غير معقول، وهبْها يتَّسِع لها الطريق والميدان، فكيف تسلم من أن يحطِم بعضها بعضًا؟ وهَبْها تسلم من أن يحطم بعضها بعضًا، فكيف استبين فرس الخليفة من بينها في عجاجتِها؟ ولم كان وحدَه من بين أربعة آلاف فرس الرِّيح، لا يتعلق به شيء؟ فهل كانت تلك الأفراس كَوادِنَ، وكان هو وحده الجواد؟ ثم بعد هذا كيف يُعقَل أن يتجاوز الرُّجَّاز (غير حفص) الخليفة بالمدح، وفرسه هو السابق، وهو - أعني الخليفة - موضع رجائهم في نيل جوائز؟


أقول هذا ومعي المنطق المعقول، لِأخلُص إلى رفض هذا الرَّجز من حيث هو مصنوع وموضوع، على أنني أدَع هذا النقد الداخلي كُلَّه، وأقرر أن هذا الرَّجز مسُوق في قصص في كتاب أخبار وتراجم، وليس في كتاب لغة محقَّق معتمد، ومثله يحتمل وضع كلمة فيه موضع أخرى، فلِمَ لا تكون (أنجبه) هذه في الأصل (نَجلَهُ)، فبدَّلها الرَّاوية أو الناقل أو الناسخ، والوزن قابل لها؟ وحفص الأموي راجز معروف عند علماء اللغة، يستظهرون برجزه في دواوينهم الكبار، وفي "لسان العرب" وغيره أشياء من رجزه استشهد بها في مواد (دخ)، و(جلخ)، و(طلخ)، و(لخ)، و(أخ)، وغيرها مما لم يُسْعِفْني الوقت لتقصيه، فلا جرم أنهم ما كانوا ليغفُلوا عن هذا الرجز الذي فيه (أنجبه) لو صحت عندهم روايته، ليؤكدوا به وجهًا جديدًا لاستعماله، وهذا الأمر - أعني وضع كلمة موضع أخرى - كثيرٌ، وفي هذا الخبر في "معجم الأدباء" حرِّف اسم فرس الخليفة، واسمه (الذائد) فصُيِّرَ (الزابد) في موضعين منه، في نثره وفي رجزه، وليس في خيل العرب فرس اسمه (الزابد) على وجه التحقيق، فهذا مثل ذاك.


وألحق بهذين النصين كلامًا قرأته في كتاب أنساب الخيل لابن الكلبي في كلامه على (الصغا) أو (الصفا) - كذا ولم يحرر فيه - وهو فرس مُجاشع بن مسعود السُّلَمِي، وقد جاء فيه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اشترى هذه الفرس[10] بعشرة آلاف درهم، ثُمَّ غزا مجاشع، فقال عمر: تُحبَس منه بالمدينة، وصاحبُها في نحر العدو، وهو إليها أحوجُ، فردَّها إليه، (فأنجَبتْ عنده ولده)، حتى بعث الحَجَّاج بن يوسف، فأخذها بعينها - كذا - وهذا خبر غريب في نفسه؛ لاستحالة أن يشتري عمر فرسًا بهذا المال الكثير ليرتبطها، ولاستحالة أخرى أبلغ في البطلان، وهي أن يعيش الفرس ويعيش ولدها إلى زمن الحجاج بن يوسف!


ولندع هذا، ونقف عند عبارة: (أنجبت عنده ولده)، فإن احتمال زيادة (ولده) فيه من النساخ، غيرُ بعيدٍ، وورودُها على هذا النحو، مُجافٍ لمُدْرَك الباب وأمثلته؛ أعني: (باب همزة الإتيان)، ولا يمكن أن تَنْزِعَ إليه السليقة العربية الموروثة في العصور الأولى.


