• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ.د. مصطفى مسلم / علوم القرآن
علامة باركود

مرحلة المهادنة والعهود والمواثيق

أ. د. مصطفى مسلم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/11/2013 ميلادي - 14/1/1435 هجري

الزيارات: 17255

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مرحلة المهادنة والعهود والمواثيق

معالم قرآنية في الصراع مع اليهود


لقد فتحت المدينة بالقرآن على يد مصعب بن عمير ومن معه من الرعيل الأول من الأنصار، وفي بيعة العقبة الثانية أخبر مصعب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يبق بيت في المدينة إلا وفيه ذكر الإسلام[1]، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين زرافات لتقوية شوكة الإسلام في دار الهجرة ولإنقاذهم من فتنة المشركين وإيذائهم، إلى أن أذن الله لرسوله بالهجرة، وما أن استقر في المدينة حتى عقد العهود والمواثيق مع سكان المدينة - معاهدة دفاع مشترك - على أن يكونوا يداً واحدة ضد العدو الخارجي.


وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرص على بقاء الهدوء في المدينة والاستقرار لكي ينتشر الإسلام بين القبائل وهم مطمئنون ولكي يقرأوا القرآن ويفقهوا مراميه وغاياته، فأفضل بيئة ينتشر فيها الإسلام هي البيئة المستقرة التي لا يخشى أحد فيها على نفسه ولا على ماله من الاضطهاد إن تبنى رأياً أو اعتقد ديناً، أو ما يسمى الآن بالبيئة المفتوحة التي تكون فيها حرية الفكر والرأي مكفولة. فتكون القناعات عن طريق الحوار وإقامة البراهين والحجج. فإذا وجدت مثل هذه الأجواء فلا فكر يصمد أمام الفكر الإسلامي، ولا حجج تناهض البراهين الساطعة لدعوة الإسلام. وأسوأ بيئة للدعوة هي البيئة المشحونة بالإرهاب الفكري والاضطهاد العصبي.


ومن خلال تلك الأجواء التي حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إيجادها كانت الدعوة الإسلامية تشق طريقها وتنتشر يوماً عن يوم، وكانت من الفئات التي توجه إليها الدعوة وتقام عليها الحجة اليهود والمقيمون في يثرب وما حولها، وعلى الرغم من تصرفات بعض زعمائهم المناهضة للإسلام، وتأليب بعض القبائل العربية الوثنية على دولة الإسلام، كان الحوار وإقامة الحجة هو السبيل إلى درء خطرهم.


وكانت هذه المرحلة تتسم بكشف دخيلة اليهود وتصرفاتهم التي كانوا يحرصون على إخفائها من الناس، وخاصة حلفائهم من الأوس والخزرج لتبقى صورتهم عندهم مشرقة.


وعندما رأى اليهود أن المسلمين يملكون زمام المبادرة في كل المجالات، وأن الوحي لن يترك لهم سراً مخفياً ولم يستطيعوا المجابهة ومقارعة الحجة بالحجة، لجأوا إلى أساليبهم المعهودة من المخادعة والمراوغة والتشكيك في قضايا العقيدة والأحكام.


• فمن الأساليب التي لجأوا إليها ما قصه القرآن عنهم: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [آل عمران: 72 - 74].


جاء ذلك في أعقاب محاجة القرآن لهم عندما زعموا أنهم على ملة إبراهيم وأن إبراهيم كان يهودياً، وأنهم من نسله وأولى الناس به حيث أفحمهم القرآن الكريم بالحجج العقلية ودمغهم بالوقائع التاريخية ولنستمع إلى القرآن وهو يحاورهم: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ * وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 65 - 71].


ولكن ماذا ينفع أسلوب المراوغة والمخادعة مع الحقائق الربانية الكاشفة وهل يجدي التمويه والكذب شيئاً عندما تظهر الحقائق وتستجاش الفطرة السليمة وتخاطب بمسلمات العقل، ووقائع التاريخ.


• وتارة كانوا يحاولون التشكيك في سلامة المنهج الذي يسير عليه المسلمون فعندما تحولت القبلة إلى المسجد الحرام وجد اليهود مع صنائعهم من المنافقين مرتعاً خصيباً لإطلاق الشائعات، إن محمداً حنَّ إلى مسقط رأسه وموطن صباه فتوجه إليها في صلاته ولا يستبعد أن يحنّ إلى دين آبائه فيرجع إلى عبادة الأصنام[2].


فجاء الرد الإلهي عليهم ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142].


وبيّن لهم أن تحول القبلة هو امتحان واختبار لإيمان المؤمنين من جهة ومن جهة أخرى إقامة حجة على اليهود لأنهم كانوا يجدون في كتابهم أنه يصلي إلى قبلتين وهم يعرفون ذاك الأمر كما يعرفون أبناءهم[3].


ولنسر مع السياق القرآني المعجز ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ[4] كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 143 - 146].


جاءت هذه المناقشة الرائعة لليهود في سياق بيان محاولاتهم المتكررة في التشكيك بدعوة الإسلام، وبيان أنهم الأصل في الدين وأنه لن يقبل من أحد سواهم حيث يقول جل شأنه: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].


﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 135 - 136].


في هذه المرحلة - مرحلة المهادنة - كان اليهود يحاولون أن يلقوا في روع المسلمين أنهم مؤمنون مسلمون مثلهم، وأن لديهم علم الأولين، وأنهم أصحاب مكانة عند الله وأن مزاياهم مقررة من الله ومن لم يكن على شاكلتهم فحرام عليه الجنة وهذه أساليبهم مع العرب الوثنيين ظنوا أنها تخدع كل الناس ولم يعلموا أن الوحي الإلهي يفضح كل ذلك.


﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ * وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 76 - 81].


إن دين الله بيّن واضح لا يحابي أحداً، وليس بين الله وبين أي من خلقه نسب، وإنما هي أعمالهم يحصيها ثم يوفيهم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.


وإن القوامة على دين الله لا تكون بالتوارث وإنما بالتوفيق الذي يهبه الله لمن يشاء من عباده فيهديهم ويصلح بالهم في خدمة دينه وشريعته، ومن لم يكن أهلاً لهذه المنحة أبعده الله وكبه على وجهه في النار، إن الافتراءات المختلفة والادعاءات الكاذبة والمزاعم الباطلة والعنجهية المغرورة مما كتبوها بأيديهم في التلمود وأضفوا عليها صفة التقديس بنسبتها إلى الله لن تغير من واقعهم شيئاً، ولن تجعل من تحريفهم وتوليهم عن أحكام الله وافتراءاتهم على خلق الله ميزة تكسبهم القوامة على شرائع الله والوصاية على عباد الله ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 23 - 26].


إن هذه الآيات تكشف جانباً من العنجهية اليهودية فهم ليسوا بحاجة إلى رسالة وتشريع وحكمة، لأنهم الشعب المختار الذي ضمنوا آخرتهم فلن يمسهم العذاب إلا أياماً معدودات بمقدار أيام عبادتهم العجل أو بعدد سبعة أيام فعمر الدنيا في توراتهم المحرفة سبعة آلاف سنة، وهم يعذبون عن كل ألف سنة يوماً[5]، إنه الغرور المحض بما افتروه ونسبوه إلى الله.


وعندما جابههم المسلمون لماذا لا تؤمنون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم تزعمون أنكم تؤمنون بالله ورسله وكتبه، راوغوا واختلقوا الأعذار الواهية للتهرب وقالوا إن الذي يأتيك هو جبريل وهو عدونا ولو كان إسرافيل أو ميكائيل صاحبك لاتبعناك[6].


﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 97 - 98].


• لقد استحثت آيات كثيرة أهل الكتاب على الاستجابة لدعوة الحق، وترك العناد والمقاومة بالباطل، وذكرتهم بنعم الله على أجدادهم وإنقاذهم من بطش عدوهم، وتفضيلهم على الأمم الوثنية بإرسال الرسل فيهم وإنزال الكتب عليهم كما في قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 47 - 50].


كما ذكرتهم الآيات الكريمة بشطط بني إسرائيل وجهالاتهم وتجاوز الله تعالى عنهم وتكريمهم المرة تلو المرة وإغداق النعم عليهم لفك ضائقتهم كلما صادفتهم أزمات مادية أو معنوية في معايشهم:

يقول جل من قائل: ﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [البقرة: 51].


﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 55 - 60][7].


ولكن قلوب اليهود القاسية ما كان يفيدها التذكير وما كان لها أن تتعظ بسير أسلافهم وقد صاغها التلمود على الغطرسة والكبر والافتئات والمراوغة، يقول جل شأنه عنهم: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].


ويوجه الخطاب للمؤمنين من باب التخفيف عليهم لكيلا يتهموا أنفسهم بالتقصير في دعوة القوم إلى الحق. وإنما هي طبائع اليهود التي نشأوا عليها فلا تذهب أنفسهم حسرات على هؤلاء الجفاة العتاة غلاظ القلوب.


﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة: 75 - 77].


ولم يقتصر الأمر على كشف ما فعله أسلاف اليهود من الجرائم وأيدهم أخلافهم، بل بين القرآن الكريم ما يفعله اليهود وقت بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تناقضات لما أخذ عليهم في كتبهم من العهود والمواثيق، ففي كتبهم لا ينبغي أن يقاتل اليهودي ابن ملته ولا يخرجه من داره وأرضه ولا يناصر عليه عدواً ولا يسفك له دماً، ولا يأخذ منه أسيراً، إلا أن أحلاف قبائل اليهود كانت مع القبائل الوثنية فكانت تناصر حلفاءها على أبناء ملتهم من اليهود فبنو قينقاع قد حالفوا الخزرج وبنو النضير وبنو قريظة حالفوا الأوس فيقع بينهم قتال، وربما وقع الأسر من أحد الأطراف للآخر، فيرجعون ليجمعوا المال ويفك أسر اليهودي الذي هم أسروه لأن كتابهم يمنع أخذه أسيراً.. هذا ما سجلته عليهم الآيات الكريمة[8] في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 84 - 86].


كما بينت الآيات الكريمة أن من شأن اليهود مناقضة العهود والمواثيق وعدم الالتزام بها إلا في حالة ضعفهم وخوفهم، وما العهود التي يمضونها مع غيرهم إلا سياسة مرحلية وإذا وجدوا فرصة لنقضها وظنوا في أنفسهم القوة أو توقعوا مناصرة من جهة فإنهم يتبرؤون من تلك العهود، وهذا ديدنهم لذا على المسلمين أن يكونوا على حذر منهم ولا يركنوا إلى العهود التي أبرموها مع اليهود وإن كان الذي وقعه معهم نبي مرسل:

يقول عز من قائل حكيماً: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ * أَوَكُلَّمَا[9] عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 99 - 101].


إن الدافع لهذه التناقضات وهذه التقلبات النفسية اليهودية الحاقدة المليئة بالشنآن والغيظ على الناس جميعاً، وهذا شأنهم في سالف عصورهم منذ أن حرفوا كلام الله في التوراة وكتبوا التلمود بأيديهم ونسبوه إلى الله زوراً وبهتاناً فلا خير فيهم إلا القليل. وعلى المسلمين الصبر والعفو والصفح حتى يأتي الوعد الحق في إخراجهم ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 105 - 109].


• ولما كانت يهود تزعم مزاعم وتنسبها إلى التوراة وهم يظنون أن لا علم لأحد بما في التوراة كان القرآن يدعوهم المرة الأخرى للرجوع إلى التوراة - مما لم تنلها أيديهم بالتحريف والطمس - ليتأكدوا بأنفسهم من تناقضاتهم وافتراءاتهم يقول جل جلاله:

﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 93 - 95].


• وكان مما يقض مضجع اليهود أن يروا قبيلتي العرب الكبيرتين في يثرب قد دخلتا الإسلام وآخى الإسلام بين الجميع وأصبح الجميع متآلفين متحابين ترفرف فوق رؤوسهم رايات المحبة والسلام. ومنذ فترة قصيرة كانت الشحناء والبغضاء تأكل قلوبهم بفعل دسائس اليهود، وكانت أموالهم وغلالهم تدخل خزائن اليهود ثمناً للسلاح الذي تسفك به دماؤهم.


مر بجمعهم شاس بن قيس ورأى رجالاً من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتبادلون أطراف الحديث إخوة مسلمين متحابين فساءه ذلك، فدس بينهم من يذكرهم بشعر ملاحمهم في الجاهلية عندما كانوا يفاخرون بانتصاراتهم على غيرهم، والفتنة نائمة لعن الله موقظها فسرعان ما استيقظت على يد اليهود، وتواعد القوم إلى الحرة ليعيدوها جذعة، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهدئهم ويقول لهم أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة حتى ثاب القوم إلى رشدهم وعرفوا أنها نزغة شيطان استدرجهم إليها يهودي ماكر فأقبل بعضهم إلى بعض يتعانقون ويتسامحون فنزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾[10] [آل عمران: 100 - 103].


هنا سؤال يفرض نفسه وهو:

على الرغم من أن القرآن الكريم فصل مواقف اليهود من دعوات أنبيائهم وتمردهم على أوامر ربهم وبيان نزول غضب الله عليهم بسبب كتمانهم الحق وقتلهم الأنبياء وتحريفهم للكتب ونسبتهم إلى الله جل جلاله ما لا يليق، فكيف يرغب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التعاون معهم في إقامة المجتمع المدني الجديد ويوقع معهم معاهدة تعاون وتآزر[11]، وتجريب المجرب عبث وضياع للوقت فما الحكمة في ذلك؟!.


هناك جوابان لمثل هذا السؤال نأخذه من خلال استقرائنا لطبيعة دعوة الإسلام:

الأول: إن مهمة رسول الله هي التبليغ والبيان للناس جميعاً ولا يمكن أن يحكم على أحد من الناس مسبقاً بأن الهداية لن تكون من نصيبه فذاك غيب لا يعلمه إلا الله تعالى. لذا لم يدع نوح عليه السلام على قومه ويحكم عليهم بأنهم لن يلدوا إلا فاجراً كفاراً، إلا بعد أن أوحى الله إليه ﴿ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [هود: 36].


لذا نجد أن الهدايات الربانية توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الموقف السديد في أشد الظروف قسوة عليه، فعندما هم بالدعاء على مشركي قريش بعد غزوة أحد، وقد شجوا وجهه الشريف وكسروا رباعيته.. فقال كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا نزل قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 128 - 129].


ومن المعلوم في تاريخ الدعوة في المرحلة المكية أن أناساً كانوا من أشد الناس عداوة لدعوة الإسلام وبغضاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صاروا من أشد المناصرين للدعوة، ومن أقرب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[12] فكان لا بد من التعامل مع اليهود كأي فئة من الفئات التي يحرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تبليغهم الدعوة وبيان الحق لهم، وفتح المجال أمامهم للإيمان. والمساهمة في نشر الإسلام...


الثاني: إن اليهود في يثرب كانوا يشكلون الطبقة المثقفة، وكان الوثنيون ينظرون إليهم نظرة إعجاب، وكان للقبائل العربية معهم صلات ومصالح ووشائج قربى أحياناً وتحالفات عسكرية أحياناً، والبدء بالهجوم عليهم وإعلان الحرب من غير أسباب ملموسة ومبررات واقعية تحدث من جانبهم كل ذلك يشكل عوائق في نفوس القبائل العربية.


لذا نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حيال كل موقف ما يناسبه ولم يعمم العقوبة على جميع اليهود على الرغم من اتضاح تشابه مواقفهم في مناسبات تأتي تفصيلات بعضها قريباً، ولكنه اتخذ من موقف كل قبيلة من العهد الذي كان بينه وبينها ما يناسبه وفي الوقت المناسب، فكانت عقوبات بني قينقاع، وبني النضير وبني قريظة، وأهل خيبر وفدك، كل بما يناسبه، فكانت الثقة تملأ قلوب المؤمنين ويزدادون إيماناً بسلامة الموقف والحكمة في التصرف تجاه تلك الأحداث بعد أن يكونوا قد وقفوا بأنفسهم على دواعي اتخاذ هذه المواقف[13].


كما أنها تسحب من العدو اللافتة التي يمكن أن يرفعها ويجمع الناس حولها لمناصرته ضد دعوة الحق. وبالتالي يجد العدو نفسه وحيداً في ميدان المعركة يجابه مصيره نتيجة غدره وخيانته أو تآمره مع أعداء الإسلام فلا يجد من أحد مناصرة ولا مواساة.


وفي أحداث بني قريظة وخيبر الشواهد كثيرة من أقوال اليهود أنفسهم على استحقاقهم لهذا المصير المظلم نتيجة خرقهم العهود والمواثيق، إن استثمار المواقف الخاطئة من جانب العدو وتسخيرها لكسب الرأي العام من السياسات التي اعتمدها المسلمون منذ عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي من السياسة الشرعية المعتمدة[14].  



[1] انظر ما ذكره ابن هشام في سيرته عن انتشار الإسلام في بيوت الأنصار 2/187.

[2] انظر في ذلك تفسير ابن كثير 1/339.

[3] انظر في ذلك في تفسير ابن كثير 1/337.

[4] من العلماء من أعاد الضمير إلى أمر تحول القبلة المفهوم من السياق، ومنهم من أعاد الضمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستدلوا بقول عبد الله بن سلام والله إني لأعرف رسول الله أكثر مما أعرف ابني، فإن أوصافه محققة عندي أما ولدي فلا أدري ما فعلت النساء: انظر الرواية في تفسير ابن كثير: 1/339.

[5] تفسير ابن جرير الطبري: 1/303، وتفسير ابن كثير: 1/211.

[6] تفسير ابن كثير: 1/231.

[7] في سورة البقرة أكثر من 80 آية كلها في الحديث عن بني إسرائيل وتعداد نعم الله عليهم ومقابلتهم لهذه النعم بالجحود والتمرد والكفران.

[8] انظر في ذلك تفسير ابن كثير 1/216 والقرطبي: 2/20.

[9] انظر التعبير بـ(كلما) وهي مركبة من كل وما المصدرية الظرفية، وتفيد التكرار. انظر المعجم في النحو والصرف، زين العابدين التونسي 1/68. والتعبير بها يعطي انطباعاً أن ذلك طبع ملازم لهم لا ينفكون عنه، ودائم الحدوث والتكرار منهم.

[10] انظر أسباب النزول للواحدي ص 111 وتفسير ابن جرير الطبري: 2/17.

[11] قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم. وشرط لهم واشترط عليهم بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم.. وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.. إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة من المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه، وأهل بيته وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف... وإن البر دون الإثم، وإن موالي ثعلبة كأنفسهم إن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنه لا ينحجز على ثأر جرح.. وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أصل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب .. على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض، من أهل هذه الصحيفة. انظر السيرة النبوية لابن هشام بحاشيته الروض الأنف 2/242.

[12] انظر في ذلك قصة إسلام عمر بن الخطاب سيرة ابن هشام: 2/95، وعكرمة بن أبي جهل الطبقات الكبرى لابن سعد: 7/404 وأبي سفيان بن حرب سيرة ابن هشام 4/9، وعمرو بن العاص، سيرة ابن هشام: 3/296 بل ومن اليهود في المرحلة المدنية: عبد الله بن سلام ومخيريق وميمون بن يامين.

[13] لا يوجد أصعب من موقف الجندي المقاتل في المعركة إذا كان يشعر في قرارة نفسه أنه ظالم وقضيته ليست عادلة. لذا فمن الخطأ تضليل الجنود وإيهامهم على أنهم مقدمون على قتال العدو الفلاني. ثم يجد الجندي نفسه في ميدان آخر وجهاً لوجه مع أشقائه أو بني قومه، كما حدث ذلك لجيوش عربية حيث كانوا يوهمون أنهم ذاهبون لقتال اليهود ثم يجدون أنفسهم في بلد عربي يقاتلون العرب.

[14] قارن ذلك بما يفعله أعداء الإسلام من الدول الكبرى اليوم تجاه بعض حكام المسلمين وتصرفاتهم الخاطئة ويحمّلون المسلمين نتيجة هذه التصرفات الخاطئة ليؤلبوا الرأي العام العالمي ويسخرون منظمة الأمم المتحدة واسمها لتنفيذ مآربهم في ضرب مصالح المسلمين وإن كنا لا نستبعد تواطؤ كثير من حكام المسلمين معهم في التمهيد لمثل هذه المواقف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (1)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (2)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (3)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (4)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المدنية
  • أسباب الانحراف لدى اليهود عن الإيمان بدعوة الحق
  • عندما يصطدم الأمل بالواقع والحقيقة
  • نقض العهود والمواثيق من جبلة اليهود

مختارات من الشبكة

  • طالبة المرحلة الثانوية وحاجات المرحلة العمرية وخصائصها(مقالة - ملفات خاصة)
  • مكانة كبار السن في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراحل النقد (مرحلة الالتفات والإحيائية)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مراحل النقد (مرحلة الانبهار)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • المرحلة الثالثة من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الأولى من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الثانية من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الجامعية من أخطر مراحل العمر .. فانتبهوا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المرحلة الثالثة من مراحل الرمزية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مراحل دعوة السيد البدوي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب