الرياض تجوب ألمانيا!

الرياض تجوب ألمانيا!

في اليوم الثاني من شهر محرم من عام 1406هـ الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر من عام 1985م بدأت مدينة الرياض - الشامخة - جولة تعرف بنفسها على أهم المدن الألمانية في كولونيا في الوسط وقرب بون العاصمة، ثم في شتوتغرد في الجنوب، ثم في هامبورغ في الشمال، وقد لا يبالغ أي شخص عندما يقرر أن الرياض لاقت ترحيبًا دافئًا من قبل الألمان على المستويات المختلفة، فقد بدا ذلك في الجولة الأولى للرياض في مدينة كولونيا، وقد رأى الناس هناك الصفوف الطويلة التي كانت تنتظر دورها في رؤية مدينة الرياض الشامخة، وتتاح لنا الفرصة لرؤية انطباعات الناس من خلال زيارة المعرض مرتين؛ الأولى كانت رسمية يوم الافتتاح، والثانية وكانت خاصة رأى فيها المرء ما لم يتمكن من رؤيته في الزيارة الرسمية الأولى.

والذي أسبغ على الرياض هذا الإقبال والقبول كون رجال الرياض وعلى رأسهم سمو أميرها الأمير سلمان بن عبدالعزيز يرعونها في الافتتاح، وإلى آخر لحظة، فالذين أموها يوم الافتتاح أعطوها طابعًا رسميًّا جلب إليها الأنظار الرسمية في كولونيا القريبة من بون عاصمة البلاد ومقر البعثات الدبلوماسية في ألمانيا، ثم يأتي أولئكم الرجال الذين عملوا ويعملون من وراء الستار، وكنت تراهم يوم الافتتاح إلى يوم الختام وهم يقفون على قدم وساق يتابعون ويقدمون الخدمات التي اعتادها المرء منهم في مثل هذه المناسبات فكانوا هم المحرك الذي نتج عنه نجاح معرض مدينة الرياض في كولونيا المدينة الألمانية الكبرى.

ولعل الاهتمام بالرجال قد تكرر أكثر من مرة في هذه الصفحة؛ وذلك لأن كاتبها يعقد على الرجال الآمال الكبار في أن يمثلوا بلادهم خير تمثيل، وهذا ما حدانا أو حدا بنا إلى أن نحاول التوقف مع أكثر من رجل في أرض المعرض وخارج أرض المعرض نوحي لهم بتقدير المجهودات التي يقومون بها، ولن تقوم الدنيا كلها إن لم تقف على أكتاف المخلصين من أبنائها الصالحين.

نرى الشباب العربي المسلم الذي كان موجودًا في المعرض بزيه السعودي العريق يمثل بلاده خير تمثيل؛ فشبابنا - بفضل من الله - رجال في وجوه الشباب..ومدينة فيها هؤلاء الشباب وبلد يخرج مثل هذه الفئة من الشباب لا بد أن ينهض، ولا بد - بحول من الله وقوة - أن يصل إلى المستويات التي يريدها له رجاله.

الوجه الإعلامي:

والجانب الإعلامي في المعرض كان - مثل غيره - موفقًا في إبراز مدينة الرياض كما هي دون مبالغة، لكن الأسلوب الذي اتبعت فيه الدعاية لمدينة الرياض كان الأسلوب الذي يقبله العقل الأوروبي، وقد تعود عليه؛ كالملصقات والأفلام والصور والاتصالات بأكبر رقعة إعلامية ممكنة، وتزويد المحررين والمحققين بالمعلومات التي لم يكن الواحد منهم - بحق - يفكر في نسبة قليلة منها، ولكنه العقل المفكر الذي درس ما يريده هؤلاء من أساليب إعلامية، فقدم لهم الرياض بأساليبهم..وكان المكتب الإعلامي في المعرض - بحق - مشغولًا طوال الوقت في محاولة لتلبية الطلبات التي تصله إما من الهيئات الإعلامية أو من الأشخاص الذين يزورون المعرض، ولم يكتفِ المسؤولون فيه بذلك، بل إنهم خرجوا عن أرض المعرض فتجد ملصقات مدينة الرياض في مدينة مثل بون العاصمة تدعوك إلى زيارة المعرض.

وهذا فقط مجرد محاولة سرد للانطباعة التي خرج بها زائر المعرض، وليس الموقف هنا موقف إطراء أو تعديد للوجوه التي ساهمت في إنجاح المعرض؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما أعطينا كل ذي حق حقه من الإطراء، سواء في مقام إمارة منطقة الرياض برجالها، أو في أمانة مدينة الرياض برجالها، أو في السفارة السعودية في بون برجالها، أو في الجهات الأخرى المتعددة التي كانت وراء نجاح هذا المعرض الفريد لمدينة الرياض الشامخة.

الأمس.. واليوم..

والرياض - المدينة الشامخة - قدمت نفسها للناس بين الأمس واليوم، وهي بذلك تود أن تنبه الكثيرين على أنها فخورة كل الفخر بأمسها ببساطته العمرانية وعراقته العربية وانتمائه العقيدي، فأظهرت الرياض نفسها للناس حينما كانت صحاري مرتعًا للرحَّل من أبنائها..ببيوتهم المتنقلة معهم، ثم بدأت تستقر فيها الحياة فترى بيوت الطين في بداياتها إلى أن بدأ يعلوها البياض وتدخل عليها الزخرفة، ثم بعد ذلك ترى نفسك أمام مشروعات ضخمة للخطوط العريضة والجسور المتعددة والعمارات الحديثة المرتفعة منها والمبسطة، وترى مدينة الرياض وقد أصبحت مجموعة من المدن، فهذه مدينة صناعية وهذه مدينة جامعية وتلك مدينة دبلوماسية وأخرى مدينة علمية وهكذا.

والرياض حينما تربط أمسها بيومها وغدها إنما تريد كذلك أن توحي للكثيرين بعدم التخلي عن أمسهم إذا كانوا ينتظرون غدهم، فما اليوم دون الأمس، وما الغد إن لم يكن قد قام على قواعد اليوم والأمس؟ والرياض بذلك تحيي ذكرى أبناء الأمس الذين عمروها وذلَّلوا عقبات كثيرة لأبناء اليوم ليتموا عمرانها.

والذي زار الرياض المدينة بالأمس ولم يتمكن من زيارتها اليوم، ولكنه زار الرياض المعرض في كولونيا تعجب كثيرًا مما وصلت إليه اليوم - رياض الأمس، فقد زارها أحدهم قبل عشرين عامًا من أيام الأمس، ورآها في كولونيا اليوم وسجل بعد هذه الزيارة مقدار إعجابه بأن قال: "إذا كان البشر يهرمون مع الأيام فإن الرياض تزداد شبابًا وحيوية بعد يوم، حقًّا إن الرياض (الأمس) لا بد أن تفخر برياض اليوم، وحقًّا إن رجال الأمس فخورون برجال اليوم من أبنائهم"، وقد ولدت زيارة الرياض المعرض رغبة أكيدة لدى الكثيرين لزيارة المدينة الشامخة الرياض.

وفي إحدى محطات التلفزيون الألماني ظهر أمين مدينة الرياض الأستاذ عبدالله العلي النعيم ينادي بزيارة الرياض بالأسلوب الذي تقبل فيه الرياض زوارها، فقد نوه أمين مدينة الرياض بأن هذا المعرض ليس للدعوة لزيارة الرياض زيارة سياحية وإنما هو وسيلة للتعريف بمدينة الرياض دون غرض سياحي، أما من يريد أن يزور مدينة الرياض فإن أفضل وسيلة له - كما ذكر الأمين - أن ينضم إلى الملايين من زوار بيوت الله بعد أن يمن الله عليه بالإسلام، وما يدريك فلعل الرياض المعرض تكون وسيلة لأن ينضم البعض إلى هذه الملايين من زوار بيت الله!خاصة أن مدينة الرياض لم تُغفل الأمس الذي كانت عليه، كذلك أن مدينة الرياض أوضحت الجانب الروحي الذي تفخر به فعرضت للناس مجسمًا لبيت الله الحرام في مكة المكرمة كان مؤثرًا، وكانت الصفوف متراصة تنتظر دورها في الاستماع إلى الشرح المصحوب بالإضاءة المناسبة.

جوانب للملاحظة!

ولا بد لمثل هذا العمل الكبير من بروز بعض الملاحظات المجردة التي يراها الزائر فيود لو لم تكن موجودة، أو يود لو أضيفت مع الاعتقاد بإمكانية ذلك، والاعتراف سلفًا بعدم الاطلاع التام على ظروف ومجريات المعرض في إعداده واستعداده، ولكن عملًا مثل هذا لا بد أن ينال حقه من الملاحظات من جهة، ومن جهة أخرى فهذه محاولة لعدم إتاحة الفرصة للخروج من هذه الصفحة بالانطباعة التي مؤداها أن عين الرضا عن كل عيب كليلة، ومن جهة ثالثة فالمعتقد أن القائمين على إعداد المعرض لا يستغنون بأي حال عن الملاحظات التي تعينهم على أن يخرج المعرض في مراته القادمة بأسلوب أكثر نجاحًا مما ظهر عليه في كولونيا، ولعل من هذه:

1- الرياض تريد أن تُري الناس الكثير مما لديها؛ فلذلك تحتاج إلى رقعة أوسع مما كانت عليه، خاصة مع الإقبال الكبير على المدينة المعرض الذي - كما ذُكر - كان فوق المتوقع.

2- والرياض في المعرض حرَصت على أن تكون واضحة للناس كلهم؛ فلذلك عمدت إلى الإكثار من الأضواء؛ مما أكسب الجو حرارة غير معهودة، خاصة مع الإقبال الكبير والضِّيق النسبي للمكان، والمدن الألمانية عمومًا لا تعرف التكييف، ولعل سَعة المكان تعين على خفة حدة الحرارة غير المعهودة.

3- والرياض في المعرض اكتست حلة جميلة حينما كان أبناؤها يتجولون بزيهم العربي الفريد، وعادة يصحب ذلك كله الجانب الغذائي، حيث تهتم هذه الشعوب بالأكلات العربية المحلية بمطعم صغير يقام لهذه المناسبة، تقدم فيه الوجبات العربية المحلية بأثمانها التي تغطي تكاليفها، ولا بأس من القهوة العربية مصحوبة بالرطب أو التمر.

4- ساهمت شركات عالمية كبيرة في بناء مدينة الرياض بوسائل متعددة وأساليب مختلفة، وحبذا لو طلب من هذه الشركات المساهمة في الدعاية لمدينة الرياض ومدن المملكة الأخرى بإقامة معارض مشتركة فيما بينها تكون متنقلة، ويكون التنسيق فيها عائدًا إلى أولئك الذين نسقوا لمعرض مدينة الرياض في ألمانيا، ويمكن أن يكون هذا من ضمن الجوانب التي يتفق عليها عند استلام المشروعات الكبرى لمدن المملكة؛وذلك لأن مدينة الرياض - وغيرها من مدن المملكة - ربما لا تستطيع أن تجوب العالم بهذا المستوى من العرض الجميل والإعداد والدعاية والدعوة له.

5- الجانب الإعلامي كان موفقًا، لكن العادة جرت على توقُّع المزيد من الإعلاميين في تغطية مثل هذه المناسبة، ولعلنا نركز هنا على استصدار المواد الإعلامية التي لا تكلف كثيرًا وتدوم قليلًا، إضافة إلى ما أنتج من أفلام ونشرات ومعلومات؛ فجوانب الدعاية والإعلان قد فاقت في عالم اليوم مجرد السمع والبصر إلى المحسوس من المواد التي تأخذ جانب المتحفية في عرضها ومادتها.

الرياض في ألمانيا خطوة فريدة من نوعها نالت إقبالًا كبيرًا دعا إلى تكرار مثل هذه الخطوة في أماكن أخرى غير ألمانيا ولمدن المملكة الأخرى غير الرياض كما أمر جلالة الملك حفظه الله بذلك، وقد آتت هذه الخطوة ثمارها في الأيام الأولى من افتتاح المعرض في كولونيا، وينتظر المزيد في مدينتي شتوتغارد وهامبورغ، فهنيئًا لكل أولئك الذين حرصوا على أن يربطوا يوم الرياض بأمسها. (الجزيرة، العدد 4755 - السبت 21 محرم 1406هـ الموافق 5 أكتوبر 1985م).