الطلبات العارضة في فقه التقاضي

فقه التقاضي

الحلقة الرابعة والأربعون

الطلبات العارضة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصَحْبه، ومَن اهتَدى بهداه.

أمَّا بعدُ:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله مستمعي الأفاضل في برنامجكم "فقه التقاضي"، وقد ذكَرت في حلقات مضَت جملة مما تضمَّنه نظام المرافعات السعودي الصادرُ عام 1421هـ، مما له علاقة بنظر الدعوى، وكان من آخر ذلك إبرازُ أهمِّ ما تضمَّنه الباب السادس الذي جعَل عنوانه: (الدفوع والإدخال، والتدخُّل والطلبات العارضة)، وقد مضى بيان المراد بدَفْع الدعوى، وأنه إيراد المدعى عليه إفادة تكون مؤثِّرة في الدعوى، كما لو دفَع المدَّعى عليه بعدم اختصاص المحكمة أساسًا بنظر الدعوى ونحو ذلك، وأمَّا الإدخال في الدعاوى، فهو أن يطلب الخَصم دخول طرف ثالثٍ في القضية؛ لكونه صاحبَ علاقة بالدعوى المنظورة، وقد يكون الإدخال بطلب من المحكمة دون طلب أحدِ الخصوم، وذلك في حالات محدَّدة نصَّ عليها النظام.

وأمَّا التدخُّل في الدعوى، فهو دخول خَصمٍ جديد في القضيَّة من تلقاء نفسه؛ للدفاع عن مصلحة له فيها، دون أن يكون طرفًا من أطرافها الأصليين.

وفي هذه الحلقة أُعرِّج على ما تضمَّنه الفصل الثالث من الباب السادس من نظام المرافعات، حول الطلبات العارضة التي يقدِّمها الخَصمان أو أحدهما خلال نظر القضيَّة، مبيِّنًا أثرَها وموقف المحكمة منها.

ويُمكن إيضاح المراد بالطلبات العارضة بأنها الطلبات التي تُقدَّم أثناء سير الدعوى، وقد يكون لها أثرٌ في أصل الدعوى؛ إمَّا بالتغيير أو بالزيادة، أو بالنقص في ذات الخصومة القائمة من جهة موضوعها، أو سببها أو أطرافها، وسيَرد صور من الطلبات العارضة التي يُقدِّمها المدعي أو المدعى عليه.

ويُشترط لقَبول الطلب العارض أن يُقدِّم قبل إقفال باب المرافعة، وأن يكون مرتبطًا بالدعوى الأصلية في الموضوع أو السبب، وتقدير ارتباط الطلب العارض بالدعوى الأصلية من اختصاص ناظر القضيَّة.

جاء في المادة الثامنة والسبعين من نظام المرافعات:

(تُقدَّم الطلبات العارضة - من المدَّعي أو المدَّعى عليه - بصحيفة تُبَلَّغ للخصوم قبل يوم الجلسة، أو بطلبٍ يُقدَّم شفاهًا في الجلسة في حضور الخَصم، ويُثبَت في محضرها، ولا تُقبل الطلبات العارضة بعد إقفال باب المرافعة).

وفي المادة التاسعة والسبعين بيان الطلبات العارضة التي يُمكن أن يُقدِّمها المدَّعي، ونصُّها:

(للمدَّعي أن يُقدِّم من الطلبات العارضة ما يأتي:

أ- ما يتضمَّن تصحيح الطلب الأصلي، أو تعديل موضوعه؛ لمواجهة ظروف طرَأت أو تبيَّنت بعد رَفْع الدعوى.

ب- ما يكون مُكمِّلاً للطلب الأصلي، أو مترتبًا عليه، أو متَّصلاً به اتصالاً لا يَقبل التَّجزئة.

جـ- ما يتضمَّن إضافة أو تغييرًا في سبب الدعوى، مع إبقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله.

د- طلب الأمر بإجراء تحفُّظي أو وقتي.

هـ- ما تأْذَن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطًا بالطلب الأصلي).

وبيَّنت اللائحة التنفيذية للمادة أنه إذا تبيَّن لأحد الخَصمين؛ من أقوال خَصمه، أو الشهود، أو تقرير الخُبراء ونحوهم - ما يؤيِّد دعواه بسببٍ آخرَ غير السبب الذي ذكَره، فله إضافته بطلب عارض، وله تعديل سببِ استحقاقه في الموضوع، وله تعديل موضوع الطلب الأصلي للسبب الذي حدَّده في دعواه الأصلية.

وأنه إذا طالَب المدَّعي ببيان قدر استحقاقه من شيء، فظهَر له قدرُه أثناء المرافعة - فله تعديل موضوع دعواه بالمطالبة بتسليمه ذلك الاستحقاقَ، كما لو ادَّعى مطالبًا بنصيبه من الإرث، ولا يَعلم مقداره، ثم تبيَّن له المقدار الذي يخصُّه من الإرث، فله أن يُحدِّد دعواه في المقدار الذي تبيَّن له، ويدَّعي استحقاقه إيَّاه.

وكذا لو طالَب المدعي بتسليم العين، وظهَر له تَلَفُها، فله تصحيح دعواه بالمطالبة بثمنها أو بدلها.

وكذا لو طالَب المدَّعي بمنْع التعرُّض للحيازة، وقبل الحُكمِ فيها شرَع المدَّعى عليه في بناء أو زرعٍ ونحوهما، فللمدَّعي تعديل دعواه إلى طلب وَقْف الأعمال الجديدة، أو إلى طلب ردِّ الحيازة.

وكذا إذا ادَّعى بطلب دَيْن، فتبيَّن له أنَّ المدَّعى عليه قد مات، فللمدعي تصحيح دعواه بمطالبة ورَثة المدَّعى عليه.

وإذا ظهَر للمدعي أن ما يستحقُّه أقلُّ مما ذكَره في صحيفة دعواه، فله طلب الاقتصار عليه، وتعديل طلبه الأصلي.

وكذا لو طالَب المدَّعي بأُجرة ومضَى على نظر الدعوى مدَّة يستحقُّ فيها أُجرة - جازَ له ضمُّها إلى الأُجرة المطلوبة في الدعوى الأصلية، باعتبار ذلك تكميلاً للطلب الأصلي.

وبيَّنت المادة الثمانون الطلبات العارضة التي يُمكن تقديمُها من قِبَل المدَّعى عليه، ونصُّها: (للمدَّعى عليه أن يُقدِّم من الطلبات العارضة ما يأتي:

أ- طلب المقاصة القضائيَّة.

ب- طلب الحكم له بتعويض عن ضررٍ لَحِقه من الدعوى الأصلية، أو من إجراءٍ فيها.

جـ- أيُّ طلب يترتب على إجابته ألاَّ يُحكمَ للمدَّعي بطلباته كلِّها أو بعضها، أو أن يُحكمَ له بها مقيَّدة بقيْدٍ لمصلحة المدَّعى عليه.

د- أيُّ طلب يكون متَّصلاً بالدعوى الأصلية اتصالاً لا يَقبل التجزئة.

هـ- ما تَأْذَن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطًا بالدعوى الأصلية).

وأوضَحت اللائحة التنفيذية للمادة أنه يَجوز للمدَّعى عليه المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لَحِقه من الدعوى، ولا يستحقُّه إلاَّ في حال ثبوت كَذبِ المدَّعي في دعواه.

وأنَّ للمحكمة قبولَ أيِّ طلبٍ عارضٍ تَأْذَن بتقديمه، مما لا يكون متَّفقًا مع موضوع الدعوى، أو سببها، لكن له ارتباطٌ بهما، كما لو طالَب المدَّعي أجيره بكَشْف حساب، فطالَب الأجير بأُجرته أو نحو ذلك.

كما بيَّنت أنه يُشترط لطلب المقاصة القضائيَّة الآتي:

أ- أن يكون لكلٍّ من طرفي المقاصة دَينٌ للآخر في ذِمَّته، لا لغيره ولا في ذِمَّة مَن هو نائبٌ عنه.

ب- أن يكون الدَّينان متماثلين؛ جنسًا وصفةً.

ج- أن يكون الدَّينان متساويين - حلولاً وتأجيلاً - فلا يُقاصُّ دَينٌ حالٌّ بمؤجَّل.

وأمَّا المادة الحادية والثمانون، فقد بيَّنت أنَّ على المحكمة أن: (تَحكم في موضوع الطلبات العارضة مع الدعوى الأصلية كلما أمكَن ذلك، وإلاَّ استبَقت الطلب العارض للحكم فيه بعد تحقيقه)؛ أي: إنه في حال إمكان الحكم في موضوع الطلبات العارضة مع الحكم في الدعوى الأصلية، فإن المحكمة تَعمد إلى ذلك؛ كي تنهي القضية كاملة، وأمَّا إذا تبيَّن عدم إمكان ذلك لاحتياجه إلى مزيدٍ من التحرِّي وطلب البيِّنات، أو لتوقُّف الحكم فيه على نفاذ الحكم في الدعوى الأصلية، ونحو ذلك، فإن المحكمة تؤجِّل البتَّ في الطلب العارض إلى وقتٍ لاحقٍ.

مستمعي الأفاضل، كانت هذه لمحة حول الطلبات العارضة التي يَعِنُّ للمدَّعي أو المدَّعى عليه أن يقدِّمها خلال نظر الدعوى الأصلية، مما له علاقة بأصل الدعوى، وفي الموضوع تفصيلات لا يسمح الوقت بالإفاضة فيها.

وإلى لقاء قادمٍ - بإذن الله تعالى - أبدأُ فيه الحديث عمَّا تضمَّنه الباب السابع من نظام المرافعات حول وَقْف الخصومة وانقطاعها وتَرْكها.

أسأل الله تعالى أن يُمِدَّني وإيَّاكم بعونه وتوفيقه، والحمد لله ربِّ العالمين.

المرجع:

• نظام المرافعات ولائحته.