بعد هذا التحقيق، أسوق أمثلة مما انزلق إليه بعض المُوَلَّدين وبعض المعاصرين في نقل هذا الفعل عن جهة صوابه، ليكون الدارسُ على بيِّنة مما يراه، ويحضُرُني من كلام المولَّدين مثالان:

أحدهما: كتب به شبل الدولة مقاتل[11] بن عطية الله البكري من شعراء (خريدة القصر)[12]؛ أي: المائة السادسة الهجرية، وهو في وفَيات الأعيان[13]، وإنباه الرواة[14] أيضًا - إلى جار الله الزمخشري، قال:

هذا أديبٌ كاملٌ
مثلُ الدَّرارِي دُرَرُهْ
زمخشريٌّ فاضلٌ
(أنجبَه) زمخشَرُهْ
كالبحرِ إن لم أرَهُ
فقد أتاني خبرُهْ

 

والمثال الآخر، أصبته في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد[15]، قال: "واحتذيت أنا حذوَ أبي نصر بن نباتة، فقلت لأبي المظفر هبة الله بن موسى الموسوي:

أمُّك الدرةُ التي (أنْجَبَت) من
جوهرِ المجد راضيًا مرضيَّا

 

ومن كلام المعاصرين قول الأمير شكيب أرسلان في "أناتول فرنس"[16]: "إن هذا الهازل العظيم كلما توغَّل في حب الطبيعة وعشق الإنسانية، تقرَّبَ إلى المسائل الاجتماعية، (أنجبه الشَّعبُ)، فأراد أن يبقى من الشعب"، وقوله فيه أيضًا[17]: "فهو عندي أعظم عبقري (أنجبته فرنسة)"، وقال في ملحق الجزء الأول من تاريخ ابن خلدون: "(أنجبت إفريقية الإسلامية اجتماعيًّا) من الطبقة الأولى في شخص ابن خلدون"، وقال في (أحمد شوقي)[18]: "وجدير بالشاعر الذي (أنجبه هذا الوادي) أن يكون له منه خطاب شهير"، وهذا كله مجافٍ للصواب.


ومما جاء منه في شعر المعاصرين، قول معروف الرصافي في بعض شعره الاستنهاضي في إبَّان شبابه، وهو يخاطب بغداد:

أراك عقمتِ لا تلدين حُرّا
فهلاَّ (تنجبين فتًى أغرّا)
وكنتِ لمثله أزكى ولودِ

 

أراد: فهلاَّ تلدين؟ ولو قال: "تنجلين، أو: تنسلين"، لحالَفه التوفيق، ولزم السليقة الأصيلة.

 


[1] عيون الأخبار 4/3.

[2] أنساب الخيل، لابن الكلبي 83.

[3] أنساب الخيل 83.

[4] الكامل 6/195.

[5] ذيل العبر، طبعة وزارة الثقافة الكويتية، بتحقيق الأستاذ رشاد عبدالمطلب.

[6] الغراب، ومذهب، ومكتوم، وأعوج: من فحول خيل العرب قبل الإسلام، والمغرب الذي ابيضت مشافره وحناجره وبطنه.

[7] قال ياقوت: "قال أبو زياد: في بلاد العرب بلدان كثيرة تسمى الأعراف، منها: أعراف لبنى، وأعراف غمرة، واستشهد بشعر طفيل هذا".

[8] كذا في معجم الأدباء، والظاهر: ما بهن.

[9] معجم الأدباء 10/209-204ط، أحمد فريد رفاعي.

[10] العرب تقول: هذه الفرس.

[11] في الجزء الرابع من قسم شعراء العراق، مخطوط بتحقيقي [نُشِر من بعد].

[12] في إنباه الرواة: "مقبل"، وهو تحريف.

[13] جـ2/ 114 ط، الميمنية بمصر 1310هـ.

[14] في ترجمة الزمخشري 3/271.

[15] 1/374.

[16] كتاب أناتول فرانس في مباذله 38.

[17] ص158.

[18] كتاب شوقي أو صداقة أربعين سنة، ص334.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المعاجم الحديثة بين الفن والصناعة
  • كيف تستدرك الفصاح في المعاجم الحديثة (2)
  • كيف تستدرك الفصاح في المعاجم الحديثة (3)
  • الألفاظ الحضارية ودلالاتها وأمثلة منها ( القرسطون أو القارسطون )

مختارات من الشبكة

  • "كيف حالك" في كلام الفصحاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كيف تختار المرأة زوجها وكيف يختارها؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف أعرف نمط شخصية طفلي؟ وكيف أتعامل معها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تبدأ الأمور وكيف ننجزها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تنظر إلى ذاتك وكيف تزيد ثقتك بنفسك؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (3) صفات السن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (2) الأساليب الخاطئة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فلنتعلم كيف ندعو الله وكيف نسأله(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب