• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

الرسائل النبوية في حضرة ثلاثة ملوك: استشراف دولي وفقه دبلوماسي

الرسائل النبوية في حضرة ثلاثة ملوك: استشراف دولي وفقه دبلوماسي
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2017 ميلادي - 2/4/1439 هجري

الزيارات: 12748

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرسائل النبوية في حضرة ثلاثة ملوك

استشراف دولي وفقه دبلوماسي


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومِن سيِّئات أعمالنا، مَن يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

 

أما بعد:

فإنَّ المتأمِّل في هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي سيرته الشريفة يَلحَظ ما كان فيها من الآيات والمعجزات، وما كان فيها من المنهج السديد الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بلاغه رسالات ربِّه، ومهما أجال المؤمنُ بصَرَه، وتأمَّل بفكره في هذه السيرة الشريفة وجد فيها الخيرات والبركات، ومن جملة ما يقف عنده المؤمنُ متأمِّلًا في المنهجيَّة الكريمة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس، يجد أنه عليه الصلاة والسلام قد سلَك المسالك الكريمة، وبذَل الجهد العظيم فما لقِي ربَّه حتى بلَّغ رسالته، وأدَّى أمانته، ونصح للأمَّة، وجاهد في الله حق جهاده حتى تركنا على مثل البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك.

 

وفي هذه الدقائق نقف وإيَّاكم متأمِّلين متدبِّرين في ما كان مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكاتَبَتِه لملوك زمانه، ونستعرض موقف ثلاثة ملوك كبار عظام مِن نبيِّنا عليه الصلاة والسلام ومن دعوته، فإنه قد ثبت في الصحيح أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كتب إلى كل ملِك مِن ملوك زمانه، وقد فعل عليه الصلاة والسلام ذلك حتى يُقِيم الحجة، بعد أن قامت الدولة النبوية بالمدينة، فبدأ بمكاتبة الملوك، ومن جملة ذلك أنه كتب إلى ملِكين عظيمينِ في زمانه يمثِّلان أقوى الدول هما هرقل وكسرى، وهكذا أيضًا ما كان مِن تعامله عليه الصلاة والسلام مِن قبل واستشرافه لأحوال الناس وأحوال الدول من حوله لما كان بمكة، فإنه قد كان ثمة موقف كريم شريف لملِك نصرانيٍّ في ذلك الزمان وهو النجاشي، فإنه قد عُرف عدْله، وعُرف فضله، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للمسلمين وهم بمكة لما ازدادت أذيَّة قريش لهم: ((اذهبوا إلى هذا الملِك، ملِك الحبشة، فإنه ملِك لا يُظلم عنده أحدٌ)).

 

هكذا يَستَشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحوال، ويسْبرها ويعْلم حقيقة الوقائع، ومن هنا كان توجيهُه عليه الصلاة والسلام للصحابة أن يذهبوا لهذا الملِك النجاشي، فقد روى الإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني؛ أنَّ أم سلمة رضي الله عنها - وهي مِن المهاجرات إلى الحبشة، وذلك قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم - ذكرتْ أنَّ عمرو بن العاص، وكان إبَّان ذلك مشركًا لم يُسلم، لمَّا أراد أن يحرِّض النجاشيَّ على مَن هاجر إليه مِن المسلمين، فإن قريشًا لما علمَت بذهاب المسلمين إلى الحبشة بعثَت ثلاثةً مِن كُبَرائها، ومِن دُهاتها الذين يُحْسنون الحديث والتفاوض، وحمَّلتهم بالهدايا القيِّمة، والمتعلقات الفاخرة، فلما حضر عمرو عند النجاشي، وأراد أن يَدخل عليه مِن جهةٍ دقيقةٍ حسَّاسةٍ في نفسه قال له كما في المسند: (أيها الملِك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا)، فعظُم هذا على النجاشي وأرسل إليهم: اسألوهم عما يقولون، فعظُم هذا على الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم كانوا قد استُقبلوا استقبالًا كريمًا مِن النجاشي، وآواهم ووجدوا عنده المأوى، فلما قيل لهم: إنه يسألكم عن عيسى، حصل بعضُ التردد عند بعضهم، لكن العلماء منهم قالوا: والله لا نقول إلا ما جاء في كتاب ربِّنا.

 

أرسل إليهم النجاشيُّ يسألهم عما يقولون في عيسى، قالت رضي الله عنها: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلُها، فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه، قالوا: نقول والله ما قال الله تعالى وما جاء به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ما هو كائن.

 

فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: نقول فيه الذي جاء به نبيُّنا، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودًا ثم قال: ما عدا عيسى - ما تجاوز عيسى ابن مريم - ما قلتَ هذا العود. فتناخَرَت بطارقتُه حوله حين قال ما قال، فقال النجاشي: وإنْ نَخَرْتُم، والله فاذهبوا فأنتم الآمنون، مَن سبَّكم غُرِّم، ثم مَن سبَّكم غُرِّم، ثم مَن سبَّكم غُرِّم، فما أُحبُّ أن لي دِبرًا (جبلًا) مِن ذهب وأني آذيتُ رجلًا منكم.

 

هكذا كان موقف هذا الملِك الكريم، وإنما قال هذه المقولة، وأذعن هذا الإذعان لأنه كان عنده علم من الكتاب الأول، ويعلم حقيقة عيسى عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله، ويعلم أيضًا أن عيسى عليه السلام يُبشِّر بنبيٍّ يأتي مِن بعده كما هو منصوص عليه في الإنجيل ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].

 

وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية، في قصة إسلام النجاشي، في هجرة المسلمين إلى الحبشة، وقوله لجعفر رضي الله عنه: ما يقول صاحبُكم في ابن مريم؟ قال جعفر: يقول بقول الله فيه، هو رُوح الله وكلمتُه أخرجه مِن العذراء البتول التي لم يَقْرَبها بشر، ولم يَفْرِضها ولد، فتناول النجاشي عودًا من الأرض ورفعه وقال: يا معشر القسِّيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ولا وزن هذه، مرحبًا بكم وبمن جئتم مِن عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشَّر به عيسى، امكثوا في أرضي ما شئتم.

 

هكذا كان موقف هذا الملِك الكريم، فكان إسلامه وإيمانه، ولذلك لما تُوفي مِن بَعد نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاته، فأَمَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يصلُّوا عليه معه صلاة الميت، صلاة الغائب، رحمه الله ورضي عنه وجزاه خير الجزاء عن نبيِّنا عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة رضي الله عنهم وعن الإسلام.

 

وملِك آخر يُعرَض عليه شأن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إنه هرقل ملِك الروم، يَبلُغه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الكتاب الكريم الذي جاء إلى هرقل على حين نشوة منه؛ فإنه لتوِّه قد رجع منتصرًا على الفُرس، وهو بأبَّهته وكمال قوَّته، فيَبلُغه الكتاب النبوي الشريف كما ثبت في الصحيحين نصُّه: ((مِن محمد رسولِ الله إلى هرقل عظيم الروم، أسلِم تسلَم، أسلِم يؤتِكَ الله أجرك مرتين، وإن أبيتَ فإن عليك إثم الأريسيينو ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْأَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 64] الآية)).

 

وما أعظَمه مِن كتاب! وما أشرفه! ولسوف تتقاصر كلُّ أدوات الدبلوماسية والسياسة عن إدراك شأو هذا الكتاب، كيف لا والذي أمْلاه هو مَن لا ينطق عن الهوى، والذي أمْلاه هو مَن هو مؤيد بالوحي مِن رب الأرض والسماء، ولذلك فإنَّ هذا الكتاب النبوي بكل كلماته وحروفه مجال للدراسة الدبلوماسية ليُعرف كيف يتمُّ التخاطب بين الدول والملوك، وكيف ينزَّلون منازلهم، وكيف يُتوصَّل إلى المراد من غير إسهاب مع مراعاة للأمور التي تحتفُّ بالقضية التي يُكتب في شأنها.

 

بَلَغ هذا الكتاب إلى هرقل، وكان مِن دهاة الملوك وعقلاء الرجال، فإذا به يَطلب مِن حاشيته مَن يبيِّن لهم حقيقة هذا المرسِل، مَن هو محمد بن عبد الله؟ وأي تاريخ له مِن قبل؟ وكيف كان شأنه في قومه؟ وهل كان فيهم مِن مُلك مِن قبل؟ وكان إذ ذاك يوجد وفد مِن العرب، مِن قريش، فيهم رجل مِن كبرائهم وهو إذ ذاك أبو سفيان إذ لم يُسلم بَعد، فأحضَره، وكان لِدهاء هرقل قال للعرب الموجودين عنده: إني سائلٌ صاحبَكم فإنْ كذَب في شيء فأشيروا إليَّ، وكان العرب مِن عادتهم أنهم يَستقبحون الكذب حتى وهم إذ ذاك مشركون، فجاءت الأسئلة تترى إلى أبي سفيان في حديث طويل كما ثبت في الصحيحين، وخلاصة ذلك هنا أن هرقل بَعد أن طرح أسئلته قال لأبي سفيان: سألتُك: هل يغدر؟ هل يغدر محمد عليه الصلاة والسلام؟ فذكرتَ أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتُك: بم يأمركم؟ فذكرتَ أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإنْ كان ما تقول حقًّا فسيَمْلك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنتُ أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلُص إليه لتجشَّمتُ (لتكلَّفت) لقاءه، ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدميه.

 

الله أكبر، هكذا تأتي هذه الشهادة الصارخة التي شدخَت قلبَ أبي سفيان، كيف يقول هذا الملِك عن هذا الرجل الذي نحاربه ونكذبه ونطارده، ولذلك قال أبو سفيان لحظتها: لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كبشة، يقول: لقد عظُم شأنُ هذا الرجل، محمد بن عبد الله، نسبَه إلى أحد أجداده مِن جهة أمِّه، أو أحد آبائه عمومًا من الأجداد، ابن أبي كبشة، وكانت العرب إذا أرادَت أن تُقلل من شأن أحد نسبته إلى جد غابر وبالأخص من جهة أمِّه، وإلا فهو يعلم نسَب رسول الله، أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أشرف نسب على وجه الأرض، وأطهره وأكرمه وأسماه وأجلُّه، لكنه عدَل في تلك اللحظة إلى هذه النسبة؛ لأنه أحسَّ بالهزيمة، كيف تأتي هذه الشهادة مِن هذا الملِك؛ أنه يتمنى ليس مصافحة رسول الله، ولا الحضور بحضرته الشريفة، وإنما أن يغسل عن قدميه، وهو شرف له وكرامة ولغيره لو حصَلَت له بما جعل الله من البركة لسيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ويذكر بعضُ أهل السير كابن كثير رحمه الله: أن هرقل استدعى الأُسقف الأكبر للرومان، فدخل عليه، وكان كل الناس في الرومان يطيعون أمر هذا الأُسقف الأكبر، فعرض عليه هرقل، عرَض هرقل الكتاب على هذا الأُسقف، وأمَره أن يطلع عليه، فلما قرأ الأُسقف الكتاب، قال: هو والله الذي بشَّرنا به موسى وعيسى، الذي كنا ننتظر، شهد شهادة الحق، فقال هرقل: فما تأمُرني؟ فقال الأُسقف: أما أنا فإني مصدِّقه ومتَّبعه، فقال قيصر (هرقل): أعرف أنه كذلك، ولكني لن أفعل؛ فإن فعلتُ ذهب ملكي وقتلني الروم.

 

فضنَّ هرقلُ وبخل بملكه؛ لأنه يرى أنه إنِ اتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن يُتابعه قومه ويقتلوه حمية لدينهم، وهنا يلتفتُ الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى أمر آخر، يقول: لو أن هرقل تفطَّن لهذا الكتاب النبوي وما جاء فيه، وتفطَّن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَسْلِمْ تَسْلَمْ))، وحمَل هذا الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلِم لو أسلَم مِن كل ما يخافه، ولكن التوفيق بيد الله.

 

نعم ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]، لو أن هرقل تأمَّل أنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَسْلِمْ تَسْلَمْ))، تسلَم في نفسك وفي مُلكك، وأعظم من ذلك في آخرتك، ولكن التوفيق بيد الله.

 

هكذا كان الأمر بين يدي هذا الملِك الذي زال مُلكه، ولكن بقيتْ له بقية في عقبه؛ لأنه لما بَلَغه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمه وعظَّمه وجعله في عُلبة مما شأنه وَضْع الطيب فيه، وأوصى بنِيه وقال: سيبقى المُلك فيكم ما حفظتم هذا الكتاب، وقد ذَكر بعض العلماء، كما ذكره السهيلي في (الروض الأنف) وغيره: أن بعض قادة المسلمين رأوا هذا الكتاب عند الروم إبَّان العهد الأندلسي في حدود السَّنة ثمانمائة للهجرة، رآه بعضُ قادة المسلمين عند بعض ملوك الروم، فعظُم عليه هذا الأمر، وتشوَّف للإمساك بهذا الكتاب حتى يتشرَّف به وببركته، فالذي أرسله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أبى ذلك.

 

والمقصود أن هذا الملِك كان هذا هو شأنه، أنه عظَّم كتاب رسول الله، وشهد له بالحق، ولكنه لم يتَّبعه فزال مُلكه، ولم يهنأ بما هو فيه، وأيضًا فات عليه الأمر الأعظم وهو أمر الآخرة، والله جل وعلا له الحكمة البالغة، وهو القائل سبحانه: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدِّين، وصلَّى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتْباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

أما بعد:

فقد كان هذا هو الشأن بين يدي هذين الملِكين، النجاشي وهرقل، وكان شأنهما شأن التكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أُرسل مِن قِبله.

 

وملِك ثالث بلغه الكتاب النبوي لكنه أدركته، أدركتْ هذا الملِك حماقتُه وتجاسُره على جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما كان مِن كسرى ملك الفرس، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعث بكتابه مع رجل إلى كسرى، وأمَره أن يَدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزَّقه، قال ابن المسيب: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمَزَّقوا كل ممزَّق.

 

لما بلغ هذا الكتاب النبوي إلى كسرى قال مقولة الغضب، ومِن جملة ما قال فيما نُقل في بعض كتب السيَر: كيف يكتب عبدي إليَّ بمثل هذا؟! ثم بادر بعد أن مزَّق الكتاب النبوي الشريف إلى أحد الكتَّاب عنده؛ أنِ اكتب إلى عاملي باذان في اليمن يُحضر لي رأس هذا الرجل مِن الحجاز، وما كان يدري أنَّ الأمر أعظم مما هو يتصوَّره، فهذا الرجل الذي يقول، مؤيد مِن رب العزة والجلال، ولذلك كانت استجابةُ دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر فإن شيرويه قد انقلب على أبيه كسرى وقتَله، وكان حين ذاك الشأن قد وَصَل سفيرانِ مِن كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما وهما حاضران عنده، لما ذكرا ما ذكرا من شأن كسرى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى عليهما إطالة شواربهما وشُعورهما وقال: ((لمَ تفعلان ذاك؟)) فقالا: إنَّ ربَّنا يأمرنا بهذا، يَعنيان كسرى، قال: ((إنَّ ربَّكما قد قُتل))، فأخبرهما بمقتله وهما حاضران عنده بوحيٍ من السماء.

 

والمقصود: أن كسرى كان هذا موقفه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فزال مُلكه.

فهكذا كان تعاملُ ثلاثة ملوك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مَن كرَّمه كُرِّم، ومَن كان موقفه على ما كان مِن مثل كسرى فإنه كان ما كان مِن شأنه، وهذا كله يدل على حفظ الله تعالى لنبيِّه محمد عليه الصلاة والسلام وحفظ رسالته وحفظ دينه إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

 

وهو يبيِّن أيضًا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم مِن الحرص على إبلاغ رسالة ربه، فإنه قد بذل كل جهد في ذلك، فدعا الصغيرَ والكبير، والقريبَ والبعيد، حتى إنه كان عليه الصلاة والسلام يَبلغ به الأسى مبلغَه حينما يُشاهد الذين ينصرفون ويستنكفون ولا يؤمنون، حتى نزل عليه قول ربِّه: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، لماذا تأسَفُ يا رسولنا وتُتعب نفسك ألَّا يؤمنوا فالهداية ليست إليك وإنما إلينا ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص: 56]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾ [يونس: 99]، وهذا يدلُّ على أن الإيمان والتوجُّه إليه إنما هي نعمة ومنحة مِن الله جل وعلا يمنُّ بها على مَن يشاء، فاحمد الله يا عبد الله أن هُديتَ إلى الإسلام، واحفظ هذا الإيمان ولا تمُتْ إلا وأنت ثابت عليه كما أوصاك ربك جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

ثم أيضًا هذا يبيِّن ما يجب على عموم المسلمين مِن بلاغهم رسالاتِ ربهم، فكلُّ مسلم مأمور أن يؤدِّي ما عَلم من الإسلام، يبلِّغ الإسلام وشرائعه، وآدابه وسُنَنه، يبلغ ذلك إلى من حوله، فيبلغ المسلمون بعضهم بعضًا، ويتواصون فيما بينهم كما قال الله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]، ويبلِّغونه أيضًا إلى مَن لا يعرفه مِن غير المسلمين، واليوم أكثر أهل الأرض مِن غير المسلمين، إذا كان عدد سكان الأرض يفوق سبعة مليارات، ليس منهم إلا مليار ونصف مِن المسلمين، فالبقيَّة مسؤولية مَن؟ مسؤولية كل مسلم، كلٌّ حسب ما كُلِّف به، فيجب على القادة والعلماء ما لا يجب على غيرهم، ويجب على الأفراد كلٌّ بحسَبه، مَن ملَك لغة أو تخصصًا أو مجالًا من المجالات التي يتمكن من خلاله أن يبلِّغ، عليه من الواجب ما ليس على غيره، وما أجمل وأحكم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبيِّنًا هذا الأمر، وألَّا يستكثره الإنسان على نفسه: ((بلِّغوا عنِّي ولو آية))، ولا يُشترط في المبلِّغ أن يكون كاملًا حتى يبلِّغ، ولا أن يتنصَّل المسلم فيقول: هذه مسؤولية العلماء. كلٌّ عليه مِن الواجب بقدْر ما حُمِّل حتى يَشرُف بالوصف الرباني الذي وصف به مَن قام بهذا الواجب العظيم: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].

 

قال ابنُ كثير: وقد قام بهذا الواجب على أتمِّه وأكمَلِه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صحابته من بعده ثم التابعون لهم بإحسان. فنسأل الله تعالى أن يَنْظِمنا في سلكهم وأن يجعلنا في حزبهم.

 

ألا وصلُّوا وسلِّمُوا على خير خلْق الله رسولنا محمد؛ فقد أمرنا ربنا بذلك فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمَّة المهديِّين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم ابسُط على بلادنا الأمن والاستقرار.

اللهم ثبِّتنا جميعًا على الإيمان.

 

اللهم أصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق إمامنا لما تحبه وترضاه، اللهم اجعله هاديًا مهديًّا، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنه بطانة السوء يا رب العالمين، اللهم أصلحه وأصلح به يا رب العالمين، ووفِّقه لما فيه خير الإسلام والمسلمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارًا.

 

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشايع: مزاعم الكاتب عصيد حول الرسائل النبوية مردودة عليه

مختارات من الشبكة

  • الرسائل النبوية في حضرة ثلاثة ملوك: استشراف دولي وفقه دبلوماسي(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( الرسالة التبوكية ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رسالة قديمة من دفتر الرسائل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرسائل النبوية لملوك عصره وبيان بعض ما فيها من الفوائد والحكم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رسالة إلى أختي المسلمة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • رسائل الوعظ والتذكير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السلوك والدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرسائل الإدارية الرسمية(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • نماذج من رسائل النبي للملوك (5) رسائل أخرى(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب