• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة الفاتحة (22)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/4/2011 ميلادي - 24/5/1432 هجري

الزيارات: 13079

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أربع هدايات يطلبها المؤمن:

وفي إرشاد الله لعباده بالضراعة المتكررة إليه أن يهديهم الصراط المستقيم رد سرمدي قاطع قامع لكل غوي يريد إبعاد الناس عن دين الحق وصرفهم إلى المبادئ والمذاهب العصرية، أو يريد تلاقي المسلمين باليهود والنصارى وصنوف الملاحدة المشركين، زاعماً في تضليله أن الناس كلهم عباد الله، وكلهم سالك إليه سبيلاً من الطرق، والغاية واحدة!! كما يزعمه بعض الدكاترة الذين أبرزتهم الثقافة الماسونية ورشحتهم للقيادة الفكرية؛ لأن الغاية الصحيحة إلى الله لا تنال إلا من طريق واحد وهو صراط الله المستنير سبيله بوحيه المبارك، وما عداه ضلال وفرقة كما قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153] أي: لعلكم تأخذون لأنفسكم وقاية من الضلال والمهالك التي تجعلكم في فرقة وشقاق بعيد، وتجعل مجتمعكم طافحاً بأنواع الشرور من الفوضى ومفاسد الأخلاق والأنانية المسعورة التي تذهب بأمن الحياة وخيرها، كما هو حاصل في هذا الزمان لمن سلك غير صراط الله، ولو كان كل طريق يوصل صاحبه إلى الله لما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب إلى أقوام صرحوا عن تعلقهم بالأصنام الصامتة والناطقة بقولهم: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3].

 

فإذا كان هذا قصدهم فكيف يرسل الله إليهم الرسل بالكتاب والسيف، ويبيح دماءهم وأموالهم ونساءهم؟ فهذه الأكذوبة القبيحة مفضوحة بوحي الله لمن تدبره، ولكنها راجت على من أعرض عن ذكر الله، واتبع همزات شياطين الإنس من اليهود ومقلديهم.

 

وأيضاً: ففي هذه الآية الكريمة رد على كل مبتدع من أي بدعة كانت في سائر الشئون السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها، فالمفضل للكافر من جنسيته على المسلم من غير جنسيته بالرفد والولاء فهو شارد عن عبودية الله، سالك غير صراطه المستقيم، مفضل صراط المغضوب عليهم والضالين على سبيل عباد الله المؤمنين، وكذلك المتلقي ثقافة مخالفة لوحي الله فهو من هذا النوع، والسالك في الشئون الاقتصادية سبيلاً مخالفاً لحكم الله فهو من هذا القبيل، والمبتدع في الشئون الاجتماعية إباحة ما حرمه الله من التبرج والاختلاط والسكر أو الزنا أو سائر أنواع الفواحش بحجة التطور والمدنية أو بحجة مسايرة الزمن وإرضاء الأقليات غير المسلمة... وما إلى ذلك من كل مبتدع في الدين، فإن جميع هؤلاء يلتحقون بالمغضوب عليهم وبالضالين؛ لاختيارهم سبلاً غير صراط الله الواجب اتباعه وتكرار الضراعة إلى الله بالهداية إليه.

 

والهداية في اللغة: الدلالة بلطف على ما يوصل إلى المقصود، وقد لطف الله بالإنسان فمنحه أربع هدايات يحصل بها على سعادته:

 

أحدها: الهداية الطبيعية بالإلهام الفطري، وتحصل هذه منذ الطفولة.

 

ثانيها: هداية الحواس والمشاعر، وهي متممة للهداية الفطرية،وعامة للإنسان والحيوان، وهي التي قال الله عنها: ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].

 

ثالثها: هداية العقل؛ لأن الهدايتين السابقتين لا تكفيان لحياة الإنسان الاجتماعية، فأمده الله بالعقل الذي يميز به بين الأشياء، ويتميز به على جميع المخلوقات سواه؛ لأن العقل يكون مصححاً لغلط الحواس والمشاعر بل يكون مانعاً وحاجز من ذلك؛ ولهذا حرم الله الجناية على العقل بشرب أي مسكر أو مخدر، وشرع فيه العقوبات الرادعة.

 

رابعها: هداية الدين ولا بد منها أبداً لبني الإنسان، إذ لا يكتفى بالهدايات السابقة عنها وهي لا تدرك بالعقل ولا بالحواس؛ بل قد يهمل الإنسان عقله واستعمال حواسه عند ثورة شهوته والشغف بنيل مآربه وأنانيته، فلا حاجز له ولا رادع إلا الهداية الدينية؛ فلذا كان الإنسان أحوج إليها من طعامه وشرابه؛ لأنه بدون الهداية الدينية توقعه أحاسيسه ومشاعره في مزالق الخطأ والرذيلة، بل تستعبده الشهوات والمطامع والأهواء التي لا حد لها، بل قد تجعله يتطاول إلى ما في يد غيره ويتطلع إلى أعراض غيره؛ فيحصل للناس من هذه النزوات ما يكدر صفو عيشهم من التنازع والتخاذل والتقاطع والتجادل والتلصص والانتهاب وقتل النفوس، مما يسبب مجازر بشرية، وخراباً ودماراً على البلاد.

 

فلذلك كانت حاجتهم إلى الهداية المرشدة للخير والمنورة لهم في أوساط ظلمات أهوائهم التي تغلب على عقولهم حتى تجعلها في سكر معنوي أفظع وأبطأ من كل سكر حسي، وهذه الهداية هي التي نبه الله عليها بقوله: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10] وقوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90] ولهذا كانت هذه الهداية هي أكبر نعمة من الله على عباده من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهنا فوائد:

 

الأولى: قد قرأ الأكثرون: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ ﴾ بالصاد المهملة، وقرأ بعضهم بالسين، وبعضهم بالزاي، وبإشمام الزاي، ولعل هذا الخلاف ناشئ من اتفاق هذه الحروف الثلاثة في صفة (الصفير) لا سيما الصاد والسين، لكن من قرأ بالسين فلكون أصل (الصراط) بالسين من (السرط) وهو: اللقم؛ ولذلك يسمى الطريق: لقماً؛ لأنه يبتلعه أو كأنه سالكه، ومسترط الطعام ممره، وهو في العرف الشرعي: الصراط المستقيم الوسط، المستقيم بين طرفي الإفراط والتفريط في كل الأخلاق والأعمال والسلوك.

 

الفائدة الثانية: إطلاق طلب الهداية يقتضي عموم جميع أنواع الهداية في جميع نواحي الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية؛ لأن الإنسان قد يزل وترد عليه الخواطر الفاسدة في كل شأن من هذه الشئون مهما كان متديناً مراقباً لله، فكيف مع الغفلة؟! فعباد الله مأمورون أن يسألوه الهداية إلى صراطه المستقيم في جميع شئون حياتهم، ليثبتهم على دينه ويديمهم عليه، ويعطيهم زيادات الهداية التي هي من بعض أسباب الثبات وأن يحرسهم عن استغواء الغواة، واستهواء الشهوات، ويعصمهم من الشبهات، فيزيدهم استنجاحاً لما وعدهم بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ﴾ [محمد: 17]، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11] فيعلمهم العلم الحقيقي المنور لقلوبهم والمسبب لهم الخلاص من كل ضلال وغضب، ويوفقهم للجنة بسلوك طريق المنعم عليهم الذين يورثهم الله إياها.

 

الفائدة الثالثة: قد يتساءل البعض فيقول: كيف يأمرنا الله باتباع صراط من تقدمنا من النبيين، وفي ديننا أحكام وإرشادات لم تكن عندهم قد كملت بها شريعتنا وصارت أصلح لزماننا من شريعتهم؟ والجواب: أن القرآن صرح بأن دين الله واحد لجميع من سبقنا من الأمم وأن الخلاف في الفروع التي تختلف باختلاف الأزمنة، وأما الأصول فمتحدة لا خلاف فيها، كما قال - تعالى - في سورة الشورى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13] فالإيمان بالله واليوم الآخر وفعل الخيرات وترك القبائح أمر متفق عليه كالوصايا العشر المذكورة في قوله تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 151] من سورة الأنعام، يشترك فيها دين جميع الرسل، وقد أمرنا الله بالتفكر فيما كانوا عليه، والاعتبار بما صاروا إليه؛ لنقتدي بهم في القيام بأصول الدين، وأما تفصيل الأحكام فقد اختصت شريعتنا فيه بأوفر نصيب.

 

الفائدة الرابعة: إطلاق الاستعانة بالله ليتناول كل مستعان فيه؛ لأن حذف المتعلق يدل على العموم كما أن في ذلك سراً آخر متضمناً لنفي الحول والقوة عن نفس العبد المستعين، والانقطاع بالكلية إلى الله عما سواه، فهو أولى بمقام العبادة،وأيضاً فإن طرق الضلالات التي يستعاذ منها وتستثنى بغير المغضوب عليهم ولا الضالين كثيرة لا نهاية لها وباستعانة المرء بربه يتخلص من مهالكها.

 

الفائدة الخامسة: يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول في ختامها: (آمين)، يعني: اللهم استجب، وليست آية منها ولا من القرآن قطعاً وقيل معناها: (أو كذلك فليكن أو كذلك فافعل) ويستحب الجهر بها في الصلاة لما رواه البخاري في صحيحه باب (111) جهر الإمام بالتأمين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه))[1] ورواه مسلم في كتاب الصلاة حديث أبي موسى الأشعري وآخره: (( فقولوا آمين يؤمنكم الله)) وروى الترمذي وأبو داود والإمام أحمد في التأمين أحاديث حسنة[2].

 

الفائدة السادسة: صراط الله المستقيم يوجب على أهله المؤمنين به مخالفة أصحاب الجحيم من كل كافر ومنافق سلك خلافه من سبل الشياطين، فإن الذي يصدق الله في أن صراطه مستقيماً لابد له من سلوكه، وسلوكه الصحيح يقتضي مخالفة السالكين سواه وعدم الموافقة لهم أو التشبه بهم أو الالتقاء معهم في أي مسلك أو مبدأ أو مذهب؛ لأن من لم يخالفهم يكون مستحسناً لشيء من خططهم، أو في قلبه ميل إليهم، وبقدر ما يستحسن من خططهم وأذواقهم أو يلتقي معهم في أخلاقهم وعاداتهم فيقلدهم في أزيائهم أو أخلاقهم أو أعيادهم، يبتعد عن صراط الله على حسب ذلك، ويدخل إلى قلوبهم السرور بذلك عكس ما يطلبه الله منه.

 

أما محبتهم أو محبة بعضهم بحجة وطنية أو عصبية فهي شرود عن صراط الله بالكلية، وهدم للدين، خصوصاً إذا انتقص المسلمين الذين ليسوا من جنسه أو وطنه أو فضل الكفار عليهم لأجل ذلك كما هو الركن الأصيل الذي ركزته الماسونية اليهودية لأهل المبادئ العصبية والوطنية، فمشابهة الكفار أو الالتقاء معهم في أي مذهب وسلوك عن قصد ورغبة مخالف لسلوك صراط الله، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وجد عند الأنصار أعياداً قومية يتذكرون فيها أيامهم التي يعتزون بها فقال لهم صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أبدلكم عنها بعيدين؛ عيد الفطر وعيد الأضحى))[3] كل هذا من حمايته صلى الله عليه وسلم لجانب التوحيد بإبعاد أمته عن كل ملاقاة مع عوائد الجاهلية.

 

وكم أحدث المسلمون والمحسوبون على الإسلام أعياداً بدعية باسم الدين، كعيد مولد النبي، وعيد مولد الولي، أو كالأعياد القومية من عيد نهضة وجلاء واستقلال، وغير ذلك مما لا يجوز تسميته عيداً، ولا البروز بشيء فيه مخالف لغيره من الأيام؛ لأن في هذا مشابهة وتقليداً، بل والتقاء مع الكفار المبتعدين عن صراط الله بل نهى صلى الله عليه وسلم عن الذبح في موقع تتخذه الكفار عيداً، ونهى عن بناء القبر وتشييده أو إسراجه أو الصلاة إليه أو في المقبرة، ونهى عن بناء المساجد على القبور، أوعن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة .. إلى غير ذلك، سداً لأبواب الشرك، وحماية لجانب التوحيد، حتى إنه نهى عن دعاء الله عند قبر رجل صالح، والبحث في هذا مطول جداً، فعليك أيها القارئ لهذا الموجز بالرجوع إلى كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) للشيخ ابن تيمية إن كنت راغباً في المزيد.

 

الفائدة السابعة: فيما اشتملت عليه سورة الفاتحة المباركة إجمالاً: فقد اشتملت على توحيد الربوبية، وأن الله يستحق جميع المحامد من العالمين؛ لأنه رباهم بنعمه الظاهرة والباطنة، وفي هذا رد على كل الملاحدة والفلاسفة قديماً وحديثاً ممن ينكر الله أو ينكر تأثيره في الأكوان والكائنات، واشتملت على توحيد الصفات التي لا يماثلها شيء، وفي ذلك رد على أهل الكلام والمبتدعين التابعين لهم في إنكار الصفات أو تأويلها بقياسهم الفاسد لصفات الخالق على صفات المخلوق - كما سنوضحه إن شاء الله.

 

وإن اسم الله تنبثق منه جميع الأسماء الحسنى التي يجب على البشر أن يعاملوه بمدلولاتها العظيمة القويمة، ثم اشتملت على تركيز الإيمان بالغيب والحشر والجزاء في يوم لا ريب فيه، كما اشتملت على توحيد الألوهية الذي هو توحيد العبادة الذي جاءت الرسل ونزلت الكتب من عند الله لأجله، واشتملت على تقرير القضاء والقدر وأنه من الله، فالأمر بيده، والهداية بيده، والاستعانة محصورة به ومنه – جل وعلا -، كما اشتملت على تقرير النبوات بحصر الهداية على الله ومن وحي الله، وكون صراطه وحده هو الصحيح المستقيم، وما عداه فهي سبل الشياطين الذين وصفهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث صراط الله الذي خط فيه لأمته الصراط، ولهذا اشتملت هذه السورة المباركة على تعليم الله لنا تكرار الضراعة إليه بتجديد العهد المؤكد معه على حصر العبودية له والاستعانة به والتوكل عليه، وعلى سؤاله الهداية إلى صراطه دائماً، فكان نظم هذه السورة في غاية البداعة والجمال، ذلك أن العاقل بالبصيرة القلبية يعرف نعم الله التي أسبغها عليه وجعلها أعدل شاهد له، فيبتدئ بالبسملة له تبركاً باسم ربه واسترواحاً واطمئناناً لذكره، ثم ينتقل إلى حمده وشكره اعترافاً بنعمه وفضله، فيقول: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ ويرى نعمه مبسوطة على خلقه واضحة آثارها شاهدة بربوبيته عليهم أجمعين فيقول: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ثم يرى شمول فضله ورأفته بالمربوبين وسعة رحمته ولطفه فيقول: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ ويرى تقصير الناس في شكره بعصيانهم لأوامره وافتئاتهم على حدوده مع عدم معاجلتهم بالعذاب مع ما يرى من ظلمهم بعضهم البعض، فيعلم أن هناك يوماً يعاقبهم الله فيه على العصيان والتفريط، وينتصف فيه من بعضهم لبعض؛ لتحقيق رحمته وعدله وفضله فيقول: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ولقوة خشيته من الخزي في ذلك اليوم وطمعه بالفوز فيه يكرر العهد مع ربه بصدق وإخلاص ضارعا بـ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ معتمداً على ربه بإعانته على أداء واجبه الثقيل، وتتمثل له شئون حياته ومطالبه المتجددة التي لا يضبطها إلا عصمة ربه وهدايته له فيقول: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ سائلاً ربه التوفيق له والثبات عليه ليجعله من عباده الذين اصطفاهم لقربه بحمل رسالته والجهاد في سبيله؛ وليبعده عن طرائق أهل الغضب والضلال، ويرزقه اجتنابهم فيقول: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ ملتزماً الصدق في ذلك بمخالفتهم في كل شيء وعدم الالتقاء معهم في أي شيء، فلا عجب إذا سميت هذه السورة بأم القرآن، فإنها اشتملت على أصول التوحيد والعبودية الصحيحة الصادقة التي علمها الله عباده بكرمه وفضله، وقد اشتملت هذه السورة المباركة على أحد عشر نوعاً من أنواع الفصاحة والبلاغة:

 

أحدها: حسن الافتتاح وبراعة الاستهلال بابتدائها ببسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، فإن الثناء عليه بما هو أهله ووصفه بالصفات العليا من أحسن ما يفتتح به الكلام.

 

ثانيها: المبالغة في الثناء لعموم (ال) في (الحمد) التي هي لاستغراق جميع المحامد.

 

ثالثها: تلوين الخطاب فإنه ذكر (الحمد) بصيغة الخبر ومعناه الأمر.

 

رابعها: الاختصاص باللام في (الله) لاقتضائها أن جميع المحامد مختصة به وصائرة إليه سبحانه.

 

خامسها: الحذف، وهو حذف المتعلق في ﴿ اهْدِنَا ﴾ وغيره، وهو للإشعار بالتعميم كما تقدم.

 

سادسها: التقديم والتأخير في قوله: نعبد، ونستعين والمغضوب عليهم، ولا الضالين ليقوى بذلك التناسب.

 

سابعها: التفسير أو التصريح بعد الإبهام وذلك في بدل: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ ﴾ من ﴿ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.

 

ثامنها: الالتفات وهو في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ كما سبق توضيح الحكمة من ذلك.

 

تاسعها: طلب الشيء بقصد دوامه لا قصد حصوله.

 

عاشرها: سرد الصفات لبيان خصوصية في الموصوف أو مدح أو ذم، وذلك في قوله: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ إلى آخرها.

 

حادي عشرها: التسجيع، ففي هذه السورة المباركة من التسجيع المتوازي وفي اتفاق الكلمتين الأخيرتين في الوزن والروي بقوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) ﴾ وقوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) ﴾ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) ﴾ ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.

 

ثاني عشرها: براعة الختام.

 

فهذه من ضروب البلاغة التي يعلمنا الله إياها في السورة القصيرة.



[1] أخرجه البخاري برقم (780)، وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (410) كلاهما من حديث أبي هريرة به.

[2] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (404) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

[3] أخرجه أبو داود (1134), والنسائي (3/ 179) وعبد بن حميد (1392), والحاكم في المستدرك (1/ 434) كلهم من طرق عن حميد عن أنس مرفوعاً به.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الفاتحة (1)
  • تفسير سورة الفاتحة (2)
  • تفسير سورة الفاتحة (3)
  • تفسير سورة الفاتحة (4)
  • تفسير سورة الفاتحة (5)
  • تفسير سورة الفاتحة (6)
  • تفسير سورة الفاتحة (7)
  • تفسير سورة الفاتحة (8)
  • تفسير سورة الفاتحة (9)
  • تفسير سورة الفاتحة (10)
  • تفسير سورة الفاتحة (11)
  • تفسير سورة الفاتحة (12)
  • تفسير سورة الفاتحة (13)
  • تفسير سورة الفاتحة (14)
  • تفسير سورة الفاتحة (15)
  • تفسير سورة الفاتحة (16)
  • تفسير سورة الفاتحة (17)
  • تفسير سورة الفاتحة (18)
  • تفسير سورة الفاتحة (19)
  • تفسير سورة الفاتحة (20)
  • تفسير سورة الفاتحة (21)
  • تفسير سورة الفاتحة (23)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (1 : 16)
  • التبيان من تفسير كلام الرحمن - الفاتحة
  • تفسير سورة الفاتحة

مختارات من الشبكة

  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب