• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة الفاتحة (11)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/1/2011 ميلادي - 7/2/1432 هجري

الزيارات: 16705

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة الفاتحة (11)

 

قضية القلب والروح، لا قضية الأسماء والشارات:

هذا الإرشاد من الله لعباده في صدق الابتهال إليه بـ ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ فيه تركيز عظيم لقاعدة الدين الأساسية، التي هي إعلان العبودية لله وحده، بقبول جميع أوامره وتشريعاته، ورفض كل ما عداها حمداً وشكراً له على إيجاده وتربيته له بالنعم، وحباً له على ذلك، وطمعاً في دوام رحمته العاجلة والآجلة، وشوقاً إلى لقائه في يوم الدين، وخوفاً من غضبه وعقابه، دون أي نظر في كنه العبادة أو سهولتها أو حكمتها أو صلاحيتها الظاهرة على الموجود من عادات البشر وتقاليدهم السائدة، وإنما هو استسلام عن رضا مطلق خال من جميع المرغبات العاجلة فيه، ومشبع برغبة ناشئة مما قدمناه، ومنبثقة من الإخلاص لله، والتحرر من سلطان غيره.

 

فهي عبودية قلب خالص لله، سليم مما سواه، لا تبالي برفض ما حرمه الله مهما كان مألوفاً أو لذيذاً، ولا تحجم عن تنفيذ ما أمره الله به مهما كان شاقاً أو مكروهاً، عبودية لا يبالي صاحبها بما حوله من المعرضين والمتهكمين، الساخرين والغاصبين الناقمين، وإنما هو مستعين بالله في مواجهتهم ومراغمتهم، والقيام بضمهم إلى صفه، طوعاً أو كرهاً، وفرض سلطان الله عليهم وحكمه وهم صاغرون، عبودية كاملة تركزت على هذه القاعدة التي استعذبت بها الجهاد، وخاطبت رسوله بها بما يسره، فلقد قال سعد بن معاذ أحد زعماء الأنصار رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (اطعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، أعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسير معك، والله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك)[1].

 

هذا منطق أهل العقيدة الصادقين مع الله، الحامدين الشاكرين لله، المخلصين في تألههم لله دون سواه، والجاعلين لرسوله صلى الله عليه وسلم الأولوية على أنفسهم ومحبوباتهم، والحاصرين التبعية له فقط من غير نظر في العاقبة، أو تطلع لمنفعة عاجلة، وإنما بدافع الحب وطلب رضا المحبوب الأكبر - سبحانه -، والثقة بوعده والشوق إلى جنته، مؤثرين هذا على ما دونه، ولو التفتوا إلى الحياة التي يتشدق بها الماديون، خصوصاً في هذا العصر، لتساءلوا عن الحكمة في الأمر، والنتيجة العاجلة المرتبة عليه، ولكن العقيدة الإسلامية التي انحشت في قلوبهم وتشربت بها لا تعرف الترغيبات المادية والتفصيلات الفكرية، وإنما تعرف إخلاص القلوب وخلوصها لله، واستسلامها لقبول أوامره، والوقوف عند حدوده، ورفض ما سواها أياً كان.

 

وفرق عظيم بين تعبيد الله لعباده في سورة الفاتحة، وبين خيالات بعض المسلمين الذين يدفعهم حماسهم للدين، ورغبتهم في قبول دعوته إلى عرض جمال الإسلام، وبيان حكمة تشريعاته، وفضلها على غيرها من الأنظمة، حتى اضطرتهم هذه الخطة إلى نسبة كل شيء مستحدث للإسلام، ففي الوقت الذي طغت فيه كلمة (الديمقراطية) على ألسنة الماديين وكثر تشدقهم بها، رأينا من يسمي الإسلام (ديمقراطياً) و(دين الديمقراطية) وفي الوقت الذي طغت فيه القومية والتشدق بها رأينا أيضاً من يكتب عن قومية الإسلام، بل من يسمي محمداً صلى الله عليه وسلم برسول القومية مستشهداً بما يضحك منه العقلاء، ثم في الوقت الذي طغى فيه ما يسمى بـ (الاشتراكية) ألعوبة الشيوعية الماركسية رأينا من يسميها اشتراكية الإسلام، بل يصف الدين بأنه اشتراكي، وإن نبيه نبي الاشتراكية، ويحرف الآيات ويقلب الحقائق في سبيل ذلك.

 

وهذا النوع ليس كلهم من يتزلف للحكام ويبيع دينه بثمن عاجل، وإنما فيهم مع الأسف من هو حسن النية، يريد تحبيب الإسلام، وأنه دين التطور، وأن الإسلام أعلى من أن يكون ألعوبة لذوي الأهواء والنظريات، حتى بلغت ببعضهم المحاكاة إلى تسمية الإسلام (ثورة) والناس لا يجذبهم إلى الإسلام تسميته بهذه المسميات الجديدة التي لا يتعشقها ولا يعتنقها إلا البطال الملحد، أو الانتهازي المغرض أو الجاهل المغرور، الذي يتبع كل ناعق، وهؤلاء وإن تعشقوا هذه الألقاب والمبادئ، فإنهم لا يسيرون ولا ينفذون من مقتضياتها ومشتقاتها إلا ما يوافق أهواءهم، ومتطلبات شهواتهم، مهما أسبغ عليها اسم الإسلام، أو أكثر الكتاب المنهزمون من التفيهق بها، وربطها بالإسلام.

 

فإن القضية لا تكمن وراء تغيير الأسماء وتطويرها، ولا وراء تجديد مذهب مادي أو عقيدة أرضية نفعية، مقصورة على نواحٍ اقتصادية أو اجتماعية، يتلاعب من ورائها الساسة المغرضون، بالمجموعات الكبيرة من البشرية كالقطعان، وإنما القضية قضية تطهيرٍ للقلب وتحرير للروح من جميع بضائع المعتقدات الأرضية والأغراض النفسية والشهوات الحيوانية، وخلع جميع العلائق الأرضية، وحصر للاتصال بالسماء فقط، ورفض كامل لما عداه واستعلاء شامخ عنه.

 

وهذا أمر شاق على نفوس البشر الأمارة بالسوء، والنفوس اللوامة كثيرة التقلب والتلون، وبسببه حصلت العداوة بين الرسل وأممها من أقدم العصور، وبسببه شرعت الحدود ووجب قتال المخالف، أرأيت إذا هم سموا الإسلام ديمقراطياً، هل يتحول سيرهم إلى سيرة الرسول وخلفائه الراشدين، وتكون الأنظمة الديمقراطية التي سموها منبثقة من وحي الله الذي هو روح روح الإسلام، أو تكون مستقاة من أنظمة ( أوربا، وأمريكا) وعول عليها ونحوهما؟

 

الواقع هو الشيء الأخير، وإذن فما فائدة التسمية؟ وإذا هم سموا الإسلام قومياً، ومحمداً صلى الله عليه وسلم رسول القومية، وصلاح الدين ونحوه رائدها، فهل هم يقتدون بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ويترسمون خُطا خلفائه من أمراء المؤمنين، ويقتبسون أصول القومية السياسية، وفروعها التشريعية من مشكاة النبوة؟ أو على عكس ذلك أصول قوميتهم مقتبسة من الماسونية وتعليمات ( نابليون، وزويمر، ولورنس، ودنلوب) وغيرهم ممن يفضلون الكافر العربي في كل معاملة على المسلم غير العربي، ويناصرون العرب النصارى والشيوعيين على المسلمين، ويشرعون الأحكام المرخصة للأعراض، المفسدة للأخلاق محاكاة للغربيين، بدعوى المدنية والحضارة والتطور والتقدم؟

 

إذا كان الواقع هو الشيء الأخير فما فائدة تسمية القومية وزعمها للإسلام ونسبة نبي الإسلام إليها؟ وإذا هم سموا الاشتراكية بالإسلام، ونسبوها إليه وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم فهل هم اقتبسوا ميثاقها الوطني، وأصولها وأنظمتها من مدلول ميثاق الله، وأصول دينه وفروعه، وربطوا سيرهم فيها بالله ورسوله، ولم يتخطوا حدوده التي شرعها أصلاً وفرعاً؟! أو هم على العكس، اقتبسوا ميثاقهم الوطني من الميثاق الشيوعي الذي وضعه (لينين)أحد الطواغيت كما هو واضح لدى المقارنة، ونقضوا ميثاق الله برفض تشريعاته على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعاداتهم المسلمين ورميهم بالرجعية، وإباحتهم لكل ما حرمه الله، وإسقاط عقوبة الله عن مرتكبه، ورفضهم إعلان الجهاد على اليهود باسم الإسلام، وعدم جعل قضيتهم مع اليهود في فلسطين قضية إسلامية، يستنفر لها جميع الأمم المسلمة في الأرض، بل حصرهم لها بأنها حرب بين العرب والصهاينة فقط.

 

إذا كان واقعهم هو الشيء الأخير بمجموعه، فما فائدة تسمية الاشتراكية بالإسلام؟ وما فائدة تسمية نبي الإسلام بنبي الاشتراكية، إذا كانت أنظمتها تتلقى من غيره، بل من أخبث أعدائه؟ وكيف يخادعون الله والذين آمنوا وينخدع بهم المسلمون فيحاول بعضهم تقريب الإسلام منهم، وبعضهم يتمادى في جعله ديمقراطياً، أو تمشياً مع القومية، أو يعمل على بلشفته وهو يسمع من قادتهم العسكريين أو السياسيين أو المفكرين أن الدين قد استنفد أغراضه، وانقضى دوره، وبعضهم يقول: إن الدين كان نتيجة الجهل والخوف والعماية عن حقائق الكون فيما مضى، والآن طغى عليه العلم وأصبح مكانه، أي: فليعبد ما يسمى بالعلم، وبعضهم يذهب إلى أوقح من هذا فيقول : إن الله خرافة والأديان وما يسمى بالكتب المقدسة هي من تلقين العجائز. وبعضهم يقول: ما فيه إله،و إنما الإله فكرة متطورة.

 

وليت شعري كم دماغ يحل فيه الإله إذا كان فكرة متطورة؟ أفي دماغ كل مفكر: في أي قطر وإقليم ومقاطعة وبلد وقرية وريف ومدينة وجهة؟ أم في فكر كل رئيس منتخب أو متسلط؟ وفي كل الاحتمالات تكون آلهة كثيرة في أدمغة متعددة، وأقطار متباينة، فليذهب كل إله (دجال) بما تسلط عليه، أو استحوذ عليه من البشر، ولا يحق لسواه من الآلهة منازعته أو مناقشته، يا للجهالة في قوم !!، ويا للعار في آخرين !!، كيف ينزلون بالإسلام إلى مستوى من هذه عقيدته أو هذه طريقته؟ ألا تكفيهم كلمات يلوكها أكثر القوم وهي: (إن الدين لا يساير العصر ولا يصلح للسياسة، إنه علاقة بين الإنسان وربه في المسجد فقط أو الكنيسة؟).

 

وهل خفي على هؤلاء موقف العصريين من الدين، وزعمهم أنه سبب التخلف والجمود، ورميهم لأهله بالعظائم؟ فإذاً ما جدوى تسميتهم لمبادئ هؤلاء ومذاهبهم بالإسلام، أو تقرب الإسلام منها، أو زعم أنها لا تخالف الإسلام؟ وما فائدة صرف الوقت وبذل المجهود بالخوض في حكمة تشريعات الإسلام وصلاحيتها للعصر؟ إن الذي يناقش في ذلك أو يشك فيه ليس أهلاً للدخول فيه، وليس صالحاً للانتساب إليه.

 

إن الإسلام ليس تابعاً لأحد، ولا يجيز لأهله التملق والمداهنة، وإنه لا يصلح لدين الله، ولا يستقيم على عبوديته الصحيحة المطلوبة، إلا الذي يعرف معنى الألوهية لله، ومعنى الملكية لله، فيعامله معاملة الإله والملك دون ريب أو استفهام، بل على وفق ما ذكرناه في هذا الوجه والوجوه التي قبله، والقلوب من أشد الأوعية وأقواها تأثراً وحساسية، وقد قرر العقلاء قاعدة لا تقبل الجدل أبداً وهي أن قبول الوعاء لما يوضع فيه، وصلاحيته لما يوضع فيه مشروطان بتفريغه وتنقيته من ضده.

 

فمثلاً الإناء الذي فيه ملح أو ممتلئ بالملح لا يكون فيه قابلية أو صلاحية لوضع السكر، حتى يفرغ منه الملح وينقى من رواسبه، ثم يصلح لوضع السكر ونحوه،وهكذا فالقلوب شأنها أعظم وأعظم، ولا تصلح مستقراً لحب الله وتعظيمه وخشيته ومراقبته، ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، حتى تفرغ وتخلص وتطهر من محبة غيره، من كافة الأغراض والمحبوبات والشهوات، ومن تعظيم غيره، والخشية من غيره، والتطلع إلى غير رضاه، فإذا خلصت وطهرت حصل استسلام أهلها وحسن انقيادهم لله، وكملت طواعيتهم له، وصاروا لا يرجون غيره، ولا يخافون سواه من أي قوة، وكان سلطانه هو المسيطر على النفوس، والمسير للحركات، والمفجر للطاقات، ووجدت الروحانية محل المادية اليهودية الخبيثة بدون عناء، وصار انزياح صاحب القلب زكي الطاهر عن المعاصي بدافع الخوف من الله، ومراقبته من ضمير حي يخشى من غضب الله الذي لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عن علمه شيء، ولا يترك تسجيله وإحصاؤه مثقال ذرة، بخلاف ضمير المادي الذي لا يراقب غير القانون الأرضي، فإنه يعرف طرق التهرب منه كما هو مشاهد محسوس.

 

إن الدين الإسلامي يطلب من أهله تحقيق الألوهية بكاملها، من غير شقاق ولا منازعة، بحيث يجعلون الحكم على أنفسهم وعلى غيرهم لله الملك الحاكم المشرع، دون بحث أو استثناء؛ لأنه هو العليم الحكيم، فيعتقدون أصلاً أن حكمه وتشريعه أصلح وأنفع وأتقى وأروع في جميع العصور والأحوال، فعلى العلماء أن يكتبوا لمن يحمل اسم الإسلام ويخاطبوهم على هذا الأصل الأصيل؛ لأن من استقر في قلبه مدلول سورة الفاتحة وعامل الله بمقتضاها، كان مسلماً عابداً لله حقاً متبعاً لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حقاً، لا يتبع شيئاً من أهواء الناس ولا يصغي إلى زخارف قولهم، فإن الله سلطهم بذلك ﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾ [الأنعام: 113].

 

المجتمع في حاجة إلى القوة:

العابد لله حسبما تقتضيه هذه الآية من مدلول الشهادتين لا يلتقي أبداً مع أصحاب المذاهب المادية، والمبادئ الأرضية ونحوها من ذوي الشعارات الحزبية، بأي شأن ولا رأي ولا مصلحة، ولا يتدسس معهم أو يقرب الإسلام إليهم باسم العدالة الاجتماعية في الإسلام، ونحوها من أوضاع السياسة والاقتصاد؛ لأن الإسلام أولاً: أسمى وأعلى من ذلك،وثانياً: لا تكون خطته مقبولة عند أي أحد من الماديين، إلا على حساب الإسلام ورفعة ما يريده هو من دون الإسلام، فيصبح عمله خدمة لخصمه لا لدينه.

 

ولكن العابد لله حقاً يخاطبهم بما خاطب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية في زمنه؛ لأن هؤلاء من ورثتهم، يلتقون معهم في عبادة الهوى وتحكيمه، وإن اختلفوا في الصورة، وعبودية الله سبحانه مغايرة لجميع صور الحياة الجاهلية قديماً وحديثاً، فلا يجوز لعباد الله مجاملتهم أبداً، بل يصدعون بوحي الله، منددين بما هم عليه من عبادة أسماء جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، أحلوها محل اسم اللات والعزى، وعباد الله حقاً، الدافعون برسالته، المستعينون به صدقاً، لا يتحدثون عن دينهم بصفة يقدمونه بها لعباد الهوى كأنه مناسب لذوقهم، صالح لعصرهم، كأنهم يدفعون عنه التهمة، فيقابلون كل نظرية جاهلية تعشقها عباد الأهواء من الشرق والغرب بقولهم عنها: إن الإسلام قد سبق إليها منذ 14 قرناً.

 

فإن هذه المعالجات لا تمد الإسلام ولا تنفع لرد الشاردين عنه إليه مهما تعلل هؤلاء الشاردون بقسوة التشريعات الإسلامية، أو عدم إخراجها للناس بصيغة مواد تنظيمية وأساليب عصرية، كأنهم لا يبصرون قسوة النظم الثورية الماركسية، وما تفرع منها، ولا القسوة الوحشية في التمييز العنصري الذي يجري في قبلتهم الحضارية ( أمريكا) أو كأنه لا يمنعهم من الاحتكام إلى الله ورسوله إلا انعدام من يبرز لهم شريعة الله بالأسلوب الذي يريدون، كلام، وإنما هي تعليلات للاستهلاك المحلي بشتى أنواع الدجل والنفاق الذي يستبقون به استعبادهم للبشر، وفرض سلطانهم عليهم من دون الله، فأهل الجاهلية في جميع أدوارهم يخادعون عباد الله، ويشغبون معهم في الفروع، والقضية في حقيقتها ليست في الفروع، وإنما هي في الأصول، بل أصل الأصول الذي يبدل التصورات والمشاعر، ثم تتبدل التشريعات الفرعية بتغير التصورات وانبثاقها من تأليه الله، لا تأليه البشر على البشر، ومن معاملة الله معاملة الملك المشرع المطاع المقبولة تشريعاته بدون جدل أو تردد، أو شك أو تحرج، فأهل ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ على الحقيقة دأبهم ووظيفتهم لله في الأرض هو أن يخرجوا الناس من عبادة بعضهم لبعض، وتقديس بعضهم لبعض، وخنوع بعضهم لبعض، إلى عبادة الله وحده، بتعظيمه وحده، ومحبته الصادقة التي تجعلهم لا يحبون أي شيء في الحياة إلا من أجله ولو كان أقرب قريب وأعز عزيز، وتجعلهم يخشونه فقط دون سواه، فلا تخيفهم أي قوة.

 

وهنالك ينحصر تلقيهم لجميع أنواع السلوك من وحي ربهم في النواحي السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فيتغير واقعهم جذرياً بتكيفهم الجديد بالإسلام، وتصوراتهم المنبثقة من التوحيد الخالص: توحيد الربوبية، والألوهية، وتوحيد الصفات، فهذا المنهج الذي يجب سلوكه على عباد الله وفق مدلول شعارهم العظيم ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ وقوة العبودية الصادقة السائرة على الملة الإبراهيمية المحمدية الصافية هي قوة عتيدة تعمل في كل الأزمات وتصمد في أسوأ الظروف، وشرارتها - وإن خمدت- فإنها لا تنطفئ؛ لأنها من الحق وفي الحق، وتستمد قوتها من إله الخلق مؤيد الحق، فما يعوزها إلا القوم الذين لاتهمهم مظاهر الحياة، ولا يرهبون من الموت، بل يحرصون عليه كي توهب لهم الحياة الطيبة بنوعيها في الدنيا والآخرة، أو بالشهادة التي فيها مزيد الدرجات في الآخرة.

 

إن الله العليم الحكيم سبحانه وتعالى وضع لعباده المؤمنين هذا الشعار العظيم وحصر تحركهم على مدلوله، وأوجب عليهم تحقيق مقتضياته بكل صدق وقوة؛ لأنه يعلم أن المسلم المؤمن بالله يجد تحديات عصرية قريبة منه أو بعيدة - وأكثرها قريبة - لا مجاورة له من جاهلية أقرانه ومعاصريه، فإذا لم يقابلها بشخصية مسلمة متحررة من جميع ملابساتها، مستقلة في نظريتها وعملها، حاصرة استمدادها من وحي ربها فإنها لابد أن تتفاعل معها بدافع التأثر، فتعيش بالضرورة على نسق حياتها المعاصرة، فتنشأ هوة بين اعتقاده الديني وسلوكه الحياتي، كما تنشأ هوة أخرى بينه وبين طبقات جنسه المنهزمين في نفسيتهم وتفكيرهم والساعين للتحفظ، وهم مصابون بشيء أو أشياء من ذلك، فيتزعزع الكيان المسلم بهذه الحالات، لاسيما مع الدجل الماسوني الذي جلبته الثقافة الأجنبية، والذي نقل الخصومة بين المسلمين، فجعل المنهزم منهم يعيب على المتحفظ، وجعل المنحرف إلى الإلحاد - من حيث يشعر أولا يشعر - حرباً على آبائه وإخوانه، يعتبرهم متخلفين جناة على الوطن؛ لأنه من عباد المادة والطين.

 

ولابد من انطلاقة الشخصية الإسلامية متحررة مما تقدم، وذلك لا يكون إلا بحركة روحية صحيحة منبعثة من حب الله وتعظيمه وحب المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيمه بكل صدق وإخلاص، وقوة يتحقق بها مدلول ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ فلا يكفي لتحرير قلب الإنسان وعقله قوته المادية، ولا تفوقه العسكري، ولا تحصيل الاستقلال السياسي لأرضه بقوته أو بما يقضيه الله له من المناصرين، حسب سنته من دفع الناس بعضهم ببعض.

 

كل هذا لا يكفي ولا يحصل به الاستقلال الفكري الصحيح أبداً، ولا الحياة الروحية الطيبة الصحيحة؛ لأن العقل الخالي من روح الله لابد له من التخليط حسب المؤثرات المادية من أنواع الغزو الفكري، والتقليد الببغاوي، ولأن القوة المادية الخالية من روح الله مهما قويت لابد من أن تتعثر وتتأثر بما أمامها من القوى الأخرى، وإما بفكر أصحابها أو بالانطباع بقوتهم، وأيضاً فإن القوة المادية الخالية من العقيدة الروحية، مهما قويت وتطورت حضارتها، فإنها تعيش لفترة ثم تذبل ويطغى عليها غيرها حتى تموت، وهكذا يعيش البشر في دوامة الشقاء والتجارب الفاشلة، كلاً أو بعضاً بخلاف القوة والحضارة التي لها روافد من العقيدة الروحية الصحيحة، فإنها وإن ركدت لأسباب عارضة من الإخلال بالعقيدة لا تموت، بل تركد حتى يقوم المعوج، فتنهض أقوى ما كانت.

 

ولابد إذاً من القوة الروحية التي لا تحصل إلا بتحقيق عبودية الله بطاعة أوامره، والوقوف عند حدوده، ومتابعة رسوله في جميع نواحي الحياة، مما تقوم به دعائم المجتمع على أحسن أساس وأكمل نظام، ويحصل به التمييز على أعدائه، فينال مدد الله وحصانته التي لا يغلبها غالب، وبدون ذلك يعود الإنسان إلى المادية، فيكون هلوعاً قلقاً خائفاً مذعوراً تحييه المادة حياة بهيمية، وتميته كذلك؛ لأن من نسي الله نسيه فأعماه عن مصالحه الحقيقية، وهذا ما تريده اليهودية العالمية من تربيتها الحديثة للناس بالمفاهيم المادية الجاهلية الجديدة، لتجعلهم يتقلبون في المفاسد والثورات التي قسمتها في (بروتوكلاتها) إلى ثورات عميان وغيرهم.

 

في صدق الضراعة من عباد الله إليه بـ ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ انقياد كامل لطاعته في جميع أمره وتشريعاته، ووقوف تام عند حدوده ثقة بحكمته في تسيير أمورهم، إلى حياة طيبة فاضلة بدون البحث في ذلك عن طريق العقل والفروض العلمية المضطربة، ذلك أن العقل ليس هو الأداة الكافية الصحيحة لبحث المسائل النفسية كلها، فضلاً عن حلها حلاً كاملاً بمفرده، لأن النفس تدخل في عالم الغيب، الذي لا يخضع لحواس البشر؛ لكونها قاصرة الإدراك مهما تفننت، ولأن تقرير الخطأ والصواب في علم الأخلاق والسلوك، يحتاج إلى معرفة العلة الأولى والهدف الأخير، ولا يمكن للبشر معرفتهما مهما أوتوا من العلم المادي، كما أنهم لا يعلمون آخر نتيجة الشيء الذي يبدو ضرره أو تبدو منفعته، عاجل الأمر بالنظر المادي، إذ يمكن أن يكون الضار في بدايته نافعاً في عاقبته، وهو بغيض مهروب منه.

 

ويكون النافع في مظهره وبدايته ضاراً تكمن فيه أنواع الشرور، سواء قرب زمان ذلك أو كان بعيداً، فالعجلة الإنسانية تعمي كثيراً، لاسيما وقد أثبتت التجربة العلمية – التي يتبجحون بها – عجز الحواس البشرية مهما حصلت على المكبرات والمجهرات، واستخدمت أنواع الآلات، ولذلك قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216] ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

 

هذا وإن عبودية الله لا تمنع أهلها من النظر في ملكوت السموات والأرض، ومواصلة البحوث العلمية في الميادين النفسية والآفاقية، بل تدعوهم إلى ذلك بشرط تقييده بعالم الغيب وإيقافه عند حدود الله، حتى لا يعتسفوا الطريق فيتعرضوا للضلال، وتبديد الطاقات واتساع رقعة الخلاف بدلاً من لمها وتضييقها، فمعبودهم – جل جلاله – لا يريد منهم تعطيل العقل، وإنما يريد منهم حفظه بإطار حدوده عن التخبط في المزالق والتردي في الهاوية، فالدين للعقل كالقواعد للفقهاء والحكام، لا تقيد سلطتهم بالكلية، ولكن تضبطها عن الظلم والجموح.

 

وإننا نرى الذين لا يصيخون إلى صوت الدين ويتجاهلون حق الله في حياتهم، ولا يقيمون لآياته وزناً لابتعادهم عن عبودية الله، قد استعبدهم أعداء الله وأعداؤهم شياطين الإنس من الشرق والغرب، فاستوردوا منهم قواعد التربية والأخلاق والسلوك، وقدموا الظنون والأوهام والحدس والخيالات العلمية على وحي الله الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾[فصلت: 42] فكانوا خلفاً لمن أخبرنا الله عنهم بقوله: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [غافر: 83] ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: 31] ولكل قوم وارث.

 

فدين الله يجمع الناس على كل القيم الخيرة والمثل العليا ويوحدهم على ذلك، أما الذي أحدثته الماسونية اليهودية من اسم علم النفس والاجتماع، وحدس العلوم الأخرى، فإن فيه تفريقاً وتمزيقاً لوحدتهم، وتشكيكاً في قيمهم ونسفاً لعقيدتهم الأصلية، ومن ثم لم يستطع واحد منهم أن يجمعهم على مذهبه، بعد أن فرقهم، بل لم يستطع واحد منهم أن يقدم البرهان الحاسم على صدق مذهبه، حتى ماج بعض أتباعهم في بعض، وبغى بعضهم على بعض، وأصبح علمهم المادي أداة فرقة وفساد وانحلال، وصار كل مجرم يجد سنداً له في تبرير جرائمه من ميادين علم النفس المزعوم، الذي يقلب الحقائق، فيسمي ما نص عليه الدين فضيلة بالنقص، أو عدم النضوج ونحو ذلك من أنواع التسفيه، ويدعو إلى تعطيل حدود الله التي هي رحمة بالجاني والمجني عليه وبالمجتمع، تؤدب الجاني وتهذب نفسه، أو تقتص منه في الدنيا، ليكون كفارة له من عذاب الآخرة، وتشفي صدر المجني عليه بأخذ حقه، فلا يبقى في قلبه عليه شيء ولا على أسرته، وتطهر المجتمع من آثار الجريمة وتستأصل جذورها منه، فتهبه الأمن في الحياة، ولا حياة بدون أمن.

هذه الحدود – حدود الله العليم الحكيم – يسميها أفراخ اليهود وتلاميذهم أحكاماً وحشية قاسية، لقد جعلوا الله ليس رحمن ولا رحيما ولا عليماً ولا حكيماً، وطواغيت علم النفس من (فرويد) اليهودي وأشكاله، وتلاميذهم من المحسوبين على الإسلام أعلم وأحكم وأرحم من الله، فأي إلحاد في أسماء الله أعظم من هذا؟!!

 

تالله إن مبتكرات هؤلاء الطواغيت جعلت تلاميذهم – الذين تولوا وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة وقصص وتمثيليات – يهدمون العقيدة والأخلاق بالتصاوير الخليعة والقصص والتمثيليات الماجنة، أو المحرضة على الجريمة، ونشرهم في الإذاعات والتلفزيون للراقصات والمغنيات، وأحاديث الحب، وتأوهات المغرمين والمغرمات، وتماوت المتهالكين والمتهالكات، وما أحدثوه من تفكيك الأسر، وفرضهم لأنفسهم سلطة قامعة لسلطة الوالدين بتنفيذ تصرفاتهما وتصويرهما أمام أبنائهما بالرجعيين المتزمتين الجامدين، اللذين يجب رفض قولهما، ونبذ تربيتهما والسخط عليهما، والتمرد على تعاليمهما وإغراء الفتيات على طرح الحياء، ونبذ الحشمة، وإظهار لحومهن، وعرض مفاتنهن مما غدت به الفتاة كسلعة مبتذلة، لا كإنسانة مصونة مكرمة، إلى غير ذلك من القشور والسفاسف التي هي من الثمار الحنظلية لوحي شياطين.

 

وإذا أُقصي دين الله عن ميدان التربية، وصار سلوك الناس ليس تابعاً لعبودية الله، ولا نابعاً منها؛ تفاوت سلوكهم، واختلفت مفاهيمهم وقيمهم بحسب معادنهم، وما يحصل لبعضهم من الغنى المطغي أو الفقر المنسي، أو الامتياز العلمي أو السياسي، وصار لهم تصورات جديدة من أحد المعسكرين اليهوديين الرأسمالي أو الشيوعي أو كليهما، فاستبدل لبن وحي الله الصافي بالقيح والدم والصديد، ولا طريقة للناس بعده سوى هذين ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32].

 

بقاء الدول المادية الكبرى موقوف على تخلي المسلمين عن القيادة وعدم حملهم للرسالة:

من المؤسف أن كثيرا من الناس يرى أن القوة هي الحصول على العدة الضخمة من العتاد الحربي، أو كثرة الصناعات التي تغمر الأسواق، أو ثروة المحاصيل الأرضية من منتوجات أو معادن، فهذا هو قياسهم، ويرون أن الذي يحصل على ذلك هو القوي الغالب، الذي لا يصارع، ولكن الحقيقة بخلاف ذلك، فإن الدول والأمم لا تسود بالحديد والنار، ولا تعلو بالمال والصنائع، إلا على أشكالها من الماديين ﴿ وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 19].

 

وإنما السؤدد الصحيح والقوة التي لا تغلب، تكون بالخلق الصالح المتين، بالتماسك الذي يجمع أهله ويشد بعضهم إلى بعض في هدف رباني سماوي، وذلك لا يكون إلا بالدين الصحيح الخالص الصادق، الذي تتجلى فيه عبودية الله بمعانيها ومبانيها، فإنه هو الذي يجمع أهله على التوادد والتراحم، ويجعل بعضهم يعطف على بعض، ويشد بعضهم إلى بعض، ويقيهم مما طبعت عليه النفوس من الشح والهوى، ويمنع عنهم عناصر الفرقة، من حمل رسالته وقمع المفتري عليه، وتوزيع أنوار هدايته، والزحف بدينه المقدس ذات اليمين وذات الشمال، فيفجر طاقاتهم في ذلك، ويجعلهم يبذلون النفس والنفيس، ويتعشقون الشهادة في سبيل الله، فيكون حرصهم على الموت أشد من حرص أعدائهم على الحياة.

 

ثم بصدق نياتهم مع الله، وإخلاصها لله، وطهارة جوارحهم وصلاح أعمالهم، يستمطرون رحمة الله بمدد السماء وحصانته، التي لا يغلبها غالب أبداً، وهذه الحقيقة لا يفهمها إلا حملة الرسالة، وقليل من المؤرخين ذوي الفكر الصريح المستقل، أما كثير من الناس فإنه تبهره ضخامة الدول المادية، وينضبع بها ولا يهضم كلامنا؛ لأنه لم يحمل ما حمله أصحاب العقيدة، ولم يمتلىء قلبه من تعظيم الله بدلاً من تعظيم المادة، فتعظيمه للمادة جعله يستصغر دينه، ويكفر بذاته أمامهم، ولا يثق بربه أولاً ثم بنفسه ثانياً؛ لأنه نسي الله فأنساه الله نفسه، ولو رجع إلى أسلافه الصحابة وجدهم على قلتهم وضعفهم المادي، صالوا صولة الأسود على أضخم دول الأرض في كثرة العدد وقوة العدة الحربية، ووفرة المال والكنوز، فحطموها دون أن يستعينوا ببعضها على الآخر، أو يتملقوا لبعضها ضد بعض، بل صالوا على الجميع في وقت واحد بقوتهم الروحية المستمدة من السماء لا من الأرض، وكذلك القلة القليلة بمادتها التي غزت (أسبانيا والبرتغال) والمغرب الأقصى وما وراءه، لو كانت نظرتها كنظرة المسلمين المعاصرين والمحسوبين على الإسلام – نظرة مادية – لما فكرت في غزو هذه الأمم، ولكنها غزتهم بالنظرة الروحية والقوة الروحية التي لا يصمد أمامها الماديون، والتاريخ يقرر أن الدول الكبيرة لا تضمر ولا تذوي ولا تنكمش، ولكنها تنهار كما ينهار عمود الخشب الضخم، الذي نخر السوس لبه، فبهذا المثل انهارت الدول الكبرى أمام ضعفاء المسلمين في المادة، فمفاسد الأخلاق، والانغماس في الترف، والتمادي في الأنانية، هو الذي يجعل صورهم كالأشباح لا حقيقة تحتها، قشور لا لب فيها، وهذه الدول التي أجلبت على الناس وبهرت عقولهم بقواها المادية الضخمة، بقاؤها موقوف على انعدام من يحمل الرسالة ويعيد الزحف الإسلامي المقدس الخالص لوجه الله، ذلك الزحف الذي يقذف الله أمامه الرعب في قلوب أعدائه مسافة شهر، فيجعلهم يستسلمون دون استخدام قوتهم، تالله إن جولة الماديين في الأرض كجولة الجرذان في موقع خالٍ ممن يفترسها.

 

إذا خلا الجو للجرذان في وطن   استأسدت لا تبالي بالقراقيع:

إن اليهودية العالمية تعلم أنه لا مرتع لها إلا في التربية المادية، والأفكار الإلحادية التي صاغتها على أيدي ( دارون، وفرويد، وماركس، وانجلز، وتروتسكي) وغيرهم من ملاحدة الوجودية؛ ليكون سير المعسكرين الشرقي والغربي في صالحها وتكون هي الفائزة مهما انتصر أحدهما على الآخر؛ لأنهما أبناؤها قد تغذوا بلبانها، وهي التي تسيرهم وفق ما تريد، وتوقفهم عندما تريد، وهي المحرك الوحيد لهم بوساطة عملائها الذين يقبعون خلف ( الكواليس) وما الحكام والرؤساء البارزون إلا كواجهات لهم يدفعون بها كيف شاءوا.

 

ولم تبق هذه الأوضاع سائرة على مخطط (اليهود)، ولن تبقى إلا باستمرار الناس على إعراضهم عن عبادة الله بالمعنى الصحيح، فما داموا هكذا فسيبقون مسخْرين لجميع أنواع الوجود، وأرقاء للمتحكمين فيه ممن وصفناهم، أما في الوقت الذي يراجعون فيه دينهم أو يقوم فيهم شعب – فضلا عن أمة – يرفع لواء الإسلام ويعيد سيرته الأولى،فإن جميع ما أمامه لا يستحق أكثر من وصف الجرذان، ولا يهولنك أيها القارئ مظاهرهم وتضخم قوتهم المادية، فإنها لا تتجاوز الأشباح الصورية أمام الحقيقة النبوية، والقرآن يقص على أتباعه خبر الناكلين عن دخول القرية ونصيحة الرجلين المسلمين لهم ﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23] ولم يبق أهل القرية على جبروتهم وغطرستهم المادية إلا بسبب موقف الجبن ومعصية الله من مقابليهم الذين﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾[المائدة: 24].

 

وموقف المنتصبين على القيادات الإسلامية أمام الصور اليهودية، وحديدها قريب من هذا الموقف إن لم يكن أتعس منه، فعسى الله أن ينور بصائرهم ويبعث قيادة تجدد مجدنا وتعيد تاريخنا، فإنه لا يخيف اليهود سوى ذاك ولا يقمعهم غيره، وما ذلك على الله بعزيز، واعتبر بالثورات التي يقوم بها نكرات، فينجحون ضد من تحميه الدول الكبرى؛ لأن المغامرة تحول مجرى السياسة، ولكن الثورات يأكل بعضها بعضاً، وتشقى بجحيمها الشعوب؛ لكونها تسير وفق المخطط المادي اليهودي، فما بالك بانتفاضة إسلامية يؤيدها الله ويحفظها من كيد أعدائها؟ إنه في الوقت الذي يقيض الله للعالم انتفاضة إسلامية سالمة من الأنانية، خالصة المقصد لوجهه الكريم، ترى العجب العجاب، ولكن لا يرفع النفوس من هاوية السقوط التي أوقعتها اليهودية فيه إلا تحقيق عبودية الله وفق طريقة نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

اختيار الله لعباده هذا الشعار العظيم المبارك ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ليتدرعوا به وينحصر عملهم وإخلاصهم له وتدوم صلتهم معه، فينجون من عار الإباق وعظيم عقوبته وسوء نتائجه وآثاره؛ لأن الإنسان لا يكون عبداً لله المستحق العبودية إلا إذا كان ملازماً له، قائماً بطاعته في جميع أمره ونهيه، فإنه يكون بذلك مخلصاً صادقاً وفياً، مع اقتران هذه بالمحبة والتعظيم والتشرف والتسليم والاعتراف بفضل الله عليه، والتقصير منه في جانب مولاه، وإذا نقصت طاعته لله واختل امتثاله كان عاصياً بحسب ذلك وتتضخم معصيته على قدر كبرها أو الإصرار عليها، فيكون عبداً لله تارة وعبداً للهوى تارة، وبذلك يكون فيه هروب عن الله الرحمن الرحيم إلى عدوه الشيطان الرجيم بسبب نفسه الأمارة بالسوء، الجانحة للشهوات العاجلة القاتلة.

 

وإذا كانت المخالفة والمعصية مذمومة من الإنسان لإنسان مثله ممن يرتبط فيه بحكم أو وظيفة، فكيف بمخالفته لربه مالك الملك؟ وإذا كان الجندي الهارب من سيده خائناً مذموماً مستحقاً للعقوبة؛ لأنه هرب من مربيه الذي علمه وأبرزه على غيره، فكيف بمن هرب عن الله الذي رباه بجميع النعم، وبوأه المرتع في ملكه، ويتخوض في نعمه؟ لاشك أن خيانته أعظم، وجريمته أفظع، وعقوبته أشد.

 

إنه حرام عليه وعار عليه أن يلتفت إلى غير الله، أو يتلذذ بغير ذكر الله، أو يتغنى بغير كلام الله، أو يخضع لغير عظمة الله، ممن سرقوا الجاه والسلطان في الأرض، حرام – والله – عليه، وعار عليه أن يلتمس نوراً من غير نور الله، أو يسلك غير صراط الله الذي ارتضاه له، حرام عليه ونقص في عقله أن يطمع في خير من دون الله، أو يثق أو يطمئن إلى وعد غيره، أو يخلط خدمة الله بخدمة غيره، أو يدنس نفسه بطاعة غيره.

 

حرام وعار وشنار على من حل بأرض الله ورتع في ضيافته أن يحب غيره، أو يعظم غيره، أو يطيع غيره فيما لا يرضاه، حرام وعار على من سكن حرم الله أن يتعرض لمحارمه، حرام عليه وعار عليه أن يحب أعداءه أو يبغض أولياءه أو يخذلهم ويوالي أعداءهم، حرام عليه ونقص في عقله أن يتعرض لسخطه.

 

حرام عليه وخيانة منه ألا يغار لدينه، ولا يغضب من أجله، أو لا يتفانى في سبيله، حرام عليه وعار عليه أن يشغل قلبه بغير الله، أو يحرك شيئاً من جوارحه لغير الله، وأفظع من هذا وأشد عاراً من يستعمل نعم الله المتنوعة أو بعضها في معصيته، إنه لو لم يكن هناك جنة ولا نار في الآخرة ولا عقوبات شرعية أو قدرية على هذه الأمور في الدنيا، لكانت عاراً وحراماً، ونقصاً في العقل، وخيانة في المعاملة، وإباقاً عن مالك الملك الحق، فكيف وعلى ذلك يترتب الجزاء الدنيوي والأخروي؟

 

لهذا ضراعة عباد الله المؤمنين إليه بهذه الآية الكريمة اختيار منه لهم، فمن لم يحققها بصدق العلم كان آبقاً هارباً، وإذا كان إباق العبد من سيده المخلوق كبيرة من كبائر الذنوب، فكيف بالإباق من السيد الأكبر والمالك الأكبر، قال البيتوشي في نظم الكبائر:

كذلك الآبق من العبيد
إذ هو كفر جاء في الوعيد
وأي عبد مات في إباقه
لا بد في العقبى من احتراقه
ذا في إباق العبد ممن خُلِقَا
فكيف الإباق ممن خَلَقا؟
حتام عبد الله في الإباق
والبعد عن سيدك الخلاق
إلام تلهو في المعاصي وتني
عن أمره ومعظم العمر فني
حسبك ما ضاع من الأزمان
في اللهو والإباق والذفان
فعد إلى مولاك بالمتاب
وناد بالذل على الأعتاب
يا رب قد شبت ولست أرحم
شيبي فارحمه فأنت أرحم

 

حاجة الإنسانية إلى تحقيق عبودية الله أعظم من كل حاجة:

تحقيق المسلمين للقيم بمدلول ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ هو الذي يضبط المعالم الصادقة، والاتجاه الصحيح، عن الانزلاق في متائه المعالم الكاذبة، والشعارات الزائفة، التي تجعلهم تبعاً لغيرهم، فيسندون كل ثورة، ويؤيدون كل زعيم، وينخذعون بكل دجال ماكر، فتصبح نتيجة جهادهم، وثمار بذلهم وكفاحهم، غنيمة باردة لأعداء الله وأعدائهم من عملاء المعسكرين الكافرين، خدام اليهود، كما حصل عليهم في هذا العصر، الذي كانوا فيه هم الطليعة في البذل والجهاد، فلم يظفروا بالقيادة التي يتسنى لهم بها إقامة الحكم الإسلامي وتجديد العصر بأنواره، بل لما انحسر الكافر المحتل عن بلادهم، افترس الحكم أفراخ له قد هيأهم لهذا الأمر بشتى الأحابيل، يحملون أشنع الضغائن على المسلمين، ويبالغون في قتلهم وتعذيبهم وتشريدهم، والتشهير بهم، وإلصاق كل تهمة كاذبة بهم.

كل هذا بسبب التربية الماسونية المخالفة لوحي الله، والمناقضة لعبوديته، مما جعل أبناءهم ومواطنيهم يتقمصون الشعارات اليهودية الكافرة، المصطبغة بالألقاب المادية، وتفترس القيادة من المسلمين، فينعكس الأمر إلى ما حصل.

 

ولكن بتحقيق المسلمين لمدلول ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ يسدون عليهم الطرق والمنافذ، فيظفرون بنيل ثمرات بذلهم وجهادهم، ويعيدون حكم الإسلام الذي يريح البشرية، ويصون دماءها، ويحفظ كرامتها، ويقمع كل أفاك أثيم، وجبار عنيد، بخلاف ما هم عليه الآن، مما جعلهم يدفعون الثمن الغالي بالأموال والدماء، ويكون قطف الثمار لأهل الجاهلية الجديدة والوثنية الجديدة، لعدم مراعاتهم مدلول هذه الآية، وإعطائها حقها الكامل، من النواحي السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فلو رعوها حق رعايتها، كما يطلب الله منهم في القرآن لما حصل عليهم ما حصل، وإنما حصل عليهم ذلك بسبب تطفيفهم مع الله، ومعاملتهم له كما يريدون، لا كما يطلبه منهم ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾[فصلت: 46].

 

إن من الظلم والبخس للإنسانية حصر المعالم والاتجاهات في قومية أو وطنية تحصر كل فريق منها بحدود وسدود، وعرق ولون، وتجعل كل فريق يتعصب لمذهب أو زعيم، ويعادي ما سواه، بل يطمع في خيرات غيره، خدمة لوطنه وثروته القومية، وما إلى ذلك من المنتحلات الماسونية، التي أبعدتهم عن عبودية الله الصحيحة، إلى عبادة المادة والأشخاص، فصاروا يتقلبون في الثورات الفاتكة التي جعلتهم كالقطعان المسوقة، بدلاً من هداية العالم كله، وقيادته بحكم الله في أوسع نطاق، وأفسح مجال، وأقوى صمود، وأرحم حكم، وأرفع تربية ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].

 

إن الاتجاهات البشرية إلى الأهواء - وخصوصاً بشعاراتها الحديثة المنبثقة من اليهود وأتباعها – غير واضحة المعالم، مهما أظهر أصحابها من المظاهر والتفسيرات، ولذا نراهم لا يقفون عند غاية، ولا يثبتون على تفسير، فلا ضابط لمعالم الإنسانية، ولا واقي لها من تخبطها في متائه أولئك إلا اتجاهها لتحقيق ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ بمدلولها الذي يطلبه الله.

 

تحقيق عبودية الله وحصر الارتباط والتعلق به دون ما سواه يحصل به راحة البشرية، وأمنها وسلامتها من القلق والاضطراب الموجب للثورات، التي صار منها في كثير من البلدان حمامات للدم، وفتك وبطش وإهدار للكرامة بشتى التهم الكاذبة، والأغراض الانتهازية، حتى من إخوانهم وأبناءهم، بسبب عدم التربية الدينية التي ينطبعون فيها بـ ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.

 

فإن حاجة الإنسانية إلى ذلك أشد من الطعام والشراب والدواء الحسي؛ لأنها هي الغداء المعنوي والدواء الروحي، الواقي من جميع الشرور والمآسي، وهي التي تربي الروح وتنميها أعظم من تنمية الجسم والعقل بالطعام الحسي، والعلم المادي، فلا تتهذب الطباع وتنصقل الأرواح وتكتمل إلا بما اختاره الله لها من معرفته، والأنس بحبه، ولذة طاعته وذكره، ورجاء ما عنده سبحانه وتعالى، فتسلم من جميع الشرور والأزمات.

 

الصادق مع الله بتحقيق ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ لا يضره كيد الكائدين ولا مكر الماكرين، ولا يقدر أن يفرط عليه أي جبار عنيد أو يطغى؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحيطه بمهابة تلجم أفواه الطغاة وتزلزل قلوبهم؛ فلا يقدرون أبداً على تنفيذ ما يتوعدون به، أو يهمون به، من نيل عباد الله، بأي سوء، مهما أوتوا من البطش والعظمة والقوة، ينسيهم الله استعمالها ويفتت معنوياتهم ويفقدهم قوة التنفيذ، بل يخرسهم على الأمر به ويحبط مكرهم، مهما بلغوا من الكيد والتفكير.

 

ولذا قص الله على عبادته في كتابه الكريم – بعدما وجههم لحسن السير إليه بهذه الأمة في عدة سور منه – قصص عدد من المؤمنين، الذين انهارت قوة الطغاة أمامهم، وهم أفراد ضعفاء إلا من الإيمان، كالنبي هود عليه السلام أمام قومه ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت: 15] فتحداهم وهو فرد، مع زعمهم أن أصنامهم التي يعبدونها قد أصابته بسوء، وقال لهم: ﴿ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُم لَا تُنْظِرُونِ ﴾ [هود: 55-54] لا تمهلوني ولا لحظة واحدة، هاتوا ما عندكم من الكيد والعقوبة بكل سرعة فإني لا أبالي بكم جميعاً أنتم وآلهتكم.

 

فانظر أيها القارئ والسامع إلى ما وهبه الله عباده الصادقين الصالحين من القوة المعنوية، وما أحاطهم به من الحصانة الخفية، التي لا يغلبها غالب، كيف وقف هذا العبد الفرد بين الأمة العظيمة القوية هذا الموقف الذي أشهد به الله أولاً على براءته من دينهم، ومما هم عليه، وجاهرهم بمخالفته وبالبراءة من آلهتهم التي يعادون عليها، ويوالون ويتفانون في نصرتها، ثم أعلن استهانته بهم واحتقاره لهم وازدراءه لقوتهم، وتحداهم أن يجتمعوا كلهم على كيده وشفاء غيظهم منه بكل عجلة دون إمهال، وهو ثابت وحده بلا جزع ولا فزع من قوة ثقته بالله، وجزمه بنصره.

 

فموقفه يتضمن إعلانه بقوته عليهم، وأنهم أعجز وأضعف من أن ينالوا منه شيئاً، ثم يقرر دعوته أوضح تقرير وأحسن، مبيناً لهم أن الله ربه وربهم، وأنه متوكل عليه فقط، لا على غيره، وأن نواصيهم ونواصي جميع الخلائق بيده، فيقول: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56] فالذي هو آخذ بنواصي العباد قادر على نصر أوليائه وأهل طاعته مهما ضعفوا ضعفاً حسياً، يجبرهم بقوة معنوية، وحصانة سماوية، ويشل حركة أعدائه، ويكفيهم عن عباده الصادقين، ويجعلهم لا ينتفعون بقوتهم مهما كثرت وعظمت.

 

وكونه على صراط مستقيم يقتضي انتقامه ممن خرج عنه، وعمل بخلافه ونصرة من سلك نهجه، ولو كان فرداً واحداً على أكبر عدد وأقواه، وقد ينتقم ممن يزعم الإسلام وهو مخالف له بمن هو كافر، ليطهر دينه من المنافقين، ويمحص بذلك قلوب المؤمنين، وينشئ لدينه من ينصره فيديل دولة الكفر به حسب حكمته في كونه، وقد أجراه كثيراً في عدة عصور، والله غالب على أمره.

 

وقد نصر الله إبراهيم أعظم نصر لم يعرف له التاريخ مثيلاً، وكرر الله علينا قصة موسى مع فرعون، لما فيها من عظيم العبرة، فموسى الذي خرج من فرعون هارباً يترقب، يرجع إليه رسولاً نذيراً يخاطبه بقوله: ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 102] ويدخل عليه مع هارون بسلطان من الله الذي قال له: ﴿ إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46]، ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ [القصص: 35] فيصمدان أمام طغيانه ويبارزانه بالقوة المعنوية من رب العالمين، وكذلك مؤمن آل فرعون الذي خاطبه بدون مبالاة.

 

وقد أرانا الله من نصرة المؤمنين، بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم في زمنه وبعد زمنه ما هو عبرة للناظرين، وتأييده سبحانه لأهل بدر ومن على شاكلتهم من هذا النوع، وخذلانه لمن خرج عن طاعته، أو فَضَّل الدنيا على الآخرة تأديباً.

 

فالله سبحانه وتعالى أرشد بني الإنسان إلى ما يحييهم حياة طيبة سعيدة من تحقيق عبادته، ويقيهم بها من شرور شياطين الجن والإنس حفظاً ونصراً، وإلى الصدق في حصر الاستعانة به، والتوكل عليه، مع الأخذ بالأسباب التي هي من كمال التوكل والعبادة؛ لأن ذلك هو طريق تسديده وتأييده ونصره، الذي لا يقدر أحد على مجابهته.

فأهل ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ أهل القوة والمنعة والعزة والزحف، الذي لا يوقف في وجهه، وهم أهل التكبير الصادق المرجف لقلوب الأعداء، والمزلزل لحصونهم، وهم الذين يتحدون غيرهم، ولا يقدر غيرهم على تحديهم مهما قلُّوا.

 

ولم تستعل الدول المادية في هذه الأزمنة إلا على الذين يتولون بعضهم ويعتمدون عليها، هذا يعتمد على الدولة الفلانية، وهذا على الدولة الأخرى، وفريق يعتمد على القبر الفلاني، وفريق على مجاورة فلان أو على سكنى البلد المقدس عنده، أو على جوار حرم الله، وهو متلبس بمعاصيه غير محقق لعبوديته على الوجه المطلوب، بل مشابه للذين قالوا: ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [المائدة: 18].

 

أما في كل وقت يقيِّض الله به قوماً يحبهم ويحبونه بالمعنى الصحيح، ويعبدونه بالمعنى الصحيح، ويجاهدون في سبيله، لا يخافون لومة لائم، ويأخذون بالأسباب غير متعلقين بها، ولا معتمدين عليها، بل هم معتمدون على الله، متعلقون به، جازمون أن الله مولاهم، قاصرون ولايتهم عليه، نعم المولى ونعم النصير، لا يستنصرون بغيره أبداً، فإنه يتحقق لهم ما قلناه من التأييد والنصر والتمكين، كما وعدهم به الله  ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].

 

إن القرآن الكريم يشمخ برءوسنا في عالم السياسة إلى أسمى مدارج الكمال، وهو وحده الذي يرفع رءوس أهله ويهيب بهم، ألا يستعينوا بغيرهم في دفع أي عادية، أو ردع أي عدو، أو قمع أي ظالم، أو إخراج أي متعصب، بل يعتمدوا على الله، ثم على أنفسهم بعد الأخذ بالأسباب، وإعداد القوة الموجبة عليهم في قتال كل باغٍ وظالم مستعينين بالله وحده، بنية خالصة، وألسنة صادقة لإعلاء كلمته، وبجوارح طاهرة من معصيته، وقلوب محشوة بمحبته وتعظيمه، سليمة من محبة ما يبغضه، وموالاة من يعاديه.

وبذلك ينالون مدده وحصانته ونصره على أعدائهم مهما كانوا، كما أجرى سنته بذلك، حيث قال في أوليائه: ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الفتح: 23-22].

 

بتحقيق عبودية الله وفق مدلول هذه الآية يتحقق كيان المسلمين بين الأمم ويكون لهم هدف صحيح ناجح نصب أعينهم، يفرضونه على من سواهم، وتكون حركاتهم منوطة به، وإنفاقهم المال في سبيل نصرته، والزحف به لوجه الله، ولا ريب أن من ليس له هدف في الحياة يفقد كيانه بين الأمم، ويكون عولاً عليهم أو على بعضهم.

 

ولذا أرشد الله عباده المؤمنين إلى هذا الهدف السامي الذي يبرزون فيه بين الأمم، ويتفوقون عليهم، ويتميزون منهم، بالطموح والشموخ عن كل خوف أو تقليد؛ لأن الله العليم الحكيم خط لهم الخطة الروحية بصراطه المستقيم بين سائر أهل الأرض، من الماديين عباد الأشخاص، وعباد الشهوات، وعباد الهوى والدرهم والدينار.

 

وأصحاب المبادئ العصبية والمادية عباد الفرد، أصحاب العواطف والتصفيق، الذين تميل بهم الأهواء والشهوات إلى تقديس هذا تارة، وإلى لعنة ذاك تارة والولوع بغيره، وتجعلهم الأنانية يعيشون في دوامة من التقلبات، ويدورون في حلقة مفرغة من التجارب المخفقة، ويشقى معهم من يدور في فلكهم بالتقليد الأعمى.

فوضع الله صراط السلامة لعباده المؤمنين من شقاوة هؤلاء وحظوظهم الدنيئة، وارتفع بمستواهم إلى هدف رفيع، متسع الأفق، سامي المقاصد، لا يقبل عبادة الفرد ولا خسة الشهوة، ولا خنوع الخوف، ولا استسلام الذل، ولا طمع المادة، ولا عار التقليد، الذي لا يحس به غيرهم.

 

ذلك أنهم لا يلتقون مع عدوهم بهذا الهدف، ولا يستوردون منه أي نظام أو فكرة، بل جميع أفكارهم وتصوراتهم نابعة من معاني هذا الهدف العظيم ﴿  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ فسلوكهم السياسي والاجتماعي منحصر على مدلول ذلك، ومنهلهم الثقافي منبثق من ينبوعه، وجميع ارتكازاتهم في سائر نواحي الحياة عليه، واتجاهاتهم شاخصة إليه، يعتقدون الكفاية التامة في وحي الله، والنقص والخسران فيما سواه، ويعتبرون غيرهم مفلساً ضالاً كافراً، مستعبداً لغير الله من بعضه البعض، نشوان بسكر الهوى والعماية.

 

ذلك السكر المعنوي الذي لا تحصل إفاقة أهله من طريقهم، فيسعون لرفع إفلاسهم الأرضي بالتجارة السماوية، وإلى هدايتهم من الكفر والضلال بها، وإلى تحريرهم من عبودية بعضهم لبعض إلى عبودية الله وحده، ويفيقونهم من سكرهم، بحشو قلوبهم بذكر الله وحبه وتعظيمه، مع محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وإنارتها بنور الوحي المطهر للضمائر، والمصلح للأعمال، موجبين على أنفسهم أن يكونوا أهل التصدير للهداية إلى جميع المعمورة، متنزهين عن الاستيراد من أحد، باذلين في ذلك أقصى مجهودهم، ومرخصين أموالهم وأرواحهم.

 

هكذا أصحاب الهدف الرباني الصحيح الذي تمليه هذه الآية الكريمة على أهلها، والذي فهمه الصحابة منها والتابعون لهم بإحسان، ممن انحازوا وتميزوا به عن غيرهم، وقطعوا لتحقيقه الفيافي والقفار، وركبوا متون البحار شرقاً وغرباً، وخاطب قائدهم البحر أمامه بما معناه: لو نعلم أن أناساً وراءك لمخرناك.

بهذا الهدف الصادق نالوا المجد، وصاغوا الأجيال، وصنعوا المعجزات حتى إذا فترت همتهم وقف زحفهم، وتسلطت عليهم الأعداء بأنواع الغزو العسكري والفكري.



[1] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 353)، رقم (36660) من طريق محمد بن عمرو اليثي عن جده بمثله، وأخرجه البخاري (3952) من حديث ابن مسعود مختصراً.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الفاتحة (1)
  • تفسير سورة الفاتحة (2)
  • تفسير سورة الفاتحة (3)
  • تفسير سورة الفاتحة (4)
  • تفسير سورة الفاتحة (5)
  • تفسير سورة الفاتحة (6)
  • تفسير سورة الفاتحة (7)
  • تفسير سورة الفاتحة (8)
  • تفسير سورة الفاتحة (9)
  • تفسير سورة الفاتحة (10)
  • تفسير سورة الفاتحة (12)
  • تفسير سورة الفاتحة (13)
  • تفسير سورة الفاتحة (14)
  • تفسير سورة الفاتحة (15)
  • تفسير سورة الفاتحة (18)
  • تفسير سورة الفاتحة (19)
  • تفسير سورة الفاتحة (20)
  • الفاتحة (السبع المثاني والقرآن العظيم)
  • تفسير سورة الفاتحة (21)
  • تفسير سورة الفاتحة (22)
  • تفسير سورة الفاتحة (23)
  • التبيان من تفسير كلام الرحمن - الفاتحة
  • تفسير سورة الفاتحة

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب