• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. زيد بن محمد الرماني / بحوث ودراسات
علامة باركود

الإنسان - البيئة - التنمية

د. زيد بن محمد الرماني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/5/2012 ميلادي - 24/6/1433 هجري

الزيارات: 150109

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

1) نبذة تاريخية:

بدأ الحديث عن آثار الحضارة الصناعية على البيئة عام 1962م، في الولايات المتحدة بعد صدور كتاب "الربيع الصامت" للروائية راشيل كارسون، كشفت فيه عن اختفاء أنواع من الطيور نتيجة الاستخدام الكثيف للأسمدة، وتلا هذا الحدث حملة قام بها المحامي في ذلك الوقت رالف نادر في عام 1965م هاجم فيها مواصفات الأمان لسيارات جنرال موتورز، وبدأ الاعتراض في أمريكا على إقامة المحطات النووية 1969م بعد نشر مجلة رياضية واسعة الانتشار لمقال بهذا الخصوص تحت عنوان "المحطات النووية على سطح ساخن" The Nukes are in hot water، وبدأ الشعب الأمريكي يظهر اهتماماً متزايداً بمشكلات البيئة، ونظم يوم 22 أبريل 1970م، و1971م كيومَين وطنيين للبيئة.

 

وفي عام 1969م أنشأ الأمريكي ديفيد برور جمعية ((أصدقاء الأرض))، وأخذت طابعاً سياسياً وأصبح لها فروع في 15 دولة، وتضم عدداً من القيادات الفكرية في العالم..

 

ومن المعلوم أنه في عام 1949م، عقدت الأمم المتحدة أول مؤتمر علمي عالمي هو "المؤتمر العلمي حول الحفاظ على الموارد واستخدامها" في ليك سكس.

ولقد كان القرار الرئيس في هذا المؤتمر، التأكيد على إيجاد وسائل لتجنب تبديد واستنفاد الموارد الطبيعية وتطبيق الوسائل الفنية الحديثة للتوصل إلى أقصى استخدام ممكن للموارد واكتشاف مصادر جديدة. كما نوقشت الحاجة إلى الحفاظ على التربة والغابات والحيوانات البرية والأسماك.

 

وبعد ذلك بعقدين، كانت الأنهار تختنق والأسماك تتعفن على الشواطئ، والأشجار تذبل، والمدن تعاني الهواء الملوث ذا الرائحة الكريهة، وأصبحت البلدان المتقدمة بشكل خاص تدرك ثمن التقدم في أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، وفي ذرات الفحم والرماد المتطايرة..

 

وبدأ العالم يقلق من جراء الآثار العكسية للإنسان على بيئته، وقررت الجمعية العامة عقد مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة البشرية، في استوكهولم في حزيران (يونيو) 1972م، لحماية وتحسين البيئة البشرية.

 

ثم عقدت عدة مؤتمرات وندوات علمية، كان منها : مؤتمر ريودي جانيرو لعام 1992م (مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية)، والمسمى بقمّة الأرض، وندوة الرياض: البيئة والتنمية تكامل لا تصادم عام 413ه-.

 

وقد أسهمت هذه المؤتمرات والندوات في الاتفاق على عناصر رئيسة، منها:

1) أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية أمر واجب وحيوي، لتحسين نوعية الحياة، ولتلبية الحاجات الأساسية للإنسان.

 

2) أن استمرار التنمية لن يتحقق، ما لم تراع في برامج التنمية وخططها العلاقة المتبادلة بين مكونات أربعة:

◘ ما تحويه النظم البيئية المختلفة من مصادر الثروة الطبيعية.

◘ تخطيط السكان وتحديد أنشطتهم واحتياجاتهم.

◘ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتحقيق هذه الاحتياجات.

◘ حماية البيئة من التلوث.

 

3) أن وقاية البيئة من التلوث والتدهور، يُعدُّ أقل كلفة، وأيسر تنفيذاً، وأجدى نفعاً من إصلاحها فيما بعد.

 

4) مراعاة الاعتبارات البيئية في جميع مراحل التخطيط ومستوياته.

 

 

5) اعتماد مبدأ التقويم البيئي لمشروعات التنمية، وإعداد الدراسات البيئية بما في ذلك الجوانب الاقتصادية، كجزء من دراسات الجدوى لهذه المشروعات، وربط الموافقة على مشروعات التنمية بضرورة الالتزام بتطبيق نتائج التقويم البيئي.

 

6) إعادة النظر في أنماط الاستهلاك والإنتاج السائدة، حتى تتجاوب مع الحاجات الحقيقية للمجتمع، في إطار محدد من الأولويات، بحيث ينسجم مع إمكانات البيئة المحلية.

 

7) مراعاة المردود البيئي للمشروعات المرتبطة بالمؤسسات الخارجية، ومراعاة العوامل البيئية في تخطيط وتنفيذ هذه المشروعات.

 

وغير خاف ما تتعرض له البيئة اليوم من مزيد الإرهاق والاستنزاف مما أدى إلى ظهور مشكلات عديدة أخذت تهدد سلامة الحياة البشرية. وت-عدُّ مشكلة التلوث في مقدمة المشكلات البيئية لما لها من آثار صحية واجتماعية واقتصادية، ناهيك عن مشكلات أخرى ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالبيئة، كمشكلة الغذاء، والمشكلة السكانية، ومشكلة الطاقة.

 

إننا اليوم أمام خيارين، إما أن نتعايش مع البيئة ونحافظ عليها، وإما أن نفرط في استنزافها. فالمبالغة بقطع الأشجار تؤدي إلى انجراف التربة وتصحرها. والمبالغة في صيد الأسماك تؤدي إلى هلاكها وقلة مورد مهم في غذائنا والهدر في استهلاك الحياة يؤدي إلى حرمان الآخرين منها، والإكثار من استعمال الطاقة المولدة للغازات تضر بصحة البشرية كلها، وإلقاؤنا للنفايات المكشوفة على قارعة الطريق تنعكس علينا بمزيد من الأمراض الوبائية.

 

إن البيئة بقدر ما نعطيها نوعاً وكمّاً، ترده إلينا سلباً أو إيجاباً. من هنا، كانت المحافظة على البيئة محافظة على حياتنا البشرية.

 

2) الإنسان والبيئة:

مرت العلاقة بين الإنسان والبيئة بعدة مراحل، بعضها إيجابي يتلاءم مع التوازن الدقيق الذي خلق الله عناصر البيئة ومكوناتها عليه، وبعضها سلبي.

 

هذه المراحل بدأت بعلاقة انسجام متبادل بين الإنسان وبيئته، يقوم أساسها إلى تسخير الله سبحانه لجميع مكونات البيئة للإنسان، واستعمار الإنسان لهذه المكونات وإدارتها دون العبث بها، والإخلال بتوازنها، أو الإسراف في استهلاك ثرواتها وكنوزها.

 

ولذلك، انتقلت موارد البيئة إلى الأجيال التي جاءت بعدها، وهي سليمة من الناحيتين، الكمية والنوعية، واستمر عطاؤها وإمداد الإنسان بما يحتاج إليه لاستمرارية حياته وحياة الكائنات الحية الأخرى.

 

ثم تلتها مراحل أخرى خطيرة على البيئة، وصلت ذروتها في نهاية القرن العشرين.

 

هذه المرحلة أسبابها تتمثل في ضيق نظرة الإنسان لمستقبل عناصر البيئة وجهله لكثير من السنن التي فطر الله عليها البيئة ومكوناتها، والربط المتزن بين عناصرها المختلفة.

 

كما أن تصرفات الإنسان وأنانيته وحبه لذاته ورفاهيته دون الإحساس بشعور من حوله وما يحيط به من مكونات وعناصر بيئية، كان لها دور سلبي في تدهور البيئة، يقول موريس سترونج المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: "إن المخاطر الرئيسية للدمار البيئي على نطاق عالمي وكذلك الضغوط العظمى على المصادر الطبيعية هي النشاطات الاقتصادية للبلدان الغنية، والشهوات الاستهلاكية المتفجرة لدى سكانها...".

 

ثم، تجددت مظاهر ومشكلات، مع الزمن، وانكشفت مشكلات أخرى لم يعرفها الإنسان من قبل، وكانت أكثر خطورة وأبعادها السلبية شملت جميع الكرة الأرضية.

 

فبعد أن كانت هذه المظاهر والمشكلات محلية، تهتم بيئة صغيرة في بقعة من بقاع الأرض الواسعة، تحولت هذه المظاهر إلى مشكلات إقليمية، وبعضها انعكست سلبياته على المستوى العالمي.

 

لذلك، أصبحت هذه المظاهر والمشكلات البيئية متجددة، كلما انتهت مشكلة وعُرفت أسبابها وطرق علاجها، ظهرت مشكلة أخرى أوسع بعداً وأكثر ضرراً.

 

في مطلع الثمانينات، كان هناك تضييق للمشكلات البيئية، يستند إلى مجال تأثير هذه المشكلات، ويفرق بين المشكلات البيئية العالمية (الكونية)، والمشكلات البيئة الإقليمية (المحلية).

 

فالمشكلات البيئة العالمية (الكونية)، هي تلك المشكلات التي تحدث بناء على بعض التدخلات التي تظهر في منطقة أو عدد قليل من المناطق، ولكن يمتد تأثيرها إلى الإضرار بنظام بيئي كوني مثل: مشكلة الدفيئة (ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي)، وتآكل طبقة الأوزون، كما أنها تنجم عن التغيرات التي تحدث بشكل تراكمي من جراء تكرار التدخلات البشرية السلبية في الأنظمة البيئية وانتشارها في أجزاء كبيرة من العالم، مثل: مشكلة التصحر، وقطع الغابات والنمو الحضري العشوائي.

 

أما المشكلات البيئية الإقليمية (المحلية)، فهي تلك المشكلات التي تقتصر آثارها على الإضرار بالأنظمة البيئية في مكان أو إقليم محدود، وت-عدُّ مشكلات محلية، بينما ت-عدُّ مشكلات الأمطار الحمضية أو تلوث البحار الإقليمية مشكلات إقليمية.

 

إن هذه المشكلات وقضايا البيئة المتجددة والمتغيرة، تتطلب من الإنسان، بل تلزمه مجابهتها وحلها أيضاً بصورة متجددة، لكي يواكب الإنسان الأخطار التي تترتب على وجودها، ويحاول منع وقوع قضايا أخرى جديدة.

 

إن قضايا البيئة، أمر مصيري للكون، فهي في عمقها الفكري تفوق كثيراً موضوع التنمية، ومخاطر التنمية فالقضية الحقيقية قضية فكرية تتصل بضرورة إعادة النظر في نوع العلاقة بين الإنسان والبيئة (الطبيعة) على الإنسان، إلى سيطرة الإنسان على البيئة (الطبيعة)، وإيجاد علاقة ذات صيغة جديدة، تقوم على الحوار والتعاون المشترك. فالمشكلة البيئية، مهما تعددت مجالاتها ومهما كانت درجة خطورتها فهي مشكلة سلوكية في المقام الأول، ومن ثم إذا ما أردنا مواجهة مشكلات البيئة فإن الأمر يستلزم بداءة تعديل سلوكي للإنسان المتعامل مع البيئة، والمتفاعل معها، بحيث يتبنى قيماً بيئية إيجابية، وسلوكيات تستهدف حماية البيئة والمحافظة عليها. إذ للمحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية من الناحيتين الكمية والنوعية أهمية بالغة مرتبطة بحياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى، حيث إن هناك علاقة طردية بين صحة الإنسان وسلامته، وصحة البيئة وسلامتها.

 

يقول يوثانت: "ليس بودي أن أهول الأمر، ولكن النتيجة الوحيدة التي أستطيع استخلاصها من المعلومات التي في حوزتي هي أنه لا يكاد يبقى عشر سنوات أمام الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة كي تنسى خصومتها القديمة وتتضامن من أجل إنقاذ البيئة...

 

3) تلوث البيئة:

لقد كان الاهتمام في الماضي بالبيئة وتلوثها "Environmental pollution" ينصب أساساً على آثاره ومشكلاته الصحية، باعتبار أن تلوث البيئة يتسبب في كثير من الأمراض، مما جعل دائرة البحث تنحصر في المهتمين بالعلوم الطبية فقط، إلا أن الحاجة قد دعت إلى التقويم الكمي والمالي والجوانب الاقتصادية الأخرى المتعلقة بمخاطر تلوث البيئة التي تصاحب استخدام الموارد الاقتصادية واحتساب تكاليف التخلص من النفايات الناتجة عن المصانع والمزارع والأسواق والمساكن، والتي تلوث الهواء والماء والتربة.

 

ومما يزيد آثار التلوث البيئي انتشارها وعدم انحصارها في مكان واحد، مما يجعلها تمتد إلى آخرين سواء كانوا أفراداً أو مجتمعاً أو دولاً أو العالم بأسره. فالإنسان لا يلوث هواءه الخاص به، أو مياهه، أو تربته، إنما أيضاً هواء ومياه وتربة الآخرين.

 

وقديماً أشار ابن خلدون رحمه الله في مقدمته المشهورة إلى التلوث وضرورة حماية البيئة، حيث قال: "إن الهواء إذا كان راكداً خبيثاً أو مجاوراً للمياه الفاسدة، أو لمنافع متعفنة، أو لمروج خبيثة، أسرع إليها العفن من مجاورتها، فأسرع المرض للحيوان الكائن فيه لا محالة، وهذه مشاهدة في المدن التي لم يراع فيها طيب الهواء، وهي كثيرة الأمراض في الغالب...".

 

وقد جاء في تقرير لأكاديمية العلوم الوطنية الأمريكية عام 1966، ما يلي: ((لقد حل الوقت الذي لا يجوز فيه للإنسان أن يمضي في استعمال الأرض والبحر والهواء كأنها سلة قمامة)).

 

وفي عام 1991م، وفي أريزونا في سبتمبر، بدأ مشروع المحيط الحيوي "الثاني" بدخول ثمانية علماء، في صوبة كبيرة جدّاً، تمّ فيها محاكاة البيئة الموجودة في الأرض، ووضعت بها آلاف الأنواع الحية، ويتم فيها إعادة تطوير استخدام كل الموارد مع عدم التعرض إلى تلوث صناعي، والهدف من هذا المشروع دراسة "المعدلات الطبيعية" للتلوث في المحيط الحيوي، في غياب الأنشطة الحادة وغير الرشيدة للبشر، لمعالجة مشكلات المحيط الحيوي الأول ((الأرض))..

 

يقول ماكفارلين برنيت: (ثمة ثلاثة لا مناص منها: خفض الحرب إلى أدنى حد مستطاع، إقرار سكان الأرض على مستوى مقبول، منع التدمير المطرد لموارد الأرض التي لا تعوض...).

 

إن التقنية المعاصرة أدت ولا تزال تؤدي إلى تلوث هائل لمختلف بيئات الأرض تلوثاً كيميائياً، وحرارياً، وإشعاعياً، عن طريق ما قذفته المصانع وأجهزت التقنيات الحديثة من كميات هائلة من الإشعاع والحرارة والغازات والنفايات السامة، والصلبة، إلى الهواء وإلى مياه الأنهار والبحيرات والبحار، وإلى تربة الأرض.

 

لذا، برزت في الدول المتقدمة توجهات عديدة، لإعادة تحميل الدول النامية بأعباء مكافحة التلوث، مثل رغبة دول المجموعة الأوروبية في فرض ضريبة على إدارتها النفطية من دول مجلس التعاون وتخصيص عائدها للمحافظة على البيئة.

 

لهذا فالعالم العربي والتنمية العربية بالذات تواجه تحديات تضع في الاعتبار برنامجاً عملياً لصيانة البيئة، من خلال تحسين استغلال البيئة سواء الزراعية أو مصادر المياه وتشجيع الصناعات الريفية التي تحد من الهجرة إلى المدينة.

 

يقول ليونارد سلك: ((ينبغي على السياسة الاقتصادية أن تركز مستقبلاً على إنهاء الإهدار أو التبذير، والحفاظ على مصادر الثروة التي لا تتجدّد وعلى حماية الجو والمحيطات من التلوث وعلى إحداث تغيّر في عادات الاستهلاك...)).

 

ويقول جنيفر ميك في كتابه ((التلوث في العمل والمدرسة)): "لا أعتقد أن التلوث كمشكلة متزايدة في هذا القرن، يخرج عن إطار الفهم القائل بأن لكل جيل من البشر تصورهم الشخصي" بأن زمنهم زمن خاص، "... ومشكلة التلوث هي واحدة من إفرازات التحول إلى عصر العلم والتقنية...".

 

إن إحدى القضايا الاجتماعية الرئيسة قديماً ومازالت هي تلوث البيئة. وتلوث البيئة هو إلى حد كبير مشكلة اقتصادية. وفي سبيل الوقاية من هذا التلوث ومعالجة أخطاره، قدم العلماء الحلول والوسائل الكفيلة لمواجهة مشكلة تلوث البيئة، ومن ذلك التربية البيئية، والتوعية البيئية، والتخطيط البيئي السليم، والتنبؤ البيئي المستقبلي، ذلك أنه من الغباء القضاء على البيئة ومواردها، على حدّ قول باري كومونر.

 

4) التوعية والتربية البيئية:

لقد اهتم الإنسان منذ القدم بدراسة مقومات بيئته وأثرها في حياته واستخدم في ذلك تفسيرات كان بعضها يعتمد على الخرافة وبعضها الآخر يعتمد على دراسة علمية سليمة. وقد شعر الإنسان منذ آلاف السنين بأهمية مصادر بيئته وضرورة المحافظة على هذه المصادر.

 

إن مهمة المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية لابد وأن تشمل نشر الوعي والمعرفة حول عناصر البيئة وأهمية المحافظة عليها، وكذلك طرق التعامل مع البيئة.

 

فالمحافظة على مصادر البيئة تعني حسن استغلال كنوز الأرض التي وهبها الله لنا، وليس المراد عملية ادخار للمستقبل، وبصورة عامة تعني المحافظة وعدم الإسراف عند استعمال مصادر البيئة الطبيعية.

 

إن التربية البيئية هي ارتقاء بالإنسان، لاكتساب الوعي، والاهتمام بالبيئة، وبالمشكلات المرتبطة بها، واكتساب المعرفة، والاتجاهات والميول، والمبادرة للعمل على حل المشكلات الحالية، ومنع ظهور مشكلات جديدة أخرى.

 

التربية البيئية هي جانب من التربية، يساعد الناس على العيش بسلام على كوكب الأرض. وتستند مبررات التربية البيئية إلى خصائص كل من الإنسان والبيئة من ناحية، وإلى تطور العلاقات بين الإنسان والبيئة من ناحية أخرى.

 

إن من الأسباب التي تدعو إلى الاهتمام بالبيئة، ما يلي:

أولاً: أن البيئة (الطبيعة) تقوم بالدور الرئيس في معاونة الإنسان على إنتاج السلع المادية اللازمة لإشباع حاجاته المتزايدة؛ ولذلك فمن المهم صيانة هذه الموارد الطبيعية حتى يمكن مواصلة دورها بفاعلية وكفاءة.

ثانياً: أن الإنسان يحتاج إلى ظروف بيئية معينة، حتى يستطيع أن ينمي مواهبه على أحسن وجه وينعم بحياة جيدة، ونفسية سليمة.

 

ومن المبادئ التي يجب أخذها في الاعتبار عند القيام بالتوعية والتربية البيئية، ما يلي:

أولاً: تعقد العلاقات بين الإنسان والبيئة، وتشابكها إلى أبعد الحدود، وتعرض هذه العلاقات للتغيير والتبديل.

ثانياً: أن كل أو معظم التغيرات التي يحدثها الإنسان في كوكب الأرض الذي يعيش عليه هي ظواهر بيئية، لا يمكن فهمها إلا في ضوء العلاقة الثلاثية القائمة بين الإنسان والمجتمع والبيئة.

ثالثاً: أن الإنسان يوجد في البيئة، كجزء منها، يؤثر فيها، ويتأثر بها.

رابعاً: أن تأثير البيئة في الحياة الاجتماعية، سواء في المنتديات الثقافية أو الاجتماعية، لا يعني أن هذا التأثير يصل إلى حد تشكيل حياة الناس كلها، وتوجيهها في اتجاه مرسوم.

خامساً: ضرورة التعرف على تأثير العوامل البيئية على التنظيم الاجتماعي، وعلى البناء الاجتماعي، وعملية التكيف في المجتمع.

 

لقد أصبحت الحاجة إلى الوعي البيئي قضية سياسية مهمة في المجتمعات الصناعية المتقدمة، فالحركة الخضراء الجديدة أو ما يُسمى بحزب أو جمعية السلام الخضر "Green peace" وخاصة في ألمانيا قد لعبت دوراً مهماً في الانتخابات الأوروبية.

 

لقد أصبحت التوعية والتربية البيئية تعي أهمية التوازن البيئي، التوازن بين الكائنات الحية وعلى قمتها الإنسان من جهة، وبين العناصر الطبيعية من جهة أخرى؛ ذلك لأن تجديد الموارد الطبيعية لا يتم إلا إذا توافرت الشروط اللازمة لضمان توازن البيئة التي تتواجد فيها هذه الموارد. بحيث نعيد النظر في القيم الحديثة التي تراعي كميات الموارد الطبيعية، على أساس أن للأرض طاقة استيعابية معينة.

 

وتولي التوعية والتربية البيئية أهمية كبيرة للتخطيط البيئي؛ وذلك لأنه أسلوب علمي منظم يهدف للتوصل إلى أفضل الوسائل لاستغلال موارد البيئة المتاحة، والقدرات البشرية في تكامل وتناسق.

 

ويقوم التخطيط البيئي على مبادئ ثلاثة، هي:

أولاً: شمولية التخطيط البيئي للبيئة بمفهومها التكاملي (الطبيعي، والاجتماعي، والثقافي) كمّاً ونوعاً.

ثانياً: أن يكون التخطيط البيئي طويل المدى، يحده منظور مستقبلي، ينظر إلى الأفق البعيد.

ثالثاً: دمج التخطيط البيئي مع التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.

 

إن التوعية والتربية تحتل أهمية كبرى ضمن وسائل وأساليب مواجهة المشكلات البيئية والوقاية منها.

 

5) البيئة والتنمية:

لقد بدأت الكتابات التنموية الجديدة تؤكد أن البيئة ليست وسيلة لتحقيق التنمية بل هي غاية في حد ذاتها، ولربما كانت التنمية في النهاية السعي من أجل تطوير وإغناء البيئة. إن التنمية لكي تكون تنمية ناجحة، لابد أن تكون منسجمة مع البيئة. هذه التنمية المنسجمة مع شروط وضوابط البيئة هي التنمية المستديمة.

 

إن التنمية المستديمة هي خطورة ضرورية لتجاوز التدهور البيئي والمأزق التنموي العميق في العالم المعاصر. إذ أن مستقبل العالم أصبح مرتبطاً بالتخطيط لتنمية دائمة ومتواصلة ومتجددة تلبي احتياجات الحاضر دون أن تضحي بمتطلبات المستقبل.

 

التنمية المستديمة هي التنمية التي تنطلق من هذه المبادئ وتحقيق التوازن بين التنمية والبيئة، وبين الإنتاج والاستهلاك، وبين قدرة البيئة على العطاء وقدرتها على التحمل.

 

إن التحدي أمام المجتمع الدولي الآن هو كيف يمكن تحقيق تنمية اقتصادية ورفاهية اجتماعية بأقل قدر من استهلاك الموارد الطبيعية وبالحد الأدنى من التلوث والإضرار بالبيئة. هذا هو جوهر التنمية المستديمة التي تم إقرارها في قمة الأرض عام 1992م، التي تحولت إلى واحدة من أهم الإضافات الجديدة والجادة للفكر التنموي العالمي.

 

لقد أصبحت التنمية المستديمة تعني أموراً مختلفة، وذلك اعتماداً على ما يعتقد أنه العنصر المهم في تحديد تعريف للمفهوم. فهناك مَنْ يركز على أن عنصر البيئة هو أهم عناصر التنمية المستديمة، حيث كانت البيئة والاعتبارات البيئية مهملة ليس في التخطيط التنموي فحسب، بل وفي التخطيط الاقتصادي والاجتماعي. وهناك مَنْ يركز على عنصر الموارد الطبيعية وكيفية إدارتها وتعظيم المنفعة من استخدامها والأساليب الممكنة للإبقاء والمحافظة عليها. وهناك مَنْ يعتقد أن جوهر التنمية المستديمة هو التفكير في المستقبل، وفي مصير الأجيال القادمة. وهناك مَنْ يعتقد أن جوهر التنمية المستديمة هو عنصر المشاركة في إدارة التنمية وخاصة على الصعيد المحلي، حيث إن التنمية المستديمة هي أساساً التنمية التي تتم على الصعيد المحلي. وهناك مَنْ يرى أن هدف التنمية المستديمة المباشر هو القضاء على الفقر بعداً مهماً من أبعاد التنمية المستديمة.

 

هذه أهم الاستخدامات المتعددة للتنمية المستديمة والتي تبرز أهم السمات المميزة للتنمية المستديمة، على النحو التالي:

1) التنمية المستديمة تختلف عن أشكال التنمية الأخرى، في كونها أشد تداخلاً وأكثر تعقيداً وخاصة فيما يتعلق بما هو طبيعي وما هو اجتماعي في التنمية.

2) التنمية المستديمة تتوجه أساساً إلى تلبية متطلبات واحتياجات أكثر الشرائح فقراً في المجتمع، وتسعى إلى الحد من تفاقم ظاهرة الفقر في العالم.

3) للتنمية المستديمة بُعْدٌ نوعي يتعلق بتطوير الجوانب الروحية، والثقافية، والإبقاء على الخصوصية الحضارية للمجتمعات.

4) لا يمكن في حالة التنمية المستديمة فصل عناصرها وقياس مؤشراتها، لشدة تداخل الأبعاد الكمية والنوعية.

 

إن العالم بحاجة إلى تنمية تستند إلى مبدأ أن الموارد الطبيعية محدودة وهي ملك للجميع بالتساوي، وهي ملك للمستقبل بقدر ما هي للحاضر، وهي على كل الأحوال ليست ملكاً للإنسان وحده، وإنما هي أيضاً من حق كل الكائنات والمخلوقات.

 

إن العالم بحاجة إلى تغيير الاتجاهات البيئية وتقويم النظم الاقتصادية، وتعديل الأنماط البيئية والاقتصادية والاجتماعية، بما يحقق التنمية الاقتصادية الملائمة، ويشبع الحاجات الإنسانية الأساسية، ويحافظ على سلامة البيئة من خلال اعتماد تقويم دقيق لاعتبارات البيئة، حفاظاً على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ذلك أن توفير الاستقرار الاقتصادي لا يتم إلا عن طريق تحقيق مبدأ التنمية المستديمة.

 

وتحسن الإشارة إلى أن للتنمية المستديمة ثلاثة أبعاد رئيسة متكاملة: بيئية واجتماعية واقتصادية. فثراء البشرية ونموها الاقتصادي يعتمد على موارد البيئة التي ت-عدُّ كافية لحاجات الكائنات الحية، إذا ما استخدمت بفاعلية؛ لأن النمو الاقتصادي ورعاية البيئة مترابطان. كما أن مفتاح التنمية يقع في مشاركة الناس وتنظيمهم وتعليمهم فالتنمية ينبغي أن تكون ملائمة للبيئة ومواردها، وكذلك للثقافة والتاريخ والنظم الاجتماعية في الموقع الذي تجرى فيه.

 

الاستدامة مبدأ يقول بأن النمو الاقتصادي والتطور لابد أن يقوما ويحافظ عليها ضمن الحدود البيئية، من خلال العلاقات المتبادلة بين الناس وأفعالهم وبين المحيط الحيوي والسنن التي تحكمه.

 

والاستدامة مبدأ يعني تحقيق مستوى معقول من الرخاء والأمن لجميع أفراد المجتمع بين الدول النامية. ولذلك يُعدّ أمراً أساسياً لحماية التوازن البيئي.

 

إن كل فرد مطالب بالاعتدال في كل شي بحيث لا يسرف في استهلاك مصادر الطاقة وغيرها من مقومات الحياة، إذ أنه سبحانه لا يحب المسرفين. وفي ذلك حفظ للتوازن البيئي يقول تعالى: ﴿ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمت الله قريب من المحسنين ﴾ (سورة الأعراف، الآية:56).

 

ويقول سبحانه: ﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ﴾ (سورة الروم، الآية:41).

 

وتدبر هذه الآيات يفهم منه تجنب الإغراق في الترف والسرف والسفه والتبذير الذي يؤدي إلى الفساد والإفساد في الأرض، والبحر، والجو، وفي هذا دعوة إلى المحافظة على البيئة والتنمية.

6) المملكة وقضايا البيئة:

سجل العقد الماضي اهتماماً دولياً بشؤون البيئة وحمايتها وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث جاءت قضايا إدارة الموارد البيئية، وحمايتها وتنميتها من الأولويات في سياسات كثير من الدول ومجالات تعاونها.

 

وفي الوقت الحاضر تشهد المملكة العربية السعودية وعياً ثقافياً وسياسياً وبيئياً، يعطي الموارد الطبيعية والبيئية اهتماماً بالغاً في الحماية والحفاظ عليها، بحيث أصبح هذا الاتجاه له تأثير مباشر على التفكير ونمط الحياة بين مواطنيها. وهو توجه يتفق والتراث الحضاري وتسعى إليه خطط التنمية الوطنية في المملكة، فهي رائدة إدراج مبادئ الوعي بالبيئة.

 

لقد حرصت المملكة في جميع خططها التنموية أن تؤكد على اهتمامها بالبيئة والتنمية من خلال إسهام مصلحة الأرصاد وحماية البيئة في النشاط الاقتصادي للمملكة، بتوفير المعلومات وتقديم المشورة فيما يتعلق بحماية البيئة، كما في خطة التنمية الثانية 1395/1400ه- ومن خلال توفير وتطوير خدمات بيئية متكاملة كما في خطة التنمية الثالثة 1400/1405ه-، ومن خلال دعم مساهمات الأفراد والمؤسسات في المحافظة على البيئة كما في خطة التنمية الرابعة 1405/1410ه-. وقد تضمن الأساس الإستراتيجي السابع لخطة التنمية الخامسة 1410/1415ه-، والأساس الإستراتيجي العاشر لخطة التنمية السادسة 1415/1420ه- الحث على الاستمرار في برامج المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها وما زالت الخطط التنموية السعودية الخمسية على هذا النهج في حماية البيئة والتنمية المستديمة.

 

وقد تزامنت التطورات الدولية في مجال المحافظة على البيئة خلال العقدين الماضيين مع اعتماد منهج التخطيط التنموي في المملكة، وواكبت المملكة هذه التطورات ولعل أهم ما تحقق في هذا المجال ما يلي:

أولاً: إدخال الاعتبارات البيئية في اختيار مواقع أهم المشروعات الصناعية في المملكة، وفي تصميم هذه المشروعات وتشغيلها، فالمجتمعات الصناعية في الجبيل وينبع ت-عدُّ مثلاً لتكامل الاعتبارات البيئية التنموية.

ثانياً: إنشاء الهياكل التنظيمية والتنفيذية لأجهزة حماية البيئة والمحافظة عليها، مثل: مصلحة الأرصاد وحماية البيئة عام 1386ه- والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها عام 1406ه- والهياكل التخطيطية والتنسيقية، مثل اللجنة الوزارية للبيئة، ولجنة تنسيق حماية البيئة.

ثالثاً: إصدار مقاييس وطنية لحماية البيئة، والتزام معظم المشروعات التنموية بها.

رابعاً: إصدار المواصفات القياسية لتحديد انبعاث الملوثات من السيارات وتطبيقها على جميع السيارات المستوردة إلى المملكة.

خامساً: إنشاء المحميات الطبيعية للأحياء الفطرية، والمنتزهات الوطنية، ومسيّجات المراعي للمحافظة على التنوع الإحيائي والبيئي.

سادساً: تنامي دور المملكة إلى الصعيد الإقليمي في مجال البيئة ومنظمات البيئة البحرية لكل من البحر الأحمر والخليج العربي، وفي مجالس الوزراء المسؤولين عن شؤون البيئة في كل من مجلس التعاون والجامعة العربية.

 

لقد صاحب التوسع الاقتصادي في المملكة، وتحقيق معدلات في التنمية العمرانية، حدوث بعض الإضرار بالموارد الطبيعية والبيئة لم يسبق لها مثيل، مثل: التلوث، والأخطار الصحية الناجمة عن المعالجة غير الملائمة لنفايات النشاطات الصناعية والزراعية والحضرية، وتلوث الهواء في المدن الكبرى والمناطق الصناعية والتصحر، والأخطار التي تواجه الحياة الفطرية علاوة على نقص احتياطي المياه الجوفية وتدني مستويات جودتها.

 

ونتيجة لهذه الأضرار وسلبياتها على التنمية الاقتصادية فقد أنشأت الدولة مصلحة الأرصاد وحماية البيئة، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.

 

فعلى سبيل المثال، تقوم الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في إطار سعيها لتنمية متكاملة متوازنة حضرياً واقتصادياً، وبيئياً، على برنامج متكامل لإدارة البيئة وحمايتها في مدينة الرياض، وتولي الهيئة العليا الاعتبارات البيئية اهتماماً كبيراً في تخطيط وتصميم المشروعات التي تقوم بها، مثل: تطوير وادي حنيفة، وخفض منسوب المياه الأرضية، ومشروع حماية الحياة الفطرية، واستكمال شبكات الصرف، وترشيد استهلاك مياه الري، ودراسة أسباب تلوث الهواء، وتلوث المياه في مدينة الرياض، ودراسة أساليب التخلص من النفايات الصلبة.

 

ولا زالت الحاجة ملحة لوضع الحلول التي تساعد في الحد من العقبات والمعوقات المتعلقة بحماية البيئة، والحفاظ عليها من التدهور والاستنزاف والتلوث.

 

7) صناعة البيئة:

أصبحت مشكلة البيئة تفرض نفسها في مقدمة مشكلات العالم. فكلما زادت درجة التطور زاد الإنسان من إفساد البيئة التي يعيش فيها.

 

لقد كانت المرة الأولى التي أتيح فيها لكائن بشري أن يرى الأرض من الفضاء الخارجي في منتصف القرن العشرين، حيث وصفها بأنها كرة صغيرة تبدو هشة وخالية من العمران، تغطيها السحب، وتحتل المياه معظم مساحتها، ولقد اتضح لنا عجز البشر عن إدارة أحوال هذه الكرة. إنها حقيقة لا مهرب من مواجهتها.

 

جاء ذلك في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية الذي أصدر في عام 1987م، تحت عنوان "مستقبلنا المشترك" حيث أكد أنه لا مجال للعزلة في عالم اليوم، فالعلاقات بين الدول تتزايد وتتعقد، بحيث أصبحت إدارة الشؤون العالمية في حاجة إلى التطور المستمر لمسايرة النمو في تلك العلاقات.

 

ولقد تحقق بعض التقدم في هذا المجال استجابة لذلك التقرير، فظهرت خلال السنوات الماضية مبادرات إقليمية ومحلية لمعالجة بعض أحوال البيئة ومشاكلها، مثل تلوث الهواء، وسياسات استغلال الموارد المائية والتخلص من النفايات، كما ظهرت استجابة عالمية، تمثلت في معاهدات وبرامج للتعاون الدولي من أجل حماية طبقة الأوزون، وبداية التباحث لوضع برامج دولية لدراسة أحوال المناخ.

 

هذه علامات مشجعة، ولكن ليست كافية لمواجهة التدهور المتسارع في أحوال البيئة العالمية، فثمة تقديرات تشير إلى أن التوسع في الأنشطة البشرية مستمر في الضغط الشديد على قدرات وإمكانات الأنظمة البيئية والموارد الطبيعية في العالم، حتى إن بعض هذه الأنظمة والموارد، مثل: الوقود الأحفوري، وطبقة التربة الزراعية الخصبة، والتنوع الحيوي يتعرض للاستنزاف الشديد.

 

إذن: كيف السبيل إلى صون ودعم التغيرات السريعة والحادة؟ وهل نكتفي بمجرد مقاومة هذه التغيرات؟ أم تتعداها جهودنا إلى مزيد من الخطط الشاملة والطويلة الأجل للتعاون مع مختلف قضايا البيئة؟.

 

علامات استفهام عديدة لا تزال قائمة، يدور حولها جدل كثير يشارك فيه العلماء والهيئات الرسمية والأهلية المهتمة بشؤون البيئة. ولعله من المفيد أن نستمع إلى وجهة نظر ذات طابع مختلف.

 

تقول آن تايلور في كتابها "كيف نختار مستقبلنا": "إننا نعيش في عالم منكمش أو متقلص بالنسبة لما كان عليه العالم قبل أن تطأ قدما رائد الفضاء الأمريكي"نيل آرمسترونج" سطح القمر. لقد أصبح العالم قرية كبيرة بعد ثورة الاتصالات وثورة المعلومات وهكذا يمكن القول إن البيئة التي يعيش فيها البشر ليست مجموعة من الأجزاء المتباعدة، أو تتلاشى فيه الخطط المرسومة على الخرائط كحدود دولية. وتذهب آن تايلور إلى أن التركيب الحالي للاقتصاد العالمي لا يوفر الشروط الضرورية لتنمية ثابتة الأركان.

 

ويرى تشامبرز أن حل مشكلة تكاثر السكان المتفاقمة وما ينجم عنها من ضغط على موارد البيئة المحدودة، يكمن في طرق متعددة الاتجاهات، منها التخطيط العائلي بهدف الحد من التكاثر السكاني وترشيد استغلال الموارد وتحقيق تنمية اقتصادية حكيمة، ويعتقد تشامبرز أن الفشل في معالجة قضايا البيئة في الماضي، إنما يعود إلى ارتباط الحلول بالمسائل المادية، وكذلك ارتباطها بقيم الأغنياء دون قيم الفقراء؛ ولذا يقترح أن تتركز العناية على حاجات ورغبات الفقراء والنساء الريفيات...".

 

أما إنجل فيرى أنه من الضروري تشجيع إقامة روابط وثيقة بين علماء البيئة وصانعي السياسة البيئية من جهة، والكت-اب والمثقفين من جهة أخرى، لأن هؤلاء بكتاباتهم وتوجيههم يستطيعون كشف الأسباب الأيدلوجية الكامنة وراء فشل الإنسان في تطوير قيم أخلاقية بيئية بناءة تؤدي إلى حماية البيئة، كما أن بإمكانهم التأثير في الناس وحضهم على اتخاذ مواقف أخلاقية إيجابية لصالح الطبيعة ويأسف إنجل، لأن بعض التقاليد الغربية تشجع على تدمير البيئة وكأنّ مهمة الإنسانية قهر الطبيعة وتسخيرها لصالح البشر...".

 

ويبيّن بت أن فشل التنبؤ بالمستقبل يعود إلى أسباب عديدة، أهمها الاعتماد المبالغ فيه على المؤشرات الكمية بدل من المؤشرات الكيفية.

 

ويبيّن أن المشكلات الكبرى التي يعاني منها العالم اليوم كالفقر في العالم الثالث والتصحر والتلوث والتسلح وانقراض الأجناس، لم تتم تغطيتها في مناهج التربية البيئية في كثير من دول العالم.

 

ويعتقد بت أن التربية البيئية يجب أن تحتل الأولوية في إستراتيجيات حماية البيئة في المستقبل، وألا تعمل في فراغ، بل بوصفها جزءاً من نظام بيئي متكامل، وأن تستجيب كذلك وبشكل مناسب للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية. كما يدعو بت إلى بذل أقصى الجهود في سبيل تنسيق النشاطات الدولية البيئية وتشجيع الحوار بين النظم الثقافية والاجتماعية المختلفة حول التربية البيئية، ومن الضروري أيضاً تعميق الروابط بين المشكلات العالمية المعاصرة مثل: الفقر والتسلح وانعدام العدالة والمساواة وغير ذلك...".

 

ويقول أورويوردان في كتاب "مستقبل البيئة": "إن هنالك أربع ثورات بيئية هبت على العالم، الثورة الأولى انبثقت في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي، حيث رأى كتاب وشعراء أمثال إمرسون وتولستوي أن الطبيعة رمزٌ لحياة المجتمع البشري، ومثالٌ يفرض معايير وقيماً أخلاقية تهتم بالبيئة بما فيها من أشجار ومياه... ثم بدأت الثورة الثانية في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي واستمرت حتى بداية القرن العشرين وتمثل مرحلة قيادة للبيئة وإفادة منها، فإن أنصار قيادة البيئة يرون في البيئة ثورة اقتصادية ينبغي تسخيرها في سبيل الإنسان، فتدخلوا في عملياتها واستنزفوا خيراتها... وظهرت الثورة الثالثة في منتصف الستينات من القرن الماضي، حيث اتسمت بالنمو الاقتصادي السريع وتطور وسائل الاتصال الحديثة، واستحواذ المشكلات البيئية على اهتمام الصحافة وأجهزة الإعلام، وظهور القوانين والمؤسسات البيئية، وهذه مرحلة مهمة لتنظيم البيئة وضبط التلوث والحفاظ على الموارد، بطرق عملية منهجية.

 

وفي القرن الجديد وبداية الألفية الثالثة كنا وما زلنا على أعتاب الثورة البيئية الرابعة التي تتسم بنظرة خاصة للإنسان باعتباره مسؤولاً عن دمار البيئة، وهذا يستوجب العمل على تحويل هذا الإنسان من سبب لخراب البيئة إلى سبب لإنقاذها..".

 

وبعد هذه الآراء التي توضِّح ضرورة التوسع في الأبحاث البيئية من أجل الوصول إلى معالجات ناجعة للأخطار التي تهدد الطبيعة مع الحاجة الملحة لنظرة جديدة إلى العالم وإلى أخلاقيات جديدة. ولذا ينبغي الاستعانة بآراء علماء الاجتماع والاقتصاد وباقي المختصين في العلوم الإنسانية، لرسم المعالجات المنشودة حسب الخطط التالية:

1) تشجيع تطوير تقنيات معينة مناسبة لنقلها إلى اقتصاديات العالم الثالث، مع التركيز على تقنيات الطاقة لتقليل الحاجة إلى وقود الحطب، تلافياً لإتلاف الغابات.

 

2) تقديم مساعدات تنموية إلى المجتمعات المحلية والناس العاملين بطريقة مباشرة.

 

3) قيام المدارس والمعاهد والجامعات بدور مهم في التوعية البيئية، لاسيما في مجال الحفاظ على البيئة وحمايتها.

 

4) الأخذ بمبادئ وقيم بيئية رشيدة مثل:

أ- الاستعمال الكيفي للموارد، ووقف التخريب البيئي غير المقبول اجتماعياً، وغير المرغوب اقتصادياً، وتقليص الهدر في الموارد.

ب - استخدام أشكال من التقنية المقبولة بيئياً واجتماعياً.

ج - الحفاظ على جمال الطبيعة.

د - وضع سياسات بيئية تصون البيئة.

 

8) حقائق أساسية عن البيئة:

وضعت الشريعة الإسلامية من خلال مصادرها الأساسية القرآن الكريم والسُنة النبوية تصوراً شاملاً يشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد والماء والهواء.

 

وإذ كان الإنسان مكرماً على سائر المخلوقات وخليفة الله في أرضه سبحانه وتعالى، وإذ كان مفضلاً على سائر الكائنات، سُخرت له هذه المخلوقات والكائنات ليقوم بعبادة الله عز وجل ويتقوى على طاعته سبحانه، ويعمر الأرض ويسعى في سبيل كسب رضى الله، تبعاً لقاعدة الاستخلاف.

 

ومن سنن الله سبحانه في كونه أن خلق كل كائن ليؤدي دوراً معيناً ووظيفة متناسبة مع تكوينه؛ وذلك حتى يتم حفظ التوازن بين هذه المخلوقات، كما قال سبحانه: ﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ﴾ (سورة الذاريات، الآية:49).

 

ولذا جاء الأمر لنوح عليه السلام ﴿ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ﴾ (سورة هود، الآية:40).

 

وذلك حماية لها من الانقراض بسبب الطوفان، وهذا يفيد ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ النوع والسلالة في الكائنات الحية، انطلاقاً من مقصد هام من مقاصد الشريعة هو حفظ النسل.

 

ومن المعلوم أن حفظ الحياة لا يتم إلا بحفظ مكونات البيئة، حيث هي عامل ضروري لاستمرار الحياة، ولما كان حفظ الحياة واجباً، كان الحفاظ على عناصر البيئة واجباً، حفظها من التلوث والتعطيل والاستنزاف انطلاقاً من قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

 

ومن ثمّ استخلف الله سبحانه الإنسان المخلوق المكرم على هذه البيئة، ومَلكه لها تبعاً لقاعدة الملكية، ملكية انتفاع لا ملكية رقبة، ومقتضى ذلك أن كل جيل أمين على ما استخلف عليه، وأن عليه المحافظة على هذه الأمانة وتسليمها للجيل الذي يليه. إن مفهوم حماية البيئة في الشريعة الإسلامية لا يقتصر على حماية الإنسان من الأخطار التي يتعرض لها في وجوده وصحته فحسب، لكنه يتجاوز هذه النظرة ليشمل حماية جميع المقومات الأساسية للحياة من إنسان وحيوان ونبات وماء وهواء وتربة ومعادن... مما يدخل ضمن مجموع الكليات الخمس أو مقاصد الشريعة الإسلامية (حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ النسل، حفظ العِرْض, وحفظ النفس) وقد جاءت الشريعة الإسلامية للحفاظ على هذه الكليات والمقاصد بل جعلتها مقصودها الأعظم.

 

وهو الأمر الذي بدأ المهتمون بقضايا البيئة يدركونه مؤخراً، إذ مشكلة تلوث البيئة مثلاً بدأت معالجتها باعتبار الآثار التي تتركها على الإنسان، ثم حدث تجاوز هذه النظرة في ضوء إدراك الوحدة الحقيقية للمجال الحيوي، فالتلوث ينظر إليه اليوم على أنه يشمل الظواهر المؤثرة على جميع الكائنات الحية.

 

ومن الأمور الأساسية التي حرص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الالتزام بالبيئة، وقد أوصى بها المسلمين، إذ نص أكثر من حديث على أن النظافة من الإيمان، والحق أنَّ إفساد البيئة وتلويثها يبدأ بتلويثها اليسير أو عدم التزام النظافة وإماطة الأذى عنها.

 

ومن الملاحظ أن سور القرآن الكريم حملت عدة أسماء لكائنات حية من حيوان وشجر، (سورة البقرة وسورة التين)، ومن الجماد (سورة الحديد) ، ومن الأفلاك (سورة الشمس) ، ومن الظواهر الطبيعية (سورة الرعد) ، وغير ذلك مما يحفل به القرآن الكريم. وفي إشارة إلى حقيقة مهمة هي أن الإنسان مخلوق يشترك مع البيئة الطبيعية ذاتها، ومع كل المخلوقات، في خضوعه للسنن الكونية الإلهية.

 

وتجدر الإشارة إلى حقيقة مهمة أخرى هي أن القرآن الكريم ليس موسوعة في العلوم الطبيعية أو دائرة معارف متخصصة، ولكنه كتاب هداية وإرشاد ودعوة ونصيحة وأمثال وقصص وحكم وأوامر ونواهي وهو في الأساس معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله النبيِّ الأميِّ.

 

9) المنظور الإسلامي لمشكلات البيئة:

لقد خلق الله الإنسان من الأرض ثم استعمره فيها، قال تعالى: ﴿ هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ﴾ (سورة هود، الآية:61). وفي حين يشارك الإنسان على هذه الأرض مخلوقات وكائنات أخرى من حيوانات ونباتات وغيرها، إلا أن الله سبحانه وتعالى فضَّله على سائر المخلوقات، وسخرها لخدمته ومكنه من الانتفاع بها، قال تعالى: ﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ﴾ (سورة الإسراء، الآية:70). وحتى يتمكن الإنسان من الانتفاع بهذه المخلوقات، فقد أوجدها الله علي هيئة من التوازن، بحيث لا يطغى بعضها على بعض، الأمر الذي قد يحول بين الإنسان والانتفاع بها، أو قد يحيل بعضها إلى مصادر ضرر عليه، قال تعالى: ﴿ وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ﴾ (سورة الحجر، الآية:19).

 

ولذا، فإنّه مق-يّدٌ بمراعاة الاعتدال، وتجنب الإسراف والبطر والتجبر وكل ما من شأنه الإخلال بالتوازن البيئي، قال تعالى: ﴿ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ﴾ (سورة الفرقان، الآية:67).

 

إن أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها غائية بالإجماع بمعنى: أنها شرعت وسائل تستهدف غايات معينة هي مصالح المكلفين. ومن المتفق عليه بين جمهور علماء المسلمين أن الله سبحانه ما شرع حكماً إلا لمصلحة عباده. وأن هذه المصلحة إما جلب نفع لهم أو دفع ضرر عنهم. وقد اتفق علماء الأصول على أن تكاليف الشريعة ترجع إلي حفظ مقاصدها وهي خمس من حيث التقسيم: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، ويتم تحققها على مراتب ومستويات ثلاثة هي: الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات.

 

ومن ثمّ، فإن الشريعة الإسلامية لا تتضمن ما يتعارض مع الطروحات الإسلامية لمفهوم التنمية والبيئة، وهو المفهوم الذي يتطلب ترشيد استخدام الموارد وتجنب الإضرار بالآخرين، ومراعاة مصالح أبناء هذا الجيل والأجيال القادمة، والاعتراف بأن الإنسان مستخلف على هذه الأرض وأن حقه في الانتفاع بمواردها مق-يّد بمسئوليته إزاء الاستخدام الرشيد لهذه الموارد.

 

ومن المستحسن هنا أن نذكر بعض الحقائق المهمة في الموضوع:

1) أن الشريعة الإسلامية ومن خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وضعت تصوراً شاملاً للبيئة شمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد والماء والهواء. وجعل الإنسان مكرماً على سائر المخلوقات، وسخرت له، انطلاقاً من قاعدة الاستخلاف.

 

2) لقد أرْسَتِ الشريعة الإسلامية مبدأ سَدِّ الذرائع إلي الفساد أيّاً كان نوعها، تقييداً للتعامل مع البيئة، بما يدرأ عنها المفسدة إبان التصرف السيئ في المباحات أو الحقوق فضلاً عن المجاوزة والعدوان، وهو مبدأ عظيم الأثر في توثيق مصالح الأمة مادياً ومعنوياً، بما يشمل موارد البيئة الطبيعية، فيندرج في مضمون هذا مفهوم الحفاظ على البيئة.

 

3) أن الفقه الإسلامي نظّم وأصّل عقوداً مهمة تتصل باستثمار الأرض مثل: عقد السَّلم، والمزارعة والمساقاة، وإحياء الأرض، وإحياء الموات، مما يُعدُّ دليلاً بيناً على أن الإسلام قد أولى عنايته لهذا المورد الطبيعي ليجعل من الأرض جنة الدنيا، زراعة وغرساً وعمارة.

 

4) أن مفهوم الحماية في أصول الفقه واسع جداً، يشمل الإقامة أو الإيجاد للمورد، إن لم يكن قائماً، وتثبيت قواعده، أو استثماره بأنجع السبل ليؤدي منافعه، كما يشمل التنمية، والتي من مفهومها التطوير إلى أفضل، فضلاً عن شمولها للحفظ الذي يعني الإمداد بما يضمن استمرار القيام، ويدرأ أسباب النقص في الإنتاج، نتيجة لفساد الموارد.

 

5) الالتزام بنظافة البيئة من الأمور الأساسية التي حرص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصى بها المسلمين، إذ نص أكثر من حديث على أنَّ النظافة من الإيمان. والحق أن إفساد البيئة وتلويثها المفني لها، إنما يبدأ بتلويثها اليسير أو عدم التزام النظافة وإماطة الأذى عن البيئة.

 

6) أكدت الشريعة الإسلامية في حديثها عن البيئة حقيقة الترابط القوي والفعال بين مكوناتها، فالهواء يحمل الماء، والماء ينزل على الأرض، فيخرج النبات، الذي يتغذى عليه الإنسان والحيوان.

وهذه الحقيقة تحتم عند اتخاذ إجراءات معينه لحماية البيئة، مراعاة أن تنصب هذه الحماية على جميع مكوناتها.

 

7) حماية البيئة في الشريعة الإسلامية أمانة ومسؤولية يتطلبها الإيمان وتقضيها عقيدة الاستخلاف في الأرض، وإذا كان من ثمرات الإيمان الصادق وآثاره الإخبات لله تعالى وإخلاص العبادة له، فإن من ثمراته أيضاً القيام بالتكاليف الشرعية كما أمر الله تعالى، ورعاية البيئة، والمحافظة عليها كما خلقها الله، رحمة بالمخلوقات.

 

10) مستقبلنا المشترك:

من المفيد أن نورد بعض المشكلات البيئية في المجتمع المعاصر التي تناولها الباحثون، مثل: التلوث، واستنزاف الموارد، والإخلال بالتوازن الطبيعي للأنظمة البيئية، فهناك وجهات نظر مختلفة تناولت هذه المشكلات، ومن ذلك:

أولاً: وجهة نظر الأمم المتحدة ضمن برنامجها للبيئة حيث ينظر برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى المشكلات البيئية في إطار أربع زوايا هي: الآثار المادية المتضمنة لإتلاف الموارد والتلوث البيولوجي، والتلوث الكيميائي، وإخلال التوازن البيئي.

 

ثانياً: النطاق الجغرافي: حيث ينظر إلى المشكلات البيئية في حدودها المحلية والإقليمية والعالمية.

 

ثالثاً: النطاق الزمني: حيث يقسم آثار أنشطة الإنسان على البيئة إلى آثار تظهر فوراً وأخرى تستغرق وقتاً قبل أن تظهر دلالتها الحقيقية، وبعض الآثار تقع في نطاق بين الفئتين السابقتين.

 

رابعاً: النطاق الاجتماعي والاقتصادي: ومنه تظهر قضايا البيئة بمظهر مختلف في البلدان النامية، عنه في البلدان الصناعية، بالرغم من أن هذا لا يلغي البعد العالمي المميز لمشكلات البيئة.

 

ومن ثمَّ، تبدو المشكلات البيئية أنها ذات طابع معقد، بَيْدَ أن من سماتها الأساسية بسطاتها الجوهرية، وهي في النهاية مشكلات رفاهية الإنسان. ومن ثم ينبغي أن يكون هدف كل فكر مستقبلي أو نظرة مستقبلية، حماية هذه الرفاهية وتحسينها. فهل هذا هو فكر وتصورات الحركات المستقبلية التي تنتشر اليوم في أجزاء مختلفة من العالم.

 

وعليه، ينقسم علماء المستقبل بين "متخوفٍ" على مستقبل الجنس البشري نتيجة التزايد المتنامي للمشكلات البيئية، وبين "آمل" بقدرة الإنسان على الحد من تفاقم مشكلات البيئة وربما التغلب عليها مما يتيح للأجيال القادمة مستقبلاً مريحاً. إنه، ومع تنامي أجراس الخطر والضغط الشعبي لأنصار البيئة وظهور الحصار المرير من تصحر وذوبان الغابات والتلوث والثقب الأوزوني، وجدت هيئة الأمم المتحدة نفسها في حاجة لتشكيل لجنة عالمية للبيئة، وقدمت هذه اللجنة تقريرها الواقعي الشامل، المدعوم بالحقائق والإحصاءات المذهلة، مشيرة للتقصير المريع في إيقاف الكارثة، ومقترحة بالتالي بعض الخطوط العامة للحل، مهتمة بالطرق التي تؤتي ثمارها على المدى البعيد وأهمها: إشاعة مفهوم التنمية المستديمة، الذي ينظر لبقاء واستمرار دورة الطبيعة، وتجددها عبر قانونها: التوازن. وذلك من خلال تقرير "مستقبلنا المشترك" ويسمى تقرير برونتلاند، نسبة إلى رئيس اللجنة العالمية للبيئة والتنمية، غروهارليم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج، المكلفة من الأمم المتحدة، وفريقها البحثي، لدراسة تأثير السياسة التصنيعية والاقتصادية لدول العالم في الموارد الطبيعية التي يمكن اعتبارها ملكاً، تهدره الأجيال الحالية كما تشاء، فكان هذا التقرير.

 

وقد تشعب التقرير في نواح شاسعة من الأفكار ليكون على مستوى الحل الواسع والأبعاد، ومؤكداً أهمية الحل القائم على تطوير الإنسان نفسه، داعياً لعلاقة جديدة مع البيئة كشرط أساسي للإنقاذ. ويساعد على نجاح تيار التنمية المستديمة التربية على كل الأصعدة، وتجديد روح العمل في المؤسسات لتكون على مستوى هذا الأمل الكبير الذي يفكر بالغذاء والطاقة والماء والمرافق والتقدم دون المساس بنظافة الطبيعة.

 

ويعترف التقرير في أكثر من مكان بالصعوبات التي تعترض التنمية المتجددة ومنها: تكاثر السكان، والجوع، والديون، وعدم المبالاة، ولكنه يقترح بالتوازي بعض الأمور التي تربط المعونات واستمرار التقدم بمدى الفاعلية البيئية المقللة للتلوث، ويؤكد على أهمية التفكير بالغذاء كإجراء حاسم.

 

ويؤكد التقرير مراراً على أهمية جعل البيئة من الهموم المشتركة العالمية، فيقترح الإدارة الجماعية لأهم مكونات الحياة العامة، ومنها البحار والمحيطات. ويدعو التقرير إلى تطوير الاتفاقيات التي تحافظ على النظافة، والتخلص من النفايات الخطرة، كما يدعو لتحسين المصايد واستغلالها العلمي الواعي.

 

الجهود المشتركة، إذن، على كل الأصعدة العامة والخاصة، كفيلة بتأمين التنمية المستديمة، ولن يكون ذلك إلا في إشاعة السلم والأمن العام للإنسانية جمعاء. تقول غروهارليم برونتلاند: "وبعد عقد ونصف من التدهور في التعاون العالمي، أعتقد أن الوقت قد حان لتوقعات أسمى ولأهداف مشتركة نسعى لها، يداً واحدة، ولإرادة سياسية متعاظمة، تتوجه نحو مستقبلنا المشترك..".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التوافق بين الإنسان والبيئة
  • صراع الإنسان مع البيئة
  • الجوانب الاقتصادية لمشكلات البيئة
  • مصير الإنسان والبيئة؟!
  • اقتصاد البيئة
  • البيئة والتنمية : تكامل أم تصادم!!
  • تلوث البيئة (قصيدة)
  • حماية البيئة ليس من تخصصنا وجهة الاختصاص مجهولة إلى الآن
  • مكونات البيئة
  • الإنسان في العالم القديم ( عند اليونان )
  • التهيئة الترابية والتعمير
  • البيئة من منظور إسلامي
  • العلاقة الجدلية بين التربية والتنمية وإشكالية العائق
  • التنمية الذاتية

مختارات من الشبكة

  • ظلم الإنسان لأخيه الإنسان(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تفسير: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أنت أيها الإنسان؟ (2) بداية خلق الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين روسيا بانتهاك حقوق الإنسان في الشيشان(مقالة - المترجمات)
  • الإنسان ذئب الإنسان خصوصًا في هذا الزمان...(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • ما جاء في بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ولكم في السابقين سوابق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما يفعل الإنسان بالإنسان؟ (بطاقة أدبية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أصل الإنسان ونظرية الصدفة في فكر علي عزت بيجوفيتش(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
2- الاهتمام بالبيئة عنوان التنمية
التجانى احمد اويقى حسن - السودان 22-03-2016 03:41 PM

الالأرض أساس النمو الاقتصادي

1- البيئة
حازم السعيدي - العراق 07-12-2012 10:43 PM

العامل الأساسي لبناء المجتمعات هو المحافظة والسيطرة على البيئة بشكل منتظم ومنسق ومبرمج

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب