• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (223)

تفسير سورة البقرة .. الآية (223)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/1/2014 ميلادي - 20/3/1435 هجري

الزيارات: 60838

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية (223)


وقوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [223].


فيه تركيز للعقيدة والإيمان بالغيب، لأن الرجل مع زوجته لا يطلع عليهما إلا الله، لاختفائهما حال العمل الجنسي عن أقرب قريب، والزوجة عند زوجها كالمملوكة بدافع ضعفها وجهلها، وبدافع حبها للزوج وشغفها به، وطلب مرضاته، فيستطيع أن ينحرف بمباشرتها عن الأمر الفطري، ويستعمل غير طريق الاستنتاج والاستيلاد الذي سماه الله بالحرث، ولذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾. والحرث هو الأرض التي تستنبت، والاستيلاد كالاستنبات، فهذا التعبير القرآني على حسن لطفه، ونزاهته، وبلاغته، وبديع استعارته فيه تصريح يفهم من قوله سبحانه: ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ ومن قوله سابقًا: ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، ففيها بيان لحقيقة معنى الحرث، والغاية المقصودة من مشروعية النكاح، فكأن الله يقول: إنه لم يأمركم بإتيان النساء في أمره التكويني بما أودع في فطرة كل من الزوجين ميله إلى الآخر، ولا في أمره التشريعي بما جعل الزواج شطر الدين، وسببًا للعفة والمثوبة إلا من أجل بقاء النوع البشري ونمائه بالاستيلاد، كما تبقى خيرات الأرض وتنمو بحراثتها المتواصلة فلا تجعلوا الغاية من مباشرة النساء تحصيل اللذة من أي طريق تشتهونه، لأن لذة المباشرة ليست مقصودة لذاتها شرعًا وإنما هي للحرث، ولكون الزوجة مزرعة للولد، فلتكن غايتكم تحصيل الحرث، الذي من أجله خلق لكم الأزواج وشرع لكم النكاح بأسهل طريقه، وإياكم أن تسلكوا غير طريقه فيضيع جهدكم وماؤكم الحيوي الغالي في غير مكان حرثه، ذلك باستعمال الدبر المستقذر شرعًا وطبعًا إلا ممن انحرف ذوقه وفسدت فطرته، فسلك شذوذًا لا يقبله الحيوان، ولا باستعمال مكان الجراثيم في وقت الحيض الذي لا يكون قابلًا فيه للإنتاج.


فهذا هو المعنى الذي فهمه أجلاء العلماء، وهو المأثور عن السلف والخلف، وهو الظاهر من لفظ الآية لا يشتبه فيه ذو علم بالعربية.


وقد ذكروا فيما صح من الروايات عن سبب نزولها، وأصحها: ما رواه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم عن جابر قال: كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل المرأة من دبرها في قبلها [أي فرجها] جاء الولد أحول فأنزل الله هذه الآية [1]، وما رواه البخاري عن ابن عمر ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ قال: يأتيها من دبرها في الفرج [2]، وما رواه الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال: ((ما أهلكك؟)). قال: حولت رحلي الليلة فلم يرد عليه شيئًا فأوحى الله إليه: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾ فقال: ((أقبل أو أدبر واتق الدبر والحيضة))[3].


فمعنى الآية في الكيفية وصفة الإتيان لمكان الحرث على أي نوع يفترشها أو يكبها كما ورد أن بعض المهاجرين تزوج ببعض الأنصاريات، وكانت عادة قريش غير عادة الأنصار في مواقعة النساء يأتونهن على حرف فاستنكرت الأنصارية طريقة القرشي فأنزل الله هذه الآية: ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي: مقبلات أو مدبرات أو مستلقيات يعني بذلك: في موضع الحرث الذي هو موضع الولد كما رواه أبو داود[4].


وفي رواية رزين عن ابن عمر قال: يأتيها في الفرج مقبلة أو مدبرة غير أن ذلك في صمام واحد.


وأما ما حشره بعض المفسرين والمؤلفين من الروايات التي على عكس هذا فقد قال عنها صاحب المنار: إن جنون المسلمين بالرواية هو الذي حمل بعضهم على تفسير الآية بهذا المعنى الذي تتبرأ منه عبارتها العالية ونزاهتها السامية ولم يلتفتوا إلى ذوق التعبير وبراعة الأدب في بيان هذه الأحكام كما رأوا في الآية الكريمة فقد فاتهم فهم حكمها كما فاتهم فهم حكمتها ونزاهتها وأدبها.


قال البزار: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا لا في الحظر ولا في الإطلاق، وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت من طرق فغير صحيح.


وقال الحافظ: في (فتح الباري): ذهب جماعة من أهل الحديث: كالبخاري، والذهلي، والنسائي، والحافظ أبي علي النيسابوري، إلى أنه لا يثبت فيه شيء.


وروي في تحريم الإتيان في الدبر آثار كثيرة نقلها ابن كثير وابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي وكلها معلولة.


قلت: ولكن وردت أحاديث صحيحه في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها))[5]، ويوجد ما يضاهيه في الصحة.


وقال ابن القيم في زاد المعاد في الكلام على هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح ما نصه: وأما الدبر فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء، ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطء المرأة في الدبر فقد غلط عليه.


ثم ساق أخبار النهي عنه وقال بعد ذلك: وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين:

أحدهما: أنه إنما أباح إتيانها في الحرث الذي هو موضع الولد لا في الحش الذي هو موضع الأذى.


وموضع الحرث هو المراد من قوله: ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ﴾، ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ وإتيانها في قبلها من دبرها مستفاد من الآية أيضًا لأنه قال: ﴿ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي: من أين شئتم من أمام أو من خلف.


قال ابن عباس: ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ﴾ يعني الفرج: وإن كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض (أذى الحيض) فما ظنك بالحش الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل، والذريعة القريبة جدًا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.


وأيضًا فللمرأة حق على الرجل في الوطء ووطؤها في دبرها يفوت حقها، ولا يقضى وطرها، ولا يحصل مقصودها، وأيضًا فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعًا.


وأيضًا فإن ذلك مضر بالرجل، ولذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته لأمر الطبيعة.


وأيضًا يضر من وجه آخر وهو احتياجه إلى حركات متعبة جدًا لمخالفته الطبيعة.


وأيضًا فإنه محل القذر والنجو فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه.


وأيضًا فإنه يضر المرأة جدًا، لأنه وراد غريب بعيد عن الطباع منافر لها غاية النفرة.


وأيضًا فإنه يحدث الهم والغم والنفرة من الفاعل والمفعول إلى أن قال: وأيضًا فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقده القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده.


وأيضًا فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبع لم يركب الله عليه شيئًا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدي فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات، ويفسد حاله وعمله وكلامه بغير اختيار.


وأيضًا فإنه يورث من الوقاحة والجراءة ما لا يورثه سواه، ويورث من المهانة والسفالة والحقارة ما لا يورثه غيره إلى آخر ما قاله رحمه الله.


ويؤيد ما قلناه في تفسير هذه الآية وما قاله ابن القيم في تفنيد المزاعم الأخرى أن الله لم يجعل الإذن في قضاء الشهوة لذاتها، والولوع بها، وجعلها غاية لا وسيلة، كشأن الحيوانيين الشهوانيين، وإنما قيدها لتكون وسيلة لمرضاته في الإعفاف عن الحرام من جهة، وعمارة الحرث الإنساني بابتغاء النسل من جهة أخرى، إن الله أعقب أمره بإتيان الحرث بقوله: ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ فهذه أوامر سامية تدل على أن هنا شيئًا يرغب فيه وشيئًا لا يرغب فيه، بل يحذر منه، أما المرغوب فيه فهو ما يقدم للنفس مما ينفعها في المستقبل، ولا أنفع للمؤمن في مستقبله من الولد الصالح، لأنه ينفعه في دينه ودنياه، أما في الدنيا فمنفعته ظاهرة إذا صنعه على عينه بحسن التربية، وعمل على وقايته من التعاليم الضارة المفسدة لعقله وجميع تصوراته.


وأما في الدين فيحصل من تربيته الدينية على حسن النتائج في الحياة وبعد الممات، كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له)) [6].


فأمرُ الله سبحانه لعباده المؤمنين في هذه الجملة من الآية ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [223]، أمرٌ عظيم عام يتضمن اختيار المرأة الودود الولود النصوح ذات الدين التي تعينه على تربية ولده، وتمنعه من الشذوذ باستعمالها، يتضمن الأمر بحسن تربية الأولاد.


أما الذي لا يرغب فيه بل يحذر منه ويتقي الله عنه فهو إخراج النساء عن كونهن حرثًا يبتغي منه النسل، والتبادل الصحيح في الإعفاف وقضاء الوطر، وذلك بإتيانهن حال الحيض الذي هو أذى مطلقًا على الجميع وإتيانها في غير محل الحرث مما لا يحصل فيه إعفافها، بل يحصل تهييجها الذي يسبب إضرارًا صحية ويحدث سوء العشرة، إذا لم يرجع إلى محل الحرث الطبيعي الصالح للزراعة، ولقضاء الوطر المتبادل من الجميع.


فالتقديم للنفس والتدرج بتقوى الله في الناحية الجنسية، يقتضي جميع ذلك.


فليتق المؤمن ربه في استعمال أعضاء التناسل، ليستعملها في مواضعها الطبيعية، ولا يشذ في استعمالها شذوذًا يغضب الله، ويجلب عليه الأضرار في الدنيا والآخرة.


فقول الله لعباده: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾، وصية منه لهم بعد النهي عن إتيان النساء في المحيض، والأمر بإتيانهن حين الطهارة من حيث أمرهم الله من أمره التكويني الطبيعي، وأمره الشرعي بقوله: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ﴾ يقصد: موضع النسل الصالح للحرث، فوصيته لهم بتقوى الله شاملة لهذا وهذا، كما أنها شاملة لحسن العشرة في الزوجية، وتحصيل الإعفاف للجميع بدون حصول ضرر كما أسلفنا.


وتشمل الوصية بتقوى الله حسن المقاصد لله، والارتفاع عن مجرد الشهوة البهيمية، فإن للمسلم غايات، يسخر لها جميع الوسائل مبتغيًا بذلك وجه الله ومرضاته، جاعلًا عقيدته التي خلق من أجلها نصب عينيه، ليس له غاية سواها، ولهذا يرتفع الله بمستوى المسلمين عن غيرهم بتوجيههم إليه حتى غي الأحوال الشخصية قائلًا لهم: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي: خذوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله وموجبات سخطه وإنزال نقمته، كما تتوقون عما يؤذيكم ويؤلمكم في الدنيا، يجب عليكم أن تتقوا عن عقوبات الله العاجلة والآجلة بعدم الإخلال في أوامره أو الجرأة على قربان ما نهى عنه.


ثم إن سبحانه وتعالى أخذ يذكرهم بالآخرة حيث قال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ﴾ في يوم لا ريب فيه ولا محيد لكم أو غيركم عنه، وأنكم ستعرضون عليه، لا تخفى منكم خافية، فاحسبوا ليوم لقائه سبحانه أعظم حساب ولا تغفلوا عن مصيركم المحتوم، وتؤثروا ما يزينه الشيطان على ما حدد الله لكم فعله وقصده في كل شأن وميدان.


ففي هذه الوصية بتقوى الله والتذكير بلقائه المحتوم، تركيز للعقيدة والإيمان بالغيب، وتخويف وتهديد للمخالفين أوامر الله والمتجاوزين حدوده في استعمال أعضاء التناسل وغيرها كي لا يستزلهم الشيطان، أو تغلبهم شهوة الشذوذ على مخالفة أمر الله، ومجاوزة حدوده، إذ في يوم لقاء الله تعالى تجد كل نفس ما عملت محضرًا، ولا يحصل لها الافتداء عن سوء ما عملت ولو ملكت أضعاف الدنيا ولهذا ختم الله هذه الآية المباركة ببشارة المؤمنين الصادقين قائلًا: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي: يا محمد - عليك الصلاة والسلام - بشِّر المؤمنين المتدرعين بالتقوى، الحافظين لحدود الله، المجاهدين أنفسهم في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه بحسن العاقبة وعظيم المثوبة وأشرف المنازل وأغلى الملذات الخالدة، بشر المؤمنين المتبعين هداية الله في أمر النساء وغير ذلك.


وهذا كقوله سبحانه: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر: 17، 18]، وقد وردت البشارة من الله للمؤمنين في عدة مواضع تناسب حالهم لأنهم أحق بها من غيرهم.


وقد حذف الله المتعلق في قوله سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فلم يبين ما به البشارة، ليفيد العموم الشمولي بجميع ما تأتي به البشارة لاستحقاق المؤمنين جميع أنواع السعادة في الدنيا والآخرة، ولا يعزب عن بال العاقل أن من عزف عن نكاح المشركات والكتابيات ولم يعبأ بجمالهن واختار زوجة مسلمة صالحة للزواج في ودادها وصلاح رحمها للنسل، ولم يخرج في معاملته الزوجية عن السنة الفطرية والشرعية، بل قصر الاستمتاع على مكان الحرث لإنتاج الأولاد الذي رغب النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح من أجلهم بقوله: ((تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))[7] قول: من اختار الزوجة المسلمة الودود الولود التي وصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الأخرى، واقتصر في استماعه على محل الإنتاج ثم أحسن تربية ما يرزقه الله من الأولاد، فرباهم تربية دينية، وابتعد بهم عن التربية المادية الحديثة فإنه سينال أول ثمرات البشارة بصلاحهم في الدنيا صلاحًا تقر به عينه، ثم ينال البشارة الثانية في البرزخ بما يأتيه من دعائهم وأعمالهم الصالحة، وما يكسوه الله من حلل الوقار بسبب تحفيظهم القرآن، وعملهم به، ثم ما يقر الله عينه في الدار الآخرة بإلحاقهم به في جنات النعيم، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الطور: 21].


هكذا نصيب المؤمنين لهم البشرى المطلقة في الدنيا والآخرة بكل خير وسعادة يحصل ذلك لهم بالاعتقاد الصحيح والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وتعبير الله بالمؤمنين يفيد أن الإيمان لا يتحقق إلا بإخلاص المحبة لله وإخلاص جميع المقاصد له وصدق الإذعان والامتثال، وحسن القول ومطابقة القول للعمل، فالإيمان هو الاعتقاد الصحيح بالقلب واللسان، وتصديقهما بصلاح الأعمال وحسن المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم كما وردت النصوص بذلك.


وأما الذين تطغى بهم شهواتهم ونزواتهم فتخرجهم عن حدود الله وطاعته إلى طاعة الشيطان والهوى، فإنهم محرومون من كل بشارة إلهية في الدنيا والآخرة، ولا يسلمون من المنغصات والإرهاصات وأنواع الإزعاج مما يشقون به في الدنيا قبل الآخرة ثم هم في الآخرة أشقى وأضل سبيلًا.


وينبغي أن نعتبر بنزاهة القرآن في التعبير عن الأمور التي يمنع الحياء من التصريح بها لنقتدي به في حسن الأدب الرفيع، فانظر كيف كنايته اللطيفة في هذه الآية بـ(الإتيان) والقربان والحرث مما هو من أحسن التشبيه للنساء، وأبعده عن قول الرفث ومما هو غاية في الإعجاز! فأين هذا مما تجده في بعض كتب التفسير والفقه مما تمجه الأسماع؟


هذا وقد جرى في تفسير هذه الآية معترك لأبطال العلماء، وقد نقل نافع عن ابن عمر ما لا نرتضي نقله لمخالفته ظاهر الآية، وكذلك نسب الرازي للإمام مالك والسيد المرتضى من الشيعة نقلًا عن جعفر بن محمد الصادق غفر الله للجميع.



[1] أخرجه البخاري، كتاب: تفسير باب: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ [4528]، ومسلم: [ 1435].

[2] أخرجه البخاري، كتاب: التفسير باب: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾ [4527].

[3] أخرجه الإمام أحمد: [1/297]، والترمذي: [2980].

[4] أخرجه أبو داود: [2164].

[5] أخرجه الإمام أحمد [2/344]، وابن ماجه: [1923]، وابن أبي شيبة [3/350] [16811].

[6] أخرجه مسلم: [1631].

[7] أخرجه عبدالرزاق: [10391] مرسلاً: [1/380]، وذكره العجلوني في كشف الخفا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (217)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (218)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (219)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (220)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (221)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (222)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (224)
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات ( 225 - 227 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (228)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب