لم أعد أستطيع العيش مع زوجتي

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا أيها الابن الكريم على صَبرك وتحمُّلك لزوجتك طيلة هذه المدة، ونسأل الله العليَّ الأعلى أن يَشفيها شفاءً لا يُغادر سقمًا، وأن يُذهب عنها البأس، وما ذلك على الله بعزيز.

مَن تأمَّل رسالتك سلَّمك الله وما فصَّلته ثم عدتَ فأجملته في نقاطٍ مركَّزة، يُدرك إدراكًا تامًّا مدى خوفك من الوقوع في ظُلم زوجتِك، وحرصك على زوجتِك، فبيَّنت الصورة كاملة للمُستشار، فإن فاته شيء في التفصيل أدركه مختصرًا مركَّزًا في نقاط معدودات، وقد وُفِّقتَ إلى حدٍّ كبير في اختيار العبارات والصور الموحية، والتي بدورها تَستجيش وجدان وقلب كل مَن طالع رسالتك، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو المسؤول سبحانه أن يُلهمنا رشدَنا، وأن يُسدِّدنا ويَعصمنا مِن الزلل في تلك المضايق المظلمة.

صدِّقني أيها الابن الكريم أني لطالما أشفقتُ على نفسي ورحمتها مِن مثل هذه الاستشارات، وتقحُّم تلك المشكلات المستعصية، والتي يتوقَّف نبضُ الحياة فيها على كلمة! وأنا في كثير من الأحيان قد لا أجد كفاية من العبارات للتعبير عن المشاعر التي لا تَهدأ ولا تستقر مِن شدَّة الحيرة، غير أنه يجب على مَن تصدَّى لذلك العمل أن يُسرع الهروب من دهشه وذُعرِه، بكتابة ما يُمليه عليه ضميرُه وصحيحُ الدِّين، ولو كان كلامًا يؤسِّس لهدم بيتٍ!

جزاك الله خيرًا، فقد فتحت لنا روزنة ننفذ منها للحكم الصحيح، يجعلك تمضي في حياةٍ هانئةٍ ثابت الخطو، مطمئن الضمير، هادئ النفس، فقد ذكرت - سلَّمك الله - أنه لم تَعُدْ عندك رغبة في العيش مع زوجتك، ولا تشعر بالراحة منذ الزواج إلى يوم الناس هذا، وهذا بمفرده وبدون شكٍّ يجعل استمرار حياتكما الزوجية مُستحيلًا، ومُحاولة إمساك زوجتك على هذا الوضع محاوَلة فاشلة، والواقعُ خيرُ دليل في الأحوال المشابهة، ومِن ثمَّ فإن أية محاولة للصُّلح مع كل ما ذكرته إنما تُرجئ الطلاق وليستْ تمنعه، فالانفصالُ واقع لا محالة في يومٍ ما دامت الرغبة للحياة قد انقطعت!

أنا أقدِّر حرصَك على استقرار الحياة الزوجية، والعمل على استمرارها، لا سيما وأنَّ دينَنا الإسلامي العظيم أحاط هذه الرابطة بكل الضمانات التي تَكفُل دوامها وثباتها، ولكن هذا لا يمنع من وجود حالات يتعذر أو يستحيل معها الاستمرار؛ وذلك حينما يَخيب كل علاج بسبب فساد الحال بين الزوجين، فيُصبح إلزام الزوج بالحفاظ على زوجته مفسَدة محضَة، وضررًا مجردًا أكبر من الضرر المترتِّب على الطلاق؛ ولذلك كان مِن محاسن الشريعة الإسلامية أن شرع الله الطلاق كعلاجٍ أخير على كُرهٍ، فآخرُ الدواء الكي.

قال شيخ الإسلام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (5 / 219): "قد يكون الطلاقُ مِن أكبر النِّعَم التي يفكُّ بها المُطلِّق الغلَّ مِن عُنقِه، والقيد مِن رجله، فليس كل طلاق نقمة، بل مِن تمام نعمة الله على عباده أنْ مَكَّنَهُم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج، والتخلُّص ممن لا يُحبُّها ولا يلائمها، فلم يرَ للمتحابَّيْنِ مثل النكاح، ولا للمُتباغضَين مثل الطلاق، ثم كيف يكون نقمة والله تعالى يقول: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ [البقرة: 236]، ويقول: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]".

ولو أضفنا لما ذكرناه عدم قدرة زوجتك على الإنجاب لتناولها أدوية المرض النفسيِّ مِن جهة، ولمرض تكيُّس الكُلى من جهة أخرى، ولا يَخفى عليك أن طلب الولد مِن أهمِّ وأسمى مقاصد النِّكاح، كما صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود عن معقل بن يسار، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبتُ امرأةً ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوَّجها، قال: ((لا))، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوَّجوا الودود الولود؛ فإني مُكاثر بكم الأمم)).

وروى أحمد عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتُّل نهيًا شديدًا، ويقول: ((تزوَّجوا الودود الولود، إني مُكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)).

أسأل الله أن يُلهمكَ رشدَكَ ويُوفِّقكَ لفعل الحقِّ