• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / الشروحات العلمية
علامة باركود

شرح منظومة عقود الجمان في آداب حفظ القرآن(WORD)

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 18/9/2016 ميلادي - 15/12/1437 هجري

الزيارات: 43620

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

شرح منظومة

(عقود الجمان في آداب حفظ القرآن)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى، ما أجمل اللقاء بعد الفراق، وما أجمل أن يكون أول لقاء في حديث طيب مبارك عن القرآن وعن أهله، فأعظم ما يتواصى به المتواصون القيام بدعوة الله سبحانه وتعالى وبأمره، ومن أعظم ذلك الاعتصام بالكتاب والسنة، والاحتفاء بهما وبأهلهما، والتواصي على السير في هذه الطريق المباركة، ما أجمل أن يجتمع هذه الليلة ثلة من مناطق شتى بعدت بهم الدار، واجتمع بهم الهم؛ همّ نشر كتاب الله تعالى في العالمين، همّ الانتساب إلى أهل الله وخاصته، همّ حمل هذه الأمانة العظيمة وبثها في الناس، ما أجمل صحبة إن تفرقت اجتمعت على كتاب الله، تتواصى فيما بينها بذلك، ما أعظم أن نكون جميعاً من الخيرية الذين ذكرهم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يوم أن قال كما في حديث عثمان رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، هذه الخيرية التي يفرح بها المؤمن ليست بخيرية أهل الدنيا التي فيها يتنافسون وعليها يتنازعون ولأجلها يتقاتلون، بل هي الخيرية التي شهد بها رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا كان هذا بذاك المكان فإن أثر القرآن والالتفاف حوله يعظم إذا عظمت الفتن، واشتغل الناس بالقيل والقال، وتفرقت بهم الآراء، وتجارت بهم الأهواء، وأصبح كل ذي رأي معجب برأيه، إن أجر الالتفاف حول القرآن يعظم إذا رأيت الناس في دنياهم يتقاتلون، ولأجل عزها يتنافسون، فالتفت أنت إلى العز الذي لا يفنى، وإلى المجد الذي باركه ربنا سبحانه وتعالى، وشهد لأهله وحث عليه رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم عز (خيركم من تعلم القرآن علمه)، فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوما، وأن لا يجعل حولنا ولا بيننا ولا منا ولا فينا شقياً ولا محروما، اللهم قلوباً اجتمعت لذكرك، وأفئدة تآلفت عليك، اللهم فاجعل في اجتماعهم هذا الرحمة، وأنزل عليهم فيه السكينة، واذكرهم في ملأ خير ممن هم فيه..

 

قال الناظم الشيخ محمد ابن أبي الحسن رحمه الله تعالى في منظومته عقود الجُمان في آداب حفظ القرآن:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أغناني
وأعزني بتلاوة القرءان
ثم الصلاة على النبي المصطفى
خير البرايا من بني عدنان
هذا وبعد فهذه أطروحةٌ
شعرية تحكي عقود جمان
أعددتها لمن ابتغى آي الهدى
ونظمتها للطالب الولهان
أرجو إلهي أن يمن فتكتمل
هذي القصيدة في أتم بيان
يا طالباً سبل النجاة وراغباً
حفظ القرآن بلهفة وتفان
إني أسوق موضّحاً لك خطة
تبدو كمثل قلائد العِقْيَان
تقرأ بها القرآن سهلاً ليناً
تنجو بها من آفة النسيان

 

هذه المنظومة سماها ناظمها (عقود الجُمان في آداب حفظ القرآن)، أما عقود الجُمان فهي تسمية الشيخ الناظم رحمه الله كما في النظم، والجُمان هو اللؤلؤ، فكأنه يقول هذه قصيدة تنظم لك عقوداً من اللؤلؤ، وقد وصفها في البيت السابع بأنها قلائد العقيان، والعقيان الذهب، فهو يصف ما في هذا النظم تارة باللؤلؤ، وتارة بالذهب، وأما الناظم فهو أحد المعاصرين من المشايخ المصريين، واسمه محمد ابن أبي الحسن، ولعلك تنظر في تراجم المعاصرين في شيء من أخباره، وهذه القصيدة تجدها بصوته في شبكات الإنترنت في بعض مقاطع اليوتيوب، تسمع الشيخ وهو يقرأها، إن أردت قراءتها على نحو ما قرأها ناظمها، وإن أردت أن يرتفع بها سندك إليه حفظه الله، أما تبويب من بوّب بقوله: عقود الجمان في آداب حفظ القرآن، فهذا فيه تسمية الشيء ببعضه أو بجزئه؛ لأن القصيدة لم تأتِ في هذا فقط، بل المنظومة جاءت في بيان وسائل الحفظ، وجاءت في بيان طريقة الحفظ، وجاءت كذلك في بيان طريقة المراجعة، وجاءت في بيان طرق تثبيت المحفوظ، ثم جاءت في آداب حفظ القرآن، وفضائل حفظ القرآن، فاجتمعت فيها أشياء شتى، ولعل المعنون لها بهذا سمّاها بأشرف أجزائها؛ لأن آداب القرآن فيها كثيرة بلغت العشرة، ولأنه من المقصود من النظم، إذاً هذه المنظومة سنقف معها مع أشياء متعددة، ليست فقط في آداب حفظ القرآن، كما عنون، بل سنقف على الطرق، وعلى الآداب، وعلى الفضائل، وقد قسّمتُها كما هو أمامكم إلى ثمانية مقاطع، حسب ما اجتهدت فيه، من أن كل مقطع يتكلم عن عنوان معين.

 

فأما المقطع الأول الذي قرأناه فهو في بيان المقصود من النظم، وقد ذكر فيه ستة أشياء: بدأ أولاً بحمد الله، وحَمَد الله سبحانه وتعالى أن أغناه وأعزه بالقرآن، وحمْد الله يكون على كل حال، وحمد الله يكون كذلك على النعم المخصوصة؛ خصوصاً العظيمة، وقد حمد الله سبحانه وتعالى نفسه في القرآن في مواضع منها: أن حمد نفسه في أول سورة الكهف، وفي أول سورة الفرقان على إنزال هذا القرآن، فهو حمد لله على هذه النعمة المخصوصة العظيمة، ثم ثنّى بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى وصفه بأوصافه الشرعية عليه الصلاة والسلام، وترك السلام عليه، وهو مندرج في الصلاة ذكراً أو نيةً، ثم بعد ذلك عنوّن للنظم فقال:

هذا وبعد فهذه أطروحةٌ ♦♦♦ شعرية تحكي عقود جمان

 

من هنا كانت التسمية، ثم بعد ذلك بيّن من هو المستهدف بهذا النظم، فالمقصود بهذا النظم هو الطالب الحريص على حفظ وإتقان كتاب الله، الطالب الولهان، الطالب الذي يحرص على حفظ القرآن بلهفة وتفان، هذا هو المقصود والمستهدف من هذا النظم، ولا شك أن المدرّس هو المقصود بدرجة أولى؛ لكون الطالب لا يُحسن هذا إلا إذا أخذه به مدرسه ومعلّمه، فكيف يُحفّظ القرآن؟ وكيف يُراجع القرآن؟ وكيف يُتأدب بآداب القرآن؟ هذه كلها ينبغي للمعلم أولاً أن يعلمها؛ حتى يأخذ بها شيئاً فشيئاً طلابه، ثم خامساً دعا في بداية القصيدة كما دعا في نهايتها، ودعا هنا بدعوتين: الأولى: أن يمنّ الله فتكتمل، والثانية: أن تكتمل في أتم بيان وتوضيح، ثم سادساً: بيّن المقصود من النظم، فما هو المقصود من هذه المنظومة؟ ما المراد منها؟، لماذا نحن نتدارسها الآن، وماذا أراد بها ناظمها؟ الجواب: المقصود منها وضع خطة للحفظ، إني أسوق موضّحاً لك خطةً، وقبلها قال: وراغباً حفظ القران، إذاً المقصود منها وضع خطة للحفظ، تتصف هذه الخطة بأمرين: الأمر الأول: أن يُقرأ بها القرآن سهلاً ليناً كما في البيت الأخير، فيُقصد من هذا أن يُقرأ كتاب الله قراءة سهلة لينة، ولا أعلم أنه قد جاء شيء في أن القرآن يُقرأ سهلاً أو ليناً بهذا اللفظ، لكن الذي أعلمه هو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الحديث المشهور الذي تعرفونه عند الإمام أحمد وعند ابن ماجة أنه كان يصلي، ويقرأ من سورة النساء، فدخل عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأبوبكر وعمر فاستمع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لقراءته، ثم قال: (من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما اُنزل فليقرأ بقراءة ابن أُم عبد)، قال الشرّاح: الغض هو الطري الذي لم يتغيّر، زاد بعضهم: لم يتغير بلحن ولا غيره؛ يعني غضاً أن تقرأ القرآن كما أنزله الله سبحانه، هكذا فسّرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ غضاً: كما أُنزل، تقراءه طرياً غضاً، فالغصن الغض الطري؛ أي أنه كان كما أنزله الله سبحانه وتعالى لم يتغير بشيء ولم يتبدّل، هذا من جهة ضبط القراءة، طبعاً أهل العلم اختلفوا في تفسير هذا الحديث، منهم من قال: على هيئة وطريقة ابن مسعود في القراءة، ومنهم من قال: قراءته لسورة النساء التي استمعها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يلزم غيرها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا مع ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في مواضع وأحرف من القرآن، الشاهد أن القرآن يُقرأ غضاً، المراد أن تقرأ القرآن غضاً؛ أي كما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إذاً هذا هو الهدف الأول، ومن حسن القراءة كذلك أن تقرأ القرآن بتخشع، فقد جاء عن ابن مسعود، ورُفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث ابن عمر وجابر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن أحسن الناس قراءة للقرآن الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله)، أو (حسبت أنه يخشى الله) في رواية، إذاً من جهة قراءة القرآن تقراءه كما أُنزل دون لحن ودون تلحين؛ يخرج عن قراءة العرب، ومن حسن قراءة القرآن أن تقرأه بحزن؛ كما جاء في بعض الآثار تقرأه بتخشع.

 

الهدف الثاني من أهداف وضع هذه الخطة: تنجو بها من آفة النسيان؛ أن يكون حفظاً لا يتطرق له النسيان، كيف يكون هذا؟ هذا الذي سيبينه في نظمه رحمه الله، كيف يكون هذا الحفظ لا يتطرق له النسيان، قبل أن أنتقل من هذا، تأتينا مسألة: هل يُؤثم الإنسان إذا حفظ القرآن، ثم نسي؟ خصوصاً أن هذا يرد على كثير من أذهان من يفتتح حفظ القرآن؛ أنه يخشى من نسيانه؟، جاءت في هذا أحاديث، ولم يصح في ذمّ من حفظ القرآن ونسيه شيءٌ فيما أعلم، جاء أن من حفظ القرآن، ثم نسيه لقي الله أجذم وهو حديث ضعيف، وجاء حديث مشهور عند أبي داوود والترمذي: (وعرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أرَ ذنباً أعظم من رجل أُوتي سورة أو آية ثم نسيها)، انظر الوعيد الشديد في هذا الحديث، فلم أر أعظم ذنباً، هذا الحديث كذلك لم يصح، بقيت المسألة على حالها: هل يؤثم من نسي كتاب الله سبحانه وتعالى؟ قال العلماء رحمهم الله تعالى: في هذا تفصيل، وعلى هذا حمل بعضهم الحديث على القول بصحته، فيؤثم من نسي القرآن إن كان نسيانه لانشغاله عنه، وهذا الذي حققه المناوي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث، وقال بعض أهل العلم: يؤثم إذا نسي القرآن لتركه الأمر بتعاهده، انظر، إذا قلنا الحديث هذا لم يصح، فعندنا حديث آخر صح من حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي موسى وغيرهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها)، فكونك تترك تعاهد القرآن أنت تقع في ترك الأمر، وترك الأمر يوقع في الإثم، على هذا من نسي القرآن مع حرصه عليه، وشُغل عنه بأشغال من حياته الدنيا التي اضطرته إلى ذلك فهذا لا يؤثم، وأما من نسي القرآن لإعراضه عنه بعد أن آتاه الله إياه؛ كأن يجد من الوقت ومن الجهد ومن المتسع ما يراجع به كتاب الله، لكنه أعرض عنه بعد أن أوتيه، فهذا الذي يؤثم لإعراضه عن القرآن، وهذا الذي حققه جمع من علماءنا المعاصرين رحمهم الله تعالى رحمة الأبرار.

أخلص لربك وادعه لِيُثبِّتَك
ويزيلَ عنك وساوس الشيطان
ودع الذنوب كبيرها وصغيرها
فالذنب يُطفئ جذوةَ الأذهان
وعليك بالشيخ المؤَيّدِ بالسند
الحافظ الثقة الكريم الداني
الزاهد الورع المضيئةِ حاله
بمكارم الأخلاق والإيمان
لا تنقطع عن درس شيخك مرة
واحذر من الإهمال والرَوَغان

 

هذا هو المقطع الثاني من المنظومة، ولك أن تعنونه بوسائل الحفظ، ما هي الوسائل المعينة على الحفظ؟، ذكر الشيخ رحمه الله تعالى وحفظه في هذا المقطع أربع وسائل لحفظ القرآن، من أراد أن يحفظ القرآن فعليه بالوسائل الأربعة، وسيلتان محسوستان، ووسيلتان غير محسوستين، وبدأ بالثانية، أما الأمر الأول المعين على حفظ القرآن: فالإخلاص والدعاء لله تعالى أن يصدق الإنسان نيته في حفظ القرآن وفي طلبه، ويتجه إلى الله سبحانه ويدعو الله عز وجل، فاتجاه المعلم بأن يعينه الله سبحانه وتعالى على تحفيظ القرآن، واتجاه المتعلم بأن يعينه الله تعالى على حفظ القرآن من أعظم ما يوفق الله سبحانه وتعالى به من شاء من عباده، وكون الله يؤتيك القرآن؛ فتحفظه من فاتحته إلى خاتمته هذه منة لا يمنّ الله بها إلا على من يشاء، وقلة هم أولائك الذين يوفق الواحد منهم أن يستحضر كتاب الله بين جنبيه، فما تخطر عليه آية إلا ويستحضرها، والعجيب كما أخبرني بعض المشايخ المحققين في هذا الباب والمعتنين به والمشهورين به، وقد شابت لحاهم فيه أنه تتبع هذا فلم يجد أن الذين يؤتون حفظ القرآن إلا أربعة أصناف، وذكر لي الأربعة، لكن الذي يعنيني هنا أن أذكر لك صنفين، قال: من تلك الأصناف المجاهد في سبيل الله، والمسجون في الدين، فإن هذا يوفّق لأن يضبط القرآن، وإن رأيت للأول والثاني وجدت أن ثمة إخلاص واتجاه إلى الله سبحانه وتعالى عظيم، وأما الذي يحفظ وينسى، ويحتاج أن يراجع، وما يزال في جهاد إلى أن يثبت القرآن في صدره فكثير؛ لكن من يوفق في النهاية لهذا هم قلة، والمسألة تحتاج إلى صدق مع الله عز وجل، وإذا نسي الإنسان حفظه فعليه بذكر الله عز وجل، وتجديد عهده بالإخلاص؛ تجديد عهده بالاستعانة بالله عز وجل؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [الكهف: 24]، الأمر الثاني: ترك الذنوب صغيرها وكبيرها؛ كما ذكر الناظم، فالذنوب تؤثر في الحفظ، وقد ينسى الإنسان حفظه بذنب فعله، هذا سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول: "سُلبت قيام الليل بالقرآن ستة أشهر بكلمة قلتها، رأيت رجلاً يصلي، فقلت: هذا مرائي"، فانظر لأثر الذنوب على الأعمال الصالحة، لاشك أن الذنب يُنسِي، والله سبحانه وتعالى لما ذكر قصة تعلّم موسى عليه السلام من الخضر، قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [الكهف: 63]، فكثير من النسيان يأتي بسبب الذنوب، ويأتي بسبب الشيطان، أما الوسيلتان المحسوستان: فالأولى: إذا أردت حفظ القرآن، فعليك بالشيخ المؤيد بالسند، عليك بالشيخ، اختيار المعلم من أهم الأمور، أيها الأب حتى تجعل من ابنك حافظاً للقرآن - لأن الابن صورة لهذا المعلم، فتراه يقتدي به - فعليك أن تحرص على الشيخ الذي تتوفر فيه أربعة أشياء، أشار لها الناظم في نظمه، الأولى: أنه مسند، والثانية: أنه حافظ، والثالث: أنه ثقة، والرابع: أنه الكريم في أخلاقه، الشيخ المسند؛ أي الذي أخذ القرآن غضاً كما أُنزل، وسنده متصل بقراءته إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يعطي الحرف حقه ومستحقه، ضبط القراءة، وضبط التجويد، وضبط مواضع الوقف، عرف القرآن لفظاً ورسماً، وحققه وأُجيز في الإقراء، وهذه أصلها ما سمعت أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أراد أن يقرأ القرآن كما أُنزل فعليه بقراءة ابن أم عبد)، وابن أم عبد كما يقول عن نفسه: حفظتُ من فِي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بضعاً وسبعين سورة، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخذه من جبريل، وجبريل أخذه من الله سبحانه وتعالى، فكون هذا القرآن مسند بالمشايخ الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جبريل إلى ربنا سبحانه وتعالى، هذا هو التحقيق في قراءة القرآن، وأنت تجد كثيرًا من الصحابة يأتون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقولون: أقرئني يا رسول الله، جاء رجل، فقال: أقرئني يا رسول الله سورة يوسف أو يونس، قال: (إنك لن تقرأ أبلغ من قوله تعالى: قل أعوذ برب الفلق)، وأُبي يقول: سمعت قارئاً يقرأ سورة أقرانيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بغير ما قرأت، وعمر يقول: سمعت قارئاً يقرأ الفرقان بغير ما قرأت؛ بغير ما أقرأني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فذهب للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: (إن القرآن نزل على سبعة أحرف، كلها شاف كاف)، فالشاهد أنهم كانوا يقرؤون، أقرأني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويدافع عن قراءته؛ لأنه أخذها من الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعترض على قراءة أخرى؛ لأنه ما أخذها من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا من أدلة أن القرآن يؤخذ بسنده، ومن هنا كان الاهتمام من المعلم بأن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل، وأن يحرص على أن يأخذ الإجازة فيه - وقد تيسرت أسبابها - من المهمات حتى يُقرئ القرآن قراءة صحيحة، تشهد له يوم القيامة، صحيح إن الإنسان إذا فعل كل ما يستطيع لن يكلفه الله عز وجل فوقه، لكن نقول: افعل كل ما تستطيع في أن تضبط قراءة القرآن، ولو تضبط الجزء أو الجزءين الذي تُقرؤهما للطلاب، فتضبطهما ضبطاً جيداً، وتجاز فيهما؛ لأن من أهل العلم من أجاز الإجازة في بعض كتاب الله، وأحكام الإجازة كثيرة، ليس هذا مكان سردها، ومن أجمل ما وقفت عليه مجلد جميل جداً، لأحد القراء المسندين، اسمه (إقراء القرآن الكريم، منهجه وشروطه وأساليبه وآدابه)، ذكرت فيه كثير من الأحكام والأخطاء والقواعد، وأشياء كثيرة يحتاجها الإنسان جمعها من بطون الكتب لمؤلفه دخيل الدخيل.

 

الأمر الثاني في الشيخ: أن يكون حافظًا، وقد وجدنا هذا؛ أن المعلم إن كان متقناً أخرج طلاباً متقنين، وإن كان المعلم هو غير متقن، ما ضبط كتاب الله؛ حتى الجزء والجزءين الذي يُقرئهما من سنتين وثلاث، ما زال إلى الآن يفتح المصحف؛ لينظر فيهما، فيرى الطلاب منه عدم إتقان، هذا يؤثر فيه، وبالاستقراء نظرنا في بعض الطلاب الذين يخرجون متقنين، ويتفوقون في كتاب الله، فوجدنا أن مدرسيهم متقنون مثلهم، وفاقد الشيئ لا يعطيه، فإن كان المدرس تعب في إتقان القرآن لا شك أنه لن يرضَ من طالبه إلا مثل ذلك، فهذا هو الأصل، وقد ينزل الإنسان عن ذلك شيئاً فشيئاً، لكنه خلاف الأصل، وعند الاختيار فإن الإنسان يختار أفضل من يجد.

 

الثالثة: الثقة؛ أي الثقة في دينه؛ لأن المعلم قدوة لطلابه، وتجد سمت الطلبة بسمت مدرسيهم - سبحان الله - حتى في برم عمامتهم، أحياناً حتى في طريقة مجلسه، وقد رأينا هذا ورأيتموه، فترى أن هذا الطالب يفعل بعض الحركات، تقول: هذا أكيد درس عند فلان، نفس الحركات التي يفعلها فلان يفعلها هذا الطالب، فإن كان المدرس ثقة في دينه، قدوة في سباقه للخيرات، في حرصه على صيام الاثنين والخميس، في حرصه على التأدب بآداب القرآن، واحترام القرآن الذي بين يديه، في المسابقة إلى الخيرات والصف الأول، وصلاة الفجر وقيام الليل، تجده ينقش هذا في طلابه شاء أو أبى، وهذا هو تعليم السلف، تعليم الفعل قبل القول، هذا هو التعليم المبارك، لذلك نحن نستطيع أن نفعل شيء عظيم جداً لو أصلحنا من أحوالنا دون أن نتكلم كثير كلام.

 

الرابعة: الكريم في أخلاقه، وقد ذكر جملةً من الأخلاق: الزاهد، الورع، فيكون كريم في خلقه، إذاً هذه أربعة في شروط المعلم، إن أردت ضبط القرآن فعليك بالأربعة هذه في الوسيلة الثالثة؛ اختيار الشيخ المسند الثقة الكريم في أخلاقه الحافظ، فيضبط القرآن ضبطاً؛ ضبط قراءة لأن شيخه مسند، ولا يرضى بغير الضبط، ويضبطه ضبط حفظ؛ لأنه شيخه حافظ، ولا يرضى بغير الحفظ، ويضبط كذلك التربية العملية الأخلاقية التي يكتسبها مع الأيام، مع طول الجلوس إلى مدرّسه والنظر إليه، ومن أعجب من رأيت في هذا أحد المشايخ الذين عاشوا حياة طويلة في تحفيظ كتاب الله عز وجل، ومرّ بمراحل، ونظر إلى أشياء، ثم أصبح بعد ذلك يترجم خلاصة حياته في مقارئ، بدأت تنتشر في العالم، تضبط كتاب الله ضبطاً عجيباً، ومن منهجه أنه يربي على القرآن، يبدأ بشيء قليل من القرآن، لكن يحرص على التربية، ويجعل لكل طالب ورد، ويُعظم الورد شيئاً فشيئاً، أنت وردك تأتي بأذكار الصباح والمساء، ثم يتابعه على ذلك، هل أتيت بوردك؟ ويعنفه، ثم يكبّر له ورده شيئاً فشيئاً؛ من قيام الليل، من صلاة الضحى، ويكبّر له ورده؛ حتى يقول الشيخ كما سمعت منه، يقول: "حتى يجتمع فيه الخير كله"؛ يعني أنه يحرص على أن يجمع له الفضائل ويتابعه عليها، ويترك ذلك أحياناً، وقد استفتوا العلامة الجبرين رحمه الله تعالى لما زارهم، فقال: هذا مما له أصل في السنة؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسأل: (من منكم أصبح اليوم صائماً؟ من منكم عاد اليوم مريضاً؟ من منكم كذا..)، فكان يسأل صلى الله عليه وآله وسلم، ويتابع، فهذه المتابعة التربوية مطلب، اللهم لا تكون على وجه الإلزام، وعلى وجه التنفير، أو تخرج إلى حيّز الابتداع،.

 

الرابعة: الاستمرار في درس الشيخ، إذاً أخلص لله، واترك الذنوب، الزم شيخًا، واترك نفسك لشيخك هو الذي يقودك شيئاً فشيئاً لحفظ القرآن، لكن التزم في حلقة الشيخ، قال في آخر بيت قرأه القارئ:

لا تنقطع عن درس شيخك مرة ♦♦♦ واحذر من الإهمال والرَوَغان

 

إذا فعل طالب هذه الخطوات حفظ القرآن، بعون الله سبحانه وتعالى يوفّق، ويبقى البقية على مدرسه في أن يأخذه شيئاً فشيئاً لحفظ القرآن، فكيف يُحفّظ القرآن الكريم؟ هذا الذي سيذكره في المقطع الثالث، قبل أن أنتقل إليه أيضاً من الوسائل التي جاءت في حفظ القرآن في السنة، وهي عجيبة، حقيقة عجيبة من جهة أننا لم نسمعها من قبل: الحجامة، جاء فيها حديث عن رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم حديث ابن عمر عند ابن ماجة، وقد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الحجامة على الريق أفضل، وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ وفي العقل، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس)، ويوم الخميس هذا سيصادف السابع عشر، وهو من الأيام التي تستحب فيها الحجامة، ولعل بعض إخواننا يجمع شيئاً من هذا في وسائل الحفظ التي جاءت في السنة؛ مما حث عليه صلى الله عليه وآله وسلم، أن لا أعلم الآن إلا الحجامة، وما سبق أن ذكره الشيخ من الإخلاص وترك المعاصي وملازمة المشائخ المتقنين هذا جاءت عموماته في الكتاب والسنة، لعل نبيهاً يتنبه لشيء مما حثّ عليه القرآن أو سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أنه يزيد ويقوّي من الحفظ.

 

استخدام التقنيات المعاصرة الآن أيضاً من الأشياء الجيدة، وقد ظهرت أدوات برمجية كثيرة جيداً، بدأت معنا من المصحف المعلم الذي ظهر قبل تقريباً عشر سنوات، الذي سموه مصحف الوسيلة، والذي يكرر المقاطع بحسب الطلب، وبابا سلام وانتهت آخر ما رأيت القلم القارئ، لعل بعضكم رآه، قلم عجيب يوضع على القرآن، يوضع على الآية، فيقرأ الآية بقراءات، قرابة واحد وعشرين قارئ من القراء المشهورين، هذه التقنيات تنفع بإذن الله سبحانه وتعالى، وبعضهم حاول أن يضبط أشياء أخرى تحتاج إلى أحكام، وتحتاج إلى نظر، وثمة ندوة أُقيمت، لعلها قبل سنتين، أقامها مجمع الملك فهد: "القرآن والتقنيات المعاصرة"، فيها أكثر من بحث كُتب في هذا الباب، وأنا أنصح الإخوة المهتمين بتعليم القرآن أن ينظروا في هذه الأبحاث.

اذهب إليه ولو بحفظك آية
فالوصل يروي غُلة الظمآن
عقب الصلاة احفظ ثلاثة أسطر
مع كل فرض لاتكن بِالْوَان
مجموعها هي عشرة مع خمسة
في كل يوم باسم ريان
مجموعها في ستة يا صاحبي
تسعون سطرًا وضّحت ببيان
في سابع الأيام راجع ما مضى
لتثبت المحفوظ في رسخان
إن شئت فاحفظ خمس آيات فقط
في كل يوم طيّب الأركان
مجموعها خمسون معْ مئة إذن
في كل شهرٍ يا أولي الحسبان

 

بعد وسائل الحفظ، انتقل حفظه الله إلى طريقة الحفظ، وطرق الحفظ كثيرة، وما أنت رآءٍ وسامع إلا وكل يوم يأتي بجديد، حتى أني رأيت بعض الأوراق التي تعلق في آخر المساجد في بيان كيف تحفظ القرآن في ثلاث سنين، في عشر سنين، في عشرين سنة؟ جداول تُبين أنك تحفظ آية أو تحفظ سطرًا، أو تحفظ سطرين أو ثلاثة مع كل فرض، أو مع كل يوم حتى تختم في اليوم كذا، فالقرآن ميسر ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، قال القرطبي: "أي فلقد يسرنا القرآن للحفظ فهل من طالب حفظ؛ فيُعان على حفظه"، وتذكر القرآن أشمل من هذا؛ لأنه يشمل التدبر كما تعلمون، لكن مما يدخل فيه كما أشار هذا المفسر الحفظ، فالقرآن ميسر، والشيخ ذكر هنا ثلاثة طرق:

الطريقة الأولى: أن تذهب للشيخ، وتحفظ آية، وهذه جاء فيها الحثّ عن رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما سيأتي.

 

الطريقة الثانية: بعد كل فريضة تحفظ ثلاثة أسطر، فتحفظ في اليوم كما قال خمسة عشر سطراً يومياً، إذا ضُربت بستة أيام؛ فإنك ستحفظ تسعين سطراً أسبوعياً، تسعون سطر؛ يعني على مصحف طبعة المدينة أربع صفحات ونصف، ومصحف الحفاظ كما تعلمون الصفحة فيها عشرون سطرًا، تسعون سطراً أسبوعياً على أساس أنك تترك سابع الأيام للمراجعة.

 

الطريقة الثالثة: التي ذكرها أنك تحفظ كل يوم خمسة آيات، وهذه جاء بها هدي الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ كما سنبين، تحفظ خمس آيات؛ فيكون المجموع في كل شهر مائة وخمسون آية، انظر -سبحان الله- كيف القرآن متيسر، تحفظ قليلاً؛ ثلاثة أسطر مع كل فرض، فإذا بك في نهاية الأسبوع تراجع أربع صفحات ونصف، هذه نعمة؛ يعني نصف حزب تقريباً، هذه نعمة، أو تحفظ خمس آيات فإذا بك تراجع في آخر الشهر مائة وخمسين آية، فالقرآن ميسر، والذين كتبوا في هذا كتبوا أشياء كثيرة؛ حتى أني آخر ما وقفت الأسبوع الماضي على طريقة لأحدهم في تحفيظ القرآن عجيبة، يُقسّم القرآن إلى خمس مراحل، المرحلة الأولى: يسميها ما لا يسع الإنسان إلا حفظه، ووضع سورة الفاتحة وبعض الأشياء التي لابدّ عليك أن تحفظها؛ لما فيها من تحاصيل مهمة، ثم المرحلة الثانية: حفظ ما فيه فضائل، وطبعاً هذا قد يكون متوزّع في القرآن؛ يعني تحفظ سورة الكهف مثلاً، تحفظ آية الكرسي، تحفظ آخر آيتين من سورة البقرة، وهكذا خمس مراحل، وحجته في هذا يقول: نحن ما نضمن أن كل الذين يدخلون في بداية القرآن يختمونه، فأقل شيء يحفظون ما لابد منه، ثم يحفظون ما فيه فضل وهكذا، ونحن ما عندنا شيء توقيفي؛ نقول: لابد تبدأ من الناس وإلا ما تسمى حافظاً !؛ لأنك تعلم أن ترتيب السور من اجتهاد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وتعلم أن حفظ القرآن لا يُلزَم الإنسان أن يكون على جهة معينة، وإلا فنحن في الغالب نحفظ القرآن بتنكيس المصحف العثماني، على كلٍ هذه وجهة نظره فيما طرح، والمسألة فيها سعة، في كم الذي يُحفظ؟ وما هو القدر المحفوظ؟ والغالب أننا لا نستطيع نضع قاعدة؛ حتى أن المدرس يقول: تحفظ يومياً نصف صفحة، هذا صعب؛ لأنه أحياناً الآيات تختلف في صعوبتها وسهولتها، أحياناً الطالب يختلف في نفسيته وإقباله على الحفظ وبعده عنه، والمدرس حكيم، أنا أُشبه المدرس بإمام الصلاة، وإمام الصلاة طُولب في الصلاة أن يصلي بضابط ألا يُنفر الناس: (إن منكم لمنفرين)، (أفتان أنت يا معاذ)، فالإمام يصلي بالناس ويكون حكيمًا غير منفرٍ لهم، وهذا يختلف بحسب الناس، وبحسب وقت الصلاة؛ هل هي الفجر أو المغرب؟ وبحسب طريقة قراءة الإمام، وبحسب احترام الناس لهذا الإمام، وهذا يختلف، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بالسور الطويلة، ويأمر معاذًا رضي الله تعالى عنه ألا يؤم قومه إلا بمثل الليل، والشمس، وسبح اسم ربك الأعلى؛ لأن هذا يختلف، ومن هنا قال أئمتنا الشافعية رحمهم الله تعالى: "أو إمام قوم يرضون بالتطويل"؛ أي قوم محصورين، كلمة محصورين؛ لأنه قد يأتي مصلٍ يلحق بك وهو ما يرضى بالتطويل، وكذلك معلم الحلقة، فيُعلم بحيث لا يُنفّر، وأحياناً يزيد على الطالب، وأحياناً يقلل من محفوظه؛ بحيث أنه يتعامل معه تعاملاً جيداً حتى يربيه على حفظ كتاب الله سبحانه، والذي وجدته سريعاً مما جاء في السنة، ولعل طالب علم فطنًا مهتمًا بهذا الجانب يجمع لنا هذه الأشياء، كم الذي جاء في السنة في تعليم القرآن، جاء في السنة - فيما أعلم - في تعليم القرآن: تعلم آية أو آيتين؛ لذلك الشيخ أول شيء قال؛ اذهب إليه ولو بحفظك آية، هذا جاء في السنة، يحفظ آية، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لئن يذهب أحدكم المسجد، فيتعلم له آية خير له من ناقة، وآيتين خير له من ناقتين، ومن أعدادهن من الإبل)، جاء كذلك تعلم سورة في حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه عند أبي داود، قال: علمت رجلاً سورة من القرآن، فأهدى إليّ سوطاً، فسألت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله، إنما أرمي به في سبيل الله، فقال: (إن أخذته أخذت سوطاً من نار)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالشاهد أن الحديث فيه علمته سورة، والرسول عليه الصلاة والسلام، كان له قراء محفّظين، يعلمون الناس القرآن، يجلسون مع أهل الصفة في المسجد، فيعلمونهم كتاب الله؛ ومنهم عبادة ابن الصامت، أيضاً مما جاء ما ذكره الشيخ في الطريقة الثالثة تحفيظ خمس آيات، ولعل هذا هو المشهور، هذا جاء عن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم عن عبد الرحمن السلمي، قال: الذي يقرؤوننا القرآن؛ يقرؤوننا خمس آيات، وفي بعض الروايات: عشر آيات، وما فيهن من العلم والعمل، وجاء هذا عن ابن عمر، وجاء عن ابن مسعود أنهم يتعلمون خمس آيات، إذاً التحزيب بخمس آيات في الحفظ مما ورد وجاء عن رسولنا عليه الصلاة والسلام، وكذا الحث على حفظ عشر آيات؛ كما في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال)، إذاً هذا حث على حفظ عشر آيات، فتجزيئ الحفظ إلى عشر آيات له أصل، جاء كذلك الحفظ المطلق أن يحفظ من معلّمه بما يحفّظه؛ هذا في البخاري من حديث عمرو بن سلمة، لما كان يمر الركبان، فيسألهم ماذا أخذوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيعلّمونه، فيحفظ الصحابي الصغير، جاء في بعض الروايات أنه كان يتعلم من الركبان، فيسألهم ماذا حفظتم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيحفّظونه، وجاء هكذا مطلقاً، الخامسة: مما جاء أيضاً في حفظ القرآن الحفظ بما يقرأه الخطيب في خطبته، جاء هذا في حديث أم هشام بنت حارثة عند الإمام مسلم رضي الله تعالى عنه قالت: ما حفظت قاف والقرآن المجيد إلا من فِي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقراؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس، الطريقة السادسة: الحفظ من الإمام فيما يقرؤه في الصلاة، وفيها حديث عند النسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار في الصلاة ليحفظوا عنه، إذاً هذه جملة من المسائل التي وجدتها في السنة من قدر المحفوظ، قدر ما يذكره الإمام في خطبته، قدر ما يصلي به الإمام في صلاته، وما ذكرنا مما سبق، هذه جملة من طرق الحفظ، ومن قدر المحفوظ، ويُنتبه في هذا الباب إلى أنه قد ظهرت مع ظهور بعض العلوم العصرية التي يُنتقد جملة منها، ظهرت موجة في إدخال مثل هذه العلوم في تحفيظ القرآن الكريم، ومن ذلك ما نشره بعضهم على علو كعبه في هذا؛ مما يُسمى بحفظ القرآن بطريقة البرمجة العصبية، وهذه الطريقة تكلّم فيها أهل العلم بكلام طويل، بل كُتبت فيها رسالة علمية لإحدى طالبات العلم، كتبت رسالة كاملة في بيان الأخطاء العقدية التي توجد فيما يسمى البرمجة العصبية، وأفتى جمع من أهل العلم المشهورين بالعقيدة والتحقيق فيها ببيان أخطاء هذه الطريقة، وهي طريقة تميل إلى الإغراق في الإيحاءات، وخذ نفساً عميقاً ثم تخيل كذا، ثم انظر لكذا، ثم افعل كذا، صحيح أن قاله بعضهم مما سماه التاءات الخمس، بعضها فيه شيء من الصواب، قضية التهيئة ثم يقول التسخين ثم يقول التركيز والتكرار والترابط وأشياء، هذه أشياء فيها شيء صحيح، لكن الإغراق في مسألة الإيحاءات والتخيل والضبط الحسي والسمعي والبصري، وأشياء من هذا، والدخول في هذه الأشياء، وحمل المعلمين على تعلم مثل هذه الوسائل، فيه ما فيه من النقد، فينتبه الإخوان من نشر بعض هذه الأشياء قبل ضبطها، وتحقيق الصحيح منها، والله أعلم.

راجع وكرر ما حفظت بلا ملل
واكتبه مشروحا ببعض معان
راجع مع الأصحاب في وقت اللقى
والنصح للأخوات والإخوان
وقراءةٍ في هاتف لو آيةً
خيرٌ من البطلان والهذيان
واقرأ بوردك في قيامك في الدُجى
فالليل فيه لطائفُ المنان
في سائر الصلوات أيضا فاقرأن
واشكر لربك واسع السلطان

 

انتقل بعد ذلك رحمه الله تعالى لطرائق المراجعة، ولاشك أن الحفظ يحتاج إلى مراجعة؛ والمراجعة لها طرق، وذكر رحمه الله تعالى ستة طرق:

الطريقة الأولى: سبقت قبل قليل وهي المراجعة في سابع الأيام، فتحفظ ستة أيام، ثم تجعل اليوم السابع يوم مراجعة ويوم ربط، الثانية: أن تراجع وتكرر ما حفظت، مع فهم معناه، فإذا حفظت، كررته المرة بعد المرة بفهم معانيه؛ لأن الفهم يقوِّي الحفظ، الطريقة الثالثة: أن تراجع مع الأصحاب؛ سواء في حلقة القرآن، تراجع أنت وزميلك، أو في غير ذلك من الأوقات، فالمراجعة الثنائية، بل والثلاثية مراجعة جيدة، وتثبّت المحفوظ، انتقال الطالب لِأن يصبح مدرساً يسمّع ويرد هذا مما يجعله يركّز في حفظ كتاب الله، ويعلم الأخطاء التي قد تقع منه أو من غيره، الرابعة: أن تعرض قراءتك بالهاتف على المشايخ المتقنين، وهذه الآن التي انتشرت ونفع الله بها، ما يُسمى بالمقارئ الإلكترونية، وقد زرت يوم الأربعاء الماضي إحدى المقارئ في معهد الإمام الشاطبي لتخريج معلمي القرآن الكريم بجدة، ورأيت طريقتها، وهي مقارئ الكترونية عبر النت، يعني عبر غرف البالتوك، غرفة يدخل فيها من سُجّل، ويضغط أيقونة إذا أراد القراءة، فيرى الشيخ أن هذا يرفع يده، فيسمح له بالقراءة، فيقرأ على الشيخ المجاز، ويُقرأ على الشيخ من أنحاء العالم بالقراءة التي يريدها الطالب، فهذا يقرأ بورش، وهذا يقرأ بشعبة، وهذا يقرأ بحفص، وهذا يقرأ في كذا، ويستمع الطالب لقراءة من قبله، وقراءة من بعده، ورد الشيخ عليهم، ويسأل الشيخ ويجيبه الشيخ، يسأل لماذا قرأ كذا؟ ولماذا لم يقرأ كذا مثلاً؟، وهي فرصة جيدة لمن أراد أن يقوي حفظه، ويقوي مراجعته، ويقوي عرضه للقرآن، وهناك مقارئ هاتفية، هذه وجدتها لما زرت جمعية تحفيظ القرآن بجدة، وضعوا مقارئ هاتفية في بعض المجمعات التجارية؛ بحيث من يأتي بأهله إلى السوق ويتركهم فيه، وينتظرهم، وضعوا له مقارئ هاتفية، يدخل ويتصل بالهاتف مجاناً، والشيخ يصحح له قراءة الفاتحة وغيرها، انظر تيسير القرآن كيف!، وعندهم مقارئ لرعاة الأغنام في البر، ومقارئ للذين هم منتسبون في الجيش والدفاع المدني والسجون، وهذه المقارئ الإلكترونية سواءً كانت هاتفية، أو كانت عبر غرف البالتوك، أو كانت عبر الدوائر المغلقة، أو غير ذلك نفع الله بها، والشيخ الدكتور الذين زارنا قبل فترة محمد يحيى غيلان، له بحث جميل اسمه الأحكام الفقهية المتعلقة بالمقارئ الإلكترونية، تبحث عنه في النت تجده، يتكلم عن أحكام هذه المقارئ والإجازة عبرها ونحو ذلك، إذاً قال: وقراءةٍ في هاتفٍ لو آيةً، أيضاً من المقارئ الآن، المقارئ التلفزيونية التي هي مشهورة، تجد برامج كثيرة في القنوات الإسلامية، يقرأ القارئ على بعض المشايخ الكبار، الطريقة الخامسة: وهي من أهم الطرق، المراجعة في قيام الليل: واقرأ بوردك في قيامك بالدُجى، تجعل لك وردًا - كما سيأتي - تقرأ به في قيام الليل، سبحان الله، القرآن ثقيل، لكن الله سهله بناشئة الليل، فيرسخ ما على القلب مع اللسان، فيكون أسهل لحفظه، ولتدبره، وهذه الطريقة هي الطريقة الوحيدة التي وقفت عليها في مراجعة القرآن مما جاء في السنة، ولعل بعضكم يفتح الله عليه، ويجد أشياء أخرى، في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال: (وإذا قرأ صاحب القرآن بالليل والنهار حفظه، وإن لم يقم به نسيه)، أول مرة قال: بالليل والنهار، ولما أراد الاختصار في الجزء الثاني من الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن لم يقم به)، فدل على أن قيام الليل أهم، وهذا معروف مشاهد إذا قمت بمحفوظك بالليل ثبت، وفيه لا شك تربية عظيمة، الطريقة السادسة والأخيرة التي ذكرها الشيخ: المراجعة في الصلوات، فإذا صليت النافلة قرأت بصفحة أو صفحتين، وإذا صليت بالناس إماماً قرأت بشيءٍ من المحفوظ، وسبحان الله قالوا: إذا أردت أن تحفظ القرآن فأُم الناس به، السورة التي تريد أن تحفظها أُم الناس بها، فالإنسان يتساهل في حفظه، فإذا أراد أن يؤم الناس حاول يضبط، أليس كذلك ! مثل ما يقولون: إذا أردت أن تضبط كتاب فدرّسه، وقل مثل ذلك في حفظ القرآن الكريم، والآن نحن على مشارف رمضان، وبدأ كثير من أئمة التراويح، وكثير من الإخوة الحريصين على مراجعة حفظهم بدؤوا الآن يفعلون لهم جداول للإسراع في مراجعة القرآن حتى يقوم به في نفسه وبغيره إذا جاء رمضان، طرق المراجعة طرق كثيرة، وكل إنسان له طريقته، ومن أشهر الطرق المشهورة ما يسميه بعضهم بطريقة التخييط، وهي الطريقة التي يسلكها جمع من معلمينا اليوم، إذا حفظ صفحة أضافها للصفحة التي قبلها، وراجع اليوم الثاني صفحتين أو ثلاثة؛ ما يسمى بمراجعة القريب، يراجع الخمس صفحات الأخيرة، وهكذا آخر خمس صفحات كل مرة، وهذه تثبت المحفوظ لاشك؛ لأن الحفظ الجديد يُنسى كثيراً، فإذا ثبّته خمس مرات أصبح من الحفظ الثابت إن شاء الله، أما مراجعة البعيد - ولا أقول مراجعة القديم - فقد نهى عنها بعض المشايخ، ولهذا وجه جيد؛ لأن القرآن لا يوصف بأنه قديم، مراجعة السابق غير القريب له طرق، ومن أعجب الطرق التي وقفت عليها طريقة سماها صاحبها طريقة الأنابيب، الأسماء غريبة، لكن المراد المعنى، يقول صاحب هذه الطريقة: يراجع آخر خمس صفحات، فإذا خرجت الصفحة من الخمس صفحات يضعها في يوم السبت، وسماها أنبوبة السبت حتى تُفهم، يوم السبت أنبوبة السبت، الأنبوبة تَسَع عشرين صفحة فقط، حفظ صفحة أخرى وخرجت الصفحة من الخمس صفحات وضعها في أنبوبة السبت حتى تمتلئ أنبوبة السبت بعشرين صفحة، فإذا حفظ صفحة أخرى وضعها في أنبوبة الأحد حتى تمتلئ الأنبوبة بعشرين صفحة، فكل يوم سبت يراجع عشرين صفحة، وكل يوم أحد يراجع عشرين صفحة، ويوم الاثنين صفحتين، ثم ثلاث حتى تكتمل العشرين، فكل يوم اثنين يراجع العشرين صفحة هذه، وهكذا حتى إذا كثر يصبح كل سبتين؛ يعني السبت الثاني يرجع العشرين صفحة الأولى وهكذا، الطريقة جيدة، طبعاً القضية قضية استمرار، أهم شيء الاستمرار، احفظ قليلاً، ثم استمر استمر، أما المشكلة إذا انقطعت، ثم نريد نحفظ كأنك تبدأ من جديد، وتصبح المراجعة أصعب ما يكون على الطالب، أصعب من الحفظ الجديد؛ لأن الحفظ نصف صفحة، والمراجعة حقيقته حفظ جديد بقدر خمس صفحات، لكن هذه الطرق من ميزتها أنها تحاول تربط شيئاً فشيئاً؛ بحيث ما يتعب الطالب في حفظه ومراجعته للقرآن، أعجب من وقفت عليه شيخ مشهور له طريقة مشهورة، بدأت تنتشر في العالم ومقارئ مشهورة، يحفظ الطالب القرآن بدون مراجعة، يقول حتى ما نؤيسه من القرآن، وأنه يراجع القرآن ويصعب عليه القرآن، فيحفظه بدون مراجعة، لكن نقول له: أنت لا تسمِ نفسك حافظاً، وأنت سمِّ نفسك قرأت قرآن فقط، كل هذا تشجيع له، قال: حتى يدخل المرحلة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة خمس مراحل، المرحلة الأخيرة يقرأ القرآن من أوله إلى آخره دون خطأ، ودون أن ينظر في المصحف، تصل لهذه المرحلة، وبالفعل خرّج الشيخ إخوة أجلاء جلست مع بعضهم متقن ما شاء الله، هذه طريقته يعني يحفظ القرآن أول مرة حفظ دون مراجعته، ثاني مرة يحفظ شيئاً فشيئاً بدون مراجعة، يحفظ لكن يزيد كمية الحفظ إلى أن يصل إلى أن يحفظ خمس أجزاء في اليوم، دون أن يفتح المصحف، ممنوع أن تفتح المصحف، وهذه المرحلة الأخيرة ستة أشهر، ممنوع تراجع مع زميلك دون أن تفتح أنت وهو المصحف، ثم تمتحن في أن تقرأ القرآن في جلسة واحدة، ثم يثبّت حفظك على خمس أجزاء دون أن تفتح المصحف يومياً، وعجيب لما جلس مع بعض الإخوان قال: أنتم تحفظون القرآن، فقالوا: نحفظ القرآن، فقال: اذكروا لي كل الآيات التي جاءت في قصة لوط في القرآن، طبعاً هذا ليس بالسهل أن يستذكره الإنسان، ليس بالسهل خصوصاً قصة لوط المتشابه فيها يكثر، الشاهد والقصد الاستمرار في الحفظ، قضية أنك تستمر في المراجعة هذا الذي يثبّت الحفظ، ثم يصبح بعد ذلك القرآن سهلاً حتى تصل تقرأ أجزاء كثيرة، مثلاً في قيام الليل تقرأ جزءين، وفي النهار تقرأ في الصلوات فقط تقرأ جزءين، ويصبح وردك أربعة أجزاء دون أن تنظر في المصحف، أو تقف وقفة، هكذا فلتكن المراجعة، لكن هذا بعد ما يبدأ الإنسان قوياً ولو بجزء واحد، يُثبّته في قيام الليل، يثبّته في صلواته، ثم جزءين، ثم ثلاثة، وهكذا، نسأل الله أن يمنّ علينا وعليكم بفهم كتابه والعمل به.

وانظر إلى الآيات إذ إن النظر
عون لنقشِ الذكر في الأذهان
واحفظ فؤادك ما استطعت من
الهوى حتى يُضاءَ القلبُ بالقرآن
وعليك بالمتشابهات فإنها
عونٌ لحفظ الذكر والتبيان
إن التشابه في القرآن كرامةٌ
للحافظ المتدبر اليقظان
وإذا نسيت الحفظ أو كثُر الخطأ
لاتيأسنّ فذا من الشيطان
وإذا ختمت فراجعن في سبعة
متأسياً بنبيك الإنسان
من أولٍ ثم العقودِ فيونس ال
إسرا من الشعراء يا ذا الشان
من فوق صاد ثم قاف رمزُها
بِفَمي بِشَوقٌ فانتبه لبيان

 

هذا المقطع الخامس، وهو في طريقة تثبيت المحفوظ، كيف تثبّت المحفوظ؟ ذكر الشيخ رحمه الله تعالى وحفظه، خمس طرق في هذا، الطريقة الأولى: النظر في المصحف؛ لأن النظر يثبت لك موضع الآية، ويثبت لك رسم الحرف؛ فتتذكر كيف كُتبت الآية؟ هل هي آيات بينات أو آيات مبينات؟، هل هي مثلاً: أُنزل أو نزل؟، هل هي في أول الصفحة أو في آخر الصفحة، النظر يثبت الحفظ لا شك، وهنا اختلف العلماء: هل الأفضل القراءة بالنظر في المصحف أو القراءة غيباً؟ اختلفوا على قولين، والتحقيق في المسألة أنه بحسب الأخشع للقارئ؛ فإذا كان خشوعه يزداد في نظره نظر، وإذا كان في غيبه قرأها غيباً، مع أنه ينبغي أن لا يترك النظر في المصحف حتى لو كان يستظهر القرآن غيباً، ينبغي أن لا يترك النظر في المصحف؛ لأن النظر في المصحف عبادة، الأحاديث التي جاءت في أن النظر في المصحف عبادة ضعيفة في جملتها، ولم يصح منها فيما أعلم إلا حديث ابن مسعود الذي حسنه الشيخ الألباني رحمه الله: (من سرّه أن يحب الله ورسوله فلينظر إلى المصحف)، وعلى هذا فترك النظر في المصحف ليس محموداً، ولو كان يستظهر الآيات، على أننا نقول أن بعض النظر في المصحف يُضعف الحفظ، كيف يكون النظر في المصحف يُضعف الحفظ؟ ونحن على مشارف رمضان، بعض القراء صار يتهاون، بدل أن يضبط القرآن يقرأ من المصحف، والآن ابتلينا بشيء جديد اسمه المحراب الإلكتروني!!.

 

الطريقة الثانية الذي يثبت المحفوظ: البعد عن الهوى، لا شك أن المعاصي مصيبة، وخصوصاً الهوى، هوى الشبهة وهوى الشهوة، الصور والالتفات لها، تعظيمها في القلب، الشبهات والبدع ودخولها في القلب، هذا مما يُضعف الحفظ.

 

الطريقة الثالثة: ضبط المتشابهات، والقرآن ملئ بالمتشابه اللفظي، فتجد آية تشبه آية في الألفاظ، وتختلف معها في حرف، هذا فلما وهذه ولما؛ كما تجد مثلاً في سورة يوسف، أو في بعض من قصة موسى عليه السلام، وهكذا في أشياء كثيرة، تُختم هذه بالمجرمين، وتُختم هذه بالمكذبين ونحو هذا، يُقدّم اللهو على اللعب في سورتين، ويؤخر في بقية السور، حتى قال بعضهم: "لولا المتشابهات لتغنى بالقرآن البنات"، فالمتشابهات حقيقة كرامة - كما قال الشيخ - كرامة لمن يضبط القرآن، فيحتاج إلى النظر، ويحتاج إلى أن ينتبه حتى ما يُخطئ، هل هذه لقد أو ولقد ونحو ذلك، فيحتاج إلى مزيد مراجعة للقرآن، والمتشابهات كتب العلماء فيها كثيرًا، والذين حاولوا أن يضبطوها؛ منهم من ضبطها بمجرد الحفظ، وسهّل ضبطها بوضع جداول للمتشابهات، تجد بعض الكتب في هذا؛ مثل كتاب الشيخ المسند جعلها جداول، ويعطيك المتشابه في هذه الآية وهذه الآية بحيث تحفظه حفظًا، ومنهم من جعلها نظماً؛ فنظم المتشابه، تحفظ النظم حتى تتذكر، وبالفعل بعض الأبيات - سبحان الله - لما تحفظها ما تنسى الفروق، وممن نظم السخاوي الذي وقفنا على منظومته التجويدية قبل فترة، نظمها في أربعمائة وسبعة وأربعين بيتاً، وكذلك هناك نظم آخر للميهي من هو الميهي؟، شيخ الجمزوري؛ عن شيخنا الميهي ذي الكمال، نظم أيضاً - سبحان الله - هذاك في تحفة الأطفال، وهذا نظم للصبيان في متشابه القرآن، فيه تقريباً مائة واثنين وأربعين بيتاً، نقول هذا الكلام لأن نتمنى حقيقة أن تظهر فينا هذه المنظومات، ويظهر فينا هذا العلم، بل أرجو أن يحرص بعض معلمينا حفظه الله أن يجمع لنا مكتبة قرآنية؛ سواء صوتية أو مرئية أو مقروءة، وهذه متوفرة الآن على شبكات النت، جزى الله خيرًا من جمعها ونشرها، هذه في الحفظ، وهذه في التجويد، وهذه في كذا حتى يتوفر للإنسان أن يتقن كتاب الله سبحانه وتعالى، ومنهم من ضبط هذه المتشابهات بالقواعد، حتى وقفت على أحدهم ألّف في هذا، وجعلها في اثنتي وعشرين قاعدة، وقدّم له بعض كبار المشايخ، هذه القواعد الاثنتين والعشرين تضبط لك كثيرًا من المتشابهات في القرآن، ومنهم من يضبط المتشابهات بأسماء السور فمثلاً (يس) سلام قولاً، تجد بعضهم يضبط بهذه الطريقة، وقد رأيت بعض مشايخنا يضبط بعض الكلمات لنا بالكلمة التي قبلها، الآية التي في سورة غافر ذُكر فيه الحق آخرها المبطلون، والتي في غافر ذُكر في أولها الإيمان آخرها الكافرون، فيضبطونها بطرق مختلفة، ومن أهل العلم وهذا من أفضل الضبط: يسلك مسلك الضبط بالمعنى، هذه كذا لأنه كذا، وقد ألّف فيه أهل العلم، ومما وقفت عليه وقرأت فيه واستفدت منه حقيقة كثيراً؛ كتاب زكريا الأنصاري فتح الرحمن فيما يلتبس من القرآن، بعض الأشياء ما تفهمها أو ما ترى أنها واضحة في وجه التفريق، وبعض الأشياء جميلة، والفهم بالمعنى - سبحان الله - ميزته يا إخوان أنه ما يُنسى، الضبط بالطرق الأخرى يُنسى، لكن بالمعنى - سبحان الله - ما تنساه؛ لأنه المعنى يبقى في ذهنك، وهذه مجرّبة، وهي من الوسائل، على كلٍ المتشابهات ضبطها مهم، ولعل دورة يعقدها بعض إخواننا في بيان كيفية ضبط المتشابهات، وقواعد ضبط المتشابهات، ولنعلم أولاً أن القاعدة الأولى أن المتشابه نسبي؛ بمعنى أن قد تشتبه عليك آية لا تشتبه على غيرك، هو حفظها وضبطها من البداية، ما تشتبه عليه، ثم أن وسائل ضبط المتشابه نسبية، أنت تعجبك هذه الطريقة، أنا ما تروق لي، بل أقول بعض وسائل ضبط المتشابه أصعب من المتشابه نفسه، يأتي لك البعض بطريقة ويقول لك: كذا مع كذا يساوي كذا، طريقة معقدة، رأيت بعضهم يشرح الطريقة نصف صفحة لكي يوضح طريقة ضبط هذه الكلمة !، ثم أيضاً من التنبيهات أن بعض طرق ضبط المتشابهات مبتدعة، أو يأتيك بطريقة تزيل هيبة القرآن في النفس، أو يضبط القرآن بأشياء حقيقة أقل ما نقول أشياء ليست من معالي الأمور في طريقة الضبط وحفظ الكلمة، على كل حال هذا الباب باب واسع، ولعله يحتاج إلى دورة فيه، يقوم بها بعض الإخوة، يشتغل فيها بكتب المتشابهات حيناً، ثم يعقد دورة ينفع الله بها؛ لأنه من أهم المهمات في حفظ القرآن ضبط المتشابهات وهو الأصعب، الآيات السهلة سهلة وتحفظها ولا تنساها كثيرًا، لكن المشكلة في المتشابه، ولو انتبهت لأدركت أن الأئمة في الصلاة لا يخطئون إلا في المتشابه في الغالب.

 

الرابعة: من طرق تثبيت المحفوظ عدم اليأس:

وإذا نسيت الحفظ أو كثُر الخطأ ♦♦♦ لاتيأسنّ فذا من الشيطان

 

عدم اليأس، ما منا من أحد إلا وسيخطئ، ورسولنا عليه الصلاة والسلام أُنسي آية، فقال لأُبي: ألا فتحت عليّ، فالنسيان وارد: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [الأعلى: 6، 7]، النسيان وارد، اللهمّ بين مقل ومستكثر، فالإنسان لا ييأس ويشجع نفسه، والتشجيع في مثل المسابقات والمنافسات على حفظ القرآن هذا طيب، و(أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)، أجراً يعني جعلاً، والمسابقات هذه من الجعالة، فالمسابقات هذه يناقشها أهل العلم في باب الجعالة كما تعلمون، فتشجيع الإنسان بمثل هذا جيد؛ حتى يبعد عنه اليأس، والدورات المكثفة أو الدورات التي فيها شيء من المسابقات والتنافس من الأشياء إن شاء الله التي تنفع إذا كانت تضبط القرآن.

 

الخامسة والأخيرة: التي ذكرها مراجعة القرآن كاملاً في سبعة أيام، وهذه الطريقة الشيخ رفعها إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:

وإذا ختمت فراجعن في سبعة ♦♦♦ متأسياً بنبيك الإنسان

 

يعني الإنسان من باب أنك تعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينسى أيضاً، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنسان، لا تقول: هذا الأمر صعب، ولا أعلم هذه الطريقة مرفوعة من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من قوله إلا أن تكون مرفوعة من تقريره، فقد جاء في حديث أوس بن حذيفة لما جاء وفد ثقيف، قال: فسألنا الصحابة: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشر، وثلاثة عشر، والمفصّل؛ يعني يقرؤونه في سبعة أيام، وهذه طبعاً الذهبي ذكرها في سير أعلام النبلاء، وقال: هي من أعلى الحفظ في سبع أو في أربع، فتحزيب الصحابة كان في سبع: أول يوم ثلاث البقرة وآل عمران والنساء، ثاني يوم: خمس، ثالث يوم: سبع سور، رابع يوم: تسع، خامس يوم: إحدى عشرة، سادس يوم: ثلاث عشرة سورة، سابع يوم: المفصّل قاف إلى آخره؛ فتختم في سبع أيام، والشيخ ذكرها هنا، قال من أول يعني من البقرة، أول يوم من البقرة، ثاني يوم ثم العقود؛ يعني سورة المائدة، ثاني يوم تبدأ من ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، فيونس اليوم الثالث تبدأ بيونس، الإسرى اليوم الرابع تبدأ بالإسراء، من الشعراء اليوم الخامس بالشعراء، من فوق صاد ما هي السورة التي فوق صاد؟ الصافات، ثم قاف حزب المفصّل من قاف إلى آخر المصحف، نظمها بعضهم بقوله: (فمي بشوق) الفاء الفاتحة، الميم المائدة، الياء يونس، الباء بني إسرائيل؛ أي الإسراء، الشين الشعراء، الواو والصافات، القاف قاف، هذا جاء في أثر أوس ابن حذيفة عند ابن ماجة وأبي داود والإمام أحمد، وفي هذا وقفات:

الوقفة الأولى: أن الصحابة رضي الله تعالى عنه كان لهم تحزيب وورد بالقرآن، فكون الإنسان يترك نفسه سبهللا، متى ما جلس يقرأ، ومتى لم يجلس ما يقرأ، ما ينبغي، الذي ينبغي أن يكون لك حزب تقرأه من القرآن، (من نام عن حزبه أو عن شيءٍ منه، فقرأه بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كأنما قرأه من الليل)، إذاً لابد يكون لك حزب، والصحابة كانوا يحزبون القرآن، وكل إنسان بحسبه.

 

الوقفة الثانية: في هذا الأثر أنهم كانوا يحزّبون بالسور، لا يحزّبون بالأجزاء والأحزاب، يقرأ ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وهكذا؛ حتى يكتمل المعنى، وهذا خير، جاء كذلك الأمر بالسبع في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين الحديث المشهور، وهو من الأحاديث الواضحة في تحزيب القرآن، وطرق تحزيب القرآن عن رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اقرأه في شهر، قال: إني أُطيق أكثر من ذلك، فقال: اقرأه في عشرين، قال: اقرأه في عشر، قال: اقرأه في سبع ولا تزد)، إذاً من أفضل القراءة أن تختم في سبع، بل جاء النهي عن ختم القرآن في أقل من ثلاث، إذاً ممكن أيضاً ثلاث، لكن أقل من ثلاث جاء فيها النهي، هذا تحزيب القرآن الذي جاء في السنة مرفوعاً عن رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم، والعلة في ذلك، في ألا تزد على سبع، قال: (إن لزوجك عليك حقاً)، حتى تؤدي الحقوق؛ لأنك لو ختمت في أقل من سبع، شُغلت عن حقوق الله الأخرى، أو حقوق الناس، والنهي عن الثلاث، قال: (فإنه لا يُفقه في أقل من ثلاث)، إذاً القصد أنك تتدبر القرآن، لا تهذّه هذّاً، اللهم استثنى بعض أهل العلم إذا كانت أيام فاضلة كرمضان حيث يتفرّغ الإنسان للقرآن أكثر، ويضع الله البركة في وقته، هذه طرق تحزيب المراجعة التي جاءت فيما أعلم في هدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، والمقصود أن الإنسان يثبت حفظه بهذه الطرق التي ذكرها الشيخ جزاه الله تعالى خيراً، وهل من الطرق الكتابة؟ يعني الكتابة كعقاب فيها نظر، نجد بعض المدرسين يعاقب طالبه بكتابة السورة التي لم يحفظها عشر مرات، وانظر بعد ذلك، بعد التجربة للمشاكل التي حدثت، أراني بعض المدرسين ماذا حدث لما فعل هذا؟ أوراق مبتذلة، يُكتب فيها القرآن، وبخطوط أحياناً لا تُقرأ، وتُكتب الآيات خطأ، ويقفز الطالب بعض الآيات حتى يختصر، ناهيك أنه يشعر أن القرآن أصبح عقاباً، ونحن نقول: لا تنفّر، فيشعر الطالب أن القرآن ثقيل، وأنه يُعاقب به، هذه الطريقة تحتاج إلى نظر، نعم لو كنت تأمره أن يكتب القرآن كما رأينا بعض مشايخنا الموريتانيين يأمر أبناءه يكتبون القرآن حتى يتعلموا رسم القرآن، فهذا جيد؛ لضبط القرآن وضبط رسمه، بل لا يجيزونك في بعض أقطار موريتانيا إلا إذا كتبت القرآن مرتين؛ حتى تضبط القرآن حفظاً ونطقاً ورسماً، فيبقى محفوظاً، هذا غير ما ذكرناه آنفًا؛ لأنهم في الغالب يكتبون في ألواح بيضاء، ثم يمحونها بالماء لا كما يفعل بعض طلابنا، أما قضية كتابة بعض التنبيهات على المصحف للتنبيه على بعض الأخطاء؛ مثلاً يخطئ في الفتحة فوضع عليها دائرة أو تحتها خطًا، حتى إذا راجع يمر عليها بسرعة، ويتذكر خطأه، هذه مما اختلف فيها المعاصرون، فأجازها بعض علمائنا المحققين، ونهى عنها بعضهم، والحقيقة أنها تختلف باختلاف الطالب؛ إن كان الطالب كبيراً يحترم القرآن والكتابة فيه فقد يخفف؛ بخلاف الطالب الصغير الذي قد لا يعظّم كتاب الله إذا سُمح له بالكتابة عليه، والله أعلم.

وأبرأ من الشرك الخفي وشرّه
واطهُر من الأحقاد والأضغان
لا تنتظر أبدًا ثناءً من أحد
أو مأرباً إذ كلُ شيءٍ فان
سر خاشعاً والبس ثيابًا طيبًا
متطيبًا بالطيب والريحان
وخذ السواك مع القَرنفل في فمك
متنظفًا لحلاوة القرآن
ودع القبائح والرذائل والمرا
لا تبدو في الأفعال كالصبيان
ودع القراءة في مكان سيء
كمكان أهل الفسق والعصيان
ودع التسوّل بالقرآن وعش به
رجلاً كريم الطبع غير جبان
واستغن بالقرآن عن دنيا البشر
ثم استعن بالخالق الرحمن
نَزَلَ القرءان لتعملوا قومي به
لم يأتِ للزيناتِ والأحزان

 

هذا المقطع يتكلم فيه الناظم حفظه الله تعالى عن آداب أخذ القرآن، وذكر فيما حصرت عشرة آداب، الأدب الأول: البراءة من الشرك الخفي والجلي، ولا شك أن أكثر القرآن، بل كل القرآن كما قال ابن القيم جاء في توحيد الله، فلا يُؤتى القرآن إلا من برئ من الشرك.

 

الأدب الثاني: البراءة من الأحقاد والأضغان، فالقرآن جاء لطهارة الإنسان؛ طهارة ظاهره وطهارة باطنه، فيطهر من أن يحمل غلاً على أحد، وهو حامل لكتاب الله.

 

الأدب الثالث: عدم طلب الثناء والمدح في أخذ القرآن وتعلمه، وهنا تدخل مسألة مهمٌ أن ننتبه لها، وهي مسألة كثرة الثناء على من حفظ والاحتفاء به، وتتويجه وتكريمه، ينبغي أن لا يكون هذا هو الأصل، هذا جائز لكن لا يكون هو الأصل، وحتى لا يكون هو الأصل ينبغي أن ينتبه المدرس لهذا، فيذكّر طالبه طوال العام بأنه يحفظ لوجه الله، وأن القرآن أجره كذا وفضله كذا؛ كما سيأتي، ويزرع هذا فيه، فإذا جاء التكريم على رأس السنة مرة، أو جاء الثناء على رأس الشهر مرة لم يكن هذا بالأصل الذي يتربى عليه الطالب، وغفلة المدرسين عن هذا الأمر توقع المصلحة مفسدة، فتتغير النيات عند الطلاب، ويطلب بعضهم الثناء والتنافس والظهور والإشارة بالأصابع؛ حتى يُقال: قارئ، وهذه خطيرة كما تعلم، من هنا كان هذا جائزاً لكن لم يكن هو الأصل، رأينا كثيرًا من كبار علماء عصرنا يحضرون حفلات تتويج القرآن، ويشاركون فيها وهذا مسجل لمن مات منهم، ومشهورٌ عمن بقي حياً منهم، لكن هذا على جهة الجواز: (أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)، لكن على جهة الجواز، ليس هذا الأصل، الأصل أن يطلبوا القرآن لوجه الله، ولطلب المنزلة عند الله سبحانه.

 

الأدب الرابع: السمت الصالح؛ كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى، حتى في مشية قارئ القرآن: سر خاشعاً، والأثر المشهور عن ابن مسعود أن حافظ القرآن معروف في سمته، في مشيه، في كلامه، في أخذه، في عطائه، يجب أن يؤثّر القرآن في الإنسان إذا أخذه أخذاً صحيحاً، فتجد أن سمته ودلّه اتسم بالسكينة والخشوع لما وعى قلبه من القرآن.

 

الخامس: الهيئة الحسنة، فمن الأدب أن يكون حافظ القرآن ومتعلم القرآن ومعلم القرآن ذا هيئة حسنة في ماذا؟ ذكر الشيخ في ثلاثة أشياء: الأمر الأول: في لبسه؛ فيكون لبسه حسنًا وهيئته حسنة، وهل يُلزم الطلاب بلبس معين؟ قضية الإلزام بما لم يلزم به الله صعبة؛ خصوصاً إذا كان فيها عقاب، وخصوصاً إذا كان فيها طرد من المسجد؛ كما فعل بعضهم، هذه مشكلة، لكن قضية الحثّ والتحفيز والتشجيع هذه من الأمور التي يُدعى لها؛ لأنها من مكارم الأخلاق، الأمر الثاني: الطيب؛ فتكون أيضاً رائحتك حسنة، وهو بهذا يكون طيب الظاهر وطيب الباطن، الأمر الثالث: السواك، والسواك هو الذي أعلم أنه جاء فيه أمرٌ خاصٌ مع القرآن، وإلا فالهيئة الحسنة والطيب هذا ما أعلم جاء مع القرآن فيه شيء بعينه، إنما جاء عموماً أن الإنسان يكون طيب ورائحته طيبة؛ خصوصاً في مجامع الناس، أما السواك فجاء حديث عند البزار بسند لا بأس به أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (طهّروا أفواهكم للقرآن)ن والمقصود الاستياك، والله أعلم، وإن قلنا أن هذا الحديث لم يصح، فثمة أحاديث أخرى دلّت على هذا؛ منها حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الليل في صحيح مسلم قال: (فأخذ السواك، فاستاك، ثم قرأ الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران)، هذا فيه إشارة إلى هذا الأمر، كذلك لما قبض صلى الله عليه وآله وسلم تناول السواك، واستاك، قال العلماء: حتى ينطق بكلمة التوحيد، وكلمة التوحيد من ذكر الله، وأعظم ذكر الله القرآن، والحديث في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها لما أخذ سواك عبد الرحمن ابن أبي بكر عند الاحتضار، الشاهد ثمة أدلة خاصة أو مجملة تدل على هذا الهدي، ولذلك ينبغي للمدرس أن يحرص عليه، يحرص أن طالبه قبل أن يقرأ يستاك، وهذه السنة أُحييت في بعض أنشطة إخواننا في مدارس التوحيد لتحفيظ القرآن الكريم، لكن ما ندري هل هي باقية عند مدرسينا أو قد فُقدت؟ فليحرص المدرس على هذا الأدب.

 

السادس: ترك القبائح والمراء، لا يحسن بمن يحفظ كتاب الله أن يتصف بالقبائح والرذائل، ويُكثر من المراء، وكثرة المراء مُنسية؛ بدليل أن رجلين تلاحيا؛ أي اختصما، فخرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأُنسي ليلة القدر أي ليلة هي، كان سيخبرنا عليه الصلاة والسلام بليلة القدر فتلاحا رجلان، فرُفع العلم بها، بقيت، لكن رُفع العلم بأي ليلة هي؛ بسبب الجدال، مع أنها مسألة عظيمة - سبحان الله - يمكن ما تُنسى بسهولة، ليست كحفظ آية مثلاً؛ لكن انظر لخطورة الجدال والمراء رُفع العلم بها عن الأمة، فالمراء يُنسي القرآن، لذلك اشتغال الإخوة ومعلمي القرآن ومحفظي القرآن والطلاب بالقيل والقال والجدال على أشياء تافهة، أحياناً برامج يتناقشون فيها، ويطول النقاش الذي يدخل في المراء هذا مما يُنسي القرآن، وقل مثل ذلك إذا أخذوا يتلاحون ويتجادلون في دنيا الناس، وأمور الناس والفتن والمشاكل هذا يُنسي القرآن، ولذلك من أعظم أسباب الثبات في الفتن والهرج العبادة؛ أن يثبت الإنسان على عبادة الله.

 

السابع: عدم قراءة القرآن في موضع غير لائق، وهذا طبعاً من تعظيم القرآن: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، ومسائل وأحكام تعظيم القرآن كثيرة جداً، وتعظيم المصحف حتى أن بعض العلماء تكلم في قضية أن تتخذ كرسي المصحف سترة، وذكر أن هذا ليس من تعظيم القرآن، فتوى نقلناها في بعض الدروس عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فتعظيم المصحف وتعظيم القرآن أمر نسبي؛ بمعنى أن تجد أن كثيرًا من العلماء يقول الأفضل أن نتفاداه هذا من باب تعظيم القرآن، وثمة أمور واضحة كأن يمد الطالب رجليه أمام المصحف مثلاً، بل أعجب من ذلك أن وقفت على فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى بعدم وضع المصحف الصغير في الجيب الجانبي، وعلل بعلتين: قال الأولى: أنه يجلس فيكون على الأرض، والثانية: أنه يكون بجوار ما يُستقبح، بل يوضع المصحف في الجيب الأمامي، انظر إلى أي درجة علمائنا يدققون في هذه المعاني الحليلة، ويعظمون شعائر الله ويأمرون بذلك، وقفت لفتوى مشابهة لهذه للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، لكنه ما استدل إلا بشيء واحد، فقال: لأنه إذا جلس يكون في الأرض، فأرى أنه لا حرج إذا وضعه في جيبه الجانبي؛ بشرط أنه إذا جلس على الأرض يرفعه على فخذه، فالشاهد أن مسائل تعظيم القرآن كثيرة، ولك أن ترجع إلى محاضرة قديمة؛ بعنوان: الأحكام الفقهية للمصاحف.

 

الثامن: عدم التسوّل بالقرآن: ودع التسوّل بالقرآن وعش به، أناسٌ يتأكلون بالقرآن، يطلب القرآن لأجل المال، ولأجل الجوائز، ولأجل الرواتب، ولأجل المناصب والعياذ بالله، وهذا حظه من القرآن ما نواه، يطلب الدنيا بعمل الآخرة، فرق بين من أراد أن يعلّم القرآن لوجه الله، وأخذ المال ليستعين بذلك، ومن علّم كتاب الله ليأخذ المال، والفرق واضح، إذا فقد المال هل يستمر مع القدرة على القراءة على الإقراء، وعلى الإمامة والخطابة أو لا؟ فإن كان سيستمر في التعليم، ولو بدون مكافئة، فهذا دليل على أنه يعلّم لوجه الله، فإن جاءه شيء استعان به، وإن كان لا فهذه إشارة إلى الآخر؛ لذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: فرق بين من أخذ المال ليحج، ومن حج ليأخذ المال، نحن نقول: فرق بين من يعلّم ليأخذ مال؛ أصلًا هو ما يعلّم إلا ليأخذ مكافئة، ومن يأخذ المال ليعلّم، هو يريد أن يفرّغ نفسه للقرآن، لكن ما يستطيع، فيأخذ المكافئة لأجل يتفرغ لهذا، هذا طبعاً فيمن تنتشر عندهم المكافئات، وإلا فأنتم من فضل الله عز وجل، واسأل الله لكم الإخلاص محتسبين في ذلك، إذاً هذا هو الفرق بين حديث: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) وبين حديث عبادة ابن الصامت وغيره لما علّم سورة من القرآن، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إن أخذت هذا القوس أخذت قوساً من نار، والأحاديث التي جاءت في النهي عن التأكل بالقرآن، والآيات العامة؛ كقوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون)، ونحوها، ما الفرق؟ قال العلماء: يجوز أخذ المال على القرآن في ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يكون من الإمام من ولي الأمر أو من الأوقاف؛ لأنهم قائمين على بيت المال، وبيت المال فيه حق لمعلم القرآن، وليس لأحد منة أن يُعطي معلم القرآن من بيت المال، فهذا حقه؛ لأنهم القائمين على فرائض الكفايات، الثاني: أن يأخذ جعلاً؛ والجعل يعني مكافئة دون اشتراط، هذا لا حرج فيه، ويُحمل عليه حديث أبي سعيد: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)، فأبو سعيد أخذ جعلاً على الشفاء، ولم يأخذ على العمل؛ أخذ على النتيجة، وهذا الفرق بين الجعالة والإجارة، ومن الفروق أيضًا أن الإجارة لازمة الجعالة جائزة، فقد ما يعطونك شيء، الثالث: أن يأخذ أجراً عند الحاجة، وهذا التحقيق في المسألة المشهورة التي اختلف فيها أهل العلم: هل يجوز أخذ المال على القرب؟ وفيها ثلاثة أقوال: من أهل العلم من أجاز، ومن أهل العلم من منع، والتحقيق ما اتجه إليه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنه يجوز عند الحاجة؛ لأن الأدلة في هذا متنازعة، فيحمل المنع على عدم الحاجة، والجواز على وجودها.

 

التاسع: الاستغناء بالقرآن عن الملذات الدنيوية: واستغن بالقرآن عن دنيا البشر، القرآن غنية من لم يتغنَ بالقرآن فليس منا، اجعل راحتك وسلواك وهُجيراك وديدنك في كتاب الله؛ استماعاً وإقراءاً وفهماً لما فيه، ما أحلى أن تعيش مع القرآن!، أتظن أن أصحاب المعازف، وأصحاب الملاذ، وأصحاب الصور المحرمة أفضل وأحسن سعادة من أهل القرآن؟ لا والله، يقول عثمان رضي الله تعالى عنه: لو صحت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم، ومن تلذذ بالقرآن ما وجد لذة أعظم منه في دنيا البشر.

 

عاشراً وأخيراً: العمل بالقرآن: نَزَلَ القرءان لتعملوا قومي به، القرآن نزل لنعمل به؛ فلا تكن ممن يقرأ القرآن ويحفظ القرآن، والقرآن يلعنه، لماذا لم تتأدب بآداب القرآن؟ وقد دعاك كتاب الله، وهذا فيه إشارة إلى أهمية التدبر، وللأسف أن القرآن الآن أصبح للزينات والأحزان، عندهم افتتاح حفل افتتحوه بالقرآن، مأتم قرؤوا القرآن، لم ينزل القرآن لهذه الأشياء، إنما نزل القرآن للعمل به، وفي افتتاح الحفلات بالقرآن كلام لأهل العلم، منهم من أجازه أحياناً، ومنهم من منعه مطلقاً، والمسألة تحتاج إلى تحقيق.

 

هذه عشر آداب ذكرها الشيخ من آداب حفظ القرآن وتعليمه، والآداب كثيرة جداً، ولا تخفى على أمثالكم كتبها ومصادرها، وما يتعلق بها، ولعل من أجمع كتبها وأفضلها: كتاب النووي التبيان في آداب حملة القرآن، ذكر أحكاماً وآداباً كثيرة، ولعلك ترجع أيضاً إلى أحكام المصحف، وكتبت فيه ثلاث رسائل علمية، تحدثت عن أحكام المصحف الفقهية تنظر فيها؛ لأنك معلم قرآن، وكذلك أحكام المساجد، وهناك كذلك رسالة علمية في أحكام المساجد، مع آداب تلاوة القرآن التي زخرت بها كتب التجويد، ومن أفضل ما وقفت عليه في آداب القرآن مجلدين، حوت دقائق جميلة في طريقة الحفظ، وطريقة المراجعة، وطريقة التكرار، ما أذكر الآن اسم الكتاب، لكن مؤلف الكتاب بنتان من بنات الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، انظر - سبحان الله - اشتغل الشيخ عمره بحفظ السنة، واشتغلت بناته بحفظ القرآن.

يا حامل القرءان فاقرأ وارتق
رتل فأنت المؤمن الرباني
ولأنت خيرُ الناس قال المصطفى
بحديثه المروي عن عثمان

 

هذا المقطع قبل الأخير في فضائل حفظ القرآن، وفضائل حفظ القرآن كثيرة جداً، ذكر الشيخ منها جملة: الأول: أنه يُنسب إلى القرآن، يا حامل القرآن، وحامل القرآن شبهه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث بالأترجّة، ريحها طيّب، وطعمها طيّب، فحامل القرآن طيّب الظاهر وطيّب الباطن.

الفضل الثاني: اقرأ وارتق بكل آية، يأخذ ثلاثة أشياء، ما هنّ؟ بكل حرف حسنة، كذلك بكل آية خير له من خلفة سمينة، والخلفة الناقة التي دخلت في السنة السادسة، وهي حامل، كذلك بكل آية يرتفع درجة، اقرأ وارتق؛ حتى قال الخطابي رحمه الله تعالى: درجات الجنة بعدد آيات القرآن،.

 

الثالث: قال رتل فأنت المؤمن الرباني، وصفه بالمؤمن الرباني، بل أعظم من هذا وصفه بأنه من أهل الله: (إن لله أهلين)، انظر لبداية الحديث؛ يعني مثيرة ومشوقة: إن لله أهلين، لكل واحد منا أهل، (وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته)، سبحان الله تُنسب إلى الله، وتُنسب إلى القرآن؛ (يأتي القرآن يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) اسمك أنت صاحب القرآن، وأنتم اسمكم أصحاب القرآن؛ فما أعظم هذه النسبة ! لله ولكتابه، ولاشك أن حفظ القرآن، وتثبيته ونشره من قوة الإيمان بالكتب، بعض الإخوة يقول: كيف الإيمان بالكتب يزداد؟ أنت جالس الآن تحفّظ كتاب الله، وتنشره بين الناس، وتعلمه هذا يزيد إيمانك بالكتب، الذي هو ركن من أركان الإيمان.

 

الرابع: ولأنت خير الناس، وعزا هذا: قال المصطفى بحديثه المروي عن عثمان، حديث عثمان رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

 

وتأتي الخامسة: شفاعة القرآن أن القرآن يشفع لأصحابه، وفي الحديث: (يأتي القرآن يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، يبقى السؤال من هم أصحاب القرآن؟ جاءت السنة ببيانهم، وقديماً جمعناها في خطبة أصحاب القرآن، جاء الذين يقرؤون البقرة وآل عمران، وجاء أيضاً الذين يقومون به، وجاءت ثالثة أصحاب القرآن.

 

هذه بعض فضائل القرآن، وفضائل القرآن كثيرة جداً جداً، واختصاراً لك أن ترجع إلى محاضرة سابقة تكلمنا عما جاء من الآيات والنصوص في تكريم الله لحفاظ القرآن، وتكريم الرسول لحفاظ القرآن، وتكريم الملائكة لحفاظ القرآن، وتكريم القرآن لأصحابه، حفلٌ عظيم من التكريمات يُقام لحفاظ القرآن على مشهد من الناس يوم القيامة، يميزهم الله، بل ويميز ذويهم، وهذا لا يخفى على أمثالكم.

ياربِ عفواً إن أسأتُ فإنني
عبدٌ ضعيفٌ يا إلهي فان
ولئن أصبت فمنك وحدك خالقي
أنت الكريم وواسع الغفران
نظم الكلام محمد بنُ أبو الحسن
أكرِمه يا ذا الفضل والإحسان
ورفاقه في مجلس اقرأ وارتقي
اغفر لهم بشفاعة القرءان
وكذاك كل مرتل ومعلّم
أغدق عليهم نعمةَ الرضوان
ثم الصلاةُ على النبي محمد
ما مر وقتٌ في الورى وثواني

 

ختم الناظم رحمه الله تعالى برد الفضل والإحسان إلى الله سبحانه وتعالى، والإساءة إلى نفسه، وذكر اسمه في نهاية النظم، ثم ختم بالدعاء له ولرفاقه، ولكل مرتل ومعلم لكتاب الله، وأخيراً ختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وبهذا نكون قد انتهينا من هذا النظم، ولعل المقصود به ظهر لكم، وفي المجلس من هو خير مني وأفضل، وأكرم مني وأقدم، لكن حسبنا أننا نتواصى على هذا الأمر العظيم، وندعو أنفسنا له؛ خصوصاً أن كثيرًا منا قد خصص نفسه أن يخدم الإسلام من هذا الباب، فلا تجد له عمل أكبر ولا أكرم في خدمة الدعوة من أنه اشتغل بتحفيظ وتعليم كتاب الله، فإن كان كذلك، فالله تعالى يقول: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، فليأخذ هذا الأمر بكل ما فيه؛ فيتقنه ويتعلمه، ويطوّر نفسه تارة بعد تارة، ويجدد في نفسه العزم حتى يسير إلى الله بقرآنه، والحمد لله القرآن خُدم قديماً، وما زال يُخدم إلى اليوم، لكن من الذي يتابع؟ ومن الذي يحرص على أن يستفيد ويستزيد؟ هناك هيئة عالمية لتحفيظ القرآن الكريم تعني بهذا الباب عناية بالغة، هناك هيئة جديدة باسم الهيئة العالمية لتدبر كتاب الله خصصت نفسها لإقامة الدورات والأبحاث والبرامج في تدبر كتاب الله، هناك كرسي علمي أُنشئ قبل شهر أو شهرين في جامعة أم القرى، رُصدت له الملايين لخدمة القرآن، يرأسه إمام الحرم الشيخ عبد الرحمن السديس، هناك مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، له خدمات كبيرة في خدمة كتاب الله وترجمته وتفسيره، وأيضاً التقنيات المتعلقة بحفظه، حتى أن بعض التقنيات ما أُجيزت إلى الآن، وأنا قد ذكرت القلم الالكتروني، لكن أنبه أنه ما أُجيز من المجمع، فهناك خدمات كثيرة جداً جداً لكتاب الله عز وجل، والأمر ميسور للإنسان لو دخل على شبكة النت وجد كثيرًا من الأشياء التي ما يستطيع أن يصل لها إلا بأموال وسفر وأشياء، فاحرص أخي الكريم أن تطوّر نفسك، وأن تعلم نفسك، وأن تجتهد في الإتقان والإحسان (إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه)، قدر ما تستطيع، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن حاول أن تستزيد وتستفيد.

 

هذه كانت ضمن سلسلة تربوية نقيمها في هذا المسجد، وارشفوها ضمن سلسلة المنظومات القرآنية التي بدأناها في مسجد بدر، وها نحن اليوم نثنّي، وليتنا نحرص على نشر هذه المنظومات القرآنية بين المعلمين والطلبة.

 

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي ما كان من تقصير وتفريط، وأن يعينني على التقوى، وأن يجدد فيّ وفيكم معاني الإخلاص، وأن يختم لنا ولكم بالحسنى، وأن يصرفنا وإياكم عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ارزقنا من العمل ما تحب وترضى، اللهم لا تتوفانا إلا وأنت راضٍ عنا، اللهم إنا نسألك أن تحرم أجسادنا على النار، اللهم اجعلنا من أهلك وخاصتك يوم الدين، اللهم لا تصرفنا عن العمل بطاعتك ونشر دعوتك، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم ألّف ذات بيننا واجمع قلوبنا، اللهم واختم لنا بالإحسان، اللهم وسع لنا في قلوبنا، ونوّر لنا فيها، اللهم اجعلنا ممن ثبّته بالقول الثابت عند الممات، واجعلنا ممن فاز بالرضوان يوم لا ينفع مال ولا بنون، اللهم اجعلنا ممن أتاك بقلب سليم، اللهم خذ بأيدينا للتقوى، وارزقنا من العمل ما تحب وترضى، وحرّم أجسادنا على النار؛ إن أجسادنا غداً على النار لا تقوى، وجزاكم الله خيراً على هذا الحضور والاستماع المبارك.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح عقود الجمان في تجويد القرآن لأبي إسحاق الجعبري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فتح المنان في شرح منظومة آداب قارئ القرآن (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة: (شرح منظومة الزمزمي في علوم القرآن)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح القاعدة (24) من القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن (القرآن يرشد إلى التوسط)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • شرح القاعدة (23) من القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن (إرشادات القرآن نوعان)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • مخطوطة حقائق المنظومة في شرح منظومة النسفي في الخلافيات(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عناية العلماء بالعقيدة الواسطية(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة مجموع فيه كتابان: شرح آداب البحث للسمرقندي وحاشية على شرح آداب البحث للسمرقندي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة قطعة في الفرائض - شرح المنظومة الرحبية ( جزء منه )(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب