حديث: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟

حديث: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟

عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن امرأة منهم ورجلًا زنيَا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟"، فقالوا: نفضحهم ويُجلدون، قال عبدالله بن سلام: كذبتم؟ إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يديه فإذا فيها آية الرجم، فقال: صدق يا محمد، فأمر بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجما، قال: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.

قال - رضي الله عنه -: الذي وضع يده على آية الرجم عبدالله بن صوريا.

قوله: (إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم)، ولأبي داود عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة، فقال بعضهم: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه بُعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفُتيا دون الرجم، قبلناها واحتججنا بها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة زنيا منهم.

وعند الطبراني من طريق الزهري أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة منهم قد أحصنت.

قوله: (فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تجدون في التوراة في شان الرجم؟"، فقالوا: نفضَحهم ويُجلَدون)، وفي رواية: قالوا نسود وجوههما ونحممهما، ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما.

قال الباجي: ظاهر الأمر أنهم قصدوا في جوابهم تحريف حكم التوراة والكذب على النبي؛ إما رجاء أن يحكم بينهم بغير ما أنزل الله، وإما لأنهم قصدوا بتحكيمه التخفيف عن الزانيين، واعتقدوا أن ذلك يخرجهم عما وجب عليهم، أو قصدوا اختبار أمره؛ لأنه من المقرر أن من كان نبيًّا لا يقر على باطل، فظهر بتوفيق الله نبيه كذبهم وصدقه ولله الحمد، قوله: قال عبدالله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، وفي رواية فأتوا بالتوراة، قال: فاتلوها إن كنتم صادقين، وفي رواية: فأتوا بالتوراة فنشروها، وفي رواية زيد بن أسلم: فأُتي بها فنزع الوسادة من تحته، فوضع التوراة عليها، ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك، وفي حديث البراء عند مسلم فدعا رجلًا من علمائهم، فقال: أنشدك بالله وبمن أنزله، وفي حديث جابر عند أبي داود، فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم فأُتي بابن صوريا[1].

قوله: (فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها)، وفي رواية: فقالوا لرجل ممن يرضون يا أعور اقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها، فوضع يده عليه.

قال الحافظ: واسم هذا الرجل عبدالله بن صوريا.

وعند الطبري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ناشده قال: يا رسول الله، إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسُدونك، وقال في آخر الحديث: ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ونزلت فيه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾ [المائدة: 41].

قوله: فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقال: صدق يا محمد، في حديث البراء: فحده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم.

قال الحافظ: (ووقع بيان ما في التوراة من آية الرجم، في رواية أبي هريرة: المحصن والمحصنة إذا زنيَا، فقامت عليهما البينة رُجِما، وإن كانت المرأة حبلى تُرُبِّص بها حتى تضع ما في بطنها، وفي حديث جابر عند أبي داود قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رُجِما، زاد البزار من هذا الوجه، فإن وجدوا الرجل مع المرأة في بيت أو في ثوبها، أو على بطنها فهي ريبة وفيها عقوبة، قال: فما منعكما أن ترجموهما، قالا: ذهب سلطاننا فكرِهنا القتل، وفي حديث أبي هريرة: فما أول ما ارتخصتم أمر الله، قال: زنى ذوا قرابة من الملك، فأخَّر عنه الرجم، ثم زنى رجل شريف، فأرادوا رجمه، فحال قومه دونه، وقالوا: ابدأ بصاحبك، فاصطلحوا على هذه العقوبة.

قوله: (فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما)، زاد في حديث أبي هريرة: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإني أحكم بما في التوراة"، وفي حديث البراء: "اللهم إني أول من أحيي أمرك إذ أماتوه"، ووقع في حديث جابر من الزيادة أيضًا: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهود، فجاء أربعة، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر بهما فرُجما، قوله: فرأيت الرجل يحني يقيها من الحجارة، وفي رواية: يخبأ، وفي رواية: فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني: فلما وجد مس الحجارة، قام على صاحبته يحني عليها يقيها الحجارة، حتى قُتِلا جميعًا، فكان ذلك مما صنع الله لرسوله في تحقيق الزنا منهما.

قال الحافظ: (وفي هذا الحديث من الفوائد وجوب الحد على الكافر الذمي إذا زنى وهو قول الجمهور، وقال مالك: إنما رجَم اليهوديين؛ لأن اليهود يومئذ لم يكن لهم ذمة فتحاكموا إليه، قال الطحاوي: وإذا أقام الحد على مَن لا ذمة له، فلأن يقيمه على من له ذمة أَولى، قال ابن العربي: والحق أحقُّ أن يُتَّبع ولو جاؤوني، لحكمت عليهم بالرجم، ولم أعتبر الإسلام في الإحصان، قال: وفيه قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض، قال: وفيه أن أنكحة الكفار صحيحة؛ لأن ثبوت الإحصان فرع ثبوت صحة النكاح، قال: وفيه أن اليهود كانوا ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها، قال: وفيه اكتفاء الحاكم بترجمان واحد موثوق به، قال: واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ثبت ذلك؛ إما بدليل قرآن أو حديث صحيح، ما لم يثبت نسخه بشريعة نبينا أو نبيهم)[2].

تتمة:

قوله تعالى: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 15]، قد يستدل بذلك على أن المذنب إذا لم يعرف فيه حكم الشرع، فإنه يُمسك فيحبس حتى يعرف فيه الحكم الشرعي، فينفذ فيه، وإذا زنى الذمي بالمسلمة قُتل، ولا يصرف عنه القتل الإسلام، ولا يعتبر فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضته واشتهاره، وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد، حدث إن لم تدع شبهة، وكذا من وُجد منه رائحة الخمر، وهو رواية عن أحمد فيهما وغلظ المعصية وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان والكبيرة الواحدة، لا تحبط جميع الحسنات، لكن قد تحبط ما يقابلها عند أهل السنة[3